• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : رسالة الفيلسوف... اعرف نفسك!... .
                          • الكاتب : عبدالاله الشبيبي .

رسالة الفيلسوف... اعرف نفسك!...

على مدخل معبد دلفي كتابات ونقوش مختلفة للحكمة، واحدى هذه النقوش، الحكمة الشهيرة "اعرف نفسك". وهي التي اتخذها الفيلسوف الكبير سقراط منطلقاً لأفكاره. 
يعد سقراط (486 ــ 399م) أب الفلاسفة اليونانيين، وقد أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض. ويعني هذا أن الحكماء الطبيعيين ناقشوا كثيراً من القضايا التي تتعلق بالكون وأصل الوجود وعلته الحقيقية التي كانت وراء انبثاق هذا العالم وهذا الوجود الكوني. وعندما ظهر سقراط غير مجرى الفلسفة فحصرها في أمور الأرض وقضايا الإنسان والذات البشرية فاهتم بالأخلاق والسياسة.
وكان سقراط ينظر إلى الحقيقة في ذات الإنسان وليس في العالم الخارجي، وما على الإنسان إلا أن يتأمل ذاته ليدرك الحقيقة، لذلك قال قولته المأثورة: أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك. المصدر: مدارس الفلسفة اليونانية ومناهجها، د. جميل حمداوي، ص11.
ولابد هنا من الإشارة إلى أن سقراط كان يربط بين معرفة الخير والعمل به، فكل من يعرف الخير يفعله لا محالة، ولا يتركه إلا جاهل بحقيقته. وقال بعض الباحثين: يريد سقراط بالمعرفة هنا الحدس الداخلي. وليس هذا ببعيد لأن سقراط كان يكرر هذه الجملة ويؤكد عليها: أعرف نفسك بنفسك. المصدر: فلسفة الاخلاق في الاسلام، محمد جواد مغنية، ص109.
ان الفيلسوف الكبير سقراط كان يقول: "لا أعرف سوى شيء واحد وهو أني لا أعرف شيئاً". فالفلسفة لا تتقدم إلا عن طريق تبني منهج الشك والبحث الدائم.
إن الفلسفة تبدأ عندما يبدأ الانسان يتعلم الشك، خصوصاً الشك في المعتقدات التي يحبها، والعقائد والبديهيات أو الحقائق المقررة التي يؤمن بها ويقدسها. 
ومن يعرف كيف أصبحت هذه المعتقدات العزيزة علينا حقائق يقينية بيننا، وفيما إذا كانت لم تلدها رغبة سرية، ملبسة هذه الرغبة ثوب الفكرة؟ لا وجود للسياسة الحقة مالم يتجه العقل الى فحص نفسه، ولهذا قال سقراط: اعرف نفسك. المصدر: قصة الفلسفة.
اعرف نفسك هي في النهاية اذن دعوة للتعمق في المعرفة الشمولية لأشياء الطبيعة، والمعرفة العملية لمختلف التقنيات المتعددة التي يمكن لها ان تحرفنا عن اتجاهنا الرئيسي، وفي حالة كهذه يظل شعار اعرف نفسك بمثابة تحذير على فم سقراط ضد ادعاءات السفسطائيين. المصدر: سقراط الشهيد الاول للفلسفة، جان بران، ص86.
والمعرفة بحسب التوحيدي هي سبيل الإنسان في نقل وجود جوهره من القوة إلى الفعل بمساعدة العقل. فالإنسان عارف بالقوة، إلا أن حجب الجسد والطبيعة تغلب عليه، فينسى معرفته تلك، وأدواته في اكتشاف تلك المعرفة هي العقل الذي يقوده إلى معرفة الكون، ومن ثم إلى معرفة النفس التي تقود الإنسان إلى معرفة الله. وذلك انطلاقاً من القول المأثور "اعرف نفسك، فمن عرف نفسه عرف ربه"، إلا أن مجال المعارف واسع متشعب، قد يضيع فيه الإنسان، ولا بد من تحديد المعرفة الضرورية من خلال تحديد وظيفتها، فالمعرفة التي لا تدل على الصانع، ولا تقود صاحبها إلى الواحد، ولا تدعوه إلى عبادته والاعتراف بوحدانيته هي معرفة لا فائدة منها، يستعيذ التوحيدي منها. المصدر: الإنسان والسلطة، د. حسين الصدّيق، ص136.
وهكذا بدأ سقراط فلسفَته العملية هذه بأن نبّه الإنسان إلى أن يعرف نفسه، وأن يستخرج ما اختبأ فيها من صُوَر الخير والفضيلة أو صور الجمال وهي صُوَر القِيَم الإنسانية العالية، معلّماً أنّ العلم هو الفلسفة، وأنّ الفلسفة ليست شيئاً غير معرفة الإنسان نفسَه بنفسه توصّلاً إلى معرفة عظمة الإنسان ومجده وشأنه كفرد ثمّ كجماعة. 
وبهذه المعرفة يوقَد في قلوب الناس حبّ الجمال ــ الذي يجمع كل القيم الإنسانية ــ فيتوصّلون بواسطة الشعر والموسيقى النابعَين من مصدر الجمال وهو النفس، إلى منزلة سامة تؤهّلهم لبناء دولة جديدة خيَرة يجد أفرادُها الحبّ في كلّ شيء! وهكذا تكون معرفة النفس في فلسفة سقراط أساس المعارف التي تخدم الإنسان، والأساس الأوّل في كلّ خير وفضيلة. المصدر: علي وسقراط، جورج جرداق، ج3، ص134 ومابعدها.
كما أن في معرفة النفس الإنسانية اطلاعاً على أمور كثيرة، ذكرها الملا صدر المتألهين في كتابه اسرار الآيات نذكر منها:
أحدها: أنه بواسطتها يتوصل إلى معرفة غيرها ومن جهلها جهل كل ما عداها.
والثاني: أن النفس الإنساني مجمع الموجودات، فمن عرفها فقد عرف الموجودات كلها.
والثالث: أن من عرف نفسه عرف العالم ومن عرف العالم صار في حكم المشاهد للَّه تعالى لأنه خالق السماوات والأرض ولم يك كالكفرة الجهلة الذين اتكلهم اللَّه ووبخهم في جهلهم وانحطاطهم عن هذه المنزلة.
والرابع: أنه يعرف بمعرفة روحه العالم الروحاني وبقاءها وبمعرفة جسده العالم الجسداني ودثورها وفناءها فيعرف خسة الفانيات الداثرات وشرف الباقيات.
والخامس: أن من عرف نفسه عرف أعداءه الكامنة فيها المشار إليه بقوله(ص): أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك. فيستعيذ منها كما في قولهم عليهم السلام: اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي. ومن عرف أعاديه الكامنة ومكايدها وكيفية انبعاثها أحسن أن يحترز منها وأن يجاهدها.
والسادس: أن من عرف نفسه عرف أن يسوسها ومن أحسن أن يسوس نفسه وجنودها أحسن أن يسوس العالم فيستحق أن يصير من خلفاء اللَّه تعالى.
السابع: أن من عرفها لم يجد عيباً في أحد إلا رءاه موجوداً في ذاته إما ظاهراً مشهوداً وإما كامنا كمون النار في الحجر فلا يكون غياباً همازاً لمازاً معجباً متفاخراً فإن كل عيب تراءى له من غيره وجده في نفسه ومن تراءى له عيب نفسه.
والثامن: أن من عرف نفسه فقد عرف ربه، وقد روي أنه ما أنزل اللَّه كتاباً إلا وفيه اعرف نفسك يا إنسان تعرف ربك، وفي الخبر ثلاثة تأويلات.
أحدها: أن بمعرفة النفس يتوصل إلى معرفة الرب كقولك: اعرف العربية تعرف الفقه أي بمعرفة العربية يتوصل إلى معرفة الفقه وإن كان بينهما وسائط.
والثاني: أنه إذا حصل معرفتها حصل بحصول معرفتها معرفة اللَّه بلا فاصل كقولك: بطلوع الشمس يحصل الضوء مقترنا بها وبطلوعها غير متأخر عنه بزمان.
والثالث: أن معرفة اللَّه ليست تحصل إلا أن تعرف النفس لأنك إذا عرفتها على الحقيقة تعرف العالم وإذا عرفت العالم تعرف الحق تعالى.
وفيه وجه رابع وهو: أنك إذا عرفت النفس فقد عرفت الرب وهذا هو الغاية في معرفته لا يمكن لك فوق هذه المعرفة وإليه الإشارة بما قال الامام علي عليه السلام: إن العقل لإقامة رسم العبودية لا لإدراك الربوبية ثم تنفس الصعداء. المصدر: اسرار الآيات، صدر الدين محمد الشيرازي، ص212. 
فشعار اعرف نفسك يا ايها الانسان هو الذي يقودنا ويسوقنا نحو معرفة هذا الكون الفسيح وما فيه من اشارات ودلالات على قدر الخالق المعبود… فبمعرفة النفس نتوصل الى معرف الرب، فمن عرف نفسه عرف ربه وعرف الغاية والنهاية… فرحم الله من عرف من اين، وفي اين، والى اين؟ وهي غاية الانطلاق والسير نحو الطريق الذي هو غاية الغايات ونهاية البدايات. 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=130970
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 03 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29