• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حول ماكنة الدعاية البعثية الغوبلزية في التضليل .
                          • الكاتب : د . عبد الخالق حسين .

حول ماكنة الدعاية البعثية الغوبلزية في التضليل

لست مبالغاً إذا قلت أن أكبر آفة ابتلى بها العراق بعد الطائفية، هي آفة حزب البعث. فمنذ سماعنا بهذا الاسم أيام ثورة 14 تموز 1958، والشعب يدفع من دماء أبنائه وممتلكاته، ويعاني الحرمان من ثرواته الهائلة، وصار عرضة للتضليل والردة الحضارية وعدم الاستقرار. 
وأسوأ ما في البعث بعد مظالمه وحروبه العبثية وممارساته للإرهاب، سواءً كان في السلطة أو خارجها، هو تمتعه بجهاز إعلامي ضخم متقن، ومتفنن في صنع الأكاذيب والإشاعات وبثها على أوسع نطاق. فقدرته على التضليل وخدع الرأي العام العراقي والعربي فاقت حتى قدرات ماكنة الدعاية النازية تحت إمرة غوبلز الذي اشتهر بقوله: "اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، بل وحتى تصدق نفسك!!". 
 
وقد تطرقت إلى هذا الموضوع أكثر من مرة، ولكن بين حين وآخر تطلع علينا الدعاية البعثية الغوبلزية بإشاعات جديدة وبطرق جديدة في التضليل، الأمر الذي يدفعنا لمعاودة الكتابة في هذا الموضوع وفق المستجدات، وقد أضطر إلى تكرار البعض مما ذكرته سابقاً، وذلك لإكمال الصورة. 
 
فمنذ أن رفضتُ مواكبة الرهط في تصديق أكاذيب البعث في تشويه صورة العراق الجديد، رحت أستلم رسائل من بعض القراء الكرام، ومن بينهم أصدقاء مقربين الذين لا يشك بوطنيتهم، يرفقون رسائلهم بمقال أو "وثيقة مصورة"، غرضها الطعن بالحكام الجدد وبالأخص من طائفة معينة. وآخر ما استلمت في هذا الخصوص، رسالة من صديق قال فيها: 
* "منذ مدة صرت أستلم رسائل من أصدقاء، فيها مقالات وأخبار عن نجل رئيس الوزراء العراقي المالكي ومقارنته بابن الطاغية المعدوم عدي إذ أنهم يصفون أفعاله بتجاوزها ما كنا نسمعها عن عدي...الخ". كما وبعث الصديق نفسه مقالاً في هذا الخصوص، وعادة يكتب هؤلاء بأسماء مستعارة.
 
ورسالة أخرى على شكل مقال بعنوان:
* "أوامر المالكي: احرقوا علم العراق ولكن لا تحرقوا علم أمريكا". ويبدأ الكاتب مقاله بالقول: "من حق المالكي أن يحرق علم العراق الذي لف جثامين الملايين من الشهداء الذين سقطوا في الدفاع عن تراب العراق.. من حقه أن يحرقه لأنه لا يعرف قيمة العلم العراقي ومكانته في نفوس الشعب، من حقه أن يحرقه لأنه أصلا لا ينتمي إليه، ولو علم المالكي أن شرفه وهيبته ومكانته متأتية من قدسية هذا العلم لما أصدر أوامره تلك.. تبا لكل خونة العراق ...وأن الصبح لناظره قريب بعون الله".
 
* نموذج آخر من هذا الهذيان يقول: [وزارة التعليم العالي و"البحث العلمي " تفرض على الجامعات العراقية تنظيم (مواكب) للزيارة في واحدة من أبشع مظاهر الطائفية والتخلف في العراق الفارسي الجديد..! - كتاب رسمي... إشبع ديمقراطية وحرية ...وتمثيل سياسي.. وانتخابات تشريعية... ودستور جديد ....... ولللللللطم].
 
يلاحظ القارئ الكريم، النفس الطائفي البعثي النشاز من هذه العبارات والافتراءات التي لا تدل على ذكاء بقدر ما تدل على غباء كاتبها واستماتته في تشويه الحقائق، واستغفال عقول العراقيين وإهانة ذكائهم. فجميع تصريحات وأحاديث المالكي مسجلة ومعروفة حيث تنشرها وسائل الإعلام، ولم نسمع منه يوماً أنه قال مثل هذه العبارات (إحرقو العلم العراقي ولا تحرقوا العلم الأمريكي). وكذلك "الكتاب الرسمي" المزعوم من وزارة التعليم العالي في إجبار طلبة الجامعات على تنظيم مواكب "لللللللطم ".
 
ومن صديق آخر، وصلتني رسالة ومعها مرفقات يدعي ملفقوها أنها "وثائق دامغة" على جرائم السلطة، يقوم بتوزيعها أناس محسوبين، للأسف الشديد، على اليسار، تبدأ بالعبارات التالية:
"حكومة المالكي إيرانيه بلا جدال ... مسؤؤلة عن قتل الأبرياء، وهذه الوثائق شيء قليل من ضمن كم كثير من الدلائل والبراهين .. يا من خُدِعتم وانتخبتم الأوغاد الخانعين لقتلة العراق إليكم الدليل وبالوثائق"، ومع الرسالة عشر "وثائق" ملفقة مؤلفة بمنتهى الإتقان في محاولة لخدع الجماهير. 
وما تقدم، هو غيض من فيض، ومن هالمال حمل جمال، كما يقول المثل العراقي. 
 
عوامل ساعدت البعثيين على التضليل
1- آيديولوجية البعث: كأية أيديولوجية شمولية، فهي معادية للديمقراطية أصلاً، إذ جاء في دستور الحزب، أن البعث يعتمد لاستلام السلطة على الانقلابات، والتآمر. ولذلك نجد تصعيد حملتهم ضد الديمقراطية في العراق الجديد، وبذل كل ما في وسعهم لتشويه صورتها، وعدم احترام نتائج الانتخابات، لأنهم يعرفون جيداً أن لا نصيب لهم باستلام السلطة بالوسائل الديمقراطية السلمية. 
 
2- تشويه سمعة الخصوم: يتذكر القراء من جيلي ما عمل البعثيون في عهد حكم الأخوين عارف على تشويه صورة طاهر يحيى مثلاً، والإساءة إلى سمعته، وقد أطلقوا عليه مختلف الأسماء والألقاب التسقيطية البذيئة مثل: "حرامي بغداد"، و"أبو فرهود"، وأشاعوا عنه أنه يسرق حتى ملاعق الطعام في الولائم التي يدعى إليها!!!. ويومها صدقت غالبية العراقيين بهذه الإشاعات، ولكن بعد فوات الأوان أثبت الباحث الأمريكي- الفلسطيني، حنا بطاطو، أن جميع هذه الدعايات ضد طاهر يحيى كانت كاذبة ومن صنع البعثيين. وما أشبه اليوم بالبارحة.
 
3- تراكم الخبرة في التضليل: منذ اغتصاب حزب البعث السلطة للمرة الثانية في عام 1968، خصصوا مبالغ طائلة من ميزانية الدولة للإعلام وشراء صحفيين، عراقيين وعرب وأجانب، كما وأرسلوا آلاف البعثات الدراسية إلى الغرب للتخصص بالإعلام، والحرب النفسية، وكيفية السيطرة على الرأي العام وتوجيهه كما يريدون، وتشويه صورة وسمعة الخصوم وتلميع صورة "القائد الضرورة"، بل وبلغ حقدهم على الشعب العراقي إلى حد شن حملة تسقيطية ضد مكونات الشعب العراقي والتشكيك بأصولهم، إذ يقول الأستاذ حسن الخفاجي في هذا الخصوص: "ربما لا يعرف الكثير من العراقيين إن أسلوب التسقيط ورمي التهم والتشكيك بأصول العراقيين وعقائدهم أسلوب صدامي، حتى إن صدام انشأ شعبة في المخابرات تسمى (شعبة الحرب النفسية)، اختصت بمحاربة العراقيين قبل أن تختص بمحاربة غير العراقيين، وفيها تطبخ الدعايات والإشاعات والنكات التي تسيء لبعض مكونات الشعب العراقي، التي يضعها صدام في خانة الأعداء. عندما كان عداء صدام مع شعبنا الكردي لم نسمع غير نكات بدايتها تقول: (اگو واحد كردي) ومن ثمة نسمع المساس بالأكراد. وعندما انتفض سكان الجنوب في العام 1991 بعدها صرنا نسمع نكات تبدأ: بـ(اگو واحد شروگي)، وتنتهي بالسخرية والإساءة، وعندما ثار الضابط البطل محمد مظلوم الدليمي ضد صدام، صرنا نسمع نكات تبدأ: (اگو واحد دليمي)، ثم يساء من خلال النكات لقبيلة الدليم."
وأضيف، أن هذا الجهاز الإعلامي مازال فاعلاً إلى اليوم، تدعمه عشرات الفضائيات العربية ومواقع الإنترنت.
 
4- الاستفادة من التراث، والثقافة الاجتماعية: لقد عانى الشعب العراقي كثيراً من حكم الأجانب، وبالأخص الحكم العثماني ومظالمه طوال أربعة قرون، لذلك كره الشعب التدخل الأجنبي في شؤونه حتى ولو كان لصالحه، وأفضل مثال هو عندما قامت القوات الدولية بقيادة أمريكا بتحرير العراق من الفاشية البعثية، استخدم البعثيون تعبير "الاحتلال الغاشم" و"الاستعمار الأمريكي" و "عملاء أمريكا"، وأن غرض أمريكا استعباد الشعب العراقي ونهب ثرواته...الخ، بينما الذي حصل هو العكس تماماً، فصدقهم كثيرون، لأن المشكلة، ليس من السهل تغيير العقلية السائدة بين عشية وضحاها.
 
5- وجود شريحة واسعة من الناس سريعو التصديق بكل ما يتلقون دون إعمال العقل والتفكير النقدي أو القدرة على تحليل ما يقرؤون لفرز المعقول من اللامعقول. لقد عمل جهاز البعث الإعلامي لأربعة عقود على التجهيل المتعمد، وتفتيت النسيج الاجتماعي، وتدمير العقل، ليسهل بذلك على البعثيين ترويض العراقيين وإخضاعهم لإرادتهم بالشكل الذي يريد منهم البعثيون، وتصديق إشاعاتهم بدون أي اعتراض أو إخضاعها للتفكير النقدي، وإعمال العقل فيما يتلقون من خرافات وإشاعات. 
 
6- الاستفادة من التكنولوجية: نحن نعيش في عصر التقنية المتطورة في الاتصالات والثورة المعلوماتية، من فضائيات وانترنت، والرسائل الإلكترونية، والتي تسهل حتى للفرد الواحد القيام بتأليف الدعايات المضادة وتزوير وثائق ونشرها على أوسع نطاق بسهولة وسرعة، وبتكاليف طفيفة. وهذا ما يجري الآن من قبل البعثيين وغيرهم. فتقنية الاتصالات سلاح ذو حدين يستخدم للخير والشر معاً.
 
7- تعقيدات الوضع العراقي: استفاد البعثيون من تعقيدات الوضع العراقي وبالأخص الاستقطاب الطائفي الذي هو بالأساس صناعة البعث الصدامي لأربعة عقود، خاصة بعد انتفاضة أهلنا في الوسط والجنوب وكردستان عام 1991، وقيام نظام صدام بسحق الانتفاضة بمنتهى القسوة، ورفعه شعارات طائفية مثل (لا شيعة بعد اليوم)، وتقسيم المحافظات إلى "سوداء وبيضاء!!"..الخ، ولذلك حصل استقطاب طائفي لصالح الأحزاب الدينية على حساب الأحزاب العلمانية، وبالأخص اليسارية، لذلك وجد الخاسرون في الانتخابات أنفسهم، بوعي أو دونه، يصطفون إلى جانب البعثيين في شن حملة ظالمة ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطياً، ومشاركتهم للبعثيين في شن هجوم على الديمقراطية وتشويه صورتها، والتقليل من قيمة صناديق الاقتراع، إلى درجة أن راح بعض الكتاب المحسوبين على اليسار إلى اتهام الشعب بالجهل، وإلقاء اللوم في هزيمتهم على المرجعيات الدينية، و"كتاب السلطة" و"وعاظ السلاطين" الذين ساندوا "حكومة الملالي الطائفية!!" على حد تعبيرهم. 
 
8- استفادة البعث من طائفية الحكومات العربية والصراعات الإقليمية: لقد أثبتت الحكومات العربية ووسائل إعلامها، أنها طائفية حتى النخاع، ومستعدة للتضحية بالمصالح القومية في سبيل الطائفية. وتاريخ علاقاتهم مع العراق معروف خلال القرن العشرين وإلى الآن. وظهرت طائفية الحكومات العربية بأجلى أشكالها من خلال مواقفها المزدوجة إزاء انتفاضات الربيع العربي، وقبلها انتفاضة الشعب العراقي عام 1991، حيث وقفت هذه الحكومات ووسائل إعلامها ضد الانتفاضات إذا كان في الشعب المنتفض نسبة كبيرة من الشيعة، كما توضح ذلك من موقفهم من الانتفاضة العراقية عام 1991، وانتفاضة الشعب البحريني عام 2011. لذلك وبعد سقوط حكم البعث الصدامي، ورغم كره العرب له، إلا إنهم وقفوا مع فلول البعث ونشر أكاذيبهم وتشويه صورة العراق الجديد، ونشر كذبة كبرى مفادها انفراد الشيعة بالسلطة وتهميش العرب السنة. وهذه الكذبة سنفرد لها مقال خاص. 
 
خلاصة القول، لقد نجح البعثيون في تمرير أكاذيبهم ولعبتهم في تشويه صورة العراق الجديد، حتى على الناس الطيبين الذين عانوا الكثير من مظالم البعث الصدامي، حيث صاروا يشاركونهم في ترويج دعاياتهم المسمومة. نلاحظ أن البعثيين وحلفائهم اعتمدوا على الإرهاب الفكري وابتزاز كل من يرفض السير على نهجهم. فالمحنة التي يواجهها اليوم كل من يحترم عقله، ويرفض ثقافة القطيع، والتصديق بافتراءات وإشاعات البعثيين وحلفائهم، ومسايرتهم على نهجهم، صار عرضة للاتهام بالطائفية، ووصفه بأنه من كتاب السلطة..الخ. ولكن مهما تفننوا وتمادوا في تسويق وترويج الأكاذيب، فإننا واثقون من هزيمتهم، لأنهم يقفون على الجانب الخطأ من التاريخ، وأن حبل الكذب قصير. 
عنوان مراسلة الكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
 مدونة الكاتب: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13244
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28