• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لو إطگ روحك ما أسجنك لماذا ماضينا أفضل من حاضرنا ؟؟ .
                          • الكاتب : كاظم فنجان الحمامي .

لو إطگ روحك ما أسجنك لماذا ماضينا أفضل من حاضرنا ؟؟


مقالة طريفة نشرتها جريدة المستقبل بعددها الصادر في 19/1/2012

 في عام 1988, وفي اليوم الأول الذي وصل فيه المدير الجديد للموانئ العراقية, الأستاذ (عبد الرزاق عبد الوهاب علي *), ليباشر مهام عمله في البصرة خلفا للأستاذ (فالح محمود الموسى), وقف على أطلال الأرصفة التي خنقتها الحرب الطويلة, وشلت حركتها بالكامل, ليقرأ كلمته الافتتاحية, التي كان فيها في قمة الحكمة والوضوح, عندما قال: (أتمنى أن يوفقنا الله جميعا فنرتقي بالموانئ العراقية إلى المستوى الذي كانت عليه في الخمسينيات أو الستينات). .

وكان الرجل على حق, ففي تلك الحقبة ازدهرت موانئنا وتألقت حتى تربعت فوق ناصية المجد, وتفوقت على الموانئ الأوربية والأمريكية بشهادة المنظمات والهيئات الدولية. .  

وهكذا نحن دائما, نشعر أننا كلما رجعنا إلى الوراء, وعدنا إلى الماضي وتفاصيله, وشاهدنا ما آلت إليه أحوالنا في حاضرنا المؤلم, قلنا: أن ماضينا كان أجمل وأفضل من حاضرنا. .

فالأمس عندنا أفضل من اليوم, واليوم أفضل من الغد في هذه المتوالية الزمنية المتكررة, وشاءت الأقدار أن نتقوقع في حاضرنا عند التقاء عقارب التردي في النقطة المنخفضة من ذراع البندول المتأرجح في قعر دائرة التعاسة, في الوقت الذي يكون فيه ماضينا هو الأسمى والأجمل والأهدأ والأروع, وما زلنا حتى يومنا هذا, بل في يومنا هذا (على وجه التحديد), نردد حكايات الزمن الماضي, كلما اجتمعنا سوية تحت سقف واحد, لأننا لا نملك من حاضرنا ما يبعث فينا البهجة والسعادة والفرح, ويعيد لنا الطمأنينة والاستقرار. .

من هذه الحكايات الجميلة المعادة, اخترت لكم هذه الطرائف الظريفة من حياة رئيس الوزراء الأسبق (نوري السعيد), الرجل الذي كان أجدادنا يبغضونه, ويشتمونه في الرايحة والجاية, وتبين لنا الآن أنهم كانوا جميعا على خطأ بالمقارنة مع ما آلت إليه الأمور في المرحلة الراهنة. .

كان الباشا نوري السعيد يذهب إلى مكتبه مبكرا, ليكون أول من يدخل المبنى, وكان في طريقه إلى المكتب رجل يبيع الكباب المشوي على الرصيف, وكلما مرّت سيارة الباشا, (سيارة واحدة فقط),  يعترضها الكبابجي ويصرخ بأعلى صوته شاتما نوري السعيد بألفاظ قاسية, حتى تكررت الاعتراضات وتصاعدت نبرة الشتائم, فتمادى الكبابجي بالإساءة, ما اضطر الباشا إلى التوقف ذات يوم أمام عربة الكبابجي, والترجل من سيارته, وتوجه بالسؤال إلى الكبابجي: لماذا تعترض طريقي, وتشتمني كل صباح, ما الذي فعلته لك ؟؟, فأجابه الكبابجي باللهجة البغدادية الدارجة: ((باشا آني ما عندي شي وياك, بس آني يوميتي (أجري اليومي) قليلة 250 فلس, وصاحب عائلة كبيرة, وما أقدر أوفر منها المال لزواجي, وعرفت أن الحكومة تصرف بالسجن (400) فلس يوميا لكل مسجون, من غير الأكل والشرب والمنام, فـﮝلت (قلت) أتهجم عليك وأسبك, لعله تدخلني السجن, كسجين سياسي, واستفيد من المصرف اليومي, واجمع لي كم فلس)), فضحك الباشا, وأعطاه خمس دنانير من جيبه الخاص, وأخبره أنه لا يستطيع إرساله إلى السجن, فودعه بروح رياضية وانصرف إلى مقر عمله. وفي اليوم التالي مرّ الباشا على الكبابجي, فناداه من خلف نافذة السيارة مداعباً: ((لو إطگ روحك ما أوديك للسجن)). .

حكاية أخرى عن نوري السعيد, تقول: أن الباشا دأب على الاستماع لبرامج الإذاعة العراقية ونشرتها الإخبارية في الصباح الباكر, قبل تناوله الإفطار (الريوق), وكانت قراءة الأخبار محصورة بين الدروبي وموحان بن الشيخ طاغي الطائي. .

وفي يوم من الأيام كان موحان هو الذي يقرأ النشرة الصباحية, ثم بثت الإذاعة أغنية (جبل التوباد حياك الحيا) في نهاية النشرة, وهي من قصائد أحمد شوقي المغناة بصوت الموسيقار محمد عبد الوهاب, وما أن سمع الباشا المقطع الأول من الأغنية, حتى تملكه الغضب, واتصل هاتفيا بالإذاعة, وطلب مديرها (محسن محمد علي), الذي لم يكن موجودا وقتذاك, فتحدث مع موظف في الإذاعة, وسأله: ((منو هذا اللي كان يذيع النشرة ؟؟؟)), فقال له: انه موحان ابن الشيخ طاغي, قال: ((جيبوه أكلمه, قولوا له رئيس الوزراء يريدك)), فأسرع موحان إلى التلفون, وكان مضطربا قلقا, ولم يكن بعد قد تناول حتى استكان شاي يبل به ريقه, فالتقط السماعة, وأجاب: ((نعم سيدي)), فجاءه صوت الباشا هادرا من الطرف الآخر: ((ولكم وين راح ذوقكم, الناس بعدهم على ريقهم, وانتو تدقوا لهم جبل التوباد, أتريدون تبكّوهم من الصباحيات, يعني ما عندكم أغنية بيها خير من الصبح, أغنية بيها شويه فرحة, بهجة, ابتسامة, حتى تسمعونهم هاذي الأغنية ؟؟)). .

ثم هدأ فجأة, وتغير صوته, وقال: ((أبني موحان خلونا نسمع شي يفرحنا, مثل اعنية: على شواطي دجلة مر, أو خدك القيمر, أو خدري الجاي خدري, شوفولكم بستات توّنس الناس وتفرحهم ؟؟)), عندئذ اعتذر موحان بأدب جم. فبادره رئيس الوزراء بنبرة الأب الحنون: ((أبني موحان أنت تريقت لو بعدك ؟؟)), فأجابه: ((لا والله باشا)), فقال له الباشا: ((طيب تعال, وجيب وياك صاحبك الدروبي, تعالوا تريقوا ويايه, شيعجبكم تأكلون ؟؟)). .

وصل الاثنان (موحان والدروبي) إلى بيت الباشا, الذي كان خلف الإذاعة تماما, وما أن جلسا حتى حضر طبق البيض المقلي, وجبن الضفائر, وقيمر السدة, والكاهي, والعسل, وكانت وليمة فطور لا تنسى, جمعتهم في دار الباشا, فخرجا من البيت فرحين مسرورين, وعادا إلى عملهما في يوم مشرق من تلك الأيام البغدادية الجميلة, وقد تعلما كيف يرسما الابتسامة على وجوه المستمعين. .

كانت النفوس في الماضي طاهرة نقية, لا تعرف الحقد, ولا الكراهية. ورحم الله شاعرنا الجميل محمود درويش عندما قال: ((لا بأس من أن يكون ماضينا أفضل من حاضرنا, ولكن الشقاء الكامل أن يكون حاضرُنا أفضل من غدنا. فيا لهاويتنا كم هي واسعة ؟؟)), وبات من المسلم به أن ذكريات ماضينا أفضل من حاضرنا, وسوف تكون ذكريات حاضرنا أفضل من مستقبلنا. .

والله يستر من الجايات. .

 

(*) شغل رئيس المهندسين الأستاذ (عبد الرزاق عبد الوهاب علي) منصب مدير عام الموانئ العراقية للمدة من 1/11/1988 إلى 18/9/1994, وكان من خيرة المدراء في تلك الحقبة الحرجة, حين نجح في انتشال الموانئ من تحت الصفر, والارتقاء بها إلى مصاف الموانئ الخليجية المتقدمة. .

 


كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : كاظم الحسيني الذبحاوي ، في 2012/01/23 .

حضرة الأستاذ المرهف الذي يستمد رهافته من سعفات نخيل العراق،حينما كان نخيلاً تتغنى بوارف نسمات سعفاته الأيام ، الكابتن البحري كاظم فنجان الحمامي أعزه الله .
السلام عليكم مني ومن ذاكرة نخيل الفرات
حين قراءتي لهذا المقال استوقفتني عبارتك فيه التي تقول فيها : الرجل الذي كان أجدادنا يبغضونه, ويشتمونه في الرايحة والجاية .
لماذا كان أجدادنا يبغضون نوري السعيد ويشتمونه ؟ أليس هم الذين جاؤوا به حينما ذهب أشياخهم إلى الحجاز لتقبيل يد الشريف حسين ،علّه يرضى أن يبعث إليهم ولده فيصلاً حاكماً (مفوّضاً) منهم ومن المندوب السامي البريطاني الذي (قاوموا جيوش حكومته) في الشعيبة وفي مناطق الفرات والوسط ،فالذي فوضوه (وآمنوا به ونصروه وعزّروه) هو مَن جاءهم بنوري هذا ؟
وحينما ثار(الضبّاط الأحرار) على سلطة نوري سعيد التي كانت بأيدي (الضباط غير الأحرار)، هل وجد العراقيون (الأجداد) ومن بعدهم الأحفاد، رئيساً للحكومة أتى بأفضل ممّا جاء به نوري السعيد ،حتى يكون لبغضهم ولشتيمتهم له معنى ؟
وإذا كان الأجداد مخطئون بنظرتهم إلى نوري السعيد ،هلا ّاستفاد الأحفاد من أخطاء أجدادهم ، أم ساروا على نهجهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ؟
المضحك ..
يعيبون على طارق الهاشمي وغيره أن ذهب إلى السعودية ،وأجدادهم ذهبوا إلى الحجاز!
هل رضي العراقيون (من الأجداد إلى الأحفاد) عن رئيس قاد مسيرتهم وتكلم باسمهم حينما يغضب وحينما يرضى ؟
هل يمكن اعتبار ما كان يجري وما جرى في العراق ،سيرٌ من الشعب على خطى بني إسرائيل حينما طلبوا من نبيّهم العظيم موسى صلوات الله عليه أن يدعوا ربّه يخرج لهم ممّا تنبت الأرض (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) [البقرة : 61] ؟
أو أنهم استحبوا أن يكونوا كما كان أولئك حينما طلب منهم نبيهم أن يذبحوا بقرة ليعرفوا مَن قتل الشاب الإسرائيلي المغدور :( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ (68) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)؟
فلو كانوا كذلك ،فإنه يصدق عليهم قوله تعالى :( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[ البقرة :74] !!
بيان : قسوة القلوب تعني صلابتها بحيث لا تتمكن الحكمة من اختراقها ، إذا مثلنا للحكمة بكائن رقيق وشفاف .
ماذا يريد العراقيون ؟ سؤال لا أحد يستطيع أن يجد له جواباً !!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13330
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19