• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ

  {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ* قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ}.
   لم تكُن الرُّؤية أَضغاثُ أَحلامٍ، كما رأَى المُستشارونَ في ردِّهم على سؤَال الملكِ عندما استفتاهُم، إِنَّما كانت رؤيةً حقيقيَّةً وطَّأَت للإِنتقال بالدَّولة من مرحلةِ الفساد السِّياسي والإِداري وفساد المؤَسَّسة الدينيَّة إِلى مرحلة البِناء والإِعمار والتَّنمية الحقيقيَّة كنتيجةٍ للثَّورةِ الإِداريَّة التي قادها نبيَّ الله يوسف (ع).
   المُشكلةُ كانت أَنَّ الملكَ لم يستشِر، بادئ ذي بدء، الشَّخص الصَّحيح وإِنَّما استشارَ مجموعةً من المُستشارين الجهلة الذين يأخذونَ بظواهر الأُمور من دونِ تعمُّقٍ أَو دراسةٍ مُستفيضةٍ! أَمَّا عندما استشارَ الشَّخص الصَّحيح [نبيَّ الله يوسف (ع)] حصل على التفسير والإِجابة الصَّحيحة!.
   وهذه هي مشكلةُ أَغلبنا فعندما نريدُ أَن نستشيرَ أَحداً في أَمرٍ ما لا نذهب إِلى الشَّخص الصَّحيح، الخبير صاحب الرَّأي السَّديد المعروف برجاحةِ العقلِ والأَمانةِ في الرَّأي، وإِنَّما نذهب إِلى أَيِّ واحدٍ نستشيرهُ حتَّى إِذا لم يكُن مُختصّاً بالموضوع مَورد الإِستشارة أَو جاهلاً بهِ ولا علمَ لهُ بهِ! ولمّا لم تأتِ النَّتائج بالشَّكل السَّليم والمطلوب نرمي مشكلتنا على الحظِّ مثلاً!.
   وعلى العكسِ من ملكِ مِصر الذي كانت تحيطُ بهِ مجموعةً من المُستشارين النفعيِّين الذين لا يفهمُونَ بشيءٍ لأَنَّهم كانُوا يقدِّمون مصالحهُم الشخصيَّة على المصالح العامَّة فكانُوا يفسِّرونَ الأُمور التي يسأَلهم عنها الملك بما يحمي الفساد ويحفظ مصالحهُم عِنْدَ المسؤُولين الفاسدين في الدَّولة والمعبد! فإِنَّ ملِكة اليَمن كانت تُحيطُ عرشها بمجموعةٍ تختلفُ عن هذا النَّوع من المُستشارين! ولذلك فعندما استشارتهُم في أَمر نبيَّ الله سُليمان (ع) لم يتسرَّعوا في الإِجابةِ وإِنَّما بذلُوا جُهدهم لدراسةِ الأَمر وتقليبِ ظهرهِ وبطنهِ ليقدِّموا لها أَفضل ما عندهُم من آراء تحمي المملكة ولا تضرُّ بالملِكة وسمعتها ومكانتها! ثمَّ تركُوا البابَ مفتوحاً للنِّقاش ولم يغلقوها لشدَّة حساسيَّة وخطورة الموضوع.
   يَقُولُ تعالى {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ* قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍۢ وَأُوْلُواْ بَأْسٍۢ شَدِيدٍۢ وَٱلْأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ}.
   من المهمِّ جدّاً أَن نتعلَّمَ فنِّ الإِستشارةِ وفنِّ السُّؤال، نتعلَّم لِمن نستشير؟ ولماذا؟ وكيفَ؟ ومتى؟ لأَنَّ كلَّ ذَلِكَ مُقدِّمات ضروريَّة تُحدِّد صحَّة أَو خطأ النَّتيجة المُرتقبة.
   إِنَّ المُستشارين همُ الذين يقرِّرون مصير المسؤُول وتالياً الدَّولة، ولذلكَ نُلاحظ أَنَّ المشرِّع حرصَ أَشدَّ الحرصِ على تحديدِ شرُوطٍ قاسيةٍ في المُستشار، فهوَ عقلُ المسؤُول الذي يفكِّرُ بهِ وعينهُ التي ترصُد وأُذنهُ التي تُتابع، فإِذا كانَ العقلُ مُصاباً بعمى البصيرةِ والعينُ بعمى البصرِ والأُذنُ بالطَّرش، فأَيُّ نوعٍ سيكونُ هذا المُستشارُ إِذن؟! وأَيُّ نوعٍ من الإِستشارات سيقدِّمها للمسؤُول كلَّما استشارهُ بأَمرٍ؟!.
   إِنَّ أَهم خِصلتَين في المُستشار، أَيَّ مُستشار، هما التي دوَّنهُما أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في خُطبتهِ في أَصحابهِ عندما سأَلهُم المَشوَرة قائِلاً {فَأَعِينُوني بِمُنَاصَحَةٍ خَلِيَّة مِنَ الْغِشِّ، سَلِيمَةً مِنَ الرَّيْبِ}.
   فالغشُّ والتردُّد يُدمِّران الإِستشارة وبالتَّالي النَّتائج المُنتظَرةِ! فهُما من أَسوء ما قد تُصيبان الإِستشارة، وعكسهُما الصِّدق والثِّقة، فـ {المُستشارُ مُؤتَمنٌ} ومن شرُوطِ الأَمانةِ هو أَن لا تحتوي الإِستشارة على غشٍّ أَو فيها ورطةٍ أَو مقلبٍ! وأَن تكونَ سليمةً من الشكِّ والتردُّد (الرِّيب).
   




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=133563
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16