• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحيدري وتاريخية النص القرآني (1) .
                          • الكاتب : د . عباس هاشم .

الحيدري وتاريخية النص القرآني (1)

في إطار مشروعه الذي أطلق عليه حداثة إسلامية، سنجد أن السيد الحيدري لا يختلف عن الفكر الحداثي في اعتبار القرآن نص تاريخي، فقد استمات وأجهد نفسه بمقولات أقل ما يقال عنها أنها لا تقنع من له حظ من العلم، وذلك في سبيل البرهنة على أن في القرآن آيات تاريخية، أي أنها كانت تناسب واقع عصر النبي صلى الله عليه وآله دون هذا العصر، وبالتالي يحق لنا عدم الإلتزام بها. فبعد أن ادعى أن كل الأحكام الشرعية الواردة في القرآن من حيث كونها تطبيقات وتصديقات كلها تاريخية، وقابلة للتغيير بما في ذلك حتى منظومة الصلاة فضلا عن غيرها من عبادات ومعاملات وأحكام إرث وقصاص وحدود، ادعى أن بعض المفاهيم القرآنية أيضا تاريخية، ونزلت مرعاة لذلك العصر.

فمما ادعاه أن جنس الأنثى أشرف وأكمل من جنس الذكر، واستمات في البرهنة على ذلك باقتباسات من ابن عربي ورواية حبب إلي من دنياكم النساء (1) (انظر مقطع الفيديوhttps://youtu.be/-8KOExc1VC8) (2)، وأن الله استخدم لغةً في القرآن تشرّفها حيث أنه إذا ذكر الأنثى بشكل خاص يذكر أدوات التأنيث لها مثل "هنّ، اللاتي، لهنّ ..الخ" بينما إذا ذكر الذكر يضعه مع أي شي، مع الحيوانات والجمادات؛ وفيما يتعلق بولادة مريم (ع) وما ورد في القرآن: "وليس الذكر كالأنثى" ادعى أن ذلك يعني أن الأنثى أشرف..(أنظر المقطع ابتدء من الدقيقة40https://www.youtube.com/watch?v=UGfk0ZbaFXk) (3)

ولكن كيف يزعم ذلك والقرآن صريح من حيث جعل التقوى هي المعيار (إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) وأن الذكر والأنثى ينتميان إلى حقيقة واحدة وهي الإنسانية ، فلا تفاضل بين الناس في الإنسانية: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيراً وَنِسَاء..) وساواى بين الجنسين في الولاية : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض..) وساوى في أصل الخلق: ( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنثَى * مِن نُّطْفَة إِذَا تُمْنَى ) والمساواة في الغاية من الخلق: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ )؛ هذا بجانب ما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وآله؟

كيف له أن يتشبت بتفسيره لآية ولادة مريم القابلة لأكثر من وجه وتفسير، لينطلق منها في اثبات مدعاه من أن الله يقول لها أعطيناك أنثى والأنثى أشرف من الذكر؟ إذ ماذا يفعل أمام كل هذه الآيات الصريحة الواضحة التي تنفي التمييز؟ 
إن الأنكى والأخطر أنه وفي سبيل أن يثبت مدعاه، زعم أن النبي صلى الله عليه وآله لم يُعلمْ عرب ذلك العصر بحقيقة أن الأنثى أشرف من الذكر، لأن ثقافتهم وواقعهم الفكري يأبى ذلك، ولو أعلمهم بهذه الحقيقة لما آمنوا بالله ولما دخلوا في الإسلام،... (استمع للفيديو في الدقيقتين الأوليين https://www.youtube.com/watch?v=-ypGe7Bj9ZE) (4)، وهذا الإدعاء يعني أن القرآن والنبي ادعيا المساواة بين الجنسين في الإنسانية كذبا وخداعا للعرب من أجل أن يؤمنوا ولا ينفروا من الإسلام.

فالحيدري وفي سبيل البرهنة على وجود آيات تاريخية صالحة فقط لذلك العصر، وانسياقا مع موجات مناصرة المرأة كما يبدو، لم يتردد في هذا الإدعاء الخطير كما يتضح من الفيديو المرفق. ولكن من الذي كان ينبغي أن يكشف هذه "الحقيقة" المفتراة من أن المرأة أشرف من الرجل والتي لم يخبرنا بها النبي صلى الله عليه وآله بل أخبر بما ينافيها؟ يزعم أن النبي ترك مثل هذا الأمر للخلفاء من بعده.

نعم لو لم تصرّح النصوص الدينية بالمساواة، لأمكن مناقشة هذه الدعوى، أمّا أن تصرح النصوص القرآنية والروائية بالمساواة ثم يتضح العكس، فلازم دعاواه هذه أن كل ما ورد عن النبي والقرآن في المساواة في الإنسانية وشرف الخلقة خداع، والخداع سقوط أخلاقي مريع.

إن الحيدري بتلك المجازفات والطروحات غير الناضجة، قد فاق بذلك أعتى الحداثيين العرب الذين يدعون لإعادة قراءة النص الديني، ولكن لم ينسبوا للنبي والقرآن الخداع والميكيافيلية؛ وبهذا الإدعاء المرير يفتح بابا خطرا، إذ مادامت حتى الآيات المحكمة الناصّة صراحة على المساواة ما هي إلا خداع ومراوغة لكسب العرب وجعلهم يؤمنون بالإسلام!! ولو ثبت هذا الإدعاء لخرج الناس من الإسلام أفواجا، ولكن المساواة في الإنسانية والخلقة فطرة جبل عليها الإنسان، ولهذا وباعتراف الحيدري، تمكن النبي من نشر الإسلام الذي ساوى حتى بين العبد وسيده وبين الأبيض والأسود في الإنسانية. 

...............................................

(1) يشير إلى حديث روي عن النبي صلى الله عليه وآله: "حبب إلي من دنياكم هذه ثلاث ، الطيب والنساء وقرة
عيني في الصلاة".
(2) وهذا الفيديو الأصلي الكامل https://youtu.be/-8KOExc1VC8 استمع عند الدقيقة 45 وما بعدها
(3) رابط المقطع : أستمع من الدقيقة (40) فما فوق https://www.youtube.com/watch?v=UGfk0ZbaFXk
(4) رابط المقطع : ركز على كلامه في أول دقيقتين . 
https://www.youtube.com/watch?v=-ypGe7Bj9ZE
وهذا هو الفيديو الأصلي ابتداء من الدقيقة ٣٥ 
https://youtu.be/fME4PsIezwE




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=130480
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 02 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29