• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الانسحاب الأمريكي من سوريا وزيارة ترامب للعراق .
                          • الكاتب : مركز المستقبل للدراسات والبحوث .

الانسحاب الأمريكي من سوريا وزيارة ترامب للعراق

د. أحمد عدنان الميالي

لا يمكن غض الطرف عن العلاقة بين الانسحاب الأمريكي من سوريا وزيارة ترامب إلى قاعدة عين الأسد في العراق، ليس صحيح ما برره ترامب بأن الانسحاب من سوريا مقترن بتقديره، أن الحرب ضد تنظيم داعش قد انتهت، وإلا ماهو تفسير زيارته لقواته العسكرية في العراق؟، والتصريح من هناك بعدم الانسحاب من هذا البلد، بل صرح استخدامها كمنصة لشن عمليات عسكرية محتملة في سوريا ومناطق أخرى؟

ما يفهم من سحب القوات الأمريكية من سوريا، وترك الأوضاع في حالة فوضى هو تقاسم نفوذ أمريكي – تركي – روسي، في ضوء ضمانات غير مؤكدة لإنهاء الوجود الإيراني في سوريا، ومراقبة هذا الانسحاب أو منع تعزيز هذا الوجود والنفوذ انطلاقا من التواجد الأمريكي في الاراضي العراقية بشكل مكثف.

هذا التفاهم الثلاثي يقوض موقف حلفاء ترامب الاوروبيين وجهودهم لحل النزاع في سوريا على طريقتهم، ويترك المجال مفتوحا أمام تركيا وروسيا، ويخاطر بحلفائه الأكراد في سوريا، إذ من تداعيات الانسحاب الأمريكي إعطاء الضوء الأخضر لتركيا لمهاجمة أكراد سوريا، مما يعقد المعركة ضد تنظيم داعش، الذي لم يُهزم نهائيا بعد، ويفتح سيناريوهات التصادم السوري التركي في شمال سوريا، فترامب يلعب بورقة تركيا على حساب حلفائه الأكراد.

تقلب المواقف والتحالفات الأمريكية في المنطقة يؤكد أن الأكراد في النهاية هم الطرف الخاسر دوما، وهذا الانسحاب يشكل ضربة للأكراد الذين استُخدموا في الجبهة الامامية لمحاربة تنظيم داعش ومواربة الوجود التركي في سوريا. هذا التخلي الامريكي عن الأكراد جاء بالاتفاق مع أوردغان الذي يعتزم بوضوح مهاجمتهم، وهو يكرر تهديداته منذ أشهر.

وأمام الضغط التركي، فإن ترامب أتصل بأوردغان لإبلاغه بسحب القوات الامريكية من سوريا قريبا، ووفق هذه الرؤية فإن ترامب يراهن بورقة أوردغان لضمان بقاء تحالفها مع الولايات المتحدة وعدم انسحابها من حلف الناتو وإبعادها عن أي تقارب مع روسيا أو موازنة تلك العلاقة بين الطرفين وهذه الرؤية يثبتها القرار الأمريكي الروسي باعتماد صفقتين للصواريخ لصالح تركيا، الأولى أمريكية لبيع تركيا صواريخ باتريوت، والثانية روسية لبيعها صواريخ إس 400، واتفقت امريكا وروسيا على أنه لا تعارض بين الصفقتين.

وهذا ما شجع تركيا لتشديد لهجتها إزاء الأكراد بعد تصريح وزير الدفاع التركي بأن منبج وشرق الفرات ستكون هدفا، وأن المسلحين سيدفنون في خنادقهم، هذا الموقف الأمريكي والمواقف الإقليمية ستقلب العديد من الموازين في الملف السوري. خاصة بعد زيارة الرئيس السوداني عمر البشير بشكل مفاجئ إلى سوريا وتبعها إعادة فتح السفارة الإماراتية والبحرينية في دمشق، إذ يبدو أن البشير حمل خلال زيارته رسالة سعودية إلى بشار الأسد، تتعلق بإعادة ترميم العلاقات السعودية والخليجية مع سوريا خلال المرحلة المقبلة لمواجهة النفوذ الإيراني فيها وملء فراغ الانسحاب الأمريكي.

ولكن المفاجأة التي قلبت الموازين، فجرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارته السرية للعراق وإعلانه عن عدم سحب القوات الأمريكية من الأراضي العراقية، في سياق وتوقيت غير مناسب بالنسبة للعراقيين الذين اعتبروه انتهاكا سافرا لسيادة الدولة.

حديث ترامب باستخدام العراق منصة لإطلاق هجمات في سوريا إذا تطلب الأمر، لا يشكل مفاجأة من حيث المضمون، ولكن من حيث التوقيت الذي لا يخدم الحكومة العراقية حديثة التشكيل وتمثل اختبارا صعبا أمامها وخاصة أن إيران هي المستهدفة من هذا الوجود، إذ يحرص ترامب على تقديم إيران اثمانا لكونها لاعبا أساسيا على الساحة السورية، ولها نفوذ فاعل على الأراضي العراقية وتشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل انطلاقا من الوجود في سوريا والتمركز في العراق كمنطقة اتصال من إيران بإتجاه العراق فسوريا فلبنان.

وإيران لن تقف متفرجة على ما يحصل خاصة أنها قدمت أدوارا إيجابية في حلحلة الأزمة اليمنية تمثلت بدعم مشاورات ستوكهولم، ولهذا من المتوقع أن تواجه إيران هذه المتغيرات في سوريا والعراق عبر التواصل مع أوربا وروسيا وتركيا لحماية مصالحها، لكن الروس صرحوا بأن الوجود الإيراني في سوريا لن يكون له مبرر بعد استعادة سوريا لعافيتها وسيادتها بعد انسحاب واشنطن وهذا يقوي مشهد التفاهم الروسي الأمريكي التركي في تقاسم النفوذ في سوريا والعراق لضمان التوازن في المنطقة.

أما أوروبا فهي وأن اعترضت على الانسحاب الأمريكي من سوريا، ولكن بريطانيا منشغلة بالبريكست وتواجه تيريزا ماي تحديات صعبة وتهديد بسحب الثقة، كما أن انسحاب انجيلا ميركل المبرمج من منصبها وسترات ماكرون الصفراء، تعطي انطباعا بأن الموقف الأوروبي أصبح خافتا وغير فاعل على الساحة الدولية.

قد تلجأ طهران لسلوك استهداف المصالح الأمريكية في العراق بما ينعكس بشكل سلبي على الاستقرار الأمني والسياسي في هذا البلد الذي لا يزال يأن بعد انتصاره في حربه ضد تنظيم داعش من حيث تحديات إعادة الإعمار وتقديم الخدمات وتوفير فرص العمل في ظل تراجع أسعار النفط ووجود احتجاجات في البصرة، وبنية سياسية غير منسجمة داخل مجلس النواب العراقي.

أما تركيا فهي تشعر بأن الظروف خدمتها ولا يمكن أن تغامر بخسارة هذه المغانم في سوريا وشمال العراق من أجل طهران، فأنقرة شعرت بأنها أصبحت وكيل رسمي وحيد لواشنطن وموسكو في سوريا.

وإذا كان أغلب المراقبين يعتقدون أن أوردغان حقق انتصارا بعد قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقچي وتداعياتها، فإن سياسات الدول العظمى والكبرى لا تتأثر أو تتغير أبدا؛ نتيجة قتل صحفي بأي طريقة كانت، وإنما يجب البحث عن أسباب فقدان المملكة العربية السعودية مكانتها ومصداقيتها كقوة إقليمية فاعلة في منطقة الشرق الأوسط، بحيث تأثرت نتيجة اغتيالها صحفي سعودي في تركيا، وهذا يقاس بسياسات ولي العهد السعودي المرتجلة الذي تجسد بعجزه تحقيق أي حسم عسكري في اليمن وفي سوريا، كما أن السعودية لم تضمن تحقيق صفقة القرن، كما أنها ضربت وحدة مجلس التعاون الخليجي وجعلته منقسما وغير قادر على حل أزماته الداخلية.

ولهذا فإن تركيا تشكل أحد الحلول الإقليمية المؤقتة، لكل من موسكو وواشنطن، لحين انتظار نضوج أشكال أخرى من التفاعلات الإقليمية لضبط التوازن في النظام الدولي من جهة وتقاسم النفوذ من جهة أخرى.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=129149
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28