• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الربيع العربي بين الاستنساخ والإلهام .
                          • الكاتب : يوسف الحسن .

الربيع العربي بين الاستنساخ والإلهام

عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في تونس ثم تلتها مصر، كان الكثير من النشطاء السياسيين يتوقون إلى أن تكر حبات المسبحة، وتنتقل هذه الحالة إلى باقي الدول العربية دولة بعد دولة وربما الوصول إلى ذات النتائج التي حصلت في البلدين المذكورين.. وفي هذه الطريقة من التفكير ابتسار واضح للحقائق الاجتماعية والموضوعية التي تقوم على أساسها الثورات، التي تعتبر فعلا اجتماعيا وجماعيا متواصلا لا يحصل بين عشية وضحاها، ولا يحصل بالتمنيات أو بالتنظيرات التي تسطر من خلف الأريكات أو المكيفات الهادئة، كما أنها لا تدار بالريموت كونترول – كما يقال – من فنادق الخمس نجوم، بل تأتي نتيجة جهود شعبية وعوامل متراكمة عبر فترات زمنية تطول وتقصر وتتغير طبيعتها من مجتمع لآخر. فكما يقال بأن لكل ثورة بصمتها الخاصة التي لا تتطابق أبدا مع أي ثورة أخرى. نعم قد تتشابه بعض فصولها وأطوارها إلا أنها لا تتطابق – بالضرورة - في الأساليب أو النتائج. صحيح أن العدوى الثورية تنتقل وتسري بين المجتمعات، لكنها تتلون حسب الظروف الزمكانية لكل بلد.. فهي قد تتراوح ما بين الثورة الشعبية وحرب العصابات والثورة المسلحة والثورة الناعمة ومجرد تغييرات سطحية لا تمس أكثر من الأطر.. فقد يكفي النظام رسائل sms لكي يسقط ( كما في الفلبين )، أو قد يسقط بسبب مظاهرات ( كما في إيران القرن الماضي وتونس ومصر المعاصرتين ) وربما احتاج إلى ضربات جوية ( كما في ليبيا )، أو تحالف دولي ( كما حصل في عراق صدام )، أو انقلاب عسكري، وقد لا يسقطه غير ملك الموت..
إن سعي البعض لاستنساخ تجارب التغيير ينطوي على فهم قاصر لديناميكية التغيير في المجتمعات والتي تعتمد بالضرورة على معايير محلية خاصة، إضافة إلى المعايير والعوامل المشتركة بين مختلف التجارب. فما يصلح لبلد قد لا يصلح لآخر، بل قد يعتبر ضارا به. وما يعتبر حافزا للتحرك في بلد قد يعتبر مثبطا لها في آخر، بل إن بعض أساليب النضال المستخدمة في بلد ما قد تقوي النظام في آخر بدلا من إضعافه فتكون كالتطعيم المستخدم ضد بعض الأمراض المعدية والذي هو عبارة عن جرثومة أو فيروس مضعف يحقن في جسم الإنسان مما يكسبه مناعة ضد الجرثومة أو الفيروس الحقيقي عندما يصاب به المرء.
وتعتمد الأساليب المستخدمة في التغيير على عوامل عدة منها طبيعة النظام السياسي، ودرجة الحريات فيه، ووجود الأحزاب السياسية أو النقابات المهنية، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية وعراقة التجربة التغييرية فيه.
لكن ما ينبغي الاتفاق عليه هو أن بعض هذه التجارب تلهم أخرى، بما ترسله من إشعاعات مفيدة منبعثة من المسار التغييري الإيجابي الذي اكتنف مسيرتها ومن توالي الأحداث فيها. بل إن حالة الإلهام قد تخلق موجة عارمة من الوعي لدى الشعوب المجاورة مما يبعث على نمو حالة من المعارضة والتوق للتغيير. وقد وجدنا أن ظهور حركة الضباط الأحرار في مصر في القرن الماضي – مثلا - تلاها ظهور تنظيمات شبيهة في مختلف الدول العربية، لكنها لم تحقق النجاحات المتوقعة رغم وصول بعضها إلى مراحل متقدمة من النضال الثوري. كما أن انتصار الثورة الإسلامية في إيران ألهب مشاعر كثير من الشعوب، إلا أن حرب النظام العراقي عليها آنذاك حدت من قدرتها على التأثير بسبب انشغالها بالحرب. كما أن حركات الشعوب في كل من تونس ومصر وليبيا والتي وصلت إلى نهايات سعيدة ألهمت ولا تزال تلهم الشعوب العربية بل وحتى غير العربية، لكن مدى التأثر بها يجب أن يكون مختلفا ومتفاوتا من بلد لآخر حسب الظروف الزمانية والمكانية لكل بلد بعيدا عن الاستنساخ الأعمى.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13082
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18