• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العدمية وشرعنة الانتحار .
                          • الكاتب : كاظم عبدالله .

العدمية وشرعنة الانتحار

العدمية مذهب فلسفي، ونزعة بشرية ثائرة على جميع القيود والالتزامات، متنكرة لجوهيرة الكون؛ وذات نظرة سوداوية ومتشائمة اتجاه الحياة ومنكرة لجدوائيتها، فهي تفرغ الحياة من كل معناها، وتصر على أنها بلا جدوى أو معنى...

والعدمية تنشعب انشعابا أوّليا، إلى أقسام ثلاثة رئيسية: فهي ذات بعد فلسفي، وأخلاقي، وسياسي، تتساوق في بعدها الأول، مع السفسطة وإنكار مطلق الواقع ، كما عند (برتجوارس) أو (جورجياس) السفسطائيين المعروفين، أو تقف موقفا معرفيا مشككا شكا مذهبيا لا منهجيا، كالشك البيروني القديم في إمكان المعرفة البشرية؛ أما في بعدها الأخلاقي، فهي تنكر واقعية جميع القيم الأخلاقية، وحتى إن أقرت بواقعية تلك القيم، إلا أنها قيم موضوعة من قبلنا، أو نسبية تختلف من فرد لآخر، ولعل هذا هو الذي أودى بها إلى مستنقع التشاؤم والسوداوية، لما ترتب على هذا الموقف من إنكار لأخلاقية الكون وخيريته، أما بعدها الأخير ، فهو يتراتف ترادفا واضحا مع الدعوى إلى العبثية في السياسة، وعدم سيادة القانون.

وليس المهم لدينا الآن، تفنيد ما للعدمية من تأصيلات فلسفية، أو مناقشة تمثلاتها الأخلاقية والسياسية، بقدر مايهمنا درس ومناقشة ما لها من انعكاسات سايكلوجية في الأفراد، وما تلقيه على الواقع الإجتماعي المعاصر من آثار، وعلاقتها بحالات الانتحار المتزايدة .

الانتحار ، بالرغم من تحفضنا على ترجيح القول بكونه نوع من الانهزامية الجبانة، اتجاه مصاعب الحياة، أو هو موقف بطولي قام به الأحرار لإيقاف هذه المسرحية الهزلية الطويلة، إلا أنه يعد من أهم النماذج الحية والتمثلات الواقعية لنتائج الانخراط في سلك العدمية والتشاؤم، فالعدمية، ولما تنظره كما أسلفنا، تصنع أفرادا يعانون خوائا فكريا، وفراغا روحيا، واضطرابا سلوكيا واضحا، فيفقد معها الفرد كل مايدعوه للبقاء، أو يكون مبرِرا لوجوده، وتكون هي بذلك قد شرعنت له الانتحار، وجعلته مبرَرا فلسفيا، وليس مجانبة للصواب إن قلنا، أن الانتحار هو النتيجية المنطقية للعدمية، وهذا لا يعني انكارنا ما للمشاكل العاطفية أو الاقتصادية، من دور هام في الجاء الفرد الى مرحلة متفاقمة من اليأس والقنوط، تصل به إلى هوة الانتحار، إلا أنه ليس من المعقول، أن تأخذ هذه الأسباب أثرها إلى هذا المستوى من دون أن تجد تبريرات مسبقة عليها، أو ترافقها عند الفرد، شعوريا كان ذلك أو لا شعوريا. 
ولا بد أن نشير إلى ملاحظة هامة، لا يسعنا اغفالها، وهي أنه ليس بالضرورة، أن يكون الفرد عدميا محضا حتى تناله آثار العدمية، بل قد يكون من الأفراد (ولعل كاتب هذه السطور منهم) من هو مصاب بإحدى أشكال تلك العدمية، وإن لم يكن ذلك مشعورا به؛ وهذا لعله هو الذي طال بعض أكابر الفلاسفة والمفكرين، (كنيتشه) و (شوبنهار) و (أبو العلاء المعري) وغيرهم من المتشائمين.

وفي الختام لابد أن أقول: من إننا لو نقبنا عن طرق لعلاج هذا الداء، وانتجبنا دواء له، فلا يمكننا والحال كذلك، أن نغفل عن أهم طرق العلاج وأنجعها، بعد أن يكون مسبوقا بالتجذير الفلسفي لإتمام ناجعيته وتأثيره، وهذا العلاج الناجع هو الإيمان، نعم فنحن بحاجة إلى أن نؤمن، لأنها تلك القوة التي تشعل فينا جذوة الحياة من جديد، وهو الذي يمدنا بالسكينة والاطمئنان، ويكسونا درعا من الصمود لمقارعة الحياة، وهو الذي يجعلنا نعيش بقيمة وهدفية




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=129197
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20