• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : من سيرة الشّهيدُ السّعيدُ الشّيخ أحمد راضي كريم العواجيّ .

من سيرة الشّهيدُ السّعيدُ الشّيخ أحمد راضي كريم العواجيّ

تَمرُّ الأمم بمنعطفات صعبة ومصيريّة خلال مسيرتها عبر التاريخ، لا سيَّما إذا ما تعرّضت لما يجعل كيانها ووجودها في خطر شديد، فتبرز في تلك الفترات حاجةُ الأمم المُلِحَّة إلى أبنائها وفلذات أكبادها للدفاع عنها، وبذل النفس رخيصة لتنال الشّهادة دون الأرض والعقيدة والدّين.
وفي عصرنا، هناك الكثير من صور التضحية والشّهادة الرائعة ضدّ النظام البعثيّ الفاشي، حتى تكلّل النصر بالتخلّص منه في (9/4/2003م)، إلا أنّ قوى الشرّ والطغيان استمرّت بمخططاتها الشيطانيّة ضدّ الشعب العراقيّ المؤمن، فقامت بإنتاج منظّمة إرهابية تدّعي الإسلام زوراً، لكي تُدخلها إلى أرض المقدّسات بتآمر واضح من قبل مَن يلتقي وهؤلاء في الأهداف والوسائل، فدخلت هذه المنظمة الظالمة الموصل في (10/6/2014م)، مدعومة بعناصر خائنة من البلد نفسه، ليبرز الخطر الأكبر الكامن في مخطّطات الخونة والإرهابيّين، ويقع الناس في هرج ومرج.
إلاّ أنَّ الردَّ كان في المقابل قويّاً مزلزلاً؛ وذلك عندما أصدرت المرجعيّةُ المباركة فتوى الجهاد الكفائيّ بعد أيّام قليلة من ذلك الحدث، وبَشَّرت المجاهدين بثواب عملهم، وهو الخلود الأبديّ في جنّات الله مع الشّهداء والصدّيقين.
ورأينا المشهد الرائع والاستعراض الكبير الذي خرج به الشعب العراقيّ بفئاته وشرائحه وقطاعاته كلِّها في المحافظات جميعها، مُعلِناً استعداده لتنفيذ هذه الفتوى العظيمة.. خرج الصغارُ والكبار، الرجالُ والنساء، العمّالُ والطلّاب والمدرّسون والفلّاحون والكسبة، خرج الكلُّ في تظاهرة من أجمل التظاهرات، يُعلِنون ولاءَهم التامَّ لله سبحانه وتعالى، ولأهل البيت(عليهم السلام) وللمرجعيّة التي أُمروا بإطاعتها والرجوع إليها.
ومنْ ضمن أولى القطاعات التي خرجت معلنة السمع والطاعة طلّاب العلم في الحوزات العلميّة؛ فقدْ خرجوا لتلبية النداء المبارك، وليكونوا صفّاً واحداً إلى جانب إخوانهم في الجهاد، يقفونَ معهم في السواتر الأماميّة، يقاتلون مرّة، ويشدّون الهمم مرّة، ويقفون مع أولئك الأبطال يُمسكون الأرض ثالثة، ويقومون بما يكلّفون به.
ومن هؤلاء الطلّاب: شهيدنا (أحمد راضي كريم العوّاجيّ (رحمه الله )؛ الذي كان من طلبة العلوم الدينيّة في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف، ومِن جملة أوائل الملبّين نداء العزّة والكرامة؛ إذْ توجّه مباشرةً إلى مركز التطوّع في النجف الأشرف.
الشّيخ الشّهيد من أبناء محافظة البصرة المجاهدة، التي قدّمت الشّهداء تلو الشّهداء زمن النظام البعثيّ الدمويّ، وهو من مواليد (1480هـ/1988م)، وكانت ولادته في ناحية (الهوير)، لينتقل مع زوجته وبناته الثلاثة إلى السكن في قضاء (المْدَيْنَة).
ابتدأ العواجيُّ تعليمه الابتدائيّ في مدرسة (الخوارزميّ)، وأنهى دراسته المتوسّطة والثانويّة في ثانويّة (المْدَيْنَة)، وكان يميل إلى إكمال دراسته في المدارس الدينيّة، فالتحق بصفوف الحوزة العلميّة في قضاء (القرنة)، الأمر الذي لم يُرضِ طموحه العلميّ والدينيّ؛ لذا، توجَّه إلى مدينة العلم والعلماء (النجف الأشرف)، طالباً في مدرسة (دار الحكمة) على أيدي أساتذة الحوزة العلميّة، ليتدرّج في تلقّي العلوم الدينيّة والتفقّه في مسائل الدين الإسلاميّ.
اتَّصفَ الشّهيد بالتسامح والتواضع، وبمحبّته لأسرته وأبناء منطقته والناس جميعاً، وهذا ما جعله متميّزاً عن غيره، وكان حريصاً على تعليم أبناء منطقته، لا سيَّما بالنسبة إلى المسائل الشرعيّة والأمور الدينيّة والأخلاقيّة، فكان يجمعهم بعد عودته إلى المنطقة خلال فترات التعطيلات الدراسيّة في حوزة النجف، ويتولّى بنفسه تعليمهم من خلال دورات مختلفة كان يُعِدُّها وينفّذها بنفسه.
وكان (أنالَنا اللهُ شفاعتَه) من خدّام الإمام الحُسين(عليه السلام)، يخدم في موكب (الإمام الصّادق(عليه السلام) في منطقته خلال الأربعينيّة، ليبادر عند انتهاء تردّد السائرين على الموكب إلى التوجّه إلى كربلاء سيراً على الأقدام مع آخر مَن بقي منهم.
وقدْ عُرِفَ(رحمه الله) بالتقوى والورع، ومِن تقواه: أنّه كان يمتنع من البقاء في أيّ بيت يُحَرَّر في منطقة (جرف النصر) إلا بعد أنْ يَستأذِنَ مِن أهله إنْ استطاع الحصول على رقم هاتف يخصّهم، فكان يحتاط في كلّ شيء تشوبه شائبة الحرمة، وكان متمسّكاً بدينه، حريصاً على إعلاء مذهب أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) الحقّ، ومِن زهده وتقواه، أنّه كان في يوم استشهاده صائماً.
التحق الشّهيد (أحمد راضي كريم) مع كادر العتبات المقدّسة المتوجّه إلى جبهات التصدّي والجهاد ضدّ الأعداء في قاطع سامرّاء وجرف النصر، ولمْ ينقطع عن أسرته، فكان على اتصال بوالده يُخبره ويُحدِّثهُ عن بسالة المجاهدينَ وشجاعتهم واندفاعهم الشديد لمقاتلة الأعداء الدواعش التكفيريّينَ، ويبشِّره بأنّهم سيحقّقونَ النصر بإذن الله.
وكان لا يصبر على البقاء مع عائلته بعيداً عن سوح العزّ إلا أيّاماً قليلة، وفي آخر التحاقٍ له بالجبهات، بقي عشرة أيّام هناك، وكان يتصل بوالده يوميّاً؛ طالباً منه أنْ يدعو له بالشّهادة؛ إذْ كانت نفسه تتوق إلى نيلها وإلى لقاء الحبيب في العاجل.
يروي أحدُ رفاقه في الجهاد: أنّه كان في ليلة استشهاده يقرأ القرآن الكريم، ويدعو بفنون الدعوات، ويطلب نيل الشّهادة بعد كلّ دعاء، ويقول: «اللّهم، ارزقني الشّهادة بحقّ الإمام الـحُسين(عليه السلام)».
وفي اليوم العاشر، تحقّق ما أراده(رحمه الله) بحصوله على وسام الشّهادة، فخَلُدَت روحُه الطاهرة، وصار فخرَ أسرته ومحبّيه.
وفي ليلة استشهاده، كان الشّهيد يتلو القرآن الكريم ويدعو حتّى صلاة الفجر، وبعد صلاة الفجر، اتصل بأهله يطلب منهم الدعاء له بالشّهادة، وفي يوم (14/7/2014م)، تعرّض الدواعشُ لجرف النصر، وكان معه مجموعة من خيرة أبناء منطقته، فحمي الوطيس، وحانت ساعة الوفاء بالعهد، فتصدّى المؤمنون الصّادقونَ للظلاميّينَ، فاستشهد مَن استشهد منهم موفياً ببيعته، وبقي مَن بقي ينتظر إحدى الحُسنيين.
وكان ممّن قضى نحبه شجاعاً صابراً بطلاً صائماً الشيخ (أحمد (رحمه الله)، الذي نال أخيراً ما تمنّاه ودعا من أجله ليالي طويلة وأيّاماً طوالاً، لتتحرّر الروح العظيمة من أسر الجسد، وتلتحق بالحبيب سبحانه وتعالى.
وكان ممّا أوصى الشّهيد به والده ووالدته وزوجته، أنْ لا تُطلق العياراتُ الناريّةُ خلف جنازته إذا نال الشّهادة.
صفحة مشرقة أخرى من صفحات العزّ والشرف والإيمان، سطّرتها شخصيّة جهاديّة قدّمت أغلى ما تملكه في سبيل الدفاع عن العقيدة والوطن، وامتثال أمر المرجعيّة المباركة.
اللّهم انصر المجاهدين، واخذل أعداء الدّين من الدواعش المجرمين بحقّ محمّدٍ وآله الطاهرين، وارحم الشّهداء السّعداء، واجعلهم ذخراً لذويهم ولنا جميعاً، ولهذا الوطن الكريم، إنّك سميع الدعاء.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=134060
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29