• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحَيادُ الإِيجابي..المَعنى والشُّروط .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

الحَيادُ الإِيجابي..المَعنى والشُّروط

   ١/ وهي السِّياسة التي بدأَت تنتهجها بغداد منذُ عهد رئيس الحكومة السَّابق الدُّكتور حيدر العبادي، والذي حقَّق فيها نجاحاتٍ ملموسةٍ لا يُمكنُ لمُنصفٍ أَن ينكرها أَو يتجاوزها.
   وتواصل الْيَوْم حكومة السيِّد عبد المهدي إِنتهاجها والتي حقَّق كذلك في ظلِّها نجاحات ملموسةٍ لحدِّ الآن.
   ٢/ ومُصطلح الحياد الإِيجابي، الذي وردَ رُبما لأَوَّل مرَّة في العصرِ الحديث في مقالٍ للكاتب المصري محمَّد حسنَين هَيكل في عمودهِ اليومي بجريدة الأَهرام [بصراحة] بتاريخ [٢١ نوفمبر ١٩٥٧] يعني على وجه التَّحديد، على أَنَّهُ وسيلةٌ عمليَّةٌ أَو أَداةٌ من أَدواتِ حماية المصالح الوطنيَّة العُليا في خضمِّ الصِّراعات والأَزمات.
   ٣/ أَمَّا شروطهُ فأَهمَّها ثلاثةٌ؛
   أ/ سيادة الدَّولة، وتعني سيطرتها التامَّة على الحدود وتصرُّفها المُطلق بمصادرِ الدَّخل القومي كالبترول والگمارگ، البريَّة منها والبحريَّة والجويَّة، والخطاب السِّياسي المُلتزم والموحَّد وغَير المُتشرذِم، وأَخيراً الأَمن كجهازٍ ومنظومةٍ وكسلاحٍ.
   ب/ الإِكتفاء الذَّاتي، سواءً على صعيدِ الزِّراعة والثَّروة البحريَّة والحيوانيَّة، وبما يحقِّق التَّوازن التجاري، أَو على صعيد الصِّناعة التسليحيَّةِ منها والحيوانيَّة وغيرِها.
   ج/ قوَّة النِّظام السِّياسي واستقراره.
   ٤/ إِنَّ سيطرة الدَّولة على كلِّ ذَلِكَ يُساعدها في الإِلتزام بالحياد الإِيجابي لأَنَّ ذَلِكَ يُمكِّنها من التَّفاوض بشَكلٍ سليمٍ ومرنٍ وكذلك يُساعدها في الضَّغط والإِبتزاز عند الضَّرورة وكلُّ ذَلِكَ من أَجل امتلاكِ القُدرة على المُناورة لحمايةِ المصالحِ العُليا للبلادِ وأَمنِها القومي.
   ٥/ إذا تساءلنا الآن، هل أَنَّ بغداد تمتلك كلَّ هَذِهِ الأَدوات بيدِها لتُعمِّق وتستمر في هَذِهِ السِّياسة مع تعمُّق الأَزمة في المنطقةِ؟! هل أَنَّها قادرةٌ على تقديمِ وتأخيرِ ووضعِ ما تراهُ مُناسباً فَوْقَ الطَّاولة وتُخفي ما لا تراهُ مُناسباً تحت الطَّاولة مَعَ الجهة الخارجيَّة التي تختارها وفي الوقتِ المُناسب الذي تختارهُ؟!.
   بالتَّأكيد لا، ولا أُريدُ هُنا أَن أُسهبَ بالشَّرح والتَّفصيل، وإِنَّما أُشير إِلى بعضِها بشَكلٍ سريعٍ؛
   أ/ بغداد لا تُسيطر على ثُلث الحدُود التي تُسيطر عليها حكومة إِقليم كُردستان، كما أَنَّ البترول ليسَ تحتَ سيطرتِها بالكامل فضلاً عن عدم سيطرتها على السِّلاح الذي لازالَ يُهدِّد سياساتها الداخليَّة والخارجيَّة.
   ب/ النِّظام السِّياسي هشّاً وغَير مُستقر بسببِ الفساد والفشل من جهةٍ وبسبب المُحاصصة المقيتة التي شلَّت قُدرتها على الإِنجاز بشَكلٍ كبيرٍ، من جهةٍ ثانيةٍ، فضلاً عن أَنَّها [المُحاصصة] أَخضعتها بشَكلٍ مُستمرٍّ للإِبتزاز السِّياسي الذَّاتي، إِن صحَّ التَّعبير.
   ج/ كما أَنَّ غَياب المُعارضة الحقيقيَّة تحت قُبَّة البرلمان، المُعارضة الفاعِلة وليست الصوريَّة، شلَّ قُدرة البرلمان على المُراقبة والمُحاسبة والمُساءلة! ما حوَّل النِّظام السِّياسي إِلى ما يشبه الحالة الزئبقيَّة لا يقدر الرَّأي العام على الإِمساك بهِ والحصول مِنْهُ على حقٍّ أَو باطل!.
   د/ كما أَنَّ تنامي [الدُّول العميقة] في البلاد ضيَّع الأَدوات والوسائل من يدِ الدَّولة.
   وإِذا كانت في البلادِ دولةً عميقةً واحدةً فإِنَّ فيها اليوم ما لا يقلُّ عن [٣] دُول عميقة.
   ٦/ العراق بعد ٢٠٠٣ أَصبح بين مِطرقة [إِتِّفاقيَّة الإِطار الإِستراتيجيَّة] التي وقَّعها مع واشنطن، وسِندان العلاقة التاريخيَّة، الدينيَّة والمذهبيَّة والحوزويَّة والثقافيَّة وغيرها، وتشابُك المصالح الجغرافيَّة والسياسيَّة والإِقتصاديَّة والماليَّة وغيرها مع جارتهِ الجمهوريَّة الإِسلاميَّة في إِيران!.
   ولذلكَ فإِنَّ مساعي بغداد لتبنِّي سياسة الحَياد الإِيجابي معقَّدة جدّاً وغَير مُستقرَّة لأَنَّ سياساتهِ محكُومة وليست حاكِمة.
   فبالنِّسبة إِلى إِتفاقيَّة الإِطار الإِستراتيجيَّة، فهي لا تسمح لبغداد أَن تفكِّر، فضلاً عن أَن تبحث، عن خياراتٍ [دوليَّة] أُخرى، فيما تحدِّد علاقتهِ بالجارة الشَّرقيَّة التي تمدَّد نفوذها في العراق بشَكلٍ واسعٍ جدّاً منذُ التَّغيير عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن، من خياراتهِ في إِمساك العصا من الوَسط، خاصَّةً وأَنَّ الصِّراع الأَميركي الإِيراني يجري بمَعاني وشِعارات إِستراتيجيَّة مثل مفهوم الصِّراع الحَضاري والصِّراع بين المُستكبرين والمُستضعفين وصراع مِحورَين أَحدهُما [مِحور المُقاومة] وغَير ذلك، وهو الأَمر الذي لا يُمكن لبغداد أَن تتجاوزهُ كونهُ واقعٌ ثقافيٌّ إِجتماعيٌّ شامل أَكثر من كونهِ واقعٌ سياسيٌّ مَحدود.
   ٧/ هنا يلزم الإِشارة إِلى أَنَّ جانبٍ مُهمٍّ من الأَزمة الحاليَّة في المنطقة طرفاها طهران والرِّياض، وهذا ما يعقِّد سياسة الحَياد الإِيجابي على بغداد، فليسَ من المعقول أَبداً أَن تُفكِّر الأَخيرة في أَن تُدير ظهرها إِلى طهران التي وقفت معها في أَحلك الظُّروف لصالحِ الرِّياض التي بذلت كلَّ ما في وِسعها لتدمير التَّجربة السياسيَّة الجديدة التي سعى العراقيُّون لتحقيقِها بعد التَّغيير وإِسقاط نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين!.
   طهران التي اعترفت بكلِّ مرحلةٍ من مراحلِ العمليَّة السياسيَّة الجديدة بِدءاً من [مجلس الحُكم] والرِّياض التي لم تكتفِ بعدمِ الإِعترافِ بشيءٍ وإِنَّما وظَّفت الصِّراع الطَّائفي بأَسوء أَشكالهِ لتدميرِ كلِّ شَيْءٍ!.
   ٨/ ومن الواضح جدّاً فإِنَّ كِلا الطَّرفَين، الرِّياض وطهران، تسعيان لإِستمالةِ بغداد إِلى جانبِها في هَذِهِ الأَزمة العويصة، وهُما لا يقبلان أَن تقف بغداد على التلِّ كما لا تقبلانِ أَن توظِّف بغداد علاقتها مع أَيٍّ منهُما من دونِ موقفٍ مُساندٍ وداعمٍ لسياسةِ أَيٍّ منهُما!.
   ولقد رأَينا كيفَ اندفعت الرِّياض في بادئِ الأَمر باتِّجاه بغداد، وبإِيعازٍ من واشنطن، لإِبعادِها عن طهران، ولما فشلت في ذَلِكَ فشلاً ذريعاً، ولقد اتَّضحَ هذا الفشل في كلمةِ السيِّد رئيس الجمهوريَّة الدكتور برهم صالح في [قِمَّة مكَّة] الإِستثنائيَّة، خفَّفت من هذا الإِندفاع ورُبما بدأَت بالعدِّ العكسي، كما تُحدِّثنا عن ذَلِكَ بعضِ المُؤَشِّرات، للأِضرارِ بالعراقِ كعقوبةٍ لعدمِ إِنحيازهِ لصالحِها في هَذِهِ الأَزمة! أَو على الأَقلِّ لعدمِ تخفيفِها العلاقةِ مع طهران!. 

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=135278
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 06 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16