• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٩) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٩)

   {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
   فالَّذي يتصوَّر أَنَّ طريق النَّجاح مفرُوشٌ بالورُودِ والرَّياحين فهو مجنونٌ! ومن يظنُّ أَنَّ الطَّريق إِلى القمَّة تحفَّهُ جماهيرٌ تشجِّع وتصفِّق وتُثني وتعبِّر عن فرحتها فهو الآخر مُصابٌ بلَوثةٍ في عقلهِ!.
   قد تَكُونُ هَذِهِ من مميِّزات طريق الفشل! أَمَّا طريق النَّجاح فمليءٌ عقبات قد يضعَها أَقرب النَّاس إِليكَ، أَخوكَ مثلاً أَو صديقكَ أَو أُستاذكَ أَو زميلكَ ناهيكَ عن الدَّولةِ ومؤَسَّساتِها!.
   ومِن الأَدلَّة الَّتي تُشيرُ إِلى هذا المعنى هو أَنَّ مُجتمعنا لا يلومُ الفاشِلَ وإِنَّما يحاربُ النَّاجح! فهو يبِّرر للفاشلِ ويبحث لَهُ عن كلِّ ما يبرِّر له فشلهُ! وهوَ، في نفسِ الوقتِ، يحسدُ النَّاجح إِلى درجةِ الحقدِ والغلِّ أَحياناً!.
   النَّاجحُ عندنا مُستهدفٌ أَمَّا الفاشلُ ففي مأمنٍ!.
   هَذِهِ من جهةٍ، ومن جهةٍ أُخرى فإِنَّ الكثير من الفاشلِينَ الذين يبحثونَ عن نَّجاحٍ يتَّكئُون على النَّاجحينَ للنُّهوض، فيُعرقلونَ مسيرتهُم ولا يدَعونهُم يصلونَ إِلى الهدفِ! فهم يرَون نهوضهُم بتحطيمِ غيرهِم ونجاحاتهُم بفشلِ غيرهِم! عاجزُونَ عَنِ استيعابِ فكرة أَنَّ نجاحهُم يمكنُ أَن يتحقَّق ويتكرَّس عندما ينجح غيرهم كذلكَ! وأَنَّ فشل الآخرين يضرُّ بنجاحاتهِم! وذلكَ بسببِ الحَسد والحِقد والعجز وقصر النَّظر الذي لا يدعهُم ينظرونَ إِلى كلِّ اللَّوحةِ وتفاصيلها!.
   هو يشبه صورة الآية المُباركةِ {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
   وفي الآيةِ الكريمةِ التي صدَّرنا بها المقال يُخيِّر الله تعالى عبدهُ بين الصَّبر حتى تحقيقِ النَّجاح أَو الهَرب من الواقع، كأَن يرتقي سُلَّماً إِلى السَّماء أَو يختفي بنفَقٍ في جَوفِ الأَرْضِ لا يراهُ فيه أَحدٌ!.
   فهل يتحقَّق النَّجاحُ بالإِعتزالِ؟!.
   وهل يتحقَّق التَّنافس بالهربِ من الواقعِ؟!.
   إِنَّ تصوُّر المرء أَنَّ بامكانهِ الهرَب ليُحقق النَّجاح فذلكَ بمثابةِ إِجتماع النَّقيضَين لا يمكنُ تحقيقهُما أَبداً! وهذهِ كل تجارب البشريَّة منذُ أَن خلقَ الله تعالى أَبونا آدم ولحدِّ الآن، فبرأيي فإِنَّ أَصل الصِّراع هو صراعٌ بين النَّجاح والفَشل!.
   فَلَو لم يكُن هابيل قد حقَّق نجاحاً ساحقاً على قابيل {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} لما بادرَ الأَخيرُ إِلى قتلهِ! ولو لم يكُن نبيَّ الله موسى (ع) قد حقَّق نجاحاً واضحاً في صراعهِ الحَضاري مع فِرعَون وأَمام الملأ لما توعَّدهُم الأَخير بقوله {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} وقولهُ {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.
   ولَو لم يُحقِّق أَميرُ المُؤمنينَ (ع) نجاحاتهُ العظيمةِ حتَّى وصلت الذَّروة بشهادةِ رَسُولِ الله (ص) {ضربةُ عليٍّ يومَ الخندقِ أَفضلُ مِن عبادةِ الثَّقَلَينِ} لما حسدهُ قومهُ حتى أَردَوهُ صريعاً في محرابِ الصَّلاةِ في مسجدِ الكُوفةِ [١٩ رمضان ٤٠ للهجرةِ].
   هذا يدلَّنا على حقيقةٍ في غايةِ الأَهميَّة أَلا وهيَ؛ أَنَّ الذي يرُوم تحقيق النَّجاح عليهِ أَن يستعِدَّ لتقديمِ الثَّمن مرَّتَين، مرَّةً وهو يسعى للنَّجاح ومرَّةً بعد أَن يحقِّقهُ! فبينا هو يسعى لَهُ يواجههُ الفاشلونَ بكلِّ ما أُوتُوا من حِيَلٍ ومكرٍ وأَسباب وأَدواتٍ لإِفشالهِ ليسَ أَقلَّها التَّسقيط والتَّشهير بنشرِ الإِشاعات والأَكاذيب والدَّعايات المُغرضة والتُّهم الباطِلة، ورُبما بفبركةِ الصُّور والأَفلام التي قد تسقطهُ بالضَّربةِ القاضيةِ!.
   ولقد أَشار القرآن الكريم إِلى ذَلِكَ بقولهِ {وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} فضررُ إِشاعةٍ واحدةٍ بأَلفِ سيفٍ أَحياناً، ولذلك يلزم الصَّبر وعدم الإِنهيار لإِكمال الطَّريق نحو النَّجاح والقمَّة.
ولقد أَشار القرآن الكريم إِلى شِدَّة الكلمةِ على الرَّسول (ص) إِذا كانت إِشاعةً كاذبةً أَو تقوُّل لم يأتِ على لسانهِ (ص) بقولهِ عزَّ وجلَّ {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}.
   ويُضيفُ تعالى بوصفهِ في الآيةِ الكريمةِ {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
   أَمَّا بعد أَن يحقِّق النَّجاح فسيُواجهونهُ ولكن بأَساليبَ وأَدواتٍ أُخرى!.
   فكيف يمكنُ للمرءِ أَن يحقِّق النَّجاح وهو يمشي في حقلِ الأَلغام الذي يزرعهُ الفاشلُون في طريقهِ؟!.
   ١/ بالثِّقةِ.
   ٢/ بالمُثابرةِ.
   ٣/ بالإِنشغالِ فيما يتعلَّق بالهدفِ فقط، ويحذر الإِنجرار وراءَ القيل والقال وردِّ الشُّبُهات.
   ٤/ بالصَّبرِ فطريقُ النَّجاح طويلٌ أَمَّا طريقُ الفشلِ فقصيرٌ قصير!.
                            لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=133803
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16