• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : صديقتي واللغز الأبديّ .
                          • الكاتب : امنة بريري .

صديقتي واللغز الأبديّ

قالت صديقتي وعلى وجهها علامات حيرة :

ـ إنّي أتساءل ،هل يمكن أن يعثر الإنسان فعلا على السعادة في هذه الحياة ؟

فقلت أمازحها :

ـ السعادة يا صديقتي هي اللغز الأبديّ الذي حيّر جميع الناس وبلبل عقولهم.

ولم أكن عديمة الحيرة إزاء هذا الموضوع ،وكنت مثلها أحاول تلمّس الجواب الذي يريح القلب .

وأضفت قائلة :

ـ ربّما تكون السعادة في هذه الدنيا مشروطة بأن يحصل الإنسان على كلّ ما يريده ويرغب فيه ،ويكون في نفس الوقت مطمئنّا إلى أنّه لن يُحرم من تلك العطايا أو يفقدها لسبب من الأسباب .وآنذاك يمكنه أن يكون سعيدا .

فقالت صديقتي :

ـ الغريب أنّ الإنسان قد يحصل على كلّ ما يرغب فيه وينال أحلامه ومطامحه ،ومع ذلك فإنّه لا يحسّ بالسعادة .إذ تعكّر عليه صفوه مشاعر سلبيّة تهاجمه دون سبب يُذكر ودون مقدّمات مثل الشعور بالوحشة أو الملل والسأم .

ــ هذا صحيح .فأحوال الدنيا متقلّبة ولا تثبت على حال .والواحد منّا قد يكون في حالة نفسيّة معيّنة فتنقلب حاله في طرفة عين من النقيض إلى النقيض .

ـ ما الحلّ إذن ؟هل يجب أن نفقد الأمل نهائيّا في أن نكون سعداء ؟

فقلت لها :

ـ إنّ عدم عثورنا على الشكل المثاليّ الذي نطمح إليه من السعادة لا يجب أن يجعلنا يائسين وفاقدين للأمل .فهناك دائما أوقات ممتعة يجد فيها الإنسان سعادته ويفرح بوجوده .

فقالت صديقتي :

ـ تقصدين تلك الفترات التي يكون فيها الإنسان مستمتعا بوقته ،كأن يستمتع بقراءة كتاب جيّد أو مشاهدة برنامج يعجبه في التلفاز أو حتّى عند إعداده لكأس من الشاي أو فنجان من القهوة يسلّي أوقات فراغه .لكن اعذريني عزيزتي ،فانا لا أعتبر أنّ ذلك النوع من السعادة هو السعادة الحقيقيّة .فقد يكون الإنسان في تلك الأوقات رغم استمتاعه بائسا وتعيسا لأنّ ذهنه مشغول بهموم تحزنه .

ـ لكنّي أظنّ أنّ هذا هو أقصى ما يمكنه أن تهبه لنا الدنيا ،أمّا تلك السعادة الأسطوريّة التي لا يداخلها كدر أو همّ فحلم لا يمكن أن يتحقق في الحياة الدنيا .

ـ إذن فأنت توافقين على قولي بأنّه ليس هناك سعادة حقيقيّة في حياتنا هذه .

ـ إنّ ما أعتقده هو أنّ السعادة المطلقة في الحياة الدنيا هي مثل سراب في صحراء ،تلوح للظمآن مثل ماء يشفي الغليل لكن ما إن يقترب منه حتّى يكتشف أنّه ليس سوى وهم .فليس هناك سعادة تامّة ،لكن هناك أوقات سعيدة .

ـ لكن لماذا استحال علينا بلوغ تلك السعادة المنشودة ؟أبسبب ذنب ارتكبناه ؟

ـ الله أعلم .لكن يمكن أن يكون السبب هو نوع الحياة التي نعيشها الآن .فهي حياة غربة .فنحن محرومون من التعرّف التامّ على كلّ ما يتعلّق بحقيقة وجودنا ،خالقنا ،كيفيّة خلقنا ،العوالم الأخرى التي عرفتها أروحنا أو ستعرفها في وقت من الأوقات .نحن لا نعيش الحياة الحقيقيّة التي تقوم على المعرفة الكاملة لكلّ شيء .ومادام هذا النقص موجودا فينا فنحن لا نستطيع أن نكون سعداء كما

نشاء. لكن عندما ستصبح أبصارنا من حديد ونتخلّص من جهلنا ،وإذا منّ علينا الخالق برضاه الذي لا غضب بعده فسنعرف طعم السعادة بحقّ .

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=134035
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19