• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هل فعلاً إن (الأعمـال بالنيات) ؟ .
                          • الكاتب : راسم المرواني .

هل فعلاً إن (الأعمـال بالنيات) ؟

في حديث مشهور عند العامة والخاصة - وربما هو من الأحاديث اليتيمة والنادرة التي اتفق –على صحتها الفريقان - يخبرنا الرواة بــ (عنعنتهم) التي يعتبرها بعضهم (مقدسة) ، حتى لو كان (المتن) مخالفاً لكتاب الله العظيم ، أقول :- ورد هذا الحديث عن عمر بن الخطاب (رض) ، في صحيحي (مسلم والبخاري) ، وهما عند البعض (أصحُّ كتابين بعد كتاب الله) ... بنصه التالي :-

(عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكل امريء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) .

ولمناقشة هذا النص سندرج بعض (الملاحظات) ، ولا أقول (إشكالات) ، تجنباً لإحداث (خدش) لدى البعض ، أو إحداث (شدخ) في جدار (الموروث) المقدس المحاط بالأسلاك الشائكة ، فأبدأ بالملاحظة التالية ، فأقول :-

إن من يدعي إتباع (الشريعة المحمدية) فليس من حقه أن ينكر أو يستنكر ما ورد – فعلاً - عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، تصديقاً واتباعاً لقول الله سبحانه وتعالى في جزء من الآية (7) من سورة الأنفــال :- (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .

وهنا يجب أن الالتفات إلى أن (النقاش) وتفكيك الأحاديث (وردها) ، لا يراد منه (رداً) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وحاشـا ، بل الغاية هي (تنزيه) رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أن يصدر عنه شيئاً مخالفاً للقرآن العظيم ، والعقل ، والفطرة السليمة . وفيه نفي أو إثبات لصحة ورود الحديث عنه (صلى الله عليه وآله) .

....................

أولاً / ليقيننا الثابت بأن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو (أفصح من نطق بالضـاد) ، و إنّهُ قد (أوتي جوامع الكَلِم) ، فإننا نعي تماماً بأنه (صلى الله عليه وآله) الأجدر والأحرى والأكثر دقة في اختيار المفردة دون غيرها ، ولذا فإن استخدام أداة الحصـر (إنما) في هذا النص ، إنما تزيح الوعي إلى حصر جميع (الأعمال) بــ (النية) ، ونفهم منها إن (كل الأعمال يشترط فيها النية) ، سواءَ في العبادات والمعاملات أو أي عمل يتعلق بالفرد والمجتمع ، بل ويفهم منها تقديم (النيّـة) على (العمل) من حيث الأهمية .

وأما من ذهب – تبـريراً - إلى أن المقصود من هذا الحديث مختص بــ (نوايا الهجرة) فقط ، فهو خاطئ ومخطئ ، وليس لديه أي دليل على وجود (قيـد) واضح الدلالة يثبت ذلك .

وبالتالي ، فلو سلمنا بصدور هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فعلينا الإقرار بأن (النيـة) هم أم العمل ، وهي قاعدته التي منها ينطلق ، معززة بحديث ثاني – ليس هنا محل مناقشة صحته - يصرح بأن (نية المؤمن خير من عملـه) .

والذين يعتبرون أن معنى (النيّة) هنا هو قصد (القربة) إلى الله تعالى ، ففي (ملتهم) إن كل الأعمال التي تصدر عن العباد فهي تذهب (هباءً منثوراً) إذا لم تكن هذه الأعمال معتمدة على (قصد القربة لله) تعالى ، وبهذا فلا أجر ولا مثوبة ولا جزاء حسن للعلماء والمفكرين والمخترعين والمبدعين ، لخلو أعمالهم من (قصد القربة) لله ، وإن جزائهم (جهنم) وساءت مصيرا .

 

ثانياً / في الوقت الذي يؤكد فيه هذا الحديث (المنسوب لرسول الله صلى الله عليه وآله) على (النية) فإن كتاب الله سبحانه وتعالى يؤكد على (العمل) ونتائجه ، فيقول سبحانه وتعالى في الآية الكريمة (39) من سورة النجم :- (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ) ، وكذلك قوله تعالى في الآيتين المباركتين من سورة الزلزلة :- (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) ، وليس هناك أوضح من الآية الكريمة (104) من سورة الكهف المباركة والتي تشير إلى :- (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) .

هنا نفهم أن المعتنى به في هذه الآيات المباركات هو (العمل) و (السعي) ونتائجهما ، وليس (النوايا) كما ورد في الحديث .

ثالثـاً / لو فرضنا أن رجـلاً (أحمق) ، ولكنه طيب القلب ، وحسن النوايا ، وقصد إلى فعل (صالح) ، ولكن حماقته وسوء تصرفه قادته إلى إحداث (كارثة) أضرت بنفسه وبالمجتمع ، وربما أزهقت أرواحاً أو أتلفت ممتلكات ، فبموجب هذا الحديث فإن هذا (الأحمق) محمود ومأجور لأن نيته (طيبة) وصالحة ، وبالتالي ، فإن كثيراً من الأخطاء التي تصل لحد (الجريمة) فهي (مبررة) ، ويثاب صاحبها ، لأنها لناتجة عن (خطأ في السلوك أو التصرف) بحكم إنها قد صدرت عن (نوايا حسنة) .

رابعـاً / إن موضوعة (الأعمال بالنيات) هي خير مدخل لتبرير جرائم وفضائع الحكام والسلاطين ، وهي تشبه الآلية (الغريبة) التي يستهجنها الذوق والعقل والتي يقال أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قالها ، والتي مفادها أن :- (الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) ، أي بمعنى أن الحاكم حتى لو أباد شعباً كاملاً (بالاجتهاد الخاطئ) فله حسنة ... وهنا أيضاً ، فلو أن الحاكم أباد أو جوّع أو ظلم شعبه ، ولكن (نيته) كانت طيبة ، فهو غير مأثوم .

خامساً / إن هذا الحديث هو تأسيس للميكافيللية (الاسلامية) قبل نشأتها ، وذريعة لاستخدام (الوسائل القذرة) تحت مظلة (النوايا الحسنة) ، وبالتالي فهذا يشكل خطراً على المجتمع ، ويجب إعادة النظر في الحديث ، ومطابقته مع كتاب الله والفطرة السليمة والعقل ، لمعرفة مدى صحة صدوره عن أشرف خلق الله ، محمد (صلى الله عليه وآله) .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=128670
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 12 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19