• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التجربة المختبرية ومعيار معرفة الحق .
                          • الكاتب : د . عباس هاشم .

التجربة المختبرية ومعيار معرفة الحق

عندما اشتكى الحارث الهَمْداني لأمير المؤمنين أصناف أصحابه حيث ذكر للإمام أن أصحابه إما مغال فيه أو معتدل وسط أو متردد ؟ قال عليه السَّلام : إنّ دين اللَّه لا يُعرف بالرجال بل بآية الحقّ ، فاعرف الحقَّ تعرف أهله ، يا حار إنّ الحق أحسن الحديث، والصادع به مجاهد ، وبالحقّ أخبرك فأرْعِني سمعك ثم خبّر به من كانت له حصافة من أصحابك، ألا أنى عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله وصديقه الأكبر ...الخ. (1)

نلاحظ أنه في البداية وضع الإمام للحارث معيارا لمعرفة أهل الحق وليس لمعرفة الحق. أما الحق ذاته، فلو اتفق البشر على معيار لما وجدنا هذه الاختلافات في الملل (الأديان) والنحل (المذاهب والطوائف من داخل الدين الواحد)، وانعكاس ذلك على القوانين والتشريعات، فما يراه القانون في الغرب حقا كالزواج المثلي تجده في الشرق جريمة، والسبب استحالة الاتفاق على معيار لتحديد الحق من عدمه. فحتى ما نراه بديهيات يتم التلاعب بها لتقوية الأيديولوجيات والعقائد والدفاع عنها، فمثلا النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان معا أمر بدهي، فلا يمكن أن يكون فلان هنا الآن وليس هنا، ولكن يتم التلاعب بالألفاظ لاثبات مثلا أن النقيضان يجتمعان من أجل تبرير الأفكار والعقائد الفاسدة كما هو الحال مع الديالكتيك.

ولو أمكن وضع الحق والحقوق في المختبر تحت الحس والتجربة لما اختلف البشر حيالها، فمثلا لا يختلف اثنان أن الماء يغلي ويبدأ بالتبخر عند 100 درجة مئوية في الضغط الجوي، لأن هذه قضية تم اختبارها في المختبر. ولكن الحق والحقوق تقدير خاضع للعقائد والأفكار، بالتالي فكل ملة تعتبر عقائدها وما ينتج عن تلك العقائد من تشريعات ومفاهيم هو الحق المبين، وبالتالي تُقاس الأمور على ذلك، فالحق والحقوق أمور تقديرية تخضع لمعتقدات البشر.

ونحن بوصفنا مسلمين، نرى أن الله وما يصدر عنه هو، والله جعل ما يصدر عن نبيه هو الحق والنبي جعل معيار معرفة الحق تكمن في مواقف وأقوال علي وفاطمة وأهل بيته المعصومين. ولهذا فالإمام علي في كلمته السابقة أولا: عين معيارا لمعرفة أهل الحق وليس الحق ذاته، ثم بدأ يبين للحارث معيار معرفة الحق، فذكر مكانته عند الله ورسوله، فهو إذن في مواقفه وأقواله معيار لمعرفة الحق والتمييز بينه وبين الباطل. وأقوال النبي صلى الله عليه وآله التي تجعل من علي علامة الحق ومعياره أكثر من أن تحصى كقوله (علي مع الحق والحق مع علي) (علي مع القرآن والقرآن مع علي)..الخ. بل كان المؤمنون يميزون بين المنافق والمؤمن بحبه أو بغضه لعلي عليه السلام لقول النبي صلى الله عليه وآله لعلي (ع) (لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)

ومن يغفل عن معيار معرفة الحق هذا، سيصبح معلقا بلا مرجعية ثابتة، ويخترع له مشروعات تحت مسميات تؤشر لضياعه الفكري مثل : "حداثة إسلامية"، ويستميت في لي عنق الثوابت العَقَدية والفقهية لتنتج نفس قيم عصر الحداثة في الغرب، إذ أن مرجعية معرفة الحق في اللاشعور عنده هي تلك القيم، لهذا يجتهد لتحقيقها ولكن بصبغة إسلامية زائفة فيدعو للمساواة بين الجنسين في الإرث أو والانفتاح بين الجنسين وينسب الديمقراطية بصورتها الخاطئة للدين أن يحكم الناس أنفسهم حتى لو خلاف دين الله..الخ.

————-
(1) آية الحقّ (الآية العلامة) ، يا حار (أي يا حارث ولكن ذلك من باب الترخيم كما يقال يا صاح أي يا صاحبي أو يا فاطم أي يا فاطمة) ..فأرْعِني سمعك (أرْعَى يُرعي، مصدر إرعاءٌ..أرعى الماشية..سَرَحَها أي أسامها، جعلها سائمة، وأرعاه السمع: استمع إليه بانتباه)




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=129669
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29