• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : السيميائية في المناجيات العلوية . . دعاء الصباح للامام علي (عليه السلام) انموذجا .
                          • الكاتب : كريم الوائلي .

السيميائية في المناجيات العلوية . . دعاء الصباح للامام علي (عليه السلام) انموذجا

  للامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) كشوفات كونية خارقة وتاملات فلسفية  وروحية في مؤثثات الامكنة الارضية وفي حركة الافلاك وانتظام الكون وسلوكيات الانسان وعلاقة ذلك في النظام الكوني وهو اول من اوجد علاقة بين الوعي الانساني وبين الظواهر الطبيعية والانظمة الكونية وجعل من الموجودات علامات تؤشر الدال وتشير الى المدلول واخضاعها لتقنيات التنصيص ومحكومة ببنية النص من الداخل وهو في هذا يعد اول من اكتشف علم العلامات (السيميائية) وتصنيفها بأسلوب  بلاغي اقرب الى النظم المعاصر ، بل ، ان الامام علي ورّث لنا اجناس متعددة من بنيويات كلامية ولغوية (لسانية) يتداولها الشعراء اليوم ولكنهم يردونها الى مكتشفين معاصرين دون ان يعلموا ان الامام علي قد صاغ نصوصه  بتكثيف رمزي وتأويلي  وفلسفي ممتع جعل المتأملون في ملكوت الخالق يرددونها ويتلونها بعذوبة وخشوع ومن المؤكد ان الامام لم يعن بذلك ما يعنيه  الشعراء المعاصرون اليوم ممن ابتدعوا قصيدة التفعيلة او القصيدة الحرة انما ما عنى به  الامام هو ان يجعل من اللغة وتهذيبها والتدبر فيها مع التأمل الفلسفي والتحليلي للمحيط ممرا الى الهداية  ومن ثم وظفها في تحديد الدال والمدلول بتمثل عياني وذهني من اجل الالهام وتلمس الطريق الى الله بدلالة علامات  المكان والرمز مع الانقطاع عن المحيط وحبس النفس بحدود المخيال الذهني  والذوبان في ذات الخالق حتى الاغماء والغيبوبة ولطالما اغمى على الامام وهو في الاستغراق الذهني متدبرا متأملا ، بمعنى انه اراد ان يرسم للمؤمنين خارطة الوجود سيميائيا لايجاد فهم لغموض ورهبة الكون وعظمة الخالق من خلال تفسير العلامة وتحليلها واستشفاف دور الوظيفة في النظام الكوني والنظام الحركي للاضداد وعلاقة ذلك بالانسان بوصفه العلامة المركزية التي استودع الله بها سره واراد صيانتها من الذنوب والخطايا ، وفي ذلك يقول عليه السلام محللا سيميائية الملكوت ((اللهم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه ، وسرح قطع اليل المظلم بغياهب تلجلجه  ،  واتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه ، وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه )) ويظهر هذا النص عبقرية الامام وتجاوزه لعصره في استحضار الرمز وتحليله والسير عليه بطرائق تأويلية نحو المرموز كما يظهر النص عمق تبصر الامام بالمكان والعلامة وما تختزنه من دلالة  وصولا الى تصور ذهني للمدلول ، والتبلج (في النص) هو الاشراق الباهر للصباح وهو كناية شعورية ذهنية عن النطق (اللغة) واندلاع لسان الصباح هو رمز لحمرة الشروق  ، ويرسم الامام صورة ذهنية رائعة لتسريح الليل بغياهب ( العدم الحالك الظلام) تلجلجه ، والتلجلج هو التموج ، والصورة الذهنية المنتجه هنا تبدو قريبة من مشهد بحر هائج معلق في السماء ومضطرب ،  بمعنى ان هذا الليل (مات) ذهب ولم يعد هو نفسه مجددا انما هناك ليل آخر سيأتي بعده ، وفي هذا مقاربة فلسفية  مع قول هيراقليطس (( انك لا تستحم في النهر مرتين )) وهيراقليطس امن بالتوحد بين الاضداد وان بدت ، حقيقية ، في صراع معللا ذلك بأنه صراع صيرورة العالم ، والامام علي ابن ابي طالب (ع) هنا يثبت هذا الصراع ويكشف الكثير من مضامينه وخفاياه وتجلياته ويتوسل بالمهيمن المطلق على نواميس الكون ونظامه  ومعتبر ان سلوك الانسان جزء لا ينفصل عن هذا العالم والقوانين التي تحكمه وفي ذلك اشار الامام الى الانسان بالقول ، وترى نفسك جرما صغيرا وفيك انطوى العالم الاكبر ، ومعتبرا ان خطايا الانسان وجنوحه نحو الاجرام مفسدة لهذا العالم وعلى ذلك فأنه يتوسل (الدعاء) بالله تعالى ومن خلال سيميائية المشد الكوني الشامل وعلاماته (آياته) ان يحصن الانسان ويصونه من ابتلاءات مكنونه الأّمار بالسلوكيات المائلة عن نواميس التوافق بين الظواهر الكونية وانعكاساتها في الوعي الاجتماعي للبشر ، (( يامن دل على ذاته بذاته ، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته ، وجل عن ملاءمة كيفياته ، يا من قرب من خطوات الظنون ، وبعد عن لحظات العيون ، وعلم بما كان قبل ان يكون  ، يا من ارقدني في مهاد امنه وامانه ، وايقظني الى ما منحني به مننه واحسانه ، وكف اكف السوء عني بيده وسلطانه )) وفي هذا النص يجتمع علم الليسانيات مع علم النفس الذي كان جزء من الفلسفة لتحليل العلامة كي يقدم تفسيرا للموجودات وفهما لانظمة الكون وحركته واستنباط طرائق للتقرب من الله تعالى ودعاءه ليشمل الانسان بالحماية والرحمة ضمن نظام الكون  وقوانينه .                       وللامام علي السبق قبل  الكثيرين ممن اشتغلوا على السيميائية بزمن طويل امثال بيرس وسوسير بل انه تفوق عليهما على الرغم من بعد العهد في انتاج نص يمزج بين الليسانيات (اللغة) والفلسفة والدفع بالانسان نحو الاهتداء الى خالقه بطرائق عدة .                                                                    وفي النص الذي يليه يستقدم  علامات عائمة في الفضاء الكوني  يجسد فيها الرسول الاعظم (ص) ويدعو له (( صل اللهم على الدليل اليك في الليل الاليل ، والماسك من اسبابك بحبل الشرف الاطول ، والناصع الحسب في ذروة الكاهل الاعبل ، والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الاول )) فالعلامات والرموز المصنفة هنا بأتقان مثل اليل الحالك السواد (الاليل) و (الكاهل الاعبل) وتوازن المنطق وصلابة الجنان في ثبوت القدم على منزلقات (زحاليف)  الهوى وتردي الذات نحو التدني والرداءة الى جاب انتظام المفردة المنتقاة وجماليتها وبلاغتها واثرها النفسي لهي تجسيد واظح وجلي لسيميائية النص العلوي حتى وان بدت متسقة مع مستويات الوعي الاجتماعي في ذلك العهد .




•    *  تعتبر اول دراسة من نوعها

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13414
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19