• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٧) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٧)

   {وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}.
   لذلك لا يُقاسُ المرءُ بعلمهِ وتديُّنهِ وانتمائهِ وخلفيَّتهِ وهيأَتهِ ولباسهِ وزيِّهِ وموقعهِ، وإِنَّما بعملهِ وبإِنجازاتهِ، فإِن كانت خيراً فخيرٌ وإِن كانت شرّاً فشرٌ!.
   إِختبرهُم بالسُّلطةِ وموقع المسؤُوليَّة!.
   قال تعالى {ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.
   إِنَّ كلَّ آيات الجَزاء سَواء التي تتحدَّث عن الجزاءِ الدُّنيوي أَو الآخروي تحصر التَّقييم في مِعيارِ العملِ كقولهِ تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} {الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
   كذلكَ التَّفاضل بالعملِ الصالح {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ۚ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} و {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} و {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}.
   أَمَّا أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فكتبَ للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مِصر {ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِىء مِنْهُمْ مَا أَبْلى}.
   ويقولُ (ع) {الْعَمَلَ الْعَمَلَ، ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ، وَالاسْتَقَامَةَ الاسْتِقَامَةَ، ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ، وَالْوَرَعَ الْوَرَعَ! إنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إلى نِهَايَتِكُمْ، وَإنَّ لَكُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ، وَإنَّ لِلاْسْلاَمِ غَايَةً فانْتَهُوا إلى غَايَتِهِ، وَاخْرُجُوا إلَى اللهِ بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ، وَبَيَّنَ لكُمْ مِنْ وَظَائِفِهِ}.
   أَلعملُ، إِذن، هو المعيار، فهو معيارُ عِلم وجَهل الإِنسان لأَنَّ ذلك ينعكسُ على عملهِ، كما يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {لاَ تَجْعَلُوا عِلْمَكُمْ جَهْلاً، وَيَقِينَكُمْ شَكّاً، إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا، وَإِذَا تَيَقَّنْتُمْ فَأَقْدِمُوا} وهو معيارُ ثباتهِ أَو انحرافهِ، وهو معيارُ نزاهتهِ أَو خيانتهِ، ومعيارُ ما يملِك من خبرةٍ وتجربةٍ، وهو كذلك معيار التقدُّم والتأَخُّر، ومعيار النُّهوض والتَّكاسل.
   هو أَوَّلُ معيارٍ لكلِّ المعايير الأُخرى!.
   وإِنَّما صدَّق يوسُف (ع) دعواهُ للملكِ {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} بإِنجازاتهِ العظيمةِ ونجاحاتهِ الباهرةِ.
   حتى التَّعليمُ يُقاس الْيَوْم بساعاتِ الدراسة، كما أَنَّ سَعة النُّهوض الحضاري تُقاسُ بساعات العمل ونتاجَها ونوعهُ!.
   فالمجتمعُ الذي يعملُ بجُهدٍ وجدٍّ ونشاطٍ بطاقةٍ زمنيَّةٍ كاملةٍ، وأَنَّ المُجتمع الذي تلتزم فِيهِ المؤَسَّسة التعليميَّة وبكلِّ مراحلها بأَقصى ساعات التَّعليم، كمّاً ونوعاً، هو مجتمعٌ ناجحٌ لأَنَّهُ مُنتجٌ يستغل الوقت ولا يهدر شيئاً مِنْهُ.
   أَمَّا المُجتمع الذي عدد أَيَّام العُطلة عندهُ نصفُ عدد أَيَّام السَّنة، وأَنَّ معدَّل ساعات العمل طِوال العام هو [ساعة و٤٠ دقيقة باليَوم] فهوَ مُجتمعٌ مُتأَخِّر ومتخلِّفٌ ومُتراجعٌ عن ركبِ الحضارةِ، وهو مجتمعٌ تتكلَّس طاقاتهُ ويهدر وقتهُ ويضيِّع عُمره!.
   هل عرفتُم ما اسم هذا المُجتمع؟!.
   علينا أَن ننتبهَ للوقتِ والذي هو كالَّسيف إِن لم تقطعهُ قطعكَ، ننتبهَ لَهُ لنرى، مثلاً، كم ساعةٍ نعملَ في الْيَوْم؟! وكم ساعةٍ نقرأ؟! وكم ساعةٍ ننام؟! حتى نغيِّر جدوَلنا اليومي إِذا اكتشفنا أَنَّنا ننامُ يومياً [١٢ ساعة] أَو أَكثر! أَو إِذا انتبهنا إِلى أَنَّنا لا نقرأ يوميّاً وقد نفتحُ كتاباً ونتصفَّحُ أَوراقهُ مرَّةً بالشَّهر أَو رُبما بالسَّنة! ونعيدُ حساباتنا إِذا اكتشفنا أَنَّنا نعمل يوميّاً ساعةً أَو ساعتَين فقط! ومعَ ذلك فإِنَّنا مشغولُون طِوال الْيَوْم! كيف؟! بالچات في وسائِل التَّواصل الإِجتماعي ومُتابعة المُسلسلات السَّخيفة والأَلعاب الإِليكترونيَّة التي تُدمِّر الأَعصاب وتقضي على الوقت! ومشغولُونَ بالقيل والقال وبالكلام الفاضي وبتقييم الآخرين ومُراقبتهُم!.
   إِنَّ تضييع الوقت بالكلامِ الفارغ أَو بالإِنشغالِ بما هو ليسَ ضروريّاً وليس مُهمّاً هو من أَعظم الفساد الذي تتحدَّث عَنْهُ الآية الكريمة! فالحياةُ، لكلِّ واحدٍ منَّا، فرصةٌ واحدةٌ لم ولن تتكرَّر، ونحنُ مسؤُولون عنها فإِذا ضيَّعناها ولَم نُنتج شيئاً مُفيداً ضيَّعنا الفُرصة التي وهبها لنا ربُّ العزَّة والتي قَالَ عنها {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} وعندما تضيعُ الفُرصة نتمنَّى العودةَ لحظةَ المَوت {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ}!.
   أَو الذي يتمنَّى أَن يتأَخَّر عَنْهُ الموتُ قليلاً ليعوِّض عمَّا فاتهُ {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} وقولهُ تعالى {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}.
   أَمَّا الذي وظَّف كلَّ نَفَسٍ في حياتهِ لإِنجازِ عملٍ صالحٍ ما، فلن يتحسَّر لحظة المَوت أَو يطلب تمديداً وإِنَّما يصرخ واثقاً من نفسهِ {فُزتُ وربِّ الكَعبَةِ}.
   ذلك هو أَميرُ المُؤمنينَ (ع) الذي يَقُولُ {أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ}.
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=134143
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29