• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : القوقاز صراع براميل النفط .
                          • الكاتب : عبد الكريم صالح المحسن .

القوقاز صراع براميل النفط

القوقاز  The Caucasusكما تورد دائرة المعارف البريطانيه هي تسميه لاتينيه مشتقه من" قاوقازوسKaukasus  " التي وردت في كتابات المؤرخين والجغرافيين الاغريق القدامى أمثال المؤرخ الاغريقي "هيرودتسHerodotus "والفيلسوف والمؤرخ والجغرافي اليوناني "سترابو او سترابونStrabo or Strabon "وتنتمي التسميه الروسيه " قفقاسKavkas  "الى الاصل نفسه  ويعتقد ان التسميه من اصل" قاز قاز Kaz Kaz"هي التسميه التي كان الحيثيون يطلقونها على سكان الساحل الجنوبي من البحر الاسود ،وفي الموسوعه الحره وردت  ان اصل تسمية كلمة قوقاز  يعود الى قوقاز ابن توغارما حفيد ثالث ابناء نوح حسب ماذكره "لينوتي مروفيلي ".
 موقع القوقاز بين البحر الاسود وبحر قزوين جعله نقطة اتصال مابين اوربا ووسط اسيا وقنطره عظيمه تصل بين اسيا واوربا ولهذا فأن المؤرخين يعتبرون القوقاز اهم مراكز التحركات السياسيه والاقتصاديه والهجرات البشريه منذ ظهور الانسان على الارض ،وقد لعبت القوقاز دوراَ بارزاَ في نقل الحضارات بين الشمال والجنوب ،كما ان غنى القوقاز بثرواته الباطنيه وانتاجه الزراعي الذي يفيض عن الحاجه الذي دفع سكان القوقاز للبحث عن اسواق لتصدير منتوجاتهم ،والقوقاز يعتبر اهم مناطق العبور للهجرات القديمه فعند انتهاء العصر الجليدي بدأت الهجرات الاضطراريه من الجنوب الى الشمال في وقت لم تكن فيه الطرق البحريه آمنه ومستخدمه لذلك تمت الهجرات القديمه بين الشرق والغرب عبر القوقاز يضاف الى ذلك ان منطقة القوقاز كانت طريقاَ تجارياَ مابين الهند والصين من جهة واوربا من جهة ثانيه وحتى بعد التوسع في استعمال الطرق البحرية كنتيجه للكشوفات الجغرافيه واستخدام اوربا لطريق رأس الرجاء الصالح في تجارتها مع الهند والصين فان ذلك لم يقلل من اهمية القوقاز ومكانته،وظل الحال هكذا الى ان بدأت الدول الغربيه في البحث عن طرق اخرى فرعيه الى ان اهتدت في القرن الماضي الى شق قناة السويس مما ادى الى تحول الطرق العالميه عن منطقة القوقاز.
كانت القوقاز في التاريخ مكاناَ للصراعات السياسيه والعسكريه والدينيه والثقافيه والعمليات التوسعيه عبر القرون ففي البدايه كانت جزء من ايران وفي بداية القرن التاسع عشر احتلت الامبراطوريه الروسيه المنطقه من "القاجاريون" وهم السلاله الامبراطوريه التي كانت تحكم ايران .
توحدت القوقاز في كيان سياسي واحد مرتين مرة خلال الحرب الاهليه الروسيه لتكون"جمهورية جنوب القوقاز الديمقراطيه"من 9 نيسان /ابريل 1918م حتى 26 آيار/كايو 1918م وتحت الحكم السوفيتي "جمهورية ماوراء القوقاز السوفيتيه الاشتراكيه" من 12آذار/مارس1922م حتى 5 كانون الاول/ديسمبر 1936م .
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي نالت جورجيا وارمينيا واذربيجان استقلالهما في العام 1991م حيث صارت المنطقه بؤرة للصراعات المحليه المختلفه مثل صراع ناجورني قره باغ "1988م-1991م"،حرب ابخازيا "1992م-1993م"،الحرب الشيشانيه الاولى "1994م-1996م"والحرب الشيشانيه الثانيه "1999م-2009م"وحرب اوسيتيا الجنوبيه عام 2008م.
في هذة المنطقة من العالم اندحرت جيوش كبيره وقويه، مثل جيوش نابليون بونابرت، وجيوش الفوهرر هتلر العاتيه، والتي كانت القوقاز الحلم الذي طالما حلم به هتلر، ليضمن الوقود للجيش الالماني الذي يشكو من قلة الوقود. واندحرت المانيا النازية حيث ظهرت للوجود قوتان كبيرتان لتصبح بيدهما موازين العالم، وهما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الامريكية. اذن نتائج الصراع في القوقاز ، هل هو مؤشر واضح على ترتيب القوى العالميه وميزانها الجديد الذي بدأ بالظهور ، ام انها فتنة يراد منها تصفية حسابات ضد روسيا من قبل الولايات المتحدة الامريكية وبدعم من اسرائيل التي اثبتت الوقائع على الارض دعمها وتسليحها الجيش الجورجي بالاسلحة والمعدات العسكرية المتطورة ، وتهيئة عدد من القواعد الجوية هناك لشن عمليات عسكرية في المستقبل ضد عدد من الدول ومنها ايران.
القوقاز إقليم يشمل أرمينيا وأذربيجان وجورجيا وجزءًا صغيرًا من جنوب روسيا. عدد سكانه حوالي 33 مليون نسمة. وتقسم جبال القوقاز، التي تمتد 1,210كم من البحر الأسود إلى بحر قزوين، الإقليم إلى قسمين. وتعرف المنطقة شمال الجبال بالقوقاز الشمالية وتُعرف إلى الجنوب منها بـترانس قوقاز أو (عبر الجبال).
حرب القوقاز التي بدأت من العام 1817م  وانتهت في العام 1864م كانت بسبب غزو القوقاز من قبل الامبراطوريه الروسيه التي انتهت بضم مناطق شمال القوقاز لروسيا تتألف من سلسله من العمليات العسكريه التي شنتها روسيا والتي تسعى الى التوسع جنوباَ ضد المناطق والجماعات القبليه في القوقاز بما في ذلك الشيشان ،داغستان،القراشاي والشركس "الاديغه،ابخازيا والوبخ"  ضمن نطاق الحرب القوقازيه ،الاقاليم الاخرى في القوقاز "جورجيا،ارمينيا،واذربيجان"ادرجت ضمن الامبراطوريه الروسيه في اوقات مختلفه في القرن التاسع عشر نتيجة الحروب الروسيه مع الامبراطوريه العثمانيه وبلاد فارس،وقد طويت صفحة مأساوية في تاريخ الشعوب الأصلية في القوقاز وخاصة الشركس وتم نقل السكان من المسلمين الي الإمبراطورية العثمانية.
أستولى الأتراك والفرس والروس على الإقليم في أوقات متفاوتة قبل عام 1917م. وأصبح الجزء الجنوبي عقب الثورة البلشفية في عام 1917م يُعرف باسم جمهوريات جورجيا وأرمينيا وأذربيجان، ثم أُعيد تنظيمها وعرفت بجمهورية عبر القوقاز الاشتراكية السوفييتية الروسية المتحدة. وأعيد تنظيمها مرة ثانية في كانون الاول/ديسمبر عام 1936م لتصبح ثلاث ولايات منفصلة في إطار الاتحاد السوفييتي (سابقًا).
عانى الإقليم مشاكل كبيرة منذ نهاية ثمانينيات القرن العشرين، ففي العام 1988م ضرب زلزال مدمر أرمينيا وخلف خسائر كبيرة، وبنهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين اندلعت عدة حروب عرقية بالإقليم. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991م، نالت أرمينيا وأذربيجان وجورجيا وروسيا استقلالها. تتمتع منطقة القوقاز بموارد طبيعية غنية كالنفط والمعادن غير الحديدية. يُنتج معظم النفط بالقرب من مدينة" باكو" بأذربيجان.
كان القوقاز ومازال مسرحاَ لصراع القوى الكبرى المحيطه به من كل الجهات من اجل السيطره على هذه المنطقه الغنيه بالموارد الاقتصاديه والموقع الجغرافي الاستراتيجي المهم والخطير في العالم،صراع القوى الكبرى الطامعه بالقوقاز قد تجاوز اليوم مطامع القوى الكبرى المحيطه بالقوقاز مثل روسيا وتركيا وايران ليجر اليه قوى الغرب الاوربيه والامريكيه التي اصبحت مصالحها الاقتصاديه والاستراتيجيه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تشمل منطقه القوقاز، الكاتب الفرنسي "بوريس ايزنبومBoris Eisenbaum "يقول في كتابه المعنون"حروب في اسيا الوسطىGuerres en Asie Centrale " ان ماتشهده منطقة اسيا الوسطى ليس فقط صراعاَ بين الولايات المتحده الامريكيه وروسيا بل انه يتجاوز الرهان النفطي الى اطار اوسع لانه يطرح قضية التوازن السياسي العسكري والاستراتيجي في منطقة تعرف منذ تفكك الاتحاد السوفيتي حالة عدم استقرار مزمنه وازمه اقتصاديه حاده . مقاصد التدخل الأميركي في أفغانستان في هدفين: الأول قصير المدى وهو إسقاط نظام طالبان واستئصال شبكة القاعدة، والثاني، بعيد المدى وهو التموقع الإستراتيجي في قلب المنطقة، مما يمنح أميركا موضعا مركزيا للشروع في استغلال نفط آسيا الوسطى بعد إخراج بلدانها من دائرة نفوذ وضغط روسيا تحديدا، والصين وإيران عموما. ويرى الكاتب أن الوضع الجيوسياسي يشبه في نقاط عديدة التنافس بين روسيا الإمبراطورية وبريطانيا في القرن التاسع عشر من أجل التحكم في نفس المنطقة، حيث أن احتلال روسيا لها أقلق بريطانيا المعنية بحماية مستعمراتها في الهند. ففي عام 1907 م توصلت القوتان إلى حل وسط يتمثل في أن توضع آسيا الوسطى تحت التحكم الروسي، فيما تصبح أفغانستان دولة عازلة بين الهند البريطانية وممتلكات القيصر الجديدة، بينما قسمت إيران إلى منطقتي نفوذ "روسية في الشمال وبريطانية في الجنوب". أما الجغرافيا فتشكل عنصر استمرارية مثيرا للغاية بين اللعبتين، الأولى والجديدة، لأن صراع النفوذ يخص المنطقة ذاتها والتي تضم اليوم خمس جمهوريات مسلمة "كزاخستان، أوزباكستان، قرغيزيا، طاجيكستان، وتركمنستان"، بينما يشكل عدم استقرار روسيا عنصر الاستمرارية الثاني. وقد أرادت بريطانيا ملء الفراغ الناجم عن انهيار الإمبراطورية الروسية لفرض نفسها كقوة مسيطرة في آسيا الوسطى، وبعدها بـ70 سنة سعت لاستغلال الفراغ الناتج عن انهيار الاتحاد السوفياتي للغرض نفسه. وحتى وإن كانت اللعبة الجديدة وريثة للأولى فإنها "لعبة كبرى جديدة" صقلتها التحولات التي عرفها العالم عموما وآسيا الوسطى خصوصاً. لقد شهدت اللعبة الأولى مواجهة بين روسيا وبريطانيا، وتهميشا للصين وإيران، أما اللعبة الجديدة فتشمل أربع فاعلين: روسيا، الولايات المتحدة، الصين وإيران، وبدرجة أقل تركيا وباكستان، وبالتالي فهي أعقد من الأولى من حيث عدد اللاعبين والعلاقات القائمة بينهم في عالم معولم. وقد أبدت أميركا حذرا في تعاملها مع المنطقة، فهي لم تكن راغبة في عرقلة عملية التحول الديمقراطي في روسيا، ولا في استخلافها كقوة مسيطرة في آسيا الوسطى، ولا في رؤية إيران والصين تثبتان أقدامهما في المنطقة، لذا شجعت تركيا للتموقع فيها، وما كان يهم أميركا "1991م-1993م" هو منع الانتشار النووي وتفكيك ترسانة كزاخستان النووية.
وتعد الحرب الاخيره التي شنتها جورجيا على اوسيتيا الجنوبيه في آب/اغسطس من العام 2008م وتداعياتها في ابخازيا احداث مرحلة من مراحل الصراع حول القوقاز واخر افرازات النزاعات التاريخيه الموروثه من الواقع القوقازي المحلي وصراع القوى الكبرى الحديثه على حكم العالم.
من هنا فإن تفجر النزاعات القومية والدينية خاصة في منطقة القوقاز إنما أرادت منه أمريكا خلق المناخ الملائم للتغلغل والتدخل بتلك المنطقة لتنفيذ مشاريع الهيمنة التي تسعى لتحقيقها ، فقد تمكنت من استقطاب العديد من دول المنطقة للسير في تبعيتها ، كأذربيجان التي أُوقعت في فخ الارتماء بأحضان الولايات المتحدة عن طريق تفجر النزاع مع أرمينيا على إقليم ( ناجور نوكارباخ ) ، وقيام إيران بدعم أرمينيا مما دفع أذربيجان لتقرر موقفها من التحالفات الدولية ، فتوجهت نحو أمريكا وتركيا ، وحازت الشركات الأمريكيـة على الحظ الأوفر من الاستثمارات في أذربيجان ، كما عرضت على أمريكا نقل قاعدة ( أنجرليك ) الجوية لأراضيها ، وكذلك الحال مع جورجيا حيث كان النزاع العرقي في ابخازيا وانتصار الحركة العرقية الأبخازية الانفصالية مسوغاً لـ ( تبيليس ) لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة ، وقد جرت مناورات عسكــــرية ( جورجية ـ أطلسية وأمريكية في البحر الأسود ) ، كما حصل تقارب جورجي تركي تمهيداً لإدخال جورجيا في مشاريع أنابيب النفط القادمة من بحر قزوين مروراً بأراضيها إلى البحر الأسود ثم إلى موانئ تركيا ومنها إلى الغرب فالحرب الدائرة في منطقة القوقاز تهدف لقطع شرايين الحياة عن روسيا لإخضاعها للإرادة الأمريكية كما تهدف لجعل الولايات المتحدة تتحكم في حقول النفط لتلك المنطقة وكمياته وأسعاره وإمداداته . غير أن حرب داغستان ليست مضمونة النتائج كما حصل في الشيشان ، ذلك لأن التركيبة الجغرافية والديموغرافية لداغستان تختلف عنها في الشيشان ، فداغستان خليط من زهاء ثلاثين قومية من ناحية ديموغرافية ، وتتكون من مناطق جبلية في الغرب بمحاذاة الشيشان ومنبسطة في الشرق على ساحل بحر قزوين .
لقد شارف الجزء الاول من الصراعات القوقازيه الى نهايتها فقد نجحت جمهوريات القوقاز الثلاث في الحصول على اعتراف دولي بها كدول ذات سياده واصبحت اعضاء في الامم المتحده واصبحت اربع جمهوريات تتمتع بحكم ذاتي وهناك عدد كبير من العناصر التي يمكنها ان تشجع استقراراَ طويل الامد في المنطقه.
بعد توقيع عدد من عقود النفط المهمه بين شركات نفط غربيه بشكل اساسي من جهه واذربيجان وكازاخستان وتركمانستان من جهه اخرى،ازداد الاهتمام الدولي بالقوقاز والمخاطره هنا هي ان السياسيين والدبلوماسيين يمكن ان يكونوا عاى درايه ومعرفه بمنطقة القوقاز المعقده من خلال منظور ضيق وهو اتفاقيات النفط وخطوط الانابيب والمنافع الاقتصاديه وعدم معالجة القضايا الرئيسيه من اجل ايجاد اجابه على القضايا الامنيه في المنطقه.
وهنا سوف ناخذ اذربيجان مثالاَ عن تلك الصراعات وحالة عدم الاستقرار والمصالح النفطيه لكي نؤشر لمايجري في باقي دول القوقاز من تحولات وتغيرات وصراعات تاريخيه مستمره ومزمنه ،جمهورية اذربيجان تقع في مفترق الطرق بين اسيا واوربا وبالتحديد في المنطقه التي يطلق عليها "هارتلاند"والتي تعني "قلب الارض"بحدها بحر قزوين الى الشرق وروسيا من الشمال وجورجيا الى الشمال الغربي وامرينيا الى الغرب وارمينيا وايران في الجنوب ويعتقد ان اصل تسميتها يعود الى اللغه الفارسيه والتي تعني "ارض النار"وربما يشير هذا الى اشارتين اولاهما هي حقول النفط التي تملكها وثانيهما كونها مركزاَ للديانه الزرادشتيه قديماَ،عاصمتها هي "باكو"وعلى مر القرون وقعت الاراضي الاذربيجلنيه تحت سيطرة الروم في حوالي القرن الاول  الى القرن الثالث الميلادي ثم الفرس من القرن الثالث الى القرن السابع الميلادي ثم العرب في القرن السابع الميلادي والمغول من القرن الثالث عشر الى القرن الخامس عشر ميلادي ومع بداية القرن الثامن عشر بدأت القوه الروسيه العظمى تتوسع ببطء في الجزء الشمالي في البلاد والسيطره عليه سياسياَ في الوقت الذي احتفظ الفرس بالجزء الجنوبي وبدأ صراع عنيف بين القوتين في القرن التاسع عشر لينتهي بتقسيم اذربيجان بين روسيا وبلاد فارس بموجب معاهدتين الاولى هي "معاهدة غولستانTreaty Of Gulistan " في العام 1813م والتي رسمت الحدود الروسيه الفارسيه على طول نهر "أراس" والثانيه هي "معاهدة تركمنجاي Treaty Of Turkmenchay "في العام 1828م والتي اعترفت الدوله الفارسيه بموجبها بالسياده الروسيه على خانات"ولايات" ايريوان وخانات نخجوان وماتبقى من خانات لنكران على طول الحدود الحاليه بين ارمينيا وتركيا.
بدأ استخراج النفط في تلك المناطق فعلياَ في عهد الامبراطوريه الرويبه ففي العام 1870م انطلق الانتاج الصناعي وبناء اول خطوط الانابيب والسكك الحديديه التي تربط باكو-بتبليسي في جورجيا لنقل النفط الخام وفي العام 1901م اصبحت اذربيجان المنتج العالمي الاول للنفط بأنتاج اكثر من 11 مليون طن سنوياَ وبعد خمس سنوات تم تدشين خط انابيب طوله 835كيلومتر يربط بين "باكو"ومحطة باتومي على البحر الاسود في جورجيا لنقل الكيروسين .ومع نهاية الحرب العالميه الاولى وبعد انهيار الامبراطوريه الروسيه أصبحت اذربيجان الى جانب ارمينيا وجورجيا جزءاَ من الجمهوريه القوقازيه الاتحاديه الديمقراطيه التي تفككت بعد ستة اشهر من قيامها مما اتاح لأذربيجان الاعلان عن استقلالها وتأسيس "جمهورية اذربيجان الديمقراطيه"في العام 1918م والحقيقه تعتبر اذربيجان اول جمهوريه اسلاميه تؤسس في العالم والتي منحت النساء حق التصويت مع هذا فأن هذا الاستقلال لم يدم اكثر من سنتين وانتهى في العام 1920م عندها هاجمها الجيش الاحمر السوفيتي وأسس جمهوريه اذربيجان السوفيتيه الاشتراكيه وضمها في العام 1922م الى جورجيا وارمينيا وهكذا نشأت "الجمهوريه الاشتراكيه السوفيتيه القوقازيه"وقد ضمت الى الاتحاد السوفيتي في العام 1936م وفي العام  1991م اعلنت اذربيجان استقلالها عن الاتحاد السوفيتي مره اخرى ،ومن الحق القول ان منطقة القوقاز لم تشهد استقراراَ قط فالصراعات مستمره وبشكل مزمن ففي اعقاب الثوره الروسيه في العام 1917م والتي ادت الى انهيار الامبراطوريه الروسيه نشب نزاع بين الجمهوريتين الحديثه التكوين وتدخل القوى المنتصره في الحرب العالميه الاولى في هذا النزاع الاقليمي وبالخصوص بريطانيا التي كانت تتمتع بنوع من الحمايه على القوقاز وقد دعمت بريطانيا مزاعم اذربيجان بسبب عدم اثارة مزاعم المسلمين الكثيرين في الامبراطوريه البريطانيه.
في 30 آب/أغسطس من العام 1991م اعلنت اذربيجان استقلالها وبعد ثلاثة ايام وخلال جلسه مشتركه لمجلس السوفيت الاقليمي ومجلس مقاطعات المنطقه تمت المصادقه على مرسوم انفصال اذربيجان وفي نفس الوقت اعلن عن نشأة "جمهورية مرتفعات قره باغ"او "جمهورية ارتساخ" باللغه الارمنيه وجاء هذا استناداَ الى الدستور السوفيتي والذي ينص على انه في حالة قرار أي جمهوريه من الجمهوريات السوفيتيه مثل اذربيجان الانفصال عن الاتحاد السوفيتي فمن حق المناطق التي تتمتع بحكم ذاتي الاستقلال عن الجمهوريه الانفصاليه "مثلما هو الحال بالنسبه لجمهوريات مرتفعات قره باغ"وفي وقت لاحق ادى استفتاء تم القيام يه الى الى تأكيد نشأة جمهوريه مرتفعات قره باغ ،وخلال العامين 1992م و1994م حاول الارمن الذين شكلوا جيشاَ نظامياَ للجمهوريه الناشئه الرد على الهجمات العسكريه التي قامت به اذربيجان على "قره باغ" وتمكنوا من بلوغ الحدود الارمنيه والسيطره على شريط الاراضي المحيطه بمنطقة مرتفعات "قره باغ"والتي كانت سابقاَ تتمتع بحكم ذاتي ،وشعرت الدول الاعضاء في منظمة الامن والتعاون في اوربا بالقلق ازاء استمرار الصراع وقرر وزراء خارجيه تلك الدول في مارس من العام 1992م عقد مؤتمر للسلام في "مينسك" عاصمة روسيا البيضاء بمشاركة ارمينيا واذربيجان وروسيا والولايات المتحده وايطاليا والمانيا وتسيكوسلوفاكيا والسويد وبعد عدة محاولات لفرض وقف اطلاق النار فقد تم التوصل في آيار/مايو من العام 1994م الى هدنه بفضل ووساطة روسيا بين زعماء تركيا وارمينيا واذربيجان لكن دون التمكن من حل نهائي للقضيه وبقيت "قره باغ" محل نزاع بين ارمينيا واذربيجان لأن المنطقه في واقع الحال هي بأيدي الارمن في حين ان اذربيجان تطالب بالسياده عليها وقاطعه الوعود من اجل منحها حكماَ ذاتياَ،وفي الواقع ان هذا النزاع والذي يعتبر نزاعاَ دائماَ في الاقليم يستند كل من الاذربيجانيين وارمن" قره باغ".يقول مستشار الامن القومي الامريكي زبيغنيو بريجنسكي :اصبحت لأذربيجان قيمة استراتيجيه معينه لكونها مستقله ومتصله بواسطه خطوط انابيب بالاسواق الغربيه والتي لاتمر عبر الاراضي التي يسيطر عليها الروس،وحسب اعتقاده ستكون بمثابة قناة مهمه لوصول الاقتصادات المتقدمه ومستهلكي الطاقه الى جمهوريات وسط آسيا الغنيه بالنفط "ووسط هذه الاوضاع تحاول الحكومه الاذربيجانيه الاستفاده القصوى من سلاح النفط للضغط على الغرب لأجبار الارمن التنازل لها عن" قره باغ"
لقد كان لمشاريع النفط تأثير وأثر مزدوج في استقرار المنطقه فمشاريع النفط تحمل في ثناياها امكانية عقد معاهدة صلح اقليميه فقد كان من مصلحة اذربيجان توقيع اتفاقيه لوقف اطلاق النار في كاراباخ لكي تستطيع توقيع الصفقات النفطيه ولروسيا مصالح مماثله في انهاء مغامرتها العسكريه في الشيشان كي لايمكن استبعادها كطريق لنقل نفط باكو.ان مشاريع النفط قد ادت في بعض الاحيان الى المزيد من حالات عدم الاستقرار في الصراع السياسي في اذربيجان "اسقاط نظام الرئيس الاذربيجاني ابو الفضل التشيبي  Abulfez Elchibey والمحاولات الانقلابيه المتعدده ضد حيدرعلييف Heydar Aliyev"كما ادت الى التعجيل في التدخل الروسي في الشيشان ومن المؤكد ان المستقبل سيهدد الصراع على مصادر الطاقه وطرق انابيب النفط بظهور صراعات جديده في القوقاز وقد يأخذ هذا الصراع شكلين اولهما صراع جغرافي- سياسي "جيوسياسي"عام بين روسيا التي تحمل مفاتيح الامن الاقليمي وارمينيا التي ستظهر كمستثمر ومقرض رئيسي للأموال في المنطقه،اما الثانيه و الاكثر اهميه فهو الاثر الذي قد تتمتع به الصادرات النفطيه في التوازن الاقليمي،اذا لم يتم التوصل الى حلول للصراعات قبل ان تصل العائدات النفطيه بالدولار الامريكي للمنطقه،وقد تتعرض اذربيجان لأغراء استخدام ميزتها الاقتصاديه في بناء جيشها ،واستخدام القوه من اجل حل صراع كاراباخ وحسمه لمصلحتها.
من الوهم تصور التدفق النفطي السلمي خارج المنطقه حيث تم تجميد عدد كبير من الصراعات القابله للتأجج منذ وقت طويل فالمنطقه مجزأه بشكل كبير ويساهم عدد كبير من المصالح الخارجيه في ابقاء الوضع ساكناَ هناك وبالمثل ان من الصعب تصور جهد دولي دبلوماسي واقتصادي وعسكري منظم بشكل جيد لوضع نظام اقليمي جديد وايجاد اساس لحل الصراعات باستخدام فرصة وجود مشاريع النفط والغاز على ان مانخاطر برؤيته هو احباط المشاريع النفطيه والشركات المساهمه فيها بسبب استمرار عدم الاستقرار في المنطقه والمخاطر الامنيه والتنافس السياسي.
يعكس التقسيم المفصل لعقود النفط الاذريه - الغربيه الاربعه والقرارات المتخذه بشأن الطرق التي سوف تسلكها انابيب النفط درجة تعقيد اللعبه السياسيه التي تكمن وراءها وارتباطها الوثيق بقطاع الطاقه.
وقعت اتفاقيه اثناء حكم "ابو الفضل التشيبي"بين اذربيجان وتركيا في اذار /مارس عام 1993م لتصدير 25 مليون طن من النفط سنوياَ من "باكو"الى ميناء جيهان التركي،واقترح مد خط لأنابيب النفط عبر الطريق الجنوبي لكن لم يحدد ما اذا كانت سوف تمر عبر ارمينيا ام ايران ولم تكن شركة النفط الروسيه"لوك اويل LukOil " جزءاَ من الصفقه ولكن هذه الاتفاقيه الغيت بعد ان تولى "حيدر علييف" السلطه في اعقاب ثورة حسينوف.وقعت اول صفقه اثناء حكم علييف في 20 آيلول/سبتمبر 1994م وكان حجم الصفقه التي اقرتها كل من اذربيجان وتجمع شركات النفط الدوليه نحو ثمانية مليارات دولار سوف تستخدم في تطوير حقول نفط بحر قزوين البحريه الثلاثه"اذري و تشيراج وجونشكي"وتم تأسيس شركة العمليات الاذريه العالميه-AIOC لتنسيق نشاطات التجمع وتملك شركة النفط البريطانية "بريتش بتروليوم British Petroleum"حصة مقدارها 17.13% وشركة "اموكوAMOCO  " 17.01% وشركة النفط الروسيه "لوك اويل" 10% وشركة النفط الاذريه "سوكارSOCAR"20% وشركة بنز اويل Pennzoil الامريكيه 9.82% وشركة "ستات اويل StatOil "النرويجيه 8.56% ولم تتلق شركة النفط التركيه TPAO بشكل مبدئي اكثر من 1.75%فقط وهو مؤشر على مدى سوء الوضع فيما وعدت ايران بحصة مقدارها 5% من هذا التشكيل نستطيع ان نقرأ سياسة حيدر علييف بشكل واضح وهي انه من اجل قلب نزعة سلفه المؤيده لتركيا فقد حاول علييف جلب الاستثمارات المهمه من الشركات الغربيه وبشكل خاص الشركات البريطانيه والامريكيه لكن ونتيجة الضغط الامريكي كان على "باكو"اسقاط طهران من هذه الصفقه وذهبت حصتها في النهايه الى تركيا مما رفع حصتها الى 6.75% والذي تسبب هذا الامر بتدهور العلاقات بين "باكو"وطهران بشكل خطير وقد كانت "باكو"تأمل من خلال اعطاء حصة مهمه لشركة النفط الروسيه "لوك اويل"في ان تتخذ موسكو موقفاَ ليناَ من الجدل الدائر حول الوضع القانوني لبحر قزوين،فقد اندهشت القياده الاذريه عندما انتقدت وزارة الخارجيه الروسيه الصفقه بقوه معتبره اياها بأنها غير قانونيه وذهب وزير الخارجيه الروسي السابق "اندريه كوزيريفAndrei Kozyrev " فيما بعد الى حد اعتبار ان "تصرفات اذربيجان في توقيع العقد خلقت تهديداَ للأمن القومي الروسي"ولذلك على الرغم من ان الصفقه وجدت حلفاء جدد"لباكو"على شكل شركات نفط غربيه ،فأنها جلبت على اذربيجان غضب اثنين من جاراتها وهما ايران وروسيا بعدما قامت اذربيجان  بتوقيع صفقتين اخريين عام 1995م محاوله بهما جدياَ تهدئه روسيا وايران ،ففي حقل "شاه- دينيزShah Deniz"ادرجت ايران مع شركة النفط البريطانيه وشركة النفط التركيه و"لوك اويل"الروسيه و"سوكار"الاذريه ولم تكن اية شركة امريكيه جزءاَ من الصفقه وكان التجمع النفطي الثاني المتعلق بحقل نفط "كاراباخ"هديه لموسكو، ففي الصفقه البالغ مقدارها 1.8 مليار دولار حصلت "لوك اويل"الروسيه على حصه مقدارها 35% وترتفع حصتها الى 52% اذا ما اخذ بعين الاعتبار مشاركتها في الشركات الاخرى ضمن التجمع ،وتم توقيع اتفاقيه رابعه في كانون الاول/ديسمبر 1996م وهي صفقه قيمتها مليارا دولار من اجل تطوير حقلي أشرفي ودان أولدوزو"وقادت شركة "أموكو"الامريكيه هذا التجمع وكانت المفاجأه استبعاد "لوك أويل "الروسيه منها وهي التي اشتركت في التجمعات الثلاثه الاخرى واوضح ناطق علييف رئيس شركة "سوكار"ان باكو لم تستدع شركة "لوك اويل"للمشاركه في تطوير هذين الحقلين بسبب فشل الشركه او عدم استعدادها للتأثير في "الموقف المتعنت"للحكومه الروسيه بشأن الوضع القانوني لبحر قزوين ويمكن عزو الاستبعاد الروسي الى انخفاض النفوذ الروسي على اذربيجان منذ عودة المقاتلين الشيشان الى جروزني.
تم تدشين الجزء الأذربيجاني من خط الأنابيب الجديد لنقل النفط بين باكو وجيهان "تركيا" مرورا بتبليسي . ولم يرحبوا في موسكو بفكرة إنشاء خط أنابيب النفط هذا ولكنهم لم يضعوا العصي في دواليب هذا المشروع مؤكدين أن النفط الروسي لن يضخ عبر هذا الخط. وقال سيرغي غريغورييف، نائب رئيس شركة "ترانس نفط" الروسية، في حينه إن من حق كل دولة إنشاء ما تشاء وربما لا غلو في القول ان ما تم إنشاؤه على أرض أذربيجان ليس مجديا لأن أذربيجان لن تستطيع توفير كميات النفط التي تتناسب مع سعة الأنبوب في وقت قريب مع العلم ان الحديث عن احتياطيات ضخمة من النفط في المياه الإقليمية الأذربيجانية كان قد انتهى. ومن المؤكد ان احتياطيات بحر قزوين من النفط تتركز في شرقه أي في المياه الإقليمية الكازاخية ولم يكن مصادفة ان يسموا هذا المشروع بالمشروع الجيوبوليتيكي الأمريكي الرئيسي في الساحة السوفيتية سابقا. وذات يوم قال حيدر علييف، الرئيس الأذربيجاني الراحل، إن الأنبوب الجديد سيسري فيه النفط في اتجاه بينما تسري السياسة في الاتجاه المعاكس. وما لبثت ان شهدت جورجيا وهي أحد الأطراف المعنية بهذا المشروع، ثورة ذات اتجاه أمريكي قبل ان يبدأ ملء الأنبوب بالنفط. وإذ أنفق الأمريكان أموالا طائلة على مد خط أنابيب فإنهم خطوا الخطوة الأولى على "طريق الحرير" الجديد غير المار بروسيا التي بدأت تطرح رؤيتها لتطور الوضع على الساحة السوفيتية سابقا وعلى حدودها الجنوبية ولكن من المشكوك فيه ان "طريق الحرير" الجديد سيؤثر على قدرة روسيا على نقل النفط إلى الأسواق العالمية بل لا بد وان تلعب روسيا دورا مهما جدا في هذا المجال لمدة طويلة خاصة وانها سترتقي بقدرتها بعد ان تكمل بناء الأنبوب الذي يجتاز بحر البلطيق والذي تقدر سعته بـ60 مليون طن، وتنشئ خطوط أنابيب النفط في شمالها وفي أقاصي شرقها ولم تتأثر الصادرات النفطية الروسية بوقف ضخ النفط الأذربيجاني إلى ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود، فنسبة النفط الأذربيجاني إلى إجمالي الصادرات الروسية من النفط لم تكن تزيد على 1% حتى الآن ولا يخفون في باكو أنهم يريدون ان يروا شركات النفط الروسية بين زبائنهم لأنهم لا يستطيعون توفير الكمية المطلوبة لتشغيل خط أنابيب "باكو – تبليسي – جيهان" 50 مليون طن من خلال الإمكانيات الذاتية ولكن شركات النفط الروسية لا تنوي تغيير مسارات نقل نفطها، لا سيما وان الأنابيب التي تديرها شركة "ترانس اويل Transoil" الروسية تستطيع استيعاب المزيد من النفط. وذلك لأن إنتاج النفط في روسيا لا يواكب ركب إنشاء وتحديث خطوط الأنابيب والموانئ النفطية، ومع ذلك فإن شركة "ترانس اويل" الروسيه تنوي زيادة الصادرات النفطية بنسبة 16% إلى 255 مليون طن خلال العام الحالي وفضلا عن ذلك، تنوي روسيا إكمال بناء الأنبوب لنقل النفط بين بورغاس "بلغاريا"والكسندروبولس "اليونان"، ويعتبر خط الأنابيب هذا الذي سيتيح نقل النفط دون المرور بمضيقي البوسفور والدردنيل التركيين، منافسا لخط أنابيب "باكو – تبليسي – جيهان".
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13483
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28