• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : نبذة من حياة الشاعر عبد الباقي العمري .
                          • الكاتب : د . عبد الهادي الطهمازي .

نبذة من حياة الشاعر عبد الباقي العمري

ما ذُكرت مناسبة مولد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إلا وذكر الشاعر والأديب والمؤرخ العراقي الكبير عبد الباقي العمري، صاحب القصيدة المشهورة:
أنت العلي الذي فوق العلى رفعا***ببطن مكة وسط البيت قد وضعا
نسب الشاعر ومولده
هو: عبد الباقي بن سليمان بن أحمد العمري، الفاروقي، ينتهي نسبه بعاصم بن عمر بن الخطاب.
ولد سنة (1204هـ1790م) في مدينة الموصل، وأسرته من الحجاز في الأصل، جاء بهم العثمانيون مع مجموعة من الأسر التي كانت تعتنق المذهب الحنفي، وتحضى بتكريم واحترام المجتمع، لزجهم في المجتمع العراقي.
وكان الهدف من زرع أسرة آل العمري، وآل السعدون شيوخ عشائر المنتفق وغيرهم: هو نشر المذهب الحنفي في العراق بدلا من المذهب الحنبلي الذي كان يدين به سنة العراق من بغداد الى كردستان شمالا، والمذهب الشيعي في الجنوب؛ لأن أبا حنيفة هو الفقيه الوحيد الذي يجوِّز خلافة غير القرشي على المسلمين.
ميوله المذهبية
يظهر من بعض قصائد العمري أنه كان ذا ميول مذهبية متشددة، ففي عصره كانت الحركة الوهابية في أوج ازدهارها وقوتها، وغارات آل سعود كانت مستمرة على العراق، فتأثرت نخبة من الشعراء والأدباء والكتاب العراقيين بالفكر الوهابي أذكر منهم: إبراهيم فصيح الحيدري، ومحمود شكري الآلوسي وأبوه. فكان الطابع العام لدى الطبقة المثقفة السنية في العراق –إن صح التعبير- هو التشدد المذهبي.
وربما يدل على ذلك قصيدة العمري عندما فتح الوالي العثماني علي رضا اللاز مدينة المحمرة، فقد وردت كلمة الرفض ومشتقاتها في عدة مواضع من قصيدته التي سأورد مقاطع منها فيما بعد.
ولكن يظهر أنه عاد الى الاعتدال والوسطية وربما الى اعتناق المذهب الشيعي، فكتب الكثير من القصائد في مدح آل البيت النبوي (عليهم السلام)، وفي رثاء الحسين (عليه السلام).
ويظهر من تعبيراته في تلك القصائد استخدامه للمصطلحات الشيعية، مما يجعلنا نطمئن أنه ربما تشيع في الثلث الأخير من عمره، كما يدل على ذلك زياراته لأضرحة آل البيت (عليهم السلام) في مواسم الزيارة، كزيارته في الأول من رجب سنة 1270هـ للإمام الكاظم (عليه السلام)، وإنشاده قصيدة في مدحه (عليه السلام) في تلك المناسبة.
بل لم تفته زيارة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في مشهد وانشاده قصيدة في مدحه مدرجة في ديوانه الباقيات الصالحات.
ولعل للوالي علي رضا اللاز دورا في نشر الاعتدال الوسطية وقبول الآخر في المجتمع العراقي، فقد سمح الوالي المذكور بإقامة عزاء الحسين (عليه السلام) في عموم العراق، وحضر بنفسه مرةً مأتم الشيخ محمد بن نصار صاحب كتاب النصاريات المشهور.
وربما يدل على أن ميوله لم تكن في أول أمره معتدلة تجاه آل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، قوله في ديوانه الباقيات الصالحات:
لا تعجبوا إن نثرت من كلمي***في نعت أبناء حيدرٍ دررا
لأني يوم زرت حضرته***ومنه قبلت بالشفاه ثرى
حشى فمهي جوهرا ففهت به***منتظما تارة، ومنتثرا
الوظائف التي شغلها في الدولة
عمل الأستاذ عبد الباقي العمري كمدير للشرطة في بغداد ردحا من الزمن، وكان الشاغل لهذا المنصب يسمى بالتركية (كتخذا)، ويعبر عنها العراقيون بالعامية (كهية).
كما رافق الوالي علي رضا اللاز في حملته على إمارة كعب في المحمرة أيام إمارة جابر بن مرداو الكعبي عام 1837م.
ولم يكن جرم والي المحمرة وأهلها إلا النشاط التجاري في مينائها، والذي أثَّر كثيرا على ميناء البصرة وأضعف دوره التجاري، فجرد الوالي المذكور حملة لإخضاع المحمرة وإمارة كعب وحرمانها من مقدراتها الاقتصادية.
فجهز جيشا كبيرا من الجنود الأتراك يدعمهم بعض العشائر الخاضعة للسلطة، وداهم الجيش سور مدينة المحمرة، فوجدوا ضعفا في أحد جوانبه فدخل الجيش منها.
وتملَّك سكان المحمرة نوع من الفزع فقذفوا بأنفسهم في نهر الكارون للهروب الى الضفة الأخرى، وغرقت النسوة والأطفال لجهلهم بالسباحة، وأسر الجنود الأتراك من كعب ومن غيرهم أربعة آلاف نسمة واسترقوهم، وكان معظمهم من الأطفال، فانبرى أخيار أهل البصرة والممولين منهم، فاشتروا هؤلاء الأطفال من الجنود الأتراك كل رأس (18-20) كورته، وأعادوهم الى أهليهم)). (دليل الخليج:5/2438).
فأنشد عبد الباقي العمري قصيدة يمدح الوالي العثماني علي رضا، منها:
فتحنا بحمد الله حصن المحمرة***فأضحت بتسخير الاله مدمره
وجابر أورثناه كسرا بكعبه***وليس لعظم قد كسرناه مجبره
على ساقها قامت لكعب قيامة***فزلت بهم أقدامهم متعثرة
غدوا طعمة للسيف إلا أقلهم***قد اتخذوا من شط (كارون) مقبره
سقى الرفض ساقي الحوض كأس منية***غداة وردنا بالمسرات كوثره
وأمست (بنو النصار) والرفض دينها***على ما دهاها من علي مفكره. (1)
(أنظر: أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين:4/50، والاحواز:3/9-36 مختصرا)
كما قاد الشاعر العمري حملة بنفسه على النجف الأشرف بسبب النزاع العشائري المستمر بين عشيرتي الزقرت والشمرت، ولكن يبدو أن سمعته الطيبة وقصائد مدحه لآل البيت (عليهم السلام) كانت قد غطت الآفاق في ذلك الوقت، فدخل المدينة دون قتال، ورتب الأوضاع فيها فعادت العشيرتان الى الهدوء، وزار الإمام عليا (عليه السلام) ثم عاد الى بغداد.
مؤلفاته
للشاعر العمري ديوانين من الشعر أولهما: الترياك الفاروقي، وأما الثاني: فهو الباقيات الصالحات الذي ضمنه الكثير من القصائد في مدح الرسول وآل البيت (عليهم السلام)، ومنها: قصيدته المشهورة التي ذكرنا صدرها في مقدمة المقال. وله كتب أخرى في تاريخ وسيرة أعيان ووجهاء الموصل.
وفاته
توفي الشاعر عبد الباقي العمري في الأول من جمادى الثانية سنة (1278هـ1862م) وكان يريد الخروج للوضوء وصلاة العشاء، فسقط من شرفة بيته، ووفاته المنية في اليوم التالي (رحمة الله عليه).



(1) بنو النصار: عشيرة من عشائر كعب.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=131169
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 03 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29