• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : أخبار وتقارير .
              • القسم الفرعي : شؤون عربية .
                    • الموضوع : الانسحاب الأمريكي والقلق الإيراني .
                          • الكاتب : حسن فحص .

الانسحاب الأمريكي والقلق الإيراني

للوهلة الأولى، من المفترض أن تكون طهران من أكثر الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية ارتياحا وترحيبا بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

بسحب قواته العاملة على الأراضي السورية إلى جانب الفصائل الكردية، فالقرار يمنح طهران نقاطا ميدانية عسكرية وسياسية واستراتيجية، عملت جاهدة من أجل فرضها كأمر واق انطلاقا من مبدأ تثمير الجهد الذي وظفته في الأزمة السورية وقتال الجماعات المتشددة، وتلك المطالبة بتغيير النظام في دمشق. ومن المفترض أن يوفر لطهران عدة نقاط منها:
ربط الخط البري بين سوريا والعراق وبالتالي امتداداته وصولا إلى طهران شرقا وإلى لبنان جنوبا، وهو الخط الذي تعتبره استراتيجيا في مساعي تثبيت نفوذها ومشروعها في منطقة الشرق الأوسط.
يقطع الطريق على إمكانية اللجوء إلى معركة عسكرية مكلفة لاستعادة هذه المنطقة من القوات الكردية المدعومة من الإدارة الامريكية.
يلغي إمكانية حدوث أي تصادم عسكري مع القوات والقواعد الأمريكية المنتشرة على الشريط الحدودي مع العراق وتركيا، وقد اختبرت هذا النوع من الصدام، وتكبدت مع القوات الحليفة لها خسائر قاسية خلال السنوات الأربع الماضية.
يسحب الذرائع التركية لشن عملية عسكرية ضد الفصائل الكردية ومعركتها، لمنع إقامة كيان كردي على حدودها، وما يحمله من تداعيات مستقبلية على وحدة الأراضي التركية أمام المطالب الكردية.
يدفع بالأكراد الذين باتوا بعد القرار في العراء، ومن دون أي دعم، يدفعهم نحو التفاهم مع حكومة دمشق، والعودة إلى حضن النظام، وتفويت الفرصة امام القيادة التركية لفرض أمر واقع جديد في المعادلة السورية من خلال سياسة ملء الفراغ الأمريكي.
عدم دخول إيران في مواجهة مع تركيا، التي تحتاج لها في المرحلة الحالية لمواجهة التداعيات الإقليمية المتسارعة، في حال قامت تركيا بهجوم عسكري على مناطق شرق الفرات.
الحفاظ على ما تبقى لها من نفوذ داخل حزب العمال الكردستاني (ب كه كا) وبالتالي توظيف هذه العلاقة وهذا النفوذ من أجل ترتيب الأوضاع بين النظام السوري والأكراد.
إمكانية توظيف الوضع المستجد لدى الأكراد بغياب المظلة الأمريكية والدفع بهم لاستكمال عملياتهم العسكرية ضد بقايا تنظيم “داعش” بالتنسيق مع دمشق وحلفائها.
أمام كل هذه المعطيات التي يقدمها قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، وما يمكن أن تحمله من أبعاد إيجابية لطهران، إلا أن الأوساط الإيرانية المعنية بهذه المستجدات تبدي كثيرا من القلق، خصوصا أنه يأتي بعد اعتقاد بأن الإدارة الأمريكية صرفت النظر عن هذه الخطوة، لتعود وتحدث مفاجأة بقرار الانسحاب خلال مئة يوم. ما دفع طهران لطرح عدة اسئلة حول هذه الخطوة:
*ما هي الدوافع وراء الانسحاب، في ظل تقديرات تحدثت عن إمكانية بقاء هذه القوات لمدة طويلة؟
*هل هو انسحاب لإعادة التموضع من أجل التحضير لمعركة جديدة تستهدف هذه المرة إيران مباشرة؟
*هل المطلوب إحداث تحول يعيد خلط المعادلات الأمنية وتوازنات القوة وبالتالي إرباك استراتيجيات اللاعبين المؤثرين في المنطقة؟ والمعادلات التي أفرزتها الأوضاع المتأزمة في المنطقة خصوصا في سوريا؟
خطوة ترامب المفاجئة، كما تصر طهران على وصفها، جاءت بعد يوم من الاعلان عن توصلها مع تركيا وروسيا ومشاركة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، لتشكيل اللجنة الخاصة لإعادة صياغة الدستور السوري الجديد. وحديث عن وجود نحو 15 ألفا من مقاتلي تنظيم “داعش” منتشرين في محيط دير الزور ومنطقة عمليات القوات الأمريكية، والتحضير لشن هجوم بالتعاون مع الفصائل الكردية الموالية لها ضد معاقل هذا التنظيم، وأنها تقوم بتدريب اكثر من 40 ألف مقاتل من القوى المحلية، وإمدادهم بمعدات وتجهيزات وأسلحة ثقيلة ونوعية. ما يعزز عدم قناعة إيران بما صرح به ترامب من أن قواته الحقت الهزيمة بـ”داعش” السبب الذي كان الدافع وراء دخول هذه القوات إلى سوريا، وبالتالي يدفعها للبحث عن دوافع غير معلنة من وراء الخطوة الأمريكية. وما يعزز شكوك إيران بالدوافع الأمريكية، أن هذه الإدارة سبق لها أن ربطت وجود قواتها في سوريا بالوجود الإيراني، وأن انسحابها يرتبط بالانسحاب والخروج الإيراني من هذا البلد، وهو ما ردت عليه إيران دائما بان وجودها في سوريا جاء بناء على طلب الحكومة الشرعية في هذا البلد، في حين أن الوجود الأمريكي هو وجود احتلالي لم يأت برغبة من حكومة دمشق. فضلا عن أنه كان يشكل عائقا امام الجهود الروسية والايرانية لنقل الازمة السورية من المستوى العسكري إلى مستوى الحل السياسي.
أهمية هذا الانسحاب وما يمكن أن يحمله من انعكاسات إيجابية على التطورات السياسية للأزمة السورية، إلا انه يحمل في طياته مصادر تهديد لإيران، التي وضعت عدة سيناريوهات لهذا القرار أهمها:
الأول: أن الانسحاب يأتي منسجما مع رغبة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتن ووزير الخارجية مايك بومبيو، اللذين يعتقدان بضرورة تركيز الجهود الأمنية والعسكرية ضد إيران، وعليه فإن واشنطن عمدت إلى سحب قواتها من سوريا باتجاه دول الخليح لتكون على مقربة في حال حصل أي عمل عسكري ضد إيران، وما يعزز هذا السيناريو الحشود العسكرية الأمريكية (البحرية) في مياه الخليج، إضافة للاعتقاد الأمريكي بإمكانية انسحاب إيران من الاتفاق النووي، وهذا يعني استئناف النشاط النووي، ما يعطي للطرف الأمريكي إمكانية القيام بعملية استباقية ضد المنشآت النووية الايرانية. وبالتالي يضع المنطقة أمام حرب مفتوحة تصب في إطار الهدف الأمريكي لتغيير النظام الإيراني.

الثاني: أن يكون الانسحاب قد جاء بناء على تفاهم مع روسيا وتركيا وهدفه اخراج إيران من سوريا، ما يعني أن الجانب الروسي سيعمد إلى ممارسة ضغوط كبيرة على إيران، لإجبارها على الانسحاب في حين أن هذا الوجود لا يختلف عن الوجود الروسي، لجهة انه جاء بناء على طلب من دمشق.
الثالث: أن يكون الانسحاب بمثابة “دية” لمقتل جمال خاشقجي، خصوصا أن القرار يعني سحب الدعم عن الأكراد السوريين وتركهم في العراء، وبالتالي هو تقديم هدية لتركيا لتخفيف الضغط عن السعودية وجاريد كوشنر صهر ترامب.
الرابع: أن يكون الهدف هو إفساح المجال أمام إسرائيل لتوجيه ضربات للقوات الايرانية في سوريا وحزب الله في لبنان، وبالتالي إبعاد قواتها عن أن تكون هدفا إيرانيا أو لبنانيا للرد على أي اعتداء إسرائيلي.
الخامس: أن يكون الهدف هو سحب جزء من القوات الأمريكية من سوريا، وبالتالي فتح المجال أمام تركيا للقيام بعملية عسكرية في شمال سوريا ضد الأكراد، ومن ثم الدخول في صفقة مع بشار الاسد. ومن هذا المنطلق يمكن قراءة زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، ويكون الانسحاب إشارة إيجابية عن استعداد واشنطن للتفاوض مع دمشق والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، بعد أن استطاعت التأثير السلبي على كل المساعي لإطلاق مسار الحل السياسي من قبل الأطراف الآخرين.
السادس: أن يكون الإعلان الأمريكي عن الانسحاب هو رفع وتيرة الأعمال العسكرية التركية في شمال سوريا، ما قد يؤدي إلى خلق فجوة في العلاقة بين تركيا وإيران وروسيا، ما يساهم في عودة التوتر بين هذه العواصم التي قد تؤدي إلى إفشال مسار آستانة للحل السياسي وتشكيل لجنة صياغة الدستور.
طهران التي تضع أمامها كل هذه السيناريوهات في قراءة القرار الأمريكي تعتقد بأن إصرار بعض الأطراف الإقليمية على دفع المنطقة لمزيد من التوتر والمواجهات، لن تكون نتيجته سوى غرق الجميع في مستنقع لن يكتفي بابتلاع طرف واحد، بل سيبتلع الآخرين أيضا، وبالتالي لن تكون النتائج لصالح أي من الاطراف. وعليه فهل ستكون المنطقة والعالم في السنة المقبلة أمام مخاطر كثيرة قد تؤدي إلى ضرب وتفكيك النظام الحاكم للعلاقات الدولية، كما توقع ايغور ايفانوف رئيس مجلس العلاقات الدولية الروسي، ووزير الخارجية الأسبق، في ظل عدم وجود نظام بديل، وان الولايات المتحدة الامريكية ستكون هي مصدر الازمات الاكبر دوليا، كما كانت عام 2018 عندما لم تحترم الأصول التي تحكم النظام العالمي، ولم تراع حتى بالحد الادنى الحقوق الدولية والبنى المتعددة في النظام الدولي.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=128445
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 12 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29