• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اعترافات شبث بن ربعي .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

اعترافات شبث بن ربعي

من ليل بنيت خرافتي، لتصحو كهولتي على لهاث خائب، استرق السمع من نافذة الحكاية، وأسأل: ماذا هناك؟ لاشيء سوى اصوات تستغيث... والمختار الثقفي ينادي: أين انت يا مسلم بن عوسجة؟ مجيب يجيبه:ـ سيأتي، وحبيب بن مظاهر يرى ان البيعة مضمون... واسترق السمع من النافذة التي في الجهة الاخرى، يقول حجار:ـ الوقت اعور ما عاد يبصر ذاك الظل القادم الى الكوفة، يحمل الصحو فتنة، انه مسلم بن عقيل. تسألني نفسي: وأنت ماذا فعلت يا شبث؟ انا الشارد من يقظتي ما زلت عالقا في الضياع، ماذا سأفعل والغدر ينهض على اعتاق بريد، مسمار من المسامير التي هشمت الضلوع، يكتب هذا الابله ليزيد: (فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً ينفذ أمرك، ويعمل مثل عملك في عدوك، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف، أو هو يتضعف). إن دم العتمة يسيل، إرث الغفلة عناوين نصيحة لا تدرك معناها... :- ماذا قلت يا شريح، ايها القاضي الذي دحرجته الطغاة اداة لا تفقه سوى الموافقة على ما تصدره العروش او الكروش، كلاهما بمعنى واحد..! وانت مجرد طبل تقرعه المصالح في كل مصير. شريح يجيب بصلافته المعهودة:- ان في الفقه وجوب طاعة السلطان حرا كان او فاجرا، تسلط بالكرامة او بالسيف، فما علينا ان نتدخل في تقاوة ونقاوة السلاطين، ايها الناس عليكم بالصلاة وبالصيام، وليأتي الى العرش حاكم كائنا من كان... قلت: انا شبث بن ربعي ما حيرني الزمان مثل اليوم، لا ادري كيف اصبحت تلك الامنيات الثرثارة خرساء؟ وجنائن الوعود من جعلها فجأة هكذا قاحلة، وحقل الضوء على مقربة من خطوة، سيقدم بليل نائم، والتناقضات مسير الخائبين يا شيخ شريح... بالأمس حين كتبنا العهود الى الحسين (عليه السلام)... اوه... الآن تسمعوني أزف اليه السلام، وانا الذي خنته مع الخائنين..! يا لحسرتي... هههه بعض يسمعني سيظنه ندما، لا انه قيحي، تناقضاتي بين القول والفعل، وجنائن الوعود تصبح هكذا فجأة قاحلة، وحقل الضوء على مقربة من خطوة سيصدم بليل نائم. التناقضات مسير الخائفين يا شيخ شريح... بالامس كتبنا العهود الى الحسين، كتبناها ونحن نرتدي احلامنا اثواب ستر وعافية، واليوم ما الذي جرى، ليلم الشيخ شريح كل هوج ذليل؟ يا شريح، ان الوقت لا يورق المريب، والضوء على مقربة عين. صاح بي شريح:- يا ابن ربعي، أتشك في دين تمرس على يدي الشيخين؟ وهل امسك معاوية عليكم ردن صلاة أم منعكم يا ترى من صيام؟ من جيب السؤال يخرج يزيد معافى بالوعد والوعيد، وبأيديكم أنتم عنان التقى، فالعبادة لله اتقى من أن تضيعوا العمر بانتقاء العروش، هكذا قال شريح، ويا لصلافة هذا الشريح الذي يتصور نفسه قادرا على ان يواري الحقيقة ببضع تعابير منمقة، بفضيلة زائفة، مقصدها خدمة عرش يزيد... ويا لقلقي الذي صار صرخات دموع فاتكة، هي الكوفة يا ناس، تمكث على قيد محنتها، ومسلم بن عقيل يرسل كتابا للحسين يقول: عجل القدوم، ستصحو الكوفة يوما على نثار حرب لا تعرف الخفوت، فللحسين حضور في قلب الكوفة، لكن السيوف عاقة واراها ستخون... وسيفي...؟!! هههه... يا لدعابة هذا السيف الذي لا يعرف الى الان ماذا يريد، هو سيفي لو حفظ ماء وجهه لكنت بخير، وها هم القوم هاني بن عروة، وعابس الشاكري، وحبيب بن مظاهر ومن بقى معهم يشعل في قلبه نار الوجد وينتظر، واذا بي اقف فجأة وتقف الكوفة معي على حلم صرخة يطلقها الشيخ شريح:ـ هلموا لاستقبال ابن بنت رسول الله، يا لكوفة السعد ابشري، فالحسين قادم، اقول لنفسي لحظتها: هذا الشيخ الذي يطفح بالريبة والظنون يجر خلفه الف سؤال من شك، وأصيح: يا شيخ شريح، بالامس مجدت الذبول حتى عرفناك امويا، واليوم جئتنا بزي جديد وكأنك لست انت ياشريح من جندت اليأس ركبا في حلم سقيم، كان في كل مرة يجيبنا... هما ابناء عم ونحن مع الاقوى دائما، فقوموا لنستقبل حسينا، فهو على مشارف الكوفة قادم. يا لفطنتي.. وإذا بابن زياد يمتطي جواد خدعة لئيمة، فيلج الكوفة بزي حسين، انه ابن مرجانة هذا الواقف طويلا على طرف من رؤوس اصابعه على مهل يقود كذبته الى حيث قصر الامارة، وهو يصيح:ـ يا ابن بشير، معي كتاب يقضي بتنحيتك وتوليتي على المِصْرَين، جئت ألملم اشلاء الكوفة لبيعة يزيد. وانا ابن شبث استرق السمع من آذان الحيطان.. زمن ابله لاشيء يملكه سوى ثريد لغو عائم، البعض يقول: ان شريك الاعور طبخ مكيدة للقضاء على ابن زياد، راوغ مشورته، ليمكن مسلم بن عقيل ان يقتله غيلة، وقالت الكوفة: إن ابن عقيل خذل الكيد، اذ حمل وصية جده رسول الله (ص): (المؤمن قيد الفتك)، وانا ارى الحكاية كلها غمزة من غمزات بني أمية؛ لكوني اعلم بما يفكر القوم حين يثورون. المكائد فتات حروب لا تستهوي عزائم الرجال، والمكائد عين يبصر بها اهل العروش كـ(معقل) الذي حمل الرماد ليذروه في عيون اهل الكوفة غيلة، ويستجدي عطف ابن عوسجة، فيطّلع على خلجات الثورة نهضة نهضة؛ ليصب ماء المدى في كأس ابن زياد... يا للهول، ونحن رجال الحيرة تركناهم يحوكون سجادة عارنا خيطا خيطا، ونحن ننظر بلا شوق، ونرى بلا بصيرة، لا أحد فينا يسأل ماذا بعد، ولا احد فينا يخشى ان تبلغ ثكنات الليل المعقلي سن الرشد، ونرتدي الغباءات جلابيب ثراء، والانتكاسات اثواب وهد بليد، ليقتل بيننا الف هاني بن عروة دون حساب، ودون ان يقف احدنا ليسأل: كم هاني ابن عروة سنجد في كل زمان، يأبى ان يسلم الضيف للأعداء حتى يموت؟ وبالمقابل، هناك سؤال يطأطئ الرأس خذلانا وهو يمور: كم شريحاً يشرب دم الحقيقة كي يعيش؟ لص هو القاضي شريح، سرق هيبة الدين وتأنق بالمستريب، وبين هاني وشريح اين اكون انا شبث بن ربعي، انا الغبي الذي لم يحسبها كما حسبها هاني بن عروة، انا الذي اغواني شريح بتقاوة زور، وربما انا شريحي قبل شريح، خدعتنا رنة اسمائنا شبث بن ربعي، وإذا بي لا اساوي شيئا خارج احلامي. تحرك الرعب في جدران عزلتي، صرت هاربا الى الخذلان اجر معي كوفة مخذولة بالجفاف، حتى نداء (يا منصور أمت) دون استجابة، وإلا فطوبى لمن يسرج النداء، امنية من امانيه.. نحن ابتكرنا الخنوع، ونمنا على اسوار الذاكرة دون ظل، وسخنا اسم الكوفة بخياناتنا، وإلا هل يعقل ان يبقى سفير ابن بنت رسول الله في الكوفة وحيدا دون نصير؟! انا اعتقد، ان مسلم بن عقيل اسرج العظمة جوادا وارتقاه، فلا يمكن ان يصبح وحيدا وخيرة الانصار خلف نصرته، تعتنق التضحية وتموت في سبيل هواه، لكني ارى انه اختار التضحية لسيده الحسين، فتقبل وحدته في الكوفة؛ كي لا يبقى الحسين في كربلاء وحيدا دون نصير، وانا من انحنى لكيس الامير، فعانق المذلة كي نعيش حياتنا بلا ضمير، وها انا اليوم متخم بالفجيعة، فها هي احلامنا تخون. شاب في مقتبل نداوته، يبيع كل شيء، كل شيء، مع ان أمه الفجر الساطع الذي رفع رأس الكوفة عاليا بنصرة مسلم بن عقيل هي (طوعة)، الندى والعفاف، وابنها المندلق في عثرات خيبته فهو يقول لابن زياد:- هي ذي أمي تجير الاعداء، مسلم في دارنا والذهب مبتغاي. على اكتاف النخيل تسلقت اليقظة دمعا يسقيه مسلم بن عقيل ليروي طريق الحسين (عليه السلام)... يا لحسرتي، كيف يفكر الاحرار؟ هم قيدوا الكون والانهار حين قيدوه... قيدوا الفضاءات جميعها وكل غيرة وضمير... كأني لم اكن شبث بن ربعي حين سمعت ابن زياد يصيح: اصعدوا به الى اعلى القصر وارموه، فرقوا بين رأسه والجسد... بل كنت مرجلا يفور، اردت ان اصيح لكني شجاعتي خانت مثلما خنتها انا، خذلتني.. وأقسم بالله.. وانا انظر اليه جسدا يهوي شعرت ان العالم يسقط في هاوية الغدر، هو ارتقى مرتقى خير ونحن من سقط.. ها انا بعدما رأيت ما رأيت جئتكم أدوّن خيبتي: اني الموقع ادناه شبث ابن ربعي.. عشت حياتي ميتا، فيا ترى كيف حالي مع الموت يكون؟ شبث ابن ربعي




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=131207
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 03 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28