• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تعدد الزوجات .. رحمة إلهية و سنة نبوية .
                          • الكاتب : فؤاد الموسوي .

تعدد الزوجات .. رحمة إلهية و سنة نبوية

قال تعالى في سورة النساء من الآية الثالثة: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} ..يتبين لنا من ذلك إن الله سبحانه و تعالى قد أعطى الرجل كل الحق و الحرية بأن يتزوج بأكثر من أمرأة واحدة على أن لا يتعدى الأربعة و لكن هناك شرط أساسي ينبغي على الرجل أن يضعه بعين الإعتبار عندما يريد أن يتزوج بأكثر من واحدة ألا و هو مفهوم العدل . و لكن ما معنى أن يكون الرجل عادلاً بين نسائه؟ هل المقصود بذلك هو العدل المادي أم المعنوي ؟ أم كلاهما ؟ و هل إن العدل هنا يعني المساواة أم إنه يتعدى ذلك ليشمل المفهوم الفلسفي للعدل و هو وضع الأشياء في مكانها الصحيح لأن المساواة في بعض الأحيان يمكن أن ينتج عنها الظلم سواء كان ذلك الظلم مقصوداً أم لا . فعلى سبيل المثال لا الحصر، هل يمكن لنا أن نساوي بين العالم و الجاهل ، و قد قال تعالى في كتابه العزيز : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } ؟ لا شك إن المساواة بين الاثنين هي الظلم بعينه لأننا بتلك المساواة سنعطي الجاهل أكثر مما يستحق و نكون قد ظلمنا العالم كثيراً . و هكذا يتبين لنا إن تطبيق العدل يمكن أن يتحقق من خلال الغور في أسبار جوهر و روح العدل و إكتشاف كل ابعاده الفلسفية بل و اهدافه البعيدة المدى . إذن عندما يريد الرجل أن يكون عادلاً بين زوجاته يجب عليه أن لا يفضل احداهن على الاخرى من الناحية المادية أي من مأكل و مسكن و ملبس و غيرها من الحاجات الاساسية لإستمرار الحياة . و لكن ماذا عن العدل المعنوي؟ و يشمل ذلك الحب و العاطفة و الحنان و كل ما يتعلق بالحاجات النفسية لدى المرأة . السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : هل من الممكن أن يحتوي قلب الانسان على نفس الدرجة من الحب و العاطفة لكل الناس؟ بالطبع لا ... هذا من المستحيل . لا بد و أن يكون لديه ميل لشخص دون آخر و لو بدرجة قليلة نسبياً سواء كنا نشعر بهذا الميل أم لا و لكنه غالباً ما يكون كامناً في الشعور الباطني و لابد لنا من الغوص في أعماق الروح الإنسانية لكي نكتشف أبعاد ذلك ألشعور . و قد قالها الله سبحانه و تعالى في كتابه الكريم : {و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة و إن تصلحوا و تتقوا فإن الله كان غفوراً رحيما} - سورة البقرة آية ١٢٩. من هذا المنطلق يمكن لنا القول بأنه من المستحيل أن يكون الرجل عادلاً من الناحية العاطفية إذ لا بد أن يميل إلى إحدى زوجاته لأن الأشياء الغير ملموسة لا يمكن أن تقاس بميزان مادي لنتمكن من التحكم بها و السيطرة عليها . أما المقصود من الاية الكريمة هو أن يحاول الرجل أن يكون عادلاً قدر الإمكان و أن لا يظلم إحدى زوجاته سواء كان ذلك من الناحية المادية أو العاطفية .

 

بناء على ذلك يتبين لنا إن تعدد الزوجات انما شرع لكي يكون هناك عدل و مساواة بين الناس أي لتحقيق مصلحة المجتمع العليا و التي هي أهم و أكبر من المصلحة الفردية الضيقة . و على الرغم من الجوانب السلبية ، كان و مازال تعدد الزوجات ضرورة تفرضها طبيعة المصالح العامة للإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة . و بما إن الجوانب الإيجابية هي أكبر بكثير من الجوانب السلبية ، لذلك لا يمكن لنا أن نختلق الحجج الواهية حول فلسفة هذا الزواج بأن نقول إنه لا يصلح لهذا الزمان أو من المستحيل أن يكون الرجل عادلاً بين زوجاته أو ما شابه ذلك . يكفي أن نقول إن تعدد الزوجات هو النظام الذي اعتُمد دوما في العلاقة بين الجنسين في الماضي أو في الحاضر ، سواء كانت تلك العلاقة سرية أو علنية ، و التاريخ مليء بالقصص التي تخبرنا عن العلاقات غير الشرعية التي كانت تسير جنباً إلى جنب مع العلاقات الشرعية . كل هذا يدل على إن هناك حاجة لتعدد الزوجات و هذه الحاجة المتأصلة يمكن أن تجعل الزواج الأحادي سبباً للانحراف للكثير من الرجال و ربما تكون هناك مشاكل و مضاعفات هي أكبر من تلك الناجمة عن تعدد الزوجات .

هناك حقيقة أخرى ينبغي لنا أن نتطرق إليها و هي إن الدين الإسلامي لم يخترع تعدد الزوجات بل كان هذا النظام موجوداً و معمولاً به منذ الأيام الأؤلى للتاريخ البشري . لقد ذكرت الكتب السماوية مثل الإنجيل و التوراة الكثير من القصص التي تتحدث عن تعدد الزوجات عند بعض الرسل و الأنبياء . فعلى سبيل المثال ، كان لنبي الله إبراهيم الخليل (ع) زوجتان هما سارة و هاجر ، أما النبي يعقوب (ع) فكان له أربع زوجات هن ليا و راحيل و بلهة و زلفة ، و كذلك النبي داوود (ع) فقد كان لديه العديد من الزوجات و يقال كان لديه ثماني زوجات كما ذكرت الكتب السماوية المقدسة و الله أعلم . أما نبينا محمد عليه أفضل الصلاة و السلام ، كما تقول الكثير من الروايات ، فقد كان متزوجاً من تسع نساء في وقت واحد و قد حدث ذلك خلال السنوات الثلاث عشرة الأخيرة من حياته أي بعد أن تجاوز الخمسين من العمر و هذا خير دليل بأن زواجه لم يكن بدافع الشهوة كما يدعي أعداء الإسلام ، و انما كان لدوافع دينية و سياسية و إجتماعية . و هكذا يتبين لنا بأن الإسلام لم يشرع نظام تعدد الزوجات بل كان موجودا منذ القدم ، و قد كان للدين الإسلامي الحنيف الفضل الأول في تعديل و إصلاح هذا النظام الفطري حيث وضع حداً لعدد الزوجات التي يمكن أن يحصل عليها الرجل في وقت واحد - أي أربع زوجات كحد أقصى . بالإضافة إلى ذلك ، وضع الإسلام شروطًا صارمة على الشخص الذي يريد الزواج من زوجة ثانية ، مثلا يجب أن يكون قادراً على اعالة الأسرة والمحافظة عليها وأن يتعامل مع زوجاته على أساس العدل والإنصاف .

حقيقة مفادها هي إن الإسلام دين عملي و قوانينه تتماشى مع الفطرة البشرية السليمة أي إنه لا ينكر الغرائز و الميول الفطرية الموجودة لدى البشر ، بل يقوم بتوجيهها و ارشادها و تنظيمها لكي يكون هناك توازن إجتماعي و لكي تنعم الناس بالامن و السعادة و السلام . أما الحكومات الغربية فقامت بحظر و منع تعدد الزوجات و اعتبرته جريمة يعاقب عليها القانون ، لكن المفارقة العجيبة هي إن الزنا هو الأكثر تفشيًا في هذه البلدان ذاتها. و على الرغم من كل المحاولات الرامية إلى تعزيز العلاقات الأحادية ، فإن العديد من الرجال المتزوجين لديهم عشيقات أو لديهم علاقات غير شرعية خارج إطار الزواج مما أدى إلى ارتفاع معدلات الطلاق و التفكك الأسري و كثرة الأطفال الغير شرعيين و غيرها من المشاكل الإجتماعية . أما في الإسلام ، فإنه إذا أراد الرجل أن يقيم علاقات خارج إطار الزوجية ، فإن الشرع الإسلامي يحمله المسؤولية الكاملة و يذكره بواجباته الشرعية تجاه تلك المرأة الأخرى وأولادها كذلك . في الإسلام لا وجود لعلاقات غير شرعية يمارسها الرجل في الظلام ، أو بالأحرى هذا ما يريده لنا الشرع أن نكون ، كل شئ ينبغي أن يحدث تحت أشعة الشمس في وضح النهار إذ لا خداع و لا خيانة و لا صراع . و من هذا المنطلق ، أجاز الله سبحانه و تعالى للرجل الزواج من أربع نساء في وقت واحد و لكن بشروط معينة و ضمن ضوابط محددة .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=128884
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28