• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : انهما لا تكسفان لأحد. الخسوف والكسوف عند الأمم. .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

انهما لا تكسفان لأحد. الخسوف والكسوف عند الأمم.

 في سورة القيامة قال تعالى : (فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر).(1) إذن الخسوف والكسوف علامة كبرى من علامات يوم القيامة، وقد اجمع المفسرون على ذلك. وكان التوضيح العلمي لقوله تعالى : (وجمع الشمس والقمر). هو وضع الاجتماع والذي يحدث بسببه كسوف الشمس وخسوف القمر.أن الشمس والقمر والأرض إذا اجتمعا بوضعية معينة تظلم الشمس ويُطمس نور القمر كما يتبين للرائي من الأرض.

ارتبطت مسألة الكسوف والخسوف بالإنسان منذ القدم حتى الأمم الوثنية كانت تجري طقوس خاصة لهاتين الظاهرتين ، وما نراه من تعظيم لهاتين الظاهرتين ناشيء عن حسٍ ديني اقتبسته الحضارات من الدين وجعلته ضمن طقوسها لا بل أن بعض الأباطرة والقياصرة والفراعنة استغلوا هذه الظاهرة لاخافة الناس حيث ان كهنتهم كانوا في بابل ومصر والصين وغيرهما كانوا من العارفين بالظواهر الفلكية فكانوا يعرفون موعد كسوف الشمس فيستغلوا ذلك لإخافة الناس والايحاء لهم بأن الشمس تُطيعهم وهم قادرون على حجبها عنهم.

عالميا فلا نكاد نرى أمة من الأمم أو حضارة إلا ولها طقوسها ومراسيمها ــ بشكلٍ أو بآخر ــ التي تُقيمها في هذه المناسبة ولا تجد سجل تواريخ للأمم إلا وفيه ذكر لهذا الظاهرة الكونية واستمر ذلك إلى أيامنا هذه حيث يتم الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة لدراسة ظاهرتين الكسوف والخسوف حيث تقوم جامعات ومعاهد عليا بارتقاء الجبال العالية لتصوير الكسوف والاهتمام بهذه الظاهر بشكل لافت حيث تنشغل كل قنوات التواصل الخبرية في نقله وتصويره ، وهذا ناشيء من ترسبات وتراكمات عقدية موغلة في القدم.

دينيا فإن اقدم نص يصوّر لنا ظاهرة الكسوف بأنها من العلامات المخوفة التي تحمل أنباء سيئة للإنسان ما جاء في سفر أيوب حيث يقول : (ليكن ذلك اليوم ظلامًا••• وظل الموت لترعبه كاسفات النهار ألبس السموات ظلامًا لا يعتن به الله من فوق، ولا يشرق عليه نهار. لترعبه كاسفات ظلمات النهار).(2) يقول التفسير : (كسفت الشمس كسوفًا: احتجبت وذهب ضوءها• والنص بمعنى : لتنكسِف شمسه ويصبح ظلامًا).(3)

من خلال نص مناجات النبي أيوب عليه السلام نفهم أن الكسوف من الله بسبب القوانين الكونية التي وضعها فجعل الكسوف والخسوف علامات تُنبّه الإنسان من غفلته عن هاتين الايتين الشمس والقمر وانه لولاهما لما كان لحياته أي معنى لان الحياة في الظلام الدامس مخوفة مرعبة وهي اكبر حافز على التخيلات والتصورات النفسية التي تُصيب الإنسان نتيجة الظلام . ولذلك نراه يقول : (ألبس السماوات ظلاما). اي في ظاهرة غير معهودة للبشر.

أن سبب خوف الإنسان من ظاهرتي الكسوف والخسوف ناشيء من كونهما علامتين من علامات الأمان لأهل الأرض فإذا حصل لهما شيء فهي بسبب القوانين التي وضعها الله لمسيرتهما ووحسب تصورات الإنسان فإن ذلك علامة من علامات العذاب يجب دفعها عن طريق التضرع إلى خالقهما بأن لا يجعل هذه العلامة هي الخاتمة لوجوده على الأرض ومن هنا فإن الإنسان كلما حصلت هذه الظاهرة يتخوف ان تكون علامة على النهاية الكونية حيث انبأتنا الكتب السماوية بأن من علامات انقضاء الحقبة الأرضية هو تحول الشمس إلى ظلمة كما نقرأ (تتحول الشمس إلى ظلمة، والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف).(4)

وفي إنجيل لوقا هناك وصفٌ مرعب يُصاحب كسوف الشمس نهارا وخسوف القمر ليلا فيقول : (ويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام! لأنه يكون ضيق عظيم على الأرض .وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم، وعلى الأرض كرب الأمم في حيرة. البحر والأمواج تضج، والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة، لأن قوات السماوات تتزعزع).(5)

وكما اجمعت كتب الديانات السابقة على أن هذه الظاهرة هي تخويف وتنبيه للناس من غفلتهم فإن المسلمين أيضا اجمعوا على أن ظاهرتي الخسوف والكسوف تخويف من الله لعباده وتذكير لهم بيوم القيامة الذي يخسف فيه القمر وتكوّر فيه الشمس والقمر هما دالتان على وحدانية الله وعظيم قدرته وعلى تخويف العباد من بأس الله وسطوته. كما قال تعالى : (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا).(6)

فكما في الكتب السابقة من أن الخسوف علامة على قيام الساعة فإن الروايات الإسلامية تدل على ذلك أيضا ، وقد خسفت الشمس في زمن النبي (ص) فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود لم يفعله في صلاة قط ، ثم قال: إن هذه الآيات التي يرسل الله لاتكون لموت أحد ولالحياته ، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده ، فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره. (7)

من هنا نرى كافة الأمم والأديان وحتى العلم يهتم بهذه الظاهرة وتجري طقوس خاصة لها في الكنائس والبيّع والمساجد وتهتم منظمات الأرصاد الجوية بها اهتماما بالغا. وهناك شعائر وطقوس تجري في الكنائس كما تقول دائرة الكتاب المقدس الحديثة (تذكار كسوف الشمس سنكسار يوم 9 بابة، شهر بابه، الشهر القبطي.وفيه تجري صلاته ودعاء يقولون فيه: تكون معنا ولربنا المجد ابديا امين..).

ولعل ابرز احتفال يجري عند الكسوف هو احتفال القديس ديونيسيوس الأريوباغي اشهر قديس دوّن تاريخ حوادث كسوف الشمس واعتبره دليلا على الإيمان بالله وذكر فيه طقوس خاصة لدفع بلاء ما يحصل بسببهما.والمسلمون لهم أيضا شعائرهم في هذا اليوم حيث تجري صلاة الآيات بأتفاق جميع المذاهب.

المصادر : 
1- سورة القيامة آية: 7 .وقوله تعالى : برق البصر ، اي جزع وخاف نظرا لغياب نور الشمس الغير معهود. قال الزجاج : برق بصره بكسر الراء يبرق برقا إذا تحير ودُهش.والكسوف والخسوف بما انهما يتعلقان بيوم القيامة كآية من آيات الله الكبرى فإن الله يضرب لنا بخسوفهما في الدنيا بين فترة وأخرى المثل لكي لا ننسى ذلك اليوم لأن الشمس والقمر لا يجتمعان في الدنيا ولذلك لقوله تعالى في سورة يس آية 40 : (لاالشمس ينبغي لها أن تدرك القمر).ولكن الله يجمعهما قبل يوم القيامة فإذا اجتمعا فإلى أين المفر. 
2- سفر أيوب الاصحاح 3:4و5 . و : سفر إشعيا 50 :3.
3- القس انطونيوس فكري تفسير سفر أيوب الرابع يقول. ليكن ذلك اليوم ظلامًا. أي : ليحرم الناس من بركة الشمس والقمر وأي مصدر للنور أن اليوم يصير ظلامًا بسبب كسوف الشمس.
4- سفر يوئيل 2: 31
5- إنجيل لوقا 21: 25.
6- سورة الإسراء : 59.
7- صحيح البخاري 982. ومثله احاديث كثيرة في كتب الشيعة.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=135766
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 07 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19