• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اسرار ليلة العشاء الأخير. من هو المصلوب.  .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

اسرار ليلة العشاء الأخير. من هو المصلوب. 

 نظرا لأهمية مسألة نزول المائدة من السماء على عيسى (ع) وحوارييه وهو ما يُطلق عليه في العقيدة المسيحية (العشاء الأخير) فقد اتفق الإنجيل والقرآن على مفرداتها في نواحي عديدة ، ولكن لعل الأهم هو ماذا دار في هذه الليلة ولماذا تكفّل الله تعالى بهذه المأدبة ؟ هل هي جلسة سمر او جلسة وداع أم ماذا؟

صحيح ان معالم الحقيقة ضاعت نتيجة لتقادم الزمن وفقدان الإنجيل الحقيقي مما اضطر الحواريون إلى كتابة قصص عن سيرة السيد المسيح وليس كلها وتدوين بعض اقواله . وهذا ما يلوح في نصوص عديدة نذكر منها تأكيد لوقا على أنه قام بكتابة قصة لصديقه كما يقول لوقا : (إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة ، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة، رأيت أنا أيضا أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس).(1) إذن هو تأليف قصص ، وفي هذا النص تأكيد على أن لوقا لم يكن حواريا ولم يكن معاينا للكلمة اي (شاهدا) بل كتب نقلا عمّن كان من البدء شاهدا ومعاينا للكلمة. 
اضافة إلى ذلك فإن من سُميّت الأناجيل بأسمائهم لم يكونوا أمينين فيما كتبوا ولم يكتبوا كل ما شاهدوه او سمعوه من المسيح فقد تصرفوا في ذلك أيضا حيث نرى ذلك واضحا في إنجيل يوحنا : (هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة، فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة ؟!!).(2) وما يُدرينا لعل الذي تركوه ولم يُدونوه هو المهم الصحيح ولكنهم اهملوه تحت حجة كثرته وعدم استطاعتهم كتابته كله مع أن في هذا العذر كذبة فاضحة حيث ان السيد المسيح بقى يُبلّغ رسالة ربه ثلاث سنوات فقط.

المحصلة من النصوص أعلاه هي أن هناك إنجيلا حقيقيا مفقودا ، وان هناك تلاعبا في النصوص لا بل تعمد عدم كتابة الكثير من آثار السيد المسيح وأقواله كما شهد يوحنا ومن هذا نعرف أن هناك غموضا في نقل قصة ليلة العشاء الأخير التي سبقت إعدام السيد المسيح حسب رواية هذه الكتب المتداولة، ولكننا بالرجوع إلى ما موجود نجد أن هناك شيئا جرى مفاده أنهُ في هذه الليلة جرى التفاوض على اختيار من يفدي السيد المسيح ويموت بدلا عنه .والقرآن يؤكد هذا الرأي حيث يقول : (وما قتلوه وما صلبوه ولكنه شُبّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علمٍ إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا). (3) فاالقرآن ينفي عملية القتل صلبا ويتهم من يزعم ذلك بأنه يتبع ظنا لا بل انهم في شك لا بل في شبهةٍ وهذا ما يلوح أيضا من بين ثنايا الأناجيل حيث نرى الاختلاف المروّع بين إنجيل وآخر في ذكره لعملية الصلب وحيثياتها.

فبعد ان تم الاعداد جيدا لمائدة العشاء الأخير وجلس الجميع حكى لهم السيد المسيح قصة تآمر اليهود عليه وأنهم بصدد قتله ، ثم طلب منهم أن يتبرع شخص منهم ليحل مكانه وهذا ما نراه واضحا في حوار بطرس مع السيد المسيح : (قال له بطرس: يا سيد، لماذا لا أقدر أن أتبعك الآن؟ إني أضع نفسي عنك!).(4) في هذا النص تطوّع واضح بأن يحل بطرس بديلا للسيد المسيح .ولكن السيد المسيح رفض عرض بطرس لأنه ضعيف غير قادر على ذلك : (أجابه يسوع: أتضع نفسك عني؟ الحق الحق أقول لك: لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات). (5)

فقد اوضح له السيد المسيح بأنه غير قادر على أن يحل مكانه وأنه سوف يضعف وينهار ويُفشل العملية برمتها ، ودليل ضعفه انه سوف يُسأل هل هو من أتباع السيد المسيح ولكنهُ سوف يُنكر أن يكون يعرف السيد المسيح لا بل يهرب خارج الهيكل فيأكدون عليه ذلك ثلاث مرات وهو يحلف بأنه لا يعرف السيد المسيح.

وقد تحققت رؤية السيد المسيح حيث نراه يقول لبطرس : (الحق الحق أقول لك، لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات).(6) ولذلك نرى المفسرون المسيحيون يؤكدون على حقيقة أن ليلة العشاء الأخير كانت لإختيار البديل عن المسيح كما يقول القديس أغسطينوس : (أجابه الرب ــ يسوع ــ بصراحةٍ كاملةٍ من يسندهُ ليرافقهُ في طريق الألم وأن يموت معه وأن يشرب معه الكأس، لكن فيما بعد سينال هذه البركة).(7) ولعل تفسير القديس يوحنا الذهبي الفم اشد وضوحا من قول سلفه أغسطينوس حيث يقولها بكل صراحة بأن السيد المسيح وجه كلامه (لبطرس) الذي تطوع للموت بدلا عنه فيقول : (يا من تظن في نفسك أنك قادر أن تموت من أجلي فلتتعلم أولًا أن تعيش لأجل نفسك، لأنه بخوفك من موت جسدك تعطي الفرصة لنفسك أن تموت).(8).

ولكن لعل (يهوذا الاسخريوطي) هو من تبرع للموت بدلا عن سيده ولذلك جرى التعتيم على اسباب موت يهوذا لأن الاعتراف بذلك وأن هناك شبيها تم صلبه بدلا من المسيح يعني لليهود بأن السيد المسيح لم يمت ومن هنا نرى اختلاف الاناجيل واضطرابها في كيفية اختفاء الحواري الثاني عشر يهوذا لا بل الاختلاف في موت يهوذا .فمنهم من قال بأنه انتحر شنق نفسه بحبل (حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين، مضى وخنق نفسه).(9) ومنهم من قال بأن يهوذا عثر وسقط على الأرض وانشق بطنه ومات : (وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها وصار ذلك معلوما عند جميع سكان أورشليم حتى دعي ذلك الحقل حقل الدم).(10) ولكن القرآن كان بالمرصاد لليهود حيث فضحهم فقال : (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه).(11) فأثبت الشبيه ونفى صلب المسيح.

الفراغ الذي ولّدهُ غياب يهوذا الاسخريوطي تم سده بانتخاب تلميذ آخر مكانه يقول سفر أعمال الرسل (وقد انتخب الحواريون بدلاً من يهوذا تنفيذاً لهذا الأمر يوسف ومتياس، وصلوا قائلين: أيها الرب العارف قلوب الجميع، عيّن أنت من هذين الاثنين أيا اخترته، وأقرعوا بينهما، فوقعت القرعة علي متياس، فحسبوه مكملاً للأحد عشر رسولاً). (12)

يضاف إلى ذلك أن الإناجيل نفسها تقول بأن المسيح قد اكمل رسالته ولم تنقطع بصلب او قتل كما يقول : (العمل الذي أعطيتني قد أكملته والآن مجدني أيها الرب).(13)

والنص واضح لم يقل السيد المسيح والآن اصلبني ايها الرب. النصوص المقدسة تؤيد تدخل الله لنجاة مسيحه فقد تعهد الرب بأن يُنجيه من الموت كما يقول : (أن الرب مخلص مسيحه، يستجيبه من سماء قدسه، بجبروت خلاص يمينه).(14) ومن هنا نفهم لماذا حرّمت الكنيسة إنجيل برنابا الذي يعلنها بكل وضوح بأن السيد المسيح طلب من تلاميذه ان يتقمص احدهم شخصيته : (فقال لهم نفسي حزينة جدا من يلبسني منكم ويكون معي اليوم في الفردوس).

المصادر: 
1- إنجيل لوقا 1: 1.
2- إنجيل يوحنا 21: 25.
3- سورة النساء آية : 157.
4- إنجيل يوحنا 13: 36 .
5- إنجيل يوحنا 13: 37.
6- المصدر السابق.
7- تفسير الكتاب المقدس، تفسير إنجيل يوحنا اصحاح 13 ج 8.
8- تفسير الكتاب المقدس، تفسير إنجيل يوحنا اصحاح 13 ج 8. 
9- متى27: 3 – 5.
10- (سفر أعمال الرسل 1: 18.
11- سورة النساء آية : 157.
12- سفر أعمال الرسل 1: 23.
13- إنجيل يوحنا الإصحاح 4:17-6.
14- المزمور 20 : 1 – 9.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=129449
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19