• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : جسور الثقة .
                          • الكاتب : هيثم حيدر البغدادي .

جسور الثقة

حدثني أحد أدباء المهجر ممن كان يتخذ من إحدى الدول الأوربية مقراً له،ويحترف أهلها لغة التعامل مع الآخر بشكل جيد دونما الاستعانة بعضلاتهم المفتولة أو ما يخبئونه تحت إباطهم من هراوات وعصي أو أشياء أخرى من مبتكرات بنات أفكارهم ما أنزل الله بها من سلطان..!!استقر بها في أواخر التسعينيات  بعدما تمكن من الإفلات من قبضة السلطان الجائر الذي إنقض على أهله وأخوته وأعدمهم جميعاً لكنه ما استطاع الإفلات من قيود الشوق والحنين التي كانت تكبله عليه منذ شروق الشمس حتى مغيبها في منفاه..

كان هناك ميدان عام تتوسطه بركة ماء عُملت بطريقة غاية في الجمال حيث كانت تتربع قلبها نافورةٌ رخاميةٌ تنساب منها شلالات الماء الملون تداعب نسائمها الندية وجهك ويجتمع حولها الناس،تحيط بهم من كل جانب أسراب من الطيور التي اعتادت أن تحط على موائد كفوف المارة المفتوحة وهم يضعون لها حبوباً من الطعام لتنقرها وكأنها لوحة رسام يمتلك حساً وجدانياً عالياً وإحساساً مرهفاً ويتقن العمل بأدواته أيما إتقان.

حدث ذات يوم أن عربياً كان متواجاً في ذاك الميدان فتح يديه إلى السماء في دعوةٍٍ منه إلى تلك الطيور وكأنه يعد لها وليمةً دسمةً دون أن يضع في كفه أي طعام..!!،وجاء الطير كعادته وحط على كفه فلم يجد ما ينقره مما تسبب في إستيائه وهربه مباشرة بطريقة وكأنه يعلن تمرده على هذا الفعل المشين بالنسبة (للطير والمتواجدين)..الغريب في الأمر أن شرطياً كان واقفاً على مقربةٍ منه ويرى المشهد من بدايته أتى مسرعاً صوب هذا العربي ليحرر له غرامةً مالية ستتحول في حال تكرارها إلى عقوبة الحبس إن لم يتعظ..وحين سؤاله عن السبب قال الشرطي:.

•-   إننا ولفترة طويلة عملنا على طمأنة هذا الطير ومد جسور الثقة بيننا وبينه،وأنت بفعلتك هذه  تعود بنا إلى مرحلة ما دون الصفر فقد جعلت من الطير يفقد الثقة بجنس البشر ولا يطمئن لتحركاتهم وبعد اليوم سيحسب لنا ألف حساب قبل أن يحط على كفوفنا..لذا كنت مستحقاً لرادع..ورادعكم العقوبة أما الغرامة المالية أو الحبس..

لا أخفي سراً أنني وقت سماعي لهذه الاعجوبة القصصية لواحدة من الآف المشاهد اليومية المشابهة لها وعلى شاكلتها لتي تحدث في بلاد الغرب وددت حينها أن تنشق الأرض وتبتلعني..ليس على فعلة أحد أبناء جلدتي من بلدان العالم الثالث بل على تلك الطامة الكبرى والكارثة المميتة التي يقترفها السادة المسؤولون في بلدي المثخن بالوعود التي ما رأت بصيص نورٍ لتحقيقها سوى مساحات واسعة على شاشات التلفاز والقنوات الفضائية والصحف المسجلة والمعتمدة لدى السادة المسؤولين حصراً،أو تلك التي يمتلكونها أنفسهم بشكل مباشر أو غيره..!!

هيثم حيدر البغدادي




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=133
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 07 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29