• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وقفات مع السيد كمال الحيدري حول الادعاء بأن في القرآن اساطير ( 1 ) .
                          • الكاتب : د . هاشم سلمان الموسوي .

وقفات مع السيد كمال الحيدري حول الادعاء بأن في القرآن اساطير ( 1 )

 لم أكن أتمنى أن ينجر أحد علمائنا لدعاوى المغتربين والحداثيين في الطعن في القصة القرآنية، هذه الدعاوى التي هدفها بالأساس النيل من قدسية القرآن لكي يضعف تأثيره في قلوب المؤمنين، وبالتالي تبدأ الشكوك لديهم حول صحته أو صحة صدوره من عند الله تعالى.

وكان المدخل لهؤلاء هو القصة القرآنية.. التي بدأوا في التشكيك بواقعيتها تحت ذريعة أنها قد تكون اسطورة تحدث بها القرآن جريا على عادة الجاهليين الذين كانوا يتداولونها وهي تمثل جزء لا يتجزأ من ثقافتهم، وأن القرآن لم ينف عن نفسه تهمة الأسطورة..

وأحيانا أخرى هي رموز لوقائع متخيّلة غير واقعية..

وهنا وقبل البدء لا بد من طرح بعض الأسئلة:

هل في القرآن أساطير؟

سؤال قد يستغرب منه البعض.. ولكنها الحقيقة المؤلمة التي يتبناها بعض الكتاب ويروجون لها..

وهل القصة القرآنية التي تمثل ثلث القرآن حقيقة أم أنها أسطورة أو تمثيل لوقائع متخيّلة؟

وهل القرآن قبِل تهمة الأسطورة من المشركين ولم يدفعها؟ وإذا كانت الأسطورة جزء من ثقافة كلّ أمة فلماذا اعترض المشركون على القرآن ووسموه بأساطير الأولين؟

وإذا كانت الأساطير مقبولة لديهم وتمثل جزء من ثقافتهم وهي مألوفة لديهم فلماذا جاء أسلوب المشركين استنكاريا على القصص القرآني واتهموه بأنه لسان بشر وليس منزلا من عند الله؟

أليس من المفترض أن لا يثير القصص لديهم أي استهجان أو اعتراض لأنه مألوف لديهم؟ فلماذا اعتبروا القرآن من صنع البشر بسبب وجود هذه القصص فيه؟

هذه العناوين تبناها كاتب مصري اسمه محمد أحمد خلف الله في رسالة دكتوراه سنة 1947م، مقدمة لجامعة فؤاد (القاهرة حاليا) فأثارت ضجة وتم رفض مناقشتها بسبب ما احتوته من اتهام صريح للقصص القرآني بأنه أسطورة مما يعني التشكيك الصريح في حقيقة ثلث القرآن، لكنه أصرّ على طباعتها فيما بعد بالرغم من الرفض لها.

وقد تبنّى هذا المنهج عدد من الكتاب والأدباء المصريين وفي مقدمهم طه حسين حيث يجملهم نصر حامد أبو زيد بقوله:

" الشيخ محمد عبده، وان استخدم لغة تقليدية، فقد وضع الأساس لهذا التوجُّه، وجاء بعده طه حسين ودفع المنهج إلى الأمام، في كتبه كلها طبعاً، لكن في الأخص كتاب في الشعر الجاهلي، عندما أشار إلى أن القصة القرآنية عن إبراهيم وإسماعيل ليس من الضرورة اعتبارها واقعة تاريخية. وواصَلَ بعده أمين الخولي عندما اعتبر أن أدبية القرآن هي السمة الأساسية التي تسبق أي سمة أخرى، وأن التحليل الأدبي وفن القول يسبقان أي تحليل فلسفي أو فقهي. هذا المنهج طبَّقتْه عائشة عبد الرحمن في التفسير البياني، ومحمد أحمد خلف الله في رسالته الفن القصصي في القرآن، وشكري عيّاد في رسالة الماجستير. وأنا أعتبر نفسي تواصُلاً مع هذا الخط، في سياق تطور النظرية الأدبية وعلم النصوص، عندما كتبت مفهوم النص كان الشيخ أمين الخولي مرجعية بالنسبة إليَّ في ما يسمى أدبية القرآن"([1]).

اذن فان نصر حامد أبو زيد يعتبر نفسه امتدادا لطه حسين وأمين الخولي ومحمد أحمد خلف الله في المنهج التشكيكي في حقيقة القصص القرآني.

ولكن ما يثير الغرابة هو أن ينبري أحد العلماء ممن تربوا في أحضان الحوزة العلمية بالنجف الأشرف وتتلمذوا على يد السيد الخوئي أستاذ الفقهاء والذي كتب الكثير حول علوم القرآن وتفسيره، فيتبنى هذا المنهج ويدافع عنه بل الأدهى من ذلك أنه يدافع عن كل كلمة قرأها في كتاب الفن القصصي في القرآن للكاتب محمد أحمد خلف الله، وان تعجب فما زلت أراك الدهر عجبا.. كيف لعالم دين الانخداع برسالة دكتوراه لطالب متأثّر بأستاذه قبل أكثر من 70 عاما وقد رفضت هذه الأطروحة من قبل الجامعة التي قدمها فيها ثم يأتي هذا العالم ويتبنّى ما ورد فيها حرفيا ويدعي بأنها قدمت لجامعة الأزهر علما بأنها قدمت لجامعة فؤاد التي أصبحت فيما بعد جامعة القاهرة.

للأسف وفي أكثر من مقطع فيديو كان السيد كمال الحيدري يروّج لهذا الفكر السقيم الذي تبنّاه محمد أحمد خلف الله في محاولة يائسة لإثبات ما ألصقه المشركون بالقرآن الكريم من أنه ليس حقيقيا بل اساطير اكتتبها رسول الله فهي تملى عليه بكرة واصيلا، ويدّعي بأن القرآن لم ينف عن نفسه تهمة المشركين متجاهلا كلّ الآيات التي تسبق وتعقب هذه التهم والتي تثبت حقيقية القصص القرآني.. ولا أدري كيف غابت عن السيد كمال الحيدري هذه الحقيقة وهو العالم الذي تربى في أحضان الحوزة العلمية العريقة.

كنت قد ناقشت هذه الاتهامات في رسالة الماجستير في جامعة بيروت العربية والتي تحت عنوان "القصص القرآني وأساليب تفسيره" وأوضحت بأن الهدف من الطعن في القصة القرآنية بالأساس هو تشكيك الناس في قرآنهم، خصوصا وأن الأصوات التي ظهرت في الفترة نفسها وما أعقبها كانت تنادي أيضا بتحطيم قواعد اللغة العربية باعتبارها أصبحت لغة جامدة ومستعصية على الفهم، والمراد من كل ذلك النيل من لغة القرآن وقداسة القرآن.. فهل خفي ذلك على السيد الحيدري الذي بدأ يروّج للكتاب بالصوت والصورة.

وهل كانت الآيات التي تتحدث عن حقيقة وواقعية القصة القرآنية تغيب عن ذهن السيد الحيدري، يقول تعالى:

(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يوسف 111

(نحن نقص عليك أحسن القصص) (يوسف:3).

(تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا)

(وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين (120)( (هود)

(نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى (13)( (الكهف).

(وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) (الإسراء: 105)، (إن هذا لهو القصص الحق) (آل عمران: ٦٢)،

بل إن القرآن الكريم يرد على المشركين في أكثر من موضع قولهم: إنه أساطير الأولين، ومنها قوله سبحانه وتعالى: (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما (6) (الفرقان).

(إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ [آل عمران: 62]، ويقول سبحانه: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ﴾ الأنعام: 57

اذن أين كانت هذه الآيات في ذهن السيد كمال الحيدري عندما بدأ يروج لأسطورية القصة القرآنية..

هذه مجرد اطلالة ولكن..

سيكون لنا نقاش معمق مع السيد كمال الحيدري حول كتاب الفن القصصي في القرآن الكريم لمحمد أحمد خلف الله.

وسنناقش رأيا آخر هو الرمز في القرآن للصادق النيهوم..

...............................

[1] - أبو زيد، نصر حامد، (إشكالية تأويل القرآن قديما وحديثا)(1)تموز 2005م.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=133665
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29