• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : انتصار الانترنت .
                          • الكاتب : د . علي عبد المحسن البغدادي .

انتصار الانترنت

في بلد مثل العراق قبل التغيير,كان استخدام الانترنت يمر ضمن اجراءات أمنية مشددة,وندرة من الناس من كان يمتلك بريدا الكترونيا,وربما اعتبر التراسل والتواصل في تلك الحقبة المظلمة عبر الانترنت جريمة يعاقب عليها القانون,مثل ملايين المحرمات أبان حكم البعث الصدامي,ربما تنبه البعثيون والصداميون إلى الخطر الذي يشكله الانترنت,ودوره الكبير والفعال في قلب موازين الحياة العامة,فالثورة المصرية عام 2011م,كانت بدايتها عن طريق الانترنت,بل كان مخرج من مخرجات الانترنت وهو برنامج التواصل الاجتماعي (الفيس بوك), إذ كان هذا البرنامج العمود الفقري للتظاهرات التي اطاحت بنموذج للحكم السلطوي ابتداء عام 1952م,لم يكن هؤلاء الناس (المستبدون واعوانهم) يفكرون سوا في مناصبهم وحكمهم ودوام استبدادهم,فانتصار الحاكم المستبد يقاس بمدى بقائه في كرسييه,لا بما يقدمه من خدمة ورفاهية لشعبه,بينما قطع العالم الخطوات العملاقة نحو العولمة وربط كل شي بالانترنت,حتى أصبحت مفاهيم مثل الدولة القطرية والسيادة والحدود والتجسس والتجارة التقليدية والتعاملات المصرفية الورقية ونحوها من المفاهيم القديمة,التي تهاوت مع تساقط الايديولوجيات والدول القومية الواحدة بعد الأخرى,بمعاول التهديم التي أنهت السوفيات وأسقطت جدار برلين,فاصبح كل شيء الان يدار عبر الفضاء الالكتروني,وبكبسة زر واحدة.لا ينكر أن للانترنت حسنات تكاد لا تحصى,وبالمقابل له سيئات (أن جاز التعبير) لا تحصى أيضا,فاستخدامه سلاح ذو حدين,مثل السكين تقطع بها الفاكهة وتستخدم للقتل أيضا,وربما يقال أن الاستخدام المقنن للانترنت,جدير بأن يحد من سيئاته,سيما إذا استخدم في خدمة المجتمع وقضاياه,بصرف النظر عن هذه القضايا وحجمها,لكن الخشية الآن تكمن في سيطرة هذا المجال على الحياة العامة بصورة أكبر من سيطرته الآن,فالظاهرة الشعبوية ونموذحها الصارخ(دوناد ترامب)التي اصبحت شائعة الآن(استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لاتخاذ القرارات من قبل الرئيس الحالي لامريكا دونالد ترامب تعرف بالظاهرة الترامبية),تنذر بخطر كبير على مفاصل مهمة في السياسة والاقتصاد وحياة المجتمع,وسيطرة الاخبار الكاذبة والمفبركة والتشهير والتسقيط,أصبح الأداة الرئيسية في استخدام الانترنت ومخرجاته بصورة ملفتة للنظر,وليس هذا الخطر الوحيد بالفعل,فاختبارات الذكاء الاصطناعي بدأت تأخذ حيزا كبيرا في مجال الابحاث العلمية,وهي في تقدم مضطرد وبدأت تحقق نجاحات ملموسة,مما ينبئ بظهور عصر السيبرانية إلى الوجود,فقريبا سوف يحل الانسان الالي محل الانسان الطبيعي,مما ينذر بعواقب وخيمة تضرب سوق العمل البشري التقليدي,ورغم كل ذلك,فقد حقق الانترنت انجازات باهرة,مثل تلك التي حققها (جهاز الفيديو تيب) في ثمانينيات القرن العشرين وسحق كل مظاهر الاحتكار السينمائي والتلفزيوني,هذه الانجازات لها ضرائبها التي دفعتها وسوف تدفعها الشعوب بصورة مستمرة ولفترات طويلة,أن حصر استخدام الانترنت في مجالات الخدمة العامة بكل مفاصلها يعد اسفافا وسذاجة من القائلين به,فلا يمكن التغاضي عن انفتاح العالم بصورة كبيرة ومخيفة بالنسبة إلينا كعرب ومسلمين على الأقل,فنحن لم نألف الكثير من الأشياء ولا نزال نخاف من كل جديد,وربما لا ننفرد  بالخوف من المجهول,بل ننفرد بمعاداة الجديد,ربما بسبب ضياع روح المغامرة والاستكشاف التي حملها اسلافنا,وربما هي سنخية النفس البشرية الخائفة دائما من المجهول؟,لحد أنها قدست كل مخوف سماوي أو أرضي لجهلها بطبيعته,فنحن نفتخر باننا متقدمون لاننا نحسن استخدام الانترنت ومخرجاته من اجهزة تقنية متقدمة,ولكن نحن مخطئون,فلا يحق لنا الفخر باستخدام أشياء لم نصعنها,ولا نمتلك أدوات السيطرة عليها,فكبسة زر واحدة ممن يسيطر على الانترنت,ترجعنا إلى عصر ما قبل الكهرباء, بل إلى عصر ما قبل التلغراف أن لم يكن ابعد,هنا يمكننا القول أن الانترنت أنتصر,لأنه أخضع عوالم وشعوب لهيمنته وسطوته,وبيد من يمتلكه أصبحت حيواتنا معلقة,فكل شيء الان أصبح يدار بالانترنت وعبره,ولا يقول قائل لا تزال بلدان كثيرة لا تتمتع بهذه الخدمة,فالمسألة وقت لا أكثر ولا أقل وسوف تنتشر هذه الخدمة,مثلما أنتشرت مفاهيم ذكرناها سلفا.أنه عصر الانترنت وزمن أنتصاره الساحق




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=130137
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 02 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29