• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : التطرف والتكفير نظرة في الواقع  العراقي .
                          • الكاتب : السيد يوسف البيومي .

التطرف والتكفير نظرة في الواقع  العراقي

تقديم:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على من بعث رحمة للعالمين، جامعاً الناس على كلمة الدين، ومفرق جماعة الشرك والمشركين، وعلى آله الأخيار الغر الميامين..
أما بعد..
في هذا البحث المتواضع الذي بين يدي القارئ الكريم، سوف يتم التطرق إلى مسألة مهمة معاصرة ابتليت بها معظم المجتمعات على وجه الكرة الأرضية، ولم تسلم على حد علمي أي دولة من خطره وعبثه، وجنونه وتهوره، عنيت بذلك الظاهرة المعروفة بـ «التطرف والتكفير»، والتي أيضاً لم تكن وليدة ظروف حصلت مؤخراً فظهرت تلك العصابات المتطرفة لتكفر الناس، ومن تستبيح الأعراض، وتجوث في الديار خراباً وقتلاً، إلا أن جذور هذه الظاهرة يعود إلى أيام غابرة، وعهود سابقة، إلا أنها كانت في كل عصر وعهد تتلون بأشكال مختلفة وتسميات متنوعة، ولكن ما يجمع بينها عدة أمور من حيث الظواهر العامة، والمضامين الخاصة.
على أن ظاهرة التطرف والتكفير لم تكن حكراً على ديانة سماوية دون الأخرى، فسوف يمر في طيات هذه البحث، ما يدل على أنها ظاهرة موجودة في العديد من الديانات، وهناك قواسم مشتركة ومبادئ تجمع فيما بينهم من حيث التوجهات وتطبيق الآليات الخاصة بهم. وكما أسلفنا سابقاً فإن ظاهرة التطرف والتكفير لم تكن أيضاً محصورة في حيز تاريخي معين ومن ثم انتهى، بل إن هذه الظاهرة لها امتدادات عبر التاريخ، حتى وصلت إلى أيامنا هذه على الشكل التي هي عليه.
ونضيف أن ظاهرة التطرف والتكفير انتشرت بشكل واسع حتى أصبحت مشكلة كبيرة تهدد الكيانات والدول، ولها من الخطورة بمكان أن تحتل دولاً، بل أن تخرج من أطار العصابات التي تمتهن الكر والفر، والكمائن والاغتيالات، لتكون لنفسها جيشاً من جنسيات متعددة ومختلفة ومتفرقة جمع بينهم المعتقد، ليؤلفوا كيان هجين سمي بـ «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروفة والمشهورة باسم «داعش».
والمحور الأساسي الذي يناقشه هذا البحث هو البحث عن أسباب انتشار هذه الأفكار والآراء والمعتقدات في المجتمعات العربية والإسلامية، وخاصة في العراق الذي يعاني من هذا الجرح الدامي، وبسببه حدث ما حدث على مر الشهور الماضية، إلى أن يصل البحث إلى عرض المؤثرات التي لعبت دوراً في انتشار هذه الظاهرة، ومن ثم طرح بعض الآليات والأفكار المساعدة للوصول إلى بعض الحلول المتوخاة لمكافحة مثل تلك الأفكار، وايقاف مد هذه الظواهر، والسعي إلى تطويقها، ومن ثم الوصول إلى الخلاص منها بشكل تام..
ولا يسعني إلا وأن أتقدم بالشكر الجزيل لإدارة «العتبة الكاظمية المقدسة» والمتمثلة بالأمانة العامة، على مثل تلك الجهود التي تبذلها من أجل الوقوف على تشخيص مثل تلك المشاكل والسعي لإيجاد الآليات العلمية والعملية لمعالجتها، والانتهاء منها، فإن مثل هذه المؤتمرات العلمية لها من أثر الكبير في التشخيص والتعرف على العوارض المسببة لمثل تلك الآفات، ومن ثم مقاومتها والخروج بآليات مناسبة للخلاص منها، والشفاء من آثارها الوخيمة. راجياً من الله عز وجل أن يتقبل مني هذا القليل، وأن يكون في ميزان الحسنات، وأن يكون هذا البحث المتواضع له من الأثر الذي يساعد في وضع الخطط والآليات من أجل معالجة مثل تلك الظواهر.
التطرف سبب، والتكفير نتيجة:
من الواضح والجلي أن ظاهرة «التطرف والتكفير» عنوانين مترابطين فيما بينهم، وهناك قرنٌ أكيد في ذهن المتلقي، والمستمع، والقارئ. فكلما ذكر التطرف؛ تبادر إلى الذهن وبشكل سريع وانسيابي موضوع التكفير، والعكس هو الصحيح.
 وذلك يعود إلى أن أصحاب الفكر المتطرف وبشكل دائم حين يلجأون إلى التتقوع على أنفسهم، يرون أنهم هم على حق، وغيرهم على باطل، فيحكمون على الآخرين بالكفر، وتصدر عنهم الأفعال الشنيعة التي ينبى لها جبين الإنسانية، من قتل، وحرق، وتدمير لكل ما هو مقدس.. ومن هنا فكلما ذكر التطرف وأهله يقترن بعد ذكرهم، أنهم أهل التكفير..
 ومن أجل تبسيط الفكرة أكثر نعطي مثلاً توضيحياً على ذلك: فحينما يصاب الإنسان بمشكلة مستعصية، ويكون سبب هذه المشكلة (زيد من الناس)، فهاهنا يُحدث ذهن الإنسان بحسب طبعه ربطاً بين هذه المشكلة المستعصية وبين (زيد من الناس)، ثم إن هذا الارتباط يظل مختزناً في ذهن هذا الإنسان بحيث لو مضى على هذه المشكلة عقود من الزمن فإنه كلما تذكر المشكلة انقدحت في ذهنه صورة زيد وكذلك العكس، وما ذلك إلا للإرتباط الذهني الوثيق بين المشكلة وبين زيد.
على أن التكفير في حقيقته هو نتيجة عن الفكر المتطرف، والتلازم الذي بينهم صار في أذهان الناس مترابطاً بشكل وثيق وأكيد، لأن النتيجة التي تتبادر عن ذكر المتطرفون سوف تؤدي إلى التكفير وبالتالي سينشأ عن هذا السبب - والذي هو (التطرف) – دون شك التكفير..
إلا أن هناك أسباب لكل ظاهرة أدت إلى نشوئها، وتطورها إلى أن وصلت الحال إلى أن تصبح على الشكل التي هي عليه، وذلك يؤدي إلى الباحث للنظر والتقصي عن تلك الأسباب، وبما أن البحث يتوخى النظر في الحالة العراقية وظهور حالتي التطرف والتكفير في ثنايا مجتمعه، إلا أنه لا يمكن فصلها بشكل كلي عن الظروف العامة، وبالتالي فإن لتلك الظاهرة المعروفة بـ «التطرف والتكفير» أسباب عامة وأخرى خاصة، فالعامة منها هي تلك التي يشترك بها معظم أصحاب هذا الفكر الظلامي والخاصة منها هي ما تحاكي الواقع العراقي بأحواله وظروفه التي أدت إلى ظهور «التطرف والتكفير». ومن هنا فإن وظيفة الباحث الموضوعي أن يبين للقارئ الكريم أول ذي بدئ ما هو المعنى «التطرف والتكفير»؟! ومن ثم يلجأ إلى تبيان الأسباب والمتعلقات بهذه الظاهرة، فإلى ما يلي من المحاور..
أولاً: التطرف:
من الضرورة بمكان أن نتعرف ما هي المعاني التي وصل إليها الباحثون والمتبحرون في شؤون التطرف والتكفير، وما هي التعريفات التي وصلوا إليها من أجل أن نراكم التجارب لنصل إلى تعريف يماشي ويمثل واقع الحال الذي نحن عليه في هذا الوقت والزمان..
وقد فسر صاحب كتاب الميزان في تفسير القرآن كلمة التطرف بأنها: «حَدِّ الشَّيْءِ وَحَرْفِهِ، والتطرف والميل عن الوسط إلى أحد الجانبين، ومنه لحد القبر لكونه في جانبه بخلاف الضريح الذي في الوسط فقرائه يلحدون بفتح الياء من المجرد، ويلحدون بضم الياء من باب الافعال بمعنى واحد، ونقل عن بعض اللغويين: أن اللحد بمعنى الميل إلى جانب، والالحاد بمعنى الجدال والمماراة»( ).
على أن ما جاء في معجم المصطلحات ما يفسر ضد كلمة التطرف وهي الاعتدال حيث قالوا: «عدم التطرف أو الافراط ، التوسط بين حالين»( ).
ومن خلال ما ورد أعلاه، فإننا نلاحظ، ما يلي:
1: التطرف هو الانتقال من الوسط إلى أحد الجنبين، والميل إلى الجانب، بما فيه مجافاة عن الوسط، وهو أخذ أقصى اليمين وأقصى اليسار، مما يدلنا على أن التطرف بالجهات يمكن تطبيقه على التطرف بالأفكار والمعقولات بحيث يجافي المتطرف فكرياً، الفكر الوسطي.
2: لقد عرفوا التطرف على أنه عكس الاعتدال أو التوسط بين حالين، مما يعني أيضاً أن المتطرف لا يشبه أهل الاعتدال بشيء بل هو على طرف نقيض معهم.
وقد حلل علماء النفس والاجتماع ظاهرة التطرف بالتالي: «فهو اتخاذ الفرد موقفاً متشدداً يتسم بالقطعية في استجاباته للمواقف الاجتماعية التي تهمه، والموجودة في بيئته التي يعيش فيها هنا والآن»( ).
ومما قالوه أيضاً: «هو الخروج عن القواعد الفكرية والقيم والمعايير والأساليب السلوكية الشائعة في المجتمع، معبراً عنه بالعزلة أو بالسلبية والانسحاب، أو تبني قيم مختلفة، قد يصل الدفاع عنها إلى الاتجاه نحو العنف في شكل فردي أو سلوك جماعي منظم، بهدف إحداث التغيير في المجتمع وفرض الرأي بقوة على الآخرين»( ).
ومن خلال تلك التعريفات يمكن أن نصل إلى نتيجة مهمة، وهي التالية:
أ – إن ظاهرة التطرف ليست موجودة في ديانة واحدة دون أخرى، بل إن ظاهرة التطرف كانت وما زالت موجودة في العديد من الأديان السماوية منها، وغير السماوية منها ولكن بأوجه وأشكال متفاوتة.
ب – لا يمكن لأحد أن يدعي أن مجتمع على وجه الخصوص أو ديانة بعينها اتصف احدى جماعاتها بالتطرف، فهذه الظاهرة المقيتة لم تنأى أمة بنفسها عن تأثيرتها، وبالتالي فإن الجماعات المتطرفة بكل أنواعها وأطيافها وعلى مر الزمان حاولت أن تبذر تلك الأفكار التي تحمل التطرف بين طياتها وخبايها.
ج – في الكثير من الأحيان ما يؤدي التطرف إلى جنوج لإظهار العنف الجسدي أو الترهيب على أفراد آخرين، بهدف فرض أفكارهم عليهم وما يعتقدون بأنه صحيح، هذا في الأغلب الأعم. أو ما يدفع بتلك الجماعات المتطرفة إلى اللجوء للعزلة، عن محيطهم، ومجتمعهم، وبيئتهم، فقط من أجل أن يعيشوا في بوتقة خاصة بهم، بعيداً عن ما يروه باطلاً، وغير مقبولاً في ميزان أهوائهم، ونزعات صدورهم، وبالتالي يسعون لتأسيس مجتمع خاص بهم، وطريقة للعيش فريدة من نوعها، ومختلفة عن تلك المجتمعات التي نشأوا فيها والأفكار التي تربوا عليها وكل ما يحصل هو بتأثير المعتقدات والأفكار التي اعتنقوها وأمنوا بها.
ولكي نوضح الصورة بشكل أفضل بحيث يمكن للقارئ الكريم أن يطلع على أشكال التطرف وأنواعه المختلفة من خلال الأمثلة التالية:
التطرف في الديانة اليهودية:
إن التطرف الديني عند اليهود ليس وليد هذه الأيام فقط، فحين نرى أنهم يقتلون ويذبحون وينهبون ويغتصبون بدم بارد، دون رأفة ورحمة فهذا ليس بجديد عليهم، وقد اشتهرت طائفة تدعى «الفريسيون»، وهم جماعة متعصبة كثيراً ما أثارت الفتن والسعي في قتل من يخالفهم الرأي من باقي الطوائف اليهودية، وكثيراً ما لجأوا إلى الاغتيالات من أجل ترهيب الآخرين، واستخدام سلطتهم في المعبد بهدف فرض آرائهم وأفكارهم، وكلمة فريسي تعني «مفرز، فهم كانوا يعتبرون أنفسهم مفروزين عن الشعب لقداستهم. وهم فئة تضم كهنة وعلمانيين. وكانوا يعلمون ويعظون ولكنهم تمسكوا بحرفية الناموس في التفسير والتشدد في حفظ عوائد تسلموها ممن سبقوهم»( ). 
وهذا ما جعلهم جماعة متكبرة ومتعجرفة يفتخرون بمعارفهم الدينية ويزدرون بالعامة. وتعتبر هذه الجماعة المتطرفة إحدى «الأحزاب السياسية الدينية التي برزت خلال القرن الأول داخل المجتمع اليهودي في فلسطين؛ يعود أصل المصطلح إلى اللغة الآرامية ويشير إلى الابتعاد والاعتزال عن الخاطئين؛ كان الفريسيون يتبعون مذهبًا دينياً متشدداً في الحفاظ على شريعة موسى والسنن الشفهية التي استنبطوها»( ).
ولم تنتهي الأمور عند هذا الحد بل إن التطرف ما زال مستمراً في الديانة اليهودية وإلى أيامنا الحاضرة بأبشع صفاته وأشكاله، في أرض فلسطين المحتلة، وهناك العديد من التيارات اليهودية المتشددة داخل المجتمع اليهودي، وأشهرها «جماعة (غوش إيمونيم) وهي جماعة أسسها "موشي ليفنجر" في مايو 1974، وهي حركة جماهرية دينية متطرفة تسعى للاستيطان في الضفة، وقطاع غزة، وتعمل لإقامة هيكل على أنقاض الأقصى [مسجد بيت المقدس] وتؤمن بالعنف لتحقيق ذلك؛ تمزج هذه الجماعة بين الإيمان والأعمال ذات الطابع السياسي، وترفع عبارة (الاستيطان في كل أرجاء اسرائيل) شعاراً لها، وتدعو لطرد العرب من فلسطين بالقوة»( ).
وهذه الأمثلة يعرفها، ويعلم بها، البعيد قبل القريب، فإن الشواهد على التطرف اليهودي واضح جلي للعيان ولا يحتاج أحد لكثير من الاجتهاد والتمحيص ليصل إلى تلك النتيجة، والتاريخ القريب خير شاهد ومخبر عن ذلك..
التطرف في الديانة المسيحية:
وكما في الديانة اليهودية كذلك هو الحال بالنسبة للديانة المسيحية، فإن ظاهرة التطرف، كان لها أثراً، وأتباعاً، بل تشكل التطرف على شكل دول، صار أحدها يقاتل الأخرى من أجل المعتقد، والمذهب، والانتماء، وهناك العديد من الأمثلة، ننقل منها ما يلي:
الانشقاق الأول: إن الانقسام بدأ في العقود الأولى بعد السيد المسيح «عليه السلام»، مما أدى إلى انشراخ عمودي فيما بين أتباع الديانة المسيحية، وحسب قاموس أكسفورد فإن هذا «الانشقاق الكبير وهو انشقاق كنائس الشرق والغرب الخلقيدونية عن بعضها البعض، مُشكلة بذلك فرع غربي لاتيني (كاثوليكي)، وفرع شرقي بيزنطي (أرثوذكسي)، وعادة يرجع تاريخ هذا الانشقاق إلى عام 1054 م. والانقسام بين الشرق والغرب جاء في الواقع نتيجة فترة طويلة من الجفاء بين المسيحية اللاتينية واليونانية»( ). 
وقالوا أيضاً أنه في «في القرن الخامس حدث الانشقاق الكبير بين الكنيستين الشرقية والغربية بسبب مجمع خلقيدونيا (عام 451 م)، فأصبحت كنائس الشرق تحت قيادة كنيسة (الإسكندرية) تُعرَف بالكنائس "الأرثوذكسية"، وكنائس الغرب تحت قيادة كنيسة (روما) وسميت بالكنائس "الكاثوليكية". إلى أن جاء القرن الحادي عشر حيث انفصلت كنائس القسطنطينية واليونانية وشقيقاتها عن الكنيسة اللاتينية وأصبحت هي الأخرى تعرف بالكنيسة الأرثوذكسية»( ). 
وكان السبب الرئيس في الاختلاف والانقسام يعود بالطبع إلى الاختلاف العقائدي فيما بين أرباب الكنيسة مما دفع بهم إلى هذا الانشقاق، وكما رأينا أعلاه أنهما صارتا كنيستان الأولى شرقية والأخرى غربية، وبالتالي نشأ عن ذلك أن دولاً صارت تتبع الكنيسة الغربية وأخرى صارت تتبع الكنيسة الشرقية.
وأهم تلك الاختلافات هي: 
أولاً: اعتقادهم بشخص المسيح «عليه السلام».
ثانياً: واعتقادهم في شخص السيدة مريم «عليها السلام» وكيفية حملها بنبي الله عيسى «عليه السلام».
ثالثاً: القول في المطهر فمنهم من يقول أن المطهر مرحلة يمر بها الميت لكي يتطهر من ذنوبه ومن ثم يذهب إلى النعيم الأبدي، وآخرون قالوا بعدم وجود ذاك المطهر وأنهم مباشرة يذهبون إلى النعيم الأبدي وذلك لاعتقادهم بنظرية الفداء.
رابعاً: يختلفون على زعامة الكنيسة، فمنهم من يعتقد بوحدة الرأس لأن الخلافة تعود من بعد السيد المسيح «عليه السلام» إلى بطرس دون غيره، على أن البعض الآخر يعتقد أن الخلافة ليست منوطة بواحد من التلاميذ دون الآخرين.
وهناك الكثير والكثير من المعتقدات التي تختلف فيما بينها، إلا أن هذه الاختلافات العقائدية أدت إلى اضطهاد كل كنيسة لأتباع الكنيسة الأخرى، من خلال قتلهم أو نفيهم واستبعادهم، من أجل تفرض كل سلطة دينية رأيها على الرعايا، وكانت ترجح كفة إحدى العقيدتين حسب الحاكم البيزنطي، فإن كان أرثوذكسياً فإنه ينكل بالكهنة الكاثوليك وأتباعهم، وإن جاء خليفته على المذهب الأخر فعل بالمخالفين لاعتقاده الأفاعيل.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل تطورت الانشقاقات لكي تطال الكنيسة الكاثوليكية، وانبثاق الطائفة البروتستانتية، وبدأ الخلاف والاختلاف ينتشر في الرعايا كالنار في الهشيم، مما نشأ عنه التنكيل، والقتل، والاغتصاب، لأن سارت الأمور نحو الحروب بين الملوك والدول ونشبت «حرب الثلاثين عاماً (بالإنجليزية: Thirty Years' War)، هي سلسلة صراعات دامية مزقت أوروبا بين عامي 1618 و1648 م، وقعت معاركها بدايةً وبشكل عام في أراضي أوروبا الوسطى (خاصة أراضي ألمانيا الحالية) العائدة إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ولكن اشتركت فيها تباعاً معظم القوى الأوروبية الموجودة في ذاك العصر، فيما عدا إنكلترا وروسيا. في الجزء الثاني من فترة الحرب امتدت المعارك إلى فرنسا والأراضي المنخفضة وشمال إيطاليا وكاتالونيا. خلال سنواتها الثلاثين تغيرت تدريجياً طبيعة ودوافع الحرب : فقد اندلعت الحرب في البداية كصراع ديني بين الكاثوليك والبروتستانت وانتهت كصراع سياسي من أجل السيطرة على الدول الأخرى»( ).
وانطلاقاً من هنا، فإن الديانة المسيحية الذي يقول أتباعها أنها دين التسامح والغفران لم يلتزم أتباعها بتلك التعاليم، بل إن الأهواء والسير خلفها أدى إلى ما حدث من ويلات، وأهوال، ومع ذلك فإن تلكم الظاهرة  تمددت إلى عصرنا الحالي، وظهرت العديد من الفرق الدينية المسيحية المتطرفة، حتى أطلقوا عليهم أسم «الإرهاب المسيحي [و] يشمل أعمالًا إرهابية من قبل المجموعات أو الأفراد الذين يدعون الدوافع أو الأهداف المسيحية لأفعالهم. كما هو الحال مع غيره من أشكال الإرهاب الديني، اعتمد الإرهابيون المسيحيون على التفسيرات الفقهية أو الحرفية لتعاليم الإيمان (الكتاب المقدس في هذه الحالة). وقد استخدمت هذه الجماعات كتب العهد القديم والعهد الجديد لتبرير العنف والقتل أو السعي إلى تحقيق "أوقات النهاية" الموصوفة في العهد الجديد، بينما يسعى البعض الآخر لتحقيق ثيقراطية مسيحية»( ).
ومن تلك المجموعات على سبيل المثال لا الحصر:
1 – مجموعة جيش الرب.
2 – البرق الشرقي.
3 – جيش مقاومة الرب من أجل إقامة الشريعة المسيحية.
4 – الجبهة الوطنية للتحرير.
5 – فينس الكهنوتتية (شعب الله المختار).
6 – المسيحيين المعنيين.
ومن أراد التوسع فما عليه إلا أن يراجع أحداث الصحف الأوربية بين عاميي 1965 إلى 1989 وسيجد العديد والعديد من الحوادث التي حصلت على يد مثل تلك الفرق والمجموعات المتطرفة..
إن الهدف من وراء ذكر ظواهر التطرف في الأديان السماوية الأخرى لكي تتبلور الفكرة عند القارئ الكريم، لأن البعض ومن خلال وسائل الاعلام يهدف إلى تشويه الإسلام بشكل عام، وتشويه الإسلام كدين علماً بأن المجموعات المتطرفة في الأديان الأخرى تم التعتيم على دورها بل إلى دفن ذكرها، بينما العكس هو صحيح بالنسبة إلى تسليط الضوء على المجموعات المتطرفة التي نسبت إلى الدين الإسلامي ظلماً وجوراً، واظهار على أن الدين الإسلامي هو ذاك الذي تمثله تلك المجموعات المتطرفة، كداعش وجبهة النصرة على سبيل المثال..
مع أن الحق وكما سيظهر في الآتي من السطور على أن المجموعات المتطرفة في معتقداتها وتطبيقها لمشروعها خالفت وتخالف في كثير من الأحيان الشريعة الإسلامية السمحاء، وهذا ما يدفعنا لنتكلم في المحور الآتي عن:
التطرف في الديانة الإسلامية:
إن وسائل الإعلام حين تتكلم عن المجموعات المتطرفة التي ظهرت في الإسلام، فإنهم يلقبونهم بالإرهاب الإسلامي، مع أن واقع الحال أن هذه المجموعات حالها كحال باقي الفرق والمجموعات التي ظهرت في باقي الأديان وقد أسلفنا ذلك أعلاه فلا نعيد، بل أن التعصب الديني في الديانات أخرى تمثل في صراع الدول والممالك، وأدى إلى سفك دماء الآلاف من الأبرياء..
وهذا ليس من أجل التبرير والبحث عن الأعذار لتلك الشرذمة الفاسدة والسيئة من البشر، ولكن من أجل وضع الأمور في نصابها، وتسمية الأمور بمسمياتها، فما هو الدافع من وراء تلك الشركات الإعلامية، والشاشات، والصحف، والمجلات، وكل ما يسمى بوسائل المرئي، والمسموع، والمقروء، في جميع انحاء العالم إلى تظهير تلك الجماعات المتطرفة بإسم «الإرهاب الإسلامي»، فمن حق كل عاقل أن يطرح مثل هذه الأسئلة وأن يتوقف عندها، وأن يحلل ما يجري!!
ونجيب:
أولاً: هناك حملة لتظهير الدين الإسلامي على أنه دين عنف، ولا يصلح كديانة يمكن للناس أن تقتدي به، وتؤمن به، وأن هذه هي الصورة الحقيقية للشريعة الإسلام الظاهرة للعيان، وفيها ما فيها من الأمثلة على همجية ذلك الدين، والأرهاب الذي يتصف به أتباعه. ولكن مهما حول أولئك المغرضون وبشتى وسائلهم فإنهم لن يستطيعوا أن يعمموا تلك الأفكار، مع أننا لا ننكر مدى تأثير تلك الوسائل على العقل الجماعي للمجتمعات. ومن أهم ما ينفي تلك التهم  أن الإسلام كديانة فهو منتشر من خلال أتباعه والمؤمنين به حول العالم بأسره، فنكاد نزعم أنه ليس من بقعة على وجه هذه الخليقة إلا وفيها مسلم حقيقي، يمارس معتقداته بكل سلام واحترام كما هو أساس هذا الدين، وها هم أهل البيت «عليهم السلام» الذين علمونا ووضعوا الأسس التي لا بد أن ننطلق من خلالها لممارسة معتقداتنا، ومن تلك الآثار ما يلي:
أ – روي عن الإمام الصادق «عليه السلام» قوله: «عليكم بتقوى اللَّه، والورع، والاجتهاد، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الخلق، وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً»( ).

ب – وعنه «عليه السلام» أنه قال: «كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع»( ).

ج – وعنه أيضاً قوله «عليه السلام»: «كونوا دعاة إلينا بالكف عن محارم الله واجتناب معاصيه ، واتباع رضوان الله، فإنهم إذا كانوا كذلك، كان الناس إلينا مسارعين»( ).
وإذا دققنا في ما دلالات هذه الروايات الشريفة نتواصل إلى معاني في غاية الكمال، وتمثل مدرسة أخلاقية لنشر الفكر الإسلامي والمعتقد الصحيح، فإن ذلك هي أسس «من الخُلُق الكريم أن يسهم في إنتاج المعاملة الرضية والحميدة، واستثارة كل عناصر الخير في الناس، وإنعاشها في نفوسهم، وإصلاح الاختلالات الأخلاقية، وأن تكون هذه الأخلاق بلسماً للجراح، وراحة للنفوس، وأن تشيع الخير والسلام والسلامة بين أهل الإيمان، على قاعدة: كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم»( ).
فنفس الدعوة بتلك الطريقة تعتبر هي تجسيد للطرق المثلى حيث أن البشر تنجذب بطبعها نحو الكمال الأخلاقي فمحاسن الأعمال ومكارم الخلق تدفع الآخرين إلى تمثلكم وتقليدكم وتنازعهم أنفسهم إلى الدخول فيما ذهب إليه أصحاب الخلق القويم وبالتالي فإن ذلك يعتبر من الدعوة الصامتة التي تحث إلى اتباع الدين الحق، والمذهب الحق.
ثانياً: وبعد هذا التوضيح أن الدين الإسلامي بما هو دين هو دين يحث إلى اتمام الخلق، وهذا هو قول النبي الخاتم محمد «صلى الله عليه وآله»: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»( ). وبعد هذا فإن ذلك يكشف عن تلك الجماعات المتطرفة والتي نسبت إلى الدين الإسلامي زوراً وبهتاناً فهي لا تمثل جوهر الدين لا من قريب أو بعيد، ولكن لا بد من الإشارة إلى بعض الأمور التي تبين أصول نشأة هذه الجماعات ونزعتها نحو العنف، ومن تلك الأمور ما يلي:
1 – إن نشأة الانحراف عن جوهر الدين الإسلامي، وحقيقته، بدأت من الساعة التي تخلى فيها المسلمين عن وصايا النبي محمد «صلى الله عليه وآله»، وأهم تلك الوصايا قوله «صلى الله عليه وآله»: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي»( ). 
وللمدقق المتابع العلم بما لهذه الوصية من أثر، فإن كتاب الله عز وجل مرتبط بأهل البيت «عليهم السلام» لأن تفسير وعلومه حاضرة عندهم، وإلا لما كان النبي «صلى الله عليه وآله» قرن فيما بينهما، فمن تخلى عن كتاب الله سيضل حتماً، ومن تخلى عن أهل البيت «عليهم السلام» سيضل حتماً. وهذا حال هذه الأمة الإسلامية فإن تخلي هؤلاء الشرذمة عن هدي النبي «صلى الله عليه وآله»، وأخذهم للدين من طرق غير التي رسمها أمين هذه الأمة ونبيها، مما أدى إلى ظهورهم وانتشارهم، وهذا هو الحال من بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» وإلى يومنا هذا.
2 – إن هذه الفرق الظالمية ما كانت لتنتشر وتتغذى لولا ظهور تلك العقائد الفاسدة والتي عرفت بالأفكار المتطرفة لينتج عنها التكفير لخلق الله وعباده، والحكم عليهم بالموت كجزاء لمخالفتهم لما يعتقدون به هؤلاء. وهذه العقائد وعبر تاريخ الأمة كان لها أسبابها، ومنهم وعاظ السلاطين، وعلماء السوء، والذين دلسوا على الله ورسوله، وأحدثوا في الدين ما ليس منه، وانشؤوا المذاهب والعقائد المختلفة والتي لا تمت للعقيدة السليمة بأي صلة.
3 – لقد حاول أهل البيت «عليهم السلام» التصدي لكل تلك الأفكار المنحرفة من خلال تعالميهم الخالدة، ولو شاء أحد أن يطلع عليها فإنها ستملأ الخافقين، وتشنف آذان الثقلين، ونحن في تلك العجالة لا نستطيع لها عداً ولا احصاءاً، ولكن سنتطرق فيما يلي من البحث لأحد تلك الأقوال في معرض الحلول لتلك الظاهرة الشاذة.
أسباب التكفير:
إن ظاهرة التكفير _ وكما أوضحنا _ أصبحت ملازمة للتطرف، والتطرف هو المسبب الرئيسي لظهور التكفير في الأمة، ولربما يسأل سائل عن تلك الأسباب وتفاصيلها، وحيثيتها، وما يدخل فيها، ولا بد أن نبين للقارئ الكريم عن بعض الأسباب والعوامل التي شجعت إلى ظهور التكفير والتطرف، ومن ثم نعمل على تحليل ما جاء فيها:
أولاً: فقد زعموا أن التطرف التكفيري «يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد ومتعارف عليه سياسياً واجتماعياً ودينياً دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة، أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي أو التهديد بالعنف فإنه يتحول إلى إرهاب، فالتطرف التكفيري دائماً في دائرة الفكر، أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب»( ).
وحاولوا تبرئة حالات التطرف التكفيري من العقوبة حيث أنه وبرأيهم أن «التطرف لا يعاقب عليه القانون، ولا يعتبر جريمة، بينما الإرهاب هو جريمة يعاقب عليها القانون، فالتطرف هو حركة اتجاه القاعدة الاجتماعية والقانونية ومن تم يصعب تجريمه، فتطرف الفكر لا يعاقب عليه القانون باعتبار هذا الأخير لا يعاقب على النوايا والأفكار، في حين أن السلوك الإرهابي المجرم هو حركة عكس القاعدة القانونية ومن يتم تجريمه»( ).
ولكن لربما غفلوا أو تغافلوا عن أن التطرف ما هو إلا إرهاب فكري يصدر عنه حالات التكفير وعدم القبول الرأي الآخر ولربما أدى ذلك إلى ترهيب الآخر وعدم السماح له بالتعبير عن أفكاره ومعتقداته لمجرد أن ظاهرة التطرف والتكفير قد تكون الأكثرية في مجتمع ما، أفليست هذه حالة من حالات الأرهاب الفكري التي تعرض حقوق الإنسان بالتعبير عن رأيه، وممارسة ما يعتقد به بحرية تامة؟! أوليس هذا الأرهاب الفكري جريمة يعاقب عليها القانون؟!
فإن المتطرف فكرياً هو معتنق لفكر و«لرأي بحيث لا يتم السماح للآخرين بمجرد إبداء الرأي، أي الإيمان الراسخ بأنهم على صواب والآخرين في ضلال عن الحقيقة، لأنهم وحدهم على حق والآخرون في متاهات وضلالات»( ).
وإن الإرهاب الفكري التكفيري هو نوع من ممارسة «العنف في التعامل، والخشونة، والغلظة في الدعوة، والشذوذ في المظهر، و[فيه] النظرة التشاؤمية والتقليل من أعمال الآخرين والاستهتار بها، والاندفاع وعدم ضبط النفس، والخروج عن القصد الحسن والتسيير المعتدل»( ).
وانطلاقاً من هنا، فإن الأرهاب الفكري وكما هو ظاهر لا يظل ضمن الأفكار والنوايا لأن التصريح عن تكفير الآخرين، والدعوة إلى التخلص منهم، وهذا منتشر في كتبهم، ومنشوراتهم، ووسائل الأعلام الخاصة بهم، ويصدحون بتلك الآراء والأفكار التكفيرية ليل نهار، ألا تجعل منهم وحسب القوانين متدخلين في الجرائم الأرهابية التي تجرم القوانين الوضعية والدينية منها كل متدخل ومحرض على جرم نتج عنه أذية للناس، وعلى مثل هؤلاء الباحثين أن يكونوا أكثر موضوعية حين يناقشون ظاهرة معينة.
وإن الأمور للأسف لا تقف عند هذا الحد، فأن سعي أصحاب الفكر الظلامي إلى خلايا، والدعوة فيما بين الشباب والتأثير عليهم، من خلال الترغيب والترهيب لكي ينضموا إليهم، أفلا يعتبر ذلك جريمة تعاقب عليها القوانين، ولا تقبل بها لا من قريب أو من بعيد، وأحد الأسباب المشجعة لتأسيس مثل تلك الخلايا الأرهابية هو وجود مثل هؤلاء المنظرين والباحثين الذين من حيث يدرون أو لا يدرون قد شاركوا وساهموا وشجعوا هؤلاء على الانتشار في المجتمعات.
ثانياً: إن بعض الأبحاث النفسية عملت على كشف اللثام عن بعض الأسباب التي أسست لظاهرة التكفير، وقسموا أشكال التكفير تقسيماً تحليلاً، وجاء التقسيم على الشكل التالي:
أ – التكفير المعرفي: وهو أن إنسان يتعلق إلى «فكرة أو أفكار معينة، ولا يتقبل المناقشة أو إعادة النظر فيها، ويعتبرها من الثوابت المطلقة، وهو في هذه الحالة لا يلغي وظيفة عقله فقط في تمحيص هذه الفكرة أو الأفكار بل إنه يلغي أي رأي آخر مخالف، ولا يسمح لهذا الرأي أن يدخل مجال وعيه فضلاً عن أن يتفهمه أو يناقشه أو يتقبله، مما يؤدي إلى حكم متطرف بتكفير هذا الآخر»( ).  
وفي هذه الحيثية فإن الشخص التكفيري مستند في النتيجة التي توصل إليها وهي تكفير الآخرين إلى معارف مغلوطة ثابتة عنده ولا يسمح باستبدالها أو حتى النقاش فيها..
ب – التكفير الوجداني: وهو عبارة عن كمية من المشاعر والأحاسيس الطاغية «نحو شيء معين يجعل الشخص مندفعاً في اتجاه معين دون تبصر، وربما يدفعه هذا الانفعال إلى تدمير نفسه أو غيره، ويظل الشخص يشحن نفسه أو يشحن المجتمع بشحنات وجدانية هائلة تهدد بالانفجار في أية لحظة»( ). 
ومن الجلي، أن هذه الأحاسيس والمشاعر هي مشاعر سلبية لأنها ترى بالآخر أنه عدو كافر، وهذه الأحاسيس المشحونة بالغضب تدفع به إلى شحن نفسه أو شحن الآخرين بالحقد الناتج عن غير بصيرة وتعقل.
ج – التكفير السلوكي: وهو أخطر أنواع التكفير لأنه من الأفعال التي يظهر فيها الكثير من «المغالاة في سلوكيات ظاهرية معينة، بما يخرج عن الحدود المقبولة، وإن كانت هذه السلوكيات هدفاً في حد ذاتها. فلذلك يكررها الشخص بشكل نمطي، وهي خالية من المعنى وفاقدة للهدف ولا يتوقف الأمر عند الشخص ذاته، بل يحاول إرغام الآخرين على التقييد بما يفعله هو إما قهراً أو قسراً، ولربما يلجأ إلى العدوان على الآخرين لإرغامهم على تنفيذ ما يريد»( ).
ونستنتج مما يلي: أن ظاهرة التكفير تستبطن في داخلها الفكر المتطرف، وهذا ما يؤكد على أن التكفير والتطرف وجهان لعملة واحدة، وأن المراحل التي يمر فيها التكفير له علاقة بأمور ثلاثة كما أظهرته الدراسة وهي: المعارف المغلوطة والأفكار المنحرفة التي تؤدي إلى تؤجج العواطف السلبية المليئة بالحقد الدفين تجاه الآخرين، وما يؤدي إلى انفجار تلك العواطف من خلال السلوك التكفير العنيف وهو من خلال الأفعال العنفية. وهذه النتيجة لا بد لها من تحفيذ الدارسين والباحثين للدراسة مؤشرات التطرف الديني في العالم العربي والإسلامي، والمقصود بمؤشرات الإرهاب المرتبطة بالتطرف وبشكل عام «أداة قياس إحصائية رقمية (كمّية) أو نوعيّة، تحوّل بموجبها الوحدات المقاسة للأحداث والظواهر الطبيعية والإنسانية إلى وحدات وأرقام، وتستخدم المؤشرات عادة لغرضين أساسيين:
الأول: تحديد حجم المشكلة، وقياسها قياسًا دقيقًا للوقوف على الوضع الراهن لها.
الثاني: استخدام المؤشر في متابعة الخطة الموضوعة، وتقييم الأداء أولًا بأول، والوقوف على التقدم نحو تحقيق الأهداف سواء كانت قصيرة أم متوسطة أم طويلة.
ويعد التمييز بين مفهومي كل من المؤشرات والإحصاءات أمر بالغ الأهمية لدى الباحثين؛ حيث يعبر المؤشر عن مقياس، كمِّي أو نوعي، يستخدم لقياس ظاهرة معينة أو أداء محدد خلال فترة زمنية معينة. أما الإحصاءات فهي عرض لواقع ظاهرة معينة في وقت محدد وفي شكل رقمي»( ).  
ومع أن هذا النوع من العلم يعتبر حديثاً نوعاً ما، وقد تأسست الكثير من المؤسسات الغربية في الدول الأوربية والأجنبية من أجل الوقوف على مسببات الإرهاب، وحتى الأن فإن المؤسسات التي تعنى بهذا النوع من الدراسات في عالم العربي ليس لها من وجود فعلي، مع أنه أحوج ما يكون له هو هذه النوعية من الدراسات مما لها أهمية، وإن المؤسسات الرسمية في الدول العربية والإسلامية تعاني من حالة نفور من استخدام المناهج العلمية والتجربية في مقاربات العلوم الإنسانية والسياسية، وهذا السلوك المستغرب «مرتبطًا بالمنظومة المعرفية المتخلفة لنا كعرب في الحقبة الحالية من العولمة في مجالات الفلسفة، وعلوم الفيزياء، والعلوم التطبيقية والتكنولوجيا، ولا علاقة له بالصراع الأبستمولوجي الكبير بين العلم لتجريبي والعلوم الإنسانية الذي ما يزال محتدمًا في المنظومة المعرفية الغربية.
هذه المنظومة الكسولة من المعرفة تم التواطؤ عليها بين النخب العلمية المؤهلة والقادرة على البحث، وبين السلطة في كافة الدول العربية؛ بهدف ترسيخ الواقع وتسهيل عملية تزيفه وإعادة تشكيله عند الحاجة، حتى يبقى كل شيء في حالة سيولة معرفية؛ خاضع للتخمينات والانطباعات الشخصية والجدل العقيم»( ).
ومما سبق يمكن الوصول إلى الاستنتاج التالي، وهو تقعص الدول العربية والإسلامية عن لعب دورها في تنظيم، وتبيان أصل المشكلة وهذا التخاذل يعود إلى أمرين لا ثالث لهما:
أولهما: إن طبيعة الدول في العالم العربي والإسلامي لم تصل إلى مرحلة النضوج السياسي من خلال العمل الحقيقي الذي هو أصل وجود أي سلطة سياسية أو حكومية، ولذلك فإنها مشمولة من ضمن دول العالم الثالث أو الدول النامية التي هي في طور التطور، وذلك يعود إلى أسباب مختلفة، منها:
1 – عدم تطور الأنظمة السياسية.
2 – حصر ممارسة السياسة في أحزاب محددة دون غيرها، وسيطرتها على السلطة.
3 – عدم تطوير الأنظمة التعليمية، والاقتصادية، وغيرها من الأمور التي تعتبر من المقومات الأساسية لأي دولة، مما أدى إلى انتشار الجهل، والفقر، والباطلة وغيرها من الأمور المعلومة.
ثانيهما: أرتباط بعض الدول من خلال منهاجها السياسي، والعقائدي، والتي تعتبر هي من المؤسسين لانتشار الخطاب الديني المتطرف، والترويج له، ونشره في مختلف ارجاء الأرض، من خلال المؤسسات الإعلامية والدينية، وغيرها من الوسائل التي ساعدت على انتشار الفكر التكفيري في الدول العربية والإسلامية، وكان نتيجته هذه الموجة الكبيرة من ظهور التطرف والتكفير.
 وبعدما قمنا بتحديد الأسباب العامة التي أدت إلى انتشار ظاهرة التطرف والتكفير نصل إلى الأسباب الخاصة التي أدت إلى وصول تلك الموجة إلى العراق، وهو أحد أهم الدول التي تشظى بلظى هذه الأفكار والممارسات، فإلى ما يلي من المحاور..
سنين العراق العجاف:
 لا بد وأن نشير إلى أن الأسباب العامة التي أثرت في الوضعي الأقليمي والدولي وأدت إلى ما أدت إليه من انتشار التطرف والتكفير، فمن البديهي أن يكون العراق وبما أنه دولة ضمن الشرق الأوسط وما له من خصوصية، ولأنه محط ومطمع للكثير من الدول الخارجية، فمن الضروري أن تلك الأسباب العامة موجودة في العراق ومما جعل هذه الأزمة تطفو على السطح وتسبب ما سببت من قتل ودمار وخراب، ولكن هناك أسباب خاصة أوصلت الوضع العراقي إلى ما هو عليه الآن، ومن تلك الأسباب:
أولاً: الأسباب السياسية:
الفساد السياسي في العراق ليس كالفساد في غيره من الدول ولا يشبه بقية الفسادات لا من حيث الكم ولا من حيث الوزن ولا من حيث الفاعل ولا من حيث النوع ولا من حيث الأسباب ولا من حيث الموقف منه، فالفساد في العراق ما عاد حالة استثنائية إنما بات القاعدة.
 والفساد في العراق يُمارس لذاته ويُمارس كسلاح في الحرب المحتدمة على الحكم. ويبدأ الفساد من التشريع القانوني الذي صمم  لتلبية رغبات الاستئثار بالسلطة، وما يتصل بها من نفوذ وثروة، أو تقاسمها مكوناتيا على حساب المصلحة الوطنية الجامعة، أو تهميش الخصوم أو تكريس المحاصصة الطائفية.
ويعود الفساد السياسي أيضاً إلى تقاعس الحكومات المتعاقبة عن أداء دورها في استرداد الأموال العراقية المنهوبة. والواقع، باعتقادي، أنها لا تستطيع استعادة الأموال لأنها تفتقر إلى الشرعية السياسية والأدبية اللازمة لذلك، فهي متورطة في الفساد وقائمة عليه ومنبثقة عنه، ما يعني أن فتحها لملف الفساد هو بمثابة تقويض للشرعية التي تستند إليها ونقض للصفقة المحاصصاتية التي أنتجتها. كما لا تقدر الحكومات على خطوة استرجاع الأموال المسروقة لأنها تعاني من العجز السياسي الناتج عن انعدام الإرادة الوطنية والعزم الأخلاقي، فهي عاجزة عن إغلاق صنبور الفساد، وعن محاسبة الفاسدين السابقين أو استرجاع الأموال التي استولوا عليها، ويرجع ذلك إلى أن هذه الحكومات جزء من البنية السياسية والمؤسستية للفساد، وهي أيضا جزء من سياق يحكمه الفساد السياسي الذي يرعى ويغذي الفساد المالي.
ومكافحة كل أشكال الفساد وكبح جماح الإرهاب لا يمكن أن يتمّا إلا عبر تجفيف منابع الطائفية، وإنجاز مصالحة حقيقية، واستعادة المواطنية كهوية جامعة وشاملة واندماجية لكل العراقيين.
ثانياً: الطائفية السياسية: إن الانقسام الطائفي في العراق هو من الأسباب المقيتة التي جعلت ظاهرة التطرف والتكفير تطفو على السطح العراقي، فإن بعض الأطراف الخارجية وعملاً بالقاعدة المشهورة (فرق تسد) وبسبب الفساد السياسي والتفرقة الطائفية والمذهبية دفعهم إلى التدخل في الشؤون الداخلية العراقية، وساعدوا على تأجيج الروح المذهبية، مما أدى إلى ارتفاع المنسوب الانقسام المذهبي، ومما دفع ضعاف النفوس إلى التجاوب مع هذه الدعوات المغرضة، وقاموا بالاعتصامات والتحركات ضمن مناطقهم مما أدى لخلق أرضية مناسبة للوصول العصابات التكفيرية إلى الداخل العراقي، وإيجاد القاعدة المناسبة لهم للتوغل في الداخل العراقي..
ثالثاً: الاحتلال الأمريكي: ولا يمكن أن نغفل أن الوجود الأمريكي في العراق ولسنوات عديدة ساعد على إلى تفرقة الأطراف والمكونات العراقية، وغذى الروح المذهبية بين الناس واستغل كل هذه المدة لخلق نظام طائفي ومذهبي، لا يمكن له التطور إلا بإرادة حقيقية من العراقين للتغيير، وهذا ما يفتح المجال أمام الجميع للتحاور والسير قدماً إلى تطوير النظام والعمل بعكس ما كان يريده الاحتلال وكل الدول التي تدور في فلكه.
رابعاً: الخطاب الديني: إن التوجيه الديني إلى جماعة الملتزمين بأي ديانة على وجه هذه الأرض له ما له من إيجابيات في الحد والوقوف عند الأخلاقيات والحدود التي يحب أن يقف عندها أي معتقد بهذه الديانة، ونحن وعلى وجه الخصوص نعاني من قصور وتقصير في استقطاب الصحيح للمتدينين والملتزمين دينياً حيث أن الخطاب الديني من واجباته الأساسية إزالة الشبهات والدفاع عن المعتقدات السليمة، ولا يمكن أن ننكر أن المؤسسة الدينية في المذهب الإمامي والمتمثلة بالمرجعيات الدينية، وبمرجعية النجف بشكل خاص، وعلى وجه أخص المتمثلة بسماحة المرجع الكبير السيد علي السيستاني دام ظله لم تئلوا جهداً في تصويب هذا الخطاب، من خلال التوجيهات الرشيدة والمؤسسات العاملة في الحقل الإرشادي والاخلاقي والعقائدي والمنتشر عبر شتى وسائل التواصل المرئية والمسموعة والمكتوبة وحتى من خلال الصفحات الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية، وذلك دفاعاً عن المسلمات العقائدية والدينية للإسلام بشكل عام وعن المذهب الإمامي بشكل خاص، وذلك لصد الحملات المسعورة على أصل المذهب ووجوده ومحاولة إخراج أتباعه من الإسلام بهدف هدر دمائهم، وقتلهم، وسبيهم، واحتلال أراضي العراق المجروح، ولم تقف الحملات عند هذا الحد بل لقد حرضوا على المقدسات وأرادوا أن يزيلوها عن وجه الأرض ولم يكتفوا بالتصريح والتلميح بل ذهبوا بعيداً بالتعدي عليها، وليست حادثة تفجير العتبة العسكرية المقدسة في سامراء ببعيدة عن أذهان الناس والعالم بأجمعه..
ولقد استغل بعض الموتورين والمأجورين هذه الأرضية المنقسمة في العراق ليؤثروا على أهلها الطيبين، وزرع الشقاق في صفوفهم حتى تصبح القلوب مليئة بالحقد والكراهية تجاه أخوانهم العراقيين من المذاهب الأخرى..
خامساً: ظهور داعش: إن القاصي والداني يعلم بأن داعش هذه صنيعة الغرب الحاقد وبعض الدول الحاقدة على الإسلام المحمدي الأصيل، والتي زرعت في قلوب الشباب حقداً دفيناً على أخوانهم المسلمين حتى من الذين يتبعون نفس مذهبهم، ويعتقدون بالتوحيد، فقد كفروا الجميع وأهدروا دمائهم، وذلك من خلال ذر الرماد في العيون، وتضليل عقول الشباب، ومن المعلوم أن داعش كعصابة قد جمعت أفرادها من جميع شراذم العالم، مع القلة القليلة الموجودة في صفوفها من أبناء العراق، فإنهم استطاعوا أن يفعلوا الأفاعيل في العراق، وذلك يعود إلى التخاذل والارباك الموجود في الأرضية العراقية التي مهدت لدخولها إليه، وعمدت إلى ما عمدت إليه بدافع الانتقام وبتوجيه خارجي كما هو معلوم، وإن اللبيب من الإشارة يفهم.
ولعل هذه المقدمة التي كانت في البحث المقدم في مهرجان فتوى الدفاع المقدس تظهر بعض ما أردنا تبيانه في هذا المقام ونقول: «ما أشبه اليوم بالأمس، فإن الأحداث تتكرر وإن اختلفت الشخصيات والأزمنة، وفي كل مرة يستشري الظلم، وتختار فئة ظالمة أن تعيث في الأرض فساداً ظهرت فئة أخرى من أهل الحق وتحت لوائه لمنهاضة الظلم وأهله..
وإذا أردنا أن نكون أكثر تحديداً، ولنقارب الأمور عن كثب، وحتى نأخذ نظرة شاملة وموضوعية عن حال أهل الظلم والبغي، وحال أهل الحق والدفاع عنه، فإن الحالة العراقية تعتبر من أهم النماذج عن هذين المحورين المتمثل بهذين الخطين اللذين هما على طرفا نقيض.. 
الأول: أستبدت روح الشر في أنفسهم، وامتلئت قلوبهم حقداً وغيظاً، وما لبثوا أن اتخذوا سبيل الباطل، وما لبثوا أن أغرقوا الأرض بدماء الأبرياء، وهجروا الآمنين، واعتدوا على ربات الحجال، وأيتموا العيال، وغيرها من الفظائع التي يندى لها الجبين، وذلك تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، والتي عرفت فيما بعد بـ «داعش».. على أن الإسلام منهم بريء فإن مثل هذه التصرفات لا تنتمي إلى الإسلام بشيء لا من قريب أو بعيد..
والثاني: هم المعتدى عليهم، والذين تجرأت عليهم القوى الظالمية وبفتاوى حاقدة لم تعتمد إلى أقل المعايير التي يقرها الدين الإسلامي، ومن خلفية التكفير، وعدم الاعتراف بالآخر، تم الهجوم عليهم، واستباحة أراضيهم وأنفسهم ودمائهم.. وكل ذلك باسم الدين الحنيف..
إلا أن تبدلت الأمور وتغيرت الظروف، وتصدت المرجعية الرشيدة بقيادة «سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله» ومن خلال الفتوى الشهيرة بوجوب التصدي للقوى الظالمية وكانت هي «فتوى الدفاع المقدس».. إنطلاقاً من مبدأ الدفاع الأرض والدماء البريئة وحفظ المال والعباد والتصدي للظالم الغشوم الذي فقد أدنى مراتب الرحمة..
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تكرار الثوابت التاريخية، والسنن الإلهية التي لن تجد لها تبديلاً، فكلما كشف الشر عن أنيابه، تصدى له أهل الحق وأطاحوا به وبددوا اماله..
وعوداً على بدء، ما أشبه اليوم بالبارحة، فهذا يزيد الظالم الغشوم الذي عمد إلى تكفير الإمام الحسين «عليه السلام» وهدر دمه، بحجة أنه خرج على الخليفة، فما كان منه ومن زمرته الملعونة إلا أن حاصروا الإمام الحسين «عليه السلام» لقتله وتنكيل به وبأهل بيته وأصحابه..
وتلك الزمرة التي حملت في نفوسها ذات الأفكار الأموية الحاقدة، أرادت أن تكرر ذات الصورة لتهاجم وتعتدي من دون مسوغ، إلا فقط من خلال حقدها الدفين المتوارث من تلكم الأيام..
فكانت «فتوى الدفاع المقدس» هي السبيل إلى اذكاء روح الحماس، وسبيل الخلاص، وإنهاض العراق وأهله من أجل القيام ضد الظلم وأهله.. فهذه الفتوى المباركة لها ارتباط بالعمق التاريخي لأهل الحق والمتمثلة بالإمام الحسين «عليه السلام» ونهضته المباركة في وجه الظالم، فترى أنها أيقظت الروح الحسينية التي نشأت عليها النفوس والأرواح لتبذل الغالي والنفيس من أجل التصدي والدفاع المقدس عن الحق»( ).
وانطلاقاً من هذه النقطة فإن البداية في الحلول لمجابهة ظاهرة التطرف والتكفير، فإن الحلول المتواخاة لمثل هذه المشكلة لا يجب أن يكون من باب التنظير ورفع الشعارات الرنانة الممجوجة دون هدف ولا هي خبط عشواء، ومن هنا فإن الحلول سيتم عرضها على الشكل التالي:
اقتراحات على سبيل الحل:
أولاً: المرجعية الدينية: إن من النعم الله على الإيمان أن رسم لهم الطريق من زمن النبي «صلى الله عليه وآله» وإلى زمن الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت «عليهم السلام»، ولقد ثبت الإمام المهدي «عليه السلام» في توقيعه الأخير لشيعته ما فيه خيرهم وصلاح أحوالهم في زمن غيبته، وإليكم القاعدة التي أرسها الإمام «عليه السلام» فقد جاء في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب، المشتمل على قول الإمام الحجة «عليه السلام»: «وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتى عليكم، وأنا حجة الله إلخ..»( ).
ويبدو حسب الظاهر: «أن المراد بالحوادث الواقعة بعده «عليه السلام»: هي الأمور التي لم يعهد حدوث نظائرها في زمانهم منذ بعثة النبي «صلى الله عليه وآله» وإلى زمان غيبة الإمام «عليه السلام». الأمر الذي يحتاج حسم الأمر فيه إلى المجتهد القادر الذي لديه النصوص والروايات. وهذا هو معنى التقليد.
فإن الرجوع إلى الرواة في الحوادث الواقعة في غيبته لا لأخذ الرواية، بل لأخذ ما يستنبطونه من الرواية، بقرينة قوله: فإنهم حجتي عليكم. ولو كان المراد الرجوع لأخذ الرواية، فالحجة عليهم هو نفس الرواية، لا الراوي»( ).
فإن في اتباع المرجعية الرشيدة المكملة للشروط التي وضعها الإمام الحجة المنتظر «عليه السلام» ما هو خير الأمة، وخير مثال على ذلك، أنه لما تضافرت الأسباب من أجل الدفاع عن الوطن والأرض والعرض والمال وحفظاً للدماء، جاءت فتوى الدفاع المقدس الصادرة عن المرجعية الرشيدة لتكون سبباً في خلاص العراق، وليس العراق وحده بل كانت أماناً لعدة دول في المنطقة كانت قد أكتوت بنار التطرف والتكفير الذي لاحق الناس، وقتلهم، وهجرهم، واغتصب النساء وأسرهم سبايا يباعون في سوق النخاسة، ولم يتركوا حجر ولا مدر إلا وقلبوه رأساً على عقب باسم دولتهم الإسلامية المزعومة التي لا تتصل بالدين الإسلامي لا من قريب ولا من بعيد، وقد بينا ذلك سابقاً فلا نعيد..
ثانياً: القوانين التشريعية: يعتبر المجلس التشريعي هو أبو القوانين ومصنعها والتي تصدر عنه من أجل تنظيم الحياة السياسية والمالية والاقتصادية في أي دولة، لذلك فإن من أهم الوسائل لحد ظاهرة التطرف والتكفير هو إصدار القوانين التي بدورها تستطيع الدولة أن تلعب دوراً مهماً وهي دولة الرقابة والرعاية، ومن تلك القوانين المقترحة على سبيل المثال: 
أ – قانون الذي ينظم حال الوسائل الإعلامية بكل أنواعها، والتي يكون للدولة رقابة على برامجها وما يصدر عنها، وذلك من أجل الحد من دخول الأفكار المسمومة إلى عقول الشباب والشابات..
ب – قانون عصري لمكافحة الأرهاب الناتج عن الأفكار التكفيرية مع العلم أن هذه الأفكار تنتشر في العنصر الشبابي الذي يقوموا على تنشأته عليها ما يشكل خلايا نائمة في المجتمع تستطيع ضرب البنى التحتية لأي مجتمع.
ج – قانون يعمل على اخراج الاصطفاف الطائفي والمذهبي من العراق وذلك من خلال سن قوانين لها طابع وطني وليس العكس.
د – قانون محاسبة ورقابة من أجل منع الفساد المستشري في السلطة السياسية والذي يقوض من تلك الظاهرة التي كان لها أثر واضح في موضوع ظهور التطرف والتكفير، فإن البعض قد لجأ إلى تلك الجماعات وهو يتأمل أن يقوم بانقلاب على السلطة الفاسدة، وما إلى ذلك.
ثالثاً: التعديل في الخطاب الديني: لا شك ولا ريب على أن الخطاب الديني له دور كبير في هداية الناس وإرشادهم إلى دينهم، من هنا يجب تقوية ودعم أصحاب الرؤية السليمة والفضلاء الذين يعملون في هذا المجال من أجل تنوير العقول، ودفع الشبهات عنها حتى لا يقعوا فريسة لغول التطرف والتكفير.
رابعاً: العتبات المقدسة في العراق: لا يخفى على أحد ما يمكن لتلك العتبات المقدسة من لعب دور إرشادي على أرض الواقع، وما لها في نفوس الناس وذلك لأنها تضم بين دفتيها أقدس وأطهر من في وجود وهم أئمة أهل البيت «عليهم السلام»، فإن توافد الزوار من كل حدب وصوب بقصد الدعاء والزيارة والعبادة وما إلى ذلك من الأمور العبادية لهو من أفضل وأحسن المواقع المؤثرة في نفوس الناس، فإن ذلك الدور المحوري من خلال تنظيم المؤتمرات، والندوات، والكتب، والنشرات الدورية، والمحاضرات، وكذلك الاستفادة من المناسبات الدينية من أجل محاربة تلك الأفكار ونشر الوعي اللازم في المجتمع العراقي الذي لا يمكن سلخه عن التواصل مع الأئمة الطاهرين «عليهم السلام» الموجودين في أرضهم، وذلك الموقع التأثيري لا يشمل فقط أتباع المذهب الأثنا عشري بل يتعداه إلى كل المذاهب وحتى الطوائف الغير إسلامية التي تجل وتقدر أصحاب وساكني هذه العتبات المقدسة..
الخاتمة:
إن المنهاج المتبع في هذا البحث والذي أرجو أن ينال اعجاب القارئ الكريم قد انطلقت فيه بالبحث من الأسباب العامة إلى الأسباب الخاصة والجزئيات المتعلقة بالعراق، وهذا ما يطلق عليه المنهج الاستنباطي، وقد حاولت قدر المستطاع أن أكون موضوعياً، وأن لا أكون منحازاً علماً أنني لست عراقياً، ولكن أعتبر نفسي متابعاً لأوضاع العراق والشأن العراقي حيث أن هناك الكثير من التشابه مع بلادي وهو لبنان.
إضافة إلى ذلك، هناك الكثير من الكتب الأجنبية التي تكلمت عن التطرف والتكفير وقد أنشأت مراكز أبحاث في معظم الدول الأجنبية وأصدرت الكتب والمنشورات التي تبحث في هذا الشأن، ولكن واجهت صعوبة في استقصاء المصادر والمراجع اللازمة للكتابة عن هذا البحث وخاصة فيما يتعلق بالشأن العراقي، وهذا ما يعتبر قيمة مضافة للعتبة الكاظمية المقدسة التي فتحت بالمجال من أجل البحث والتدقيق في مثل هذه الظاهرة، فمن هنا فقد عمدت إلى بعض الكتب المترجمة أو الكتب الأجنبية ونقلت منها إلى العربية متوخياً الدقة العلمية في ذلك، كما سيجد القارئ في قائمة المصادر في نهاية البحث.
ولا أخفي سراً أن العمل على إنشاء مثل هذه المراكز الاستراتيجية التي تعنى ببحث الأمور المتعلقة بالتطرف والتكفير أمراً مهماً يجب السعي خلفه ومن أجله، وتشجيع الباحثين والمتخصصين من أجل الكتابة عنه، وبالتالي من أجل مكافحة وافشال المخططات الإرهابية التكفيرية التي بدأت من أفكار شاذة وخصص لها الملايين والمليارات من الدولارات من أجل نشرها، ومن ثم استخدام من وقعوا في شركها من أجل تقطيع أوصال العراق وليس هو وحده بل كل عرى البلاد الإسلامية والعربية أيضاً، فليس هناك من دولة بمنأى عن هذا الفكر الظلامي والضلالي...
لا بد وفي نهاية هذا البحث المتواضع أن أشكر العتبة الكاظمية المقدسة التي فتحت أمام الباحثين والكتاب المجال للبحث في مثل تلك العناوين الحساسة والمهمة والتي تلامس الواقع العراقي، والتي تفتح في الآفاق والمجالات العلمية من أجل إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي يعاني منها العراق الحبيب على أرض الواقع ولاسيما أن مثل هذه الندوات والمهرجانات لها من أثر الكبير في ذوات والنفوس الناس كما ذكرنا سابقاً من الأدوار التي تقوم بها العتبات المقدسة، فجزيل الشكر والامتنان أولاً للإمامين الجوادين «عليهما السلام» فلولا توفيقهما لي لما كنت أهديت إلى هذه الدعوة الكريمة من إدارة الحرم المطهر والذين أخصهم بالشكر والامتنان متمثلاً بشخص الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة، وللهيئة المشرفة على الأبحاث ضمن هذا المهرجان، راجياً من الله أن يكون ذلك في ميزان حسناتهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.. 
العبد الفقير إلى الله: 
السيد يوسف البيومي/ الرضوي.
صيدا – لبنان
الواقع في 25 من شهر رمضان المبارك 1438 هـ. ق
الموافق له: 20/6/2017م

لائحة بأهم المصادر:
* الإرهاب البنياني القانوني للجريمة، إمام حسنين عطا الله، دار المطبوعات الجامعية، 2004م.
* الإرهاب مقاربة للمفهوم من خلال الفقه والقانون، زكور يونس، (إشراف: سعيد خمري)، منشورات: الكلية المتعددة للتخصصات 2006م، آسفي، المغرب.
* الأناجيل الأربعة، ، تحقيق: (الأنبا تكلا هيمانوت الحبشي القس)، منشورات: كنيسة القديسة تقلا، الإسكندرية، مصر،2010.
* الإسلام السياسي صوت الجنوب،  فرانسوا بورجا، (ترجمة: د. لورين زكري)، ط1، مطبعة النجاح الجديدة، 1994م.
* الإعتماد في مسائل التقليد والاجتهاد، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، بيروت، لبنان، 2012م.
* بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، (تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي، محمد الباقر البهبودي)، الطبعة الثالثة المصححة، منشورات: دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1983م.
* دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، (تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي)، ط1، منشورات: دار المعارف، القاهرة، مصر، 1963م.
* تفسير سورة الضحى، السيد جعفر مرتضى العاملي، ط1، منشورات: المركز الإسلامي للدراسات، بيروت، لبنان، 2013م.
* التفاعل الاجتماعي والمسارات النفسية للانخراط السياسي والتطرف، ايما توماس وأخرون، (ترجمة: الياس حداد)، منشوارات: European Journal of Social Psychology, Eur. J. soc.  ، انكلترا، 2014م.
* الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي «قدس سره» (المتوفى 1402 هـ)، الطبعة الثانية، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة – إيران.
* المعجم الأوسط، الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (متوفى 360 ه‍ـ)، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، دار الحرمين للطباعة والنشر، 1415 ه‍. ق، 1995 م.
* سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفي سنة 942 ه‍ـ)، تحقيق: الشيخ عادل احمد عبد الموجود، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1414 ه‍ـ. ق، 1993م.
* كتاب المصطلحات، إعداد مركز المعجم الفقهي، ط1، نشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت، لبنان.
* مقالة: اليهود تاريخاً من التطرف، آية المصري، مجلة بوابة الاحتلال، عدد نوفمبر 2015م.
* مقالة: الإرهاب المسيحي اللفظ المحظور، مجلة الخليج العربي، تحقيق خاص مجموعة من الصحفيين، عدد نوفمبر 2011م.
* مقالة: مؤشرات التطرف الديني والإرهاب: في سبيل مؤشر عربي للتطرف الديني والإرهاب، د. سعود الشرفات، منشورات: مركز الشرفات للدراسات والبحوث العولمة والأرهاب، 8 ديسمبر 2016م، رابط المقالة: www.shorufatcenter.com/3472/مؤشرات-التطرف-الديني-والإرهاب-في-سبيل
* الفروق العقيدية بين المذاهب المسيحية، القس إبراهيم عبد السيد، ط1، منشورات كنيسة مار جرجس، القاهرة، مصر، 1960م.
* العمق التاريخيّ لفتوى الدفاع المقدّسة وأثرها في استنهاض الروح الحسينيّة، السيد يوسف البيومي، ألقي في مهرجان الدفاع المقدس الثاني، العتبة العباسية المقدسة، كربلاء المقدسة، 19/5/2017م.
* علم النفس الجنائي، د. محمد شحاتة ربيع، ود. جمعة سيد يوسف، ود. معتز سيد عبد الله، ط1، منشورات دار غريب.
* الوافي، للفيض الكاشاني، (تحقيق: السيد ضياء الدين الحسيني الأصفهاني)، ط1، منشورات: مكتبة أمير المؤمنين «عليه السلام»، أصفهان، إيران، 1406 هـ. ق.
* ينابيع المودة لذوي القربى، الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (متوفي 1294 هـ)، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، دار الأسوة للطباعة والنشر، 1416 ه‍ . ق.


المصادر الأجنبية:
* Great Schism, Oxford Dictionary of the Christian Church (article), Oxford University Press, ISBN 978-0-19-280290-3, 2005, page 245.
* Thirty Years' War ( history book), Davis Norman, Oxford University Press, England, 1996, page 568. 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=128733
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 12 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28