• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عراقُ الامس … عراقُ اليوم .
                          • الكاتب : حميد آل جويبر .

عراقُ الامس … عراقُ اليوم

قبل تسعة اعوام في مثل هذه الايام كانت جحافل عمّو بوش تضع اللمسات الاخيرة على خططها السرية على الارض لانهاء آخر فصل من فصول مسرحية حكم زعيم بلطجية العوجة صدام التكريتي ، طبعا بمساعدة عربية مشكورة تجلّت في تسهيلات عملاقة قدمتها قاعدة "السيلية" في دولة قطر العظمى ، والتي يقال انها اكبر قاعدة اميركية في خارج الولايات المتحدة على الاطلاق ، والله العالم بحقيقة امرها . وبعد اقل من ثلاثة اشهر من هذا اليوم اي في التاسع من نيسان عام الفين وثلاثة وهو ذكرى استشهاد المفكر الاسلامي الامام محمد باقر الصدر واخته العلوية "رحمهما الله"، كانت فلول البعث التي طاردت العراقيين على مدى خمسة وثلاثين عاما ، على موعد مخزٍ مع سراويلهم وقمصانهم الزيتونية الملوثة ليخلعوها الى ابد الآبدين غير مأسوف عليهم من شريف وغير شريف . الرؤوس التي ولّت الدُّبر يومذاك تدحرجت بعد حين الواحدة بعد الاخرى كخراف الاضاحي ، ومَن لم يُسلّم نفسَه لقوات العم سام المزمجرة مُختارا وآثرَ مجاهدةَ الكفار، عُثرَ عليه قائدا ضرورةً في حفرة يأنف الجرذ ان يقيم فيها مع جبنته المفضلة لافاش كيري . وقد تبين لاحقا ان من اطلق ساقيه للريح  وخاصة الساجدات الماجدات والراغدات الكريمات بما خصهن الله من الانوثة !!! انما كان بتسهيل من الاميركان ، ولعل الاخوة في الشقيقات جدا الاردن واليمن وسورية ادرى بتفاصيل ذلك وهو موضوع ليس ذا خطر بعد ان اَعلنَ التاريخُ رسميا الوفاةَ السريريةَ والدماغية والقلبية للنظام النافق لا اعادنا الله لامثاله . اَنْ تقول خمسة وثلاثين سنة امرٌ في غاية السهولة ولعلك تستطيع ان تمررها على لسانك وقلبك ملايين المرات يوميا دون كلل ولا ملل . امـّا اَنْ تعيش هذا السنوات العجاف بمراراتها في ظل حكم لم يترك جريرة من الجرائر او رذيلة من الرذائل الا ارتكبها بحق شعبه وجيرانه فهذا هو الامر العسير الذي يُجرّعك الموت في الحياة غُصة بعد غُصة . ترى هل سيأتي اليوم الذي تتسطح فيه ذاكرة العراقيين وتصبح كحدوة حصان كما يقول نزار قباني ، فينسَون كلَّ شيء تحت شعار "عفا الله عما سلف" الذي اصبح كلمة حق يراد بها باطلا، وينصرفون الى صب جام غضبهم على النظام الحالي بسبب تخبطِ مسؤوليهِ وانعدام الامن وسوء الخدمات وارهاب نائب الرئيس ؟ ربما ينسى بعض الذين لم تمسسهم شرارة النظام النافق بشيء من جرائمه التي لا تعد ولا تحصر، اما الامهات اللائي مازلن حتى هذه الساعة يُمنّين النفس بالعثور ولو على محاجر جمجمة احد اولادهن الذين غيّبتهم اجهزةُ برزان ووطبان والبراك وعدي والكيمياوي ، هؤلاء الامهات الثواكل لا اظن ان الشقاء - مهما بلغت وتيرته الان - سيُنسيهن حرقة الاكباد التي زرعها في صدورهن شبّيحة وبلطجية وشقاوات عصابة تكريت سيئةِ الصيت . اقرأ منذ حين مقارنات يجريها يائسون او ضعاف نفوس او مدسوسون بين عراق اليوم وعراق البعث المباد . وفي الوقت الذي لا اراني محقا في مصادرة حق اي انسان كائنا من يكون في نقد الوضع الراهن ، فاني ارى ان من لا يُقرُّ بالفارق الفاحش بين النظامين هو فقط من تعمد وضعَ غشاوة على عينيه لتزيدهما عمى فوق عماه الطائفي البغيض، فانها لا تعمى العيون ، لكن تعمى القلوب التي في الصدور . منذ الفين وثلاثة تسلّم مقاليدَ الادارة في بغداد مئات الوجوه ، وستتغير مئات بعدهم باذن الله طالما ان صناديق الاقتراع هي التي "تنعم وتحرم" بارادتها لا بارادة بيت الدعارة الذي كان  يسمى جزافا مجلس قيادة الثورة ، ولا بارادة المبغى المجاني الذي كان يدعى القيادة القطرية والذي كان يتحكم بمقادير زبائنه الشرفاء 100 ٪ شخص واحد هو صدام ، الذي امضى سنواته الاخيرة في اِعداد ابنه ذبّاح السجناء قصي ، ليعهدها هذا الاخير من بعده الى ابنه الحبّاب علاوي والى ما شاء الله . اكتب هذه السطور المتواضعة لمن يشعر ان في صدره ضميرا يهتز لكلمة الحق ، اما الذين اصبح مفعول ضمائرهم اكسباير منذ تسعة اعوام او قبل ذلك التاريخ بكثير  ، فلا حديثي يؤثر بهم ، ولا هم سمّاعون لحديث امثالي اصلا، وهم ميؤوس منهم ومن هدايتهم كما يئس الكفارُ من اصحاب القبور . مأساتنا المكتملة كانت حلقة كبيرة تمتد بدءاً من السجون الرطبة والسراديب التي كانت تعج بآلاف الابرياء ، الى زج المواطنين في حروب خاسرة احرقت الحرث والنسل ، الى عمليات دهم البيوت المباغِتة التي كانت تنفذها عصابات زوار الليل ، الى تذويب الشباب في احواض التيزاب ، الى ارسال الكواتم الى ابعد عواصم الارض ، الى رواتب الاذلال التي كانت تمنح للموظفين "كان راتب شقيقي المدرس منذ عام 85 اقل من اربعة دولارات شهريا مع سقوط النظام" ، الى عمليات التهجير القسري التي لم يشهد العالم مثيلا لها، الى عمليات الاغتيال المنظم التي لم تتوقف حتى عام 2003 ، الى تحويل السفارات العراقية الى اوكار للتجسس والاستدراج ، الى عمليات التعذيب والفرم الوحشية ، الى المقابر الجماعية ، الى جريمة الانفال ، الى فاجعة حلبجة ، الى قتل علماء دين اجلاء اقصى ذنب اقترفوه انهم لم يعطوا بايديهم اعطاء الذليل متأسّينَ بمولاهم الامام الحسين بن علي عليهما السلام ، الى تقديم وجبات طازجة لنمور عدي من لحوم العراقيين ، الى دعوة سجناء ابو غريب الى حفلات ذبح جماعية تسر الناظرين ، الى القضاء على وجبات من خيرة ضباط العراق بتهمة الخيانة والتآمر والتخابر، الى بناء عشرات القصور على اشلاء الابرياء ، الى تسليط ارذل خلق الله على مقادير اشرف خلقه ، الى انتهاك الحرمات ، الى زج البلاد في حصار ظالم كان فيه الشعب يتضور جوعا ومرضا . الى تدمير بلدات باكملها وتجريف بساتينها، الى دك مدن تاريخية بصواريخ ارض - ارض ، الى تحويل البلد الى سجن كبير اسمه العراق ، الى الى الى ... هكذا كانت خارطة العراق باختصار ، فاي صاحب ذرة ضمير بامكانه ان ينسى - حتى وان تعمد ان ينسى - هذه "الانجازات الكبرى" التي حققها البعث بقيادة ابي حلا وزمرته؟. لست بصدد الدفاع عن نظام سائد ، ولعلي كنت من اوائل من وجه سهام النقد ضد الكثير من اجراءاته وتخبطاته ودستوره، لكن النقمة على وضع سائد لم ولن تجرني الى مقارنته بنظام صدام الناهق النافق ، منطلقا من دستوري الاول والاخير في الحياة والذي يقول : "ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا ، اعدلوا هو اقرب للتقوى" . اما الذين دستورهم في الحياة انحصر في زاوية نتنة من زوايا المؤتمر القطري السابع او الثامن او المئة ، فلا ارى لهم ادنى عزاء ، ولا املك الا ان أهمس في آذانهم بكل شماتة ، بيتَ ابي فرات : لا تلُمْ امسَكَ فيما صَنَعا … امسِ قدْ ولّى ولنْ يُسترجَعا 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13391
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19