• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مصر... ومقام محمد بن أبي بكر (رض) .
                          • الكاتب : د . احمد قيس .

مصر... ومقام محمد بن أبي بكر (رض)

من هو؟

هو : محمد بن عبد الله (أبي بكر) بن عثمان بن عامر التميمي القرشي ، ابن الخليفة الأول أبي بكر الصديق ، وأمير مصر من قبل علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم . وكان يدعى (( عابد قريش)) لورعه وتقواه.

ولادته : ولد في منطقة بين مكة والمدينة في العام العاشر الهجري في حجة الوداع ، ونشأ وترعرع في المدينة المنوّرة في بيت علي بن أبي طالب (ع) .

أمّه : أسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي طالب المعروف (بالطيار (رض) ) نسبة الى قول النبي (ص) فيه عند استشهاده ، والذي خرج على رأس المهاجرين الى الحبشة في بداية الدعوة بأمر النبي (ص) ، وهو ابن شيخ البطحاء (أبي طالب) ، والأخ الأكبر لعلي، وعباس، وعقيل (رض). وبعد استشهاد جعفر (رض) تزوجها أبي بكر وأولدها محمد بن أبي بكر ، ولم تطل مدة زواجها من أبي بكر حيث وافته المنية ، وبعد وفاته تزوجها الإمام علي وضمّها الى عياله مع ولدها محمد بن أبي بكر ، وكان طفلاً في الثالثة أو الرابعة من عمره ، وبقيت في بيته هي وأولادها ، وأولدها الإمام علي ولداً أسماه يحيى .

وهي التي تولّت غسل وتكفين السيدة الزهراء (ع) بعد وفاتها . وقد روت الحديث عنها (ع) .

أحداث عام 38 للهجرة وظروف استشهاد محمد بن أبي بكر (رض)

تقدّم معنا في مقالة ( مالك الأشتر (رض) ) أن الإمام علي (ع) بعد وصول خبر إضطراب مصر على محمد بن أبي بكر ، أرسل مالك الأشتر (رض) لتولي أمور مصر بدلاً عن محمد بن أبي بكر (رض) ، إلا أنّه قد استشهد قبل وصوله بالسم ( وتحدثنا عن أسباب ذلك) ، ولما علم محمد بن أبي بكر بذلك كتب الى الإمام علي (ع) الذي أجابه بدوره ، وبعدها جرت جملة من الأحداث انتهت بمقتله واستشهاده.

وسنعمد الى نقل هذه الأجواء وما حصل من خلال ما قاله ابن الأثير في ( الكامل في التاريخ ) الجزء 3 ، حيث قال: ولمّا بلغ محمد بن أبي بكر إنفاذ الأشتر شقّ عليه فكتب إليه عليّ : أمّا بعد فقد بلغني موجدتُك من تسريحي الأشتر الى عملك ، وإني لم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهاد ولا ازدياداً مني لك في الجدّ ، ولو نزعت ما تحت يدك لولّيتك ما هو أيسر عليك مؤونة منه وأعجب إليك ولاية ، إن الرجل الذي كنت ولّيته أمر مصر كان لنا نصيحاً وعلى عدوّنا شديداً ، وقد استكمل أيّامه ولاقى حمامه ، ونحن عنه راضون فرضي الله عنه وضاعف له الثواب ، اصبر لعدوّك وشمّر للحرب و (ادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة ) وأكثر ذكر الله والإستعانة به والخوف منه يكفك ما أهمّك ويُعنك على ما ولاّك.

وكتب إليه محمد : أمّا بعد فقد انتهى إليّ كتابك وفهمته ، وليس أحد من الناس أرضى برأي أمير المؤمنين ولا أجهد على عدوّه ولا أرأف بوليّه مني ، وقد خرجت فعسكرت وآمنت الناس إلاّ من نصب لنا حرباً وأظهر لنا خلافاً ، وأنا متّبع أمر أمير المؤمنين وحافظه . والسلام .

وكان أهل الشام ينتظرون بعد صفّين أمر الحكمين ، فلمّا تفرّقا بايع أهل الشام معاوية بالخلافة ، ولم يزدد إلّا قوّة ، واختلف الناس بالعراق على عليّ ، فما كان لمعاوية همّ إلاً مصر ، وكان يهاب أهلها لقربهم منه وشدّتهم على من كان على رأي عثمان ، وكان يرجو أنّه إذا ظهر عليها ظهر على حرب عليّ لعظم خراجها ، فدعا معاوية عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر ابن أبي أرطاة والضحّاك بن قيس وعبد الرحمن بن خالد وأبا الأعور السُّلميّ وشُرحبيل بن السِّمط الكندي فقال لهم : أتدرون لِمَ جمعتكم ؟ فإنّي جمعتكم لأمر لي مهمّ ! فقالوا : لم يُطلع الله على الغيب أحداً وما نعلم ما تريد . فقال عمرو بن العاص : دعوتنا لتسألنا عن رأينا في مصر ، فإن كنت جمعتنا لذلك فاعزم واصبر ، فنعم الرأي رأيت في افتتاحها ! فإنّ فيه عزّك وعزّ أصحابك وكبت عدوّك وذلّ أهل الشقاق عليك . فقال معاوية : أهمّك يا ابن العاص ما أهمّكّ ! وذلك أن عمراً كان صالح معاوية على قتال عليّ على أنّ له مصر طعمةً ما بقي . وأقبل معاوية على أصحابه وقال : أصاب أبو عبد الله ، فما ترون ؟ فقالوا : ما نرى إلاّ ما رأى عمرو . قال : فكيف أصنع ؟ فإنّ عمراً لم يفسّر كيف أصنع . فقال عمرو : أرى أن تبعث جيشاً كثيفاً عليهم رجل حازم صابر صارم تأمنه وتثق به فيأتي مصر فإنّه سيأتيه من كان على مثل رأينا فيظاهره على عدوّنا ، فإن اجتمع جندك ومن بها على رأينا رجوت أن ينصرك الله .

قال معاوية : أرى أن نكاتب من بها من شيعتنا فنمنيّهم ونأمرهم بالثبات ، ونكاتب من بها من عدوّنا فندعوهم الى صلحنا ونمنّيهم شكرنا ونخوّفهم حربنا ، فإن كان ما أردنا بغير قتال فذاك الذي أردنا وإلاّ كان حربهم من بعد ذلك . إنّك يا ابن العاص بُورك لك في الشدّة والعجلة ، وأنا بورك لي في التّؤدة . قال عمرو : افعل ما ترى فما أرى أمرنا يصير إلاّ إلى الحرب .

وبالفعل حصل ما قاله عمرو بن العاص ، حيث وصلت الأخبار لمعاوية بن أبي سفيان برفض محمد بن أبي بكر لمغرياته وشروطه ، فما كان منه إلاّ أن توجه بكتاب الى عمرو بن العاص يأمره بالخروج لقتال محمد بن أبي بكر ، ومما قاله ابن الأثير حول ذلك :

فأمر عمرو بن العاص ليتجهّز إليها ، وبعث معه ستّة آلاف رجل ووصّاه بالتؤدة وترك العجلة . وسار عمرو فنزل أداني أرض مصر ، فاجتمعت إليه العثمانيّة ، فأقام بهم وكتب إلى محمد بن أبي بكر : أمّا بعد فتنحّ عني بدمك يا ابن أبي بكر فإنّي لا أحبّ أن يصيبك مني ظفر ، إنّ الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك وهم مسلموك فاخرج منها إنّي لك من الناصحين . وبعث معه كتاب معاوية في المعنى أيضاً ويتهدّده بقصده حصار عثمان .

فأرسل محمد الكتابين إلى عليّ ويخبره بنزول عمرو بأرض مصر وأنّه رأى التثاقل ممّن عنده ويستمدّه . فكتب إليه عليّ يأمره أن يضمّ شيعته إليه ويعده إنفاذ الجيوش إليه ويأمره بالصبر لعدوّه وقتاله . وقام محمد بن أبي بكر في الناس وندبهم إلى الخروج الى عدوّهم مع كنانة بن بشر ، فانتدب معه ألفان ، وخرج محمد بن أبي بكر بعده في ألفين وكنانة على مقدمته ، وأقبل عمرو نحو كنانة ، فلمّا دنا منه سرّح الكتائب كتيبة بعد كتيبة ، فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة إلاّ حمل عليها فألحقها بعمرو بن العاص ، فلمّا رأى ذلك بعث إلى معاوية ابن حديج فأتاه في مثل الدُّهم ، فأحاطوا بكنانة وأصحابه ، واجتمع أهل الشام عليهم من كلّ جانب ، فلمّا رأى ذلك كنانة نزل عن فرسه ونزل معه أصحابه فضاربهم بسيفه حتى استشهد .

وبلغ قتله محمد بن أبي بكر فتفرّق عنه أصحابه ، وأقبل نحوه عمرو ، وما بقي معه أحد ، فخرج محمد يمشي في الطريق ، فانتهى الى خربة في ناحية الطريق فأوى إليها ، وسار عمرو بن العاص حتى دخل الفُسطاط ، وخرج معاوية بن حُديج في طلب محمد بن أبي بكر فانتهى الى جماعة على قارعة الطريق فسألهم عنه ، فقال أحدهم : دخلتُ تلك الخربة فرأيت فيها رجلاً جالساً . فقال ابن حديج : هو هو . فدخلوا عليه فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشاً ، وأقبلوا به نحو الفسطاط ، فوثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص ، وكان في جنده ، وقال : أتقتل أخي صبراً؟ ابعث إلى ابن حُديج فانهَه عنه .

فبعث إليه يأمره أن يأتيه بمحمّد ، فقال : قتلتم كنانة بن بشر وأُخلّي أنا محمداً ؟ ( أكُفّارُكم خيرٌ من أولئكم أم لكم براءةٌ في الزُّبُر ؟) هيهات هيهات ! فقال لهم محمّد بن أبي بكر : اسقوني ماء . فقال له معاوية بن حُديج : لا سقاني الله إن سقيتك قطرةً أبداً ، إنّكم منعتم عثمان شرب الماء ، والله لأقتلنّك حتى يسقيك الله من الحميم والغسّاق ! فقال له محمد : يا ابن اليهوديّة النسّاجة ليس ذلك إليك إنّما ذلك الى الله ، يسقي أولياءه ويظمىء أعداءه أنت وأمثالك ، أما والله لو كان سيفي بيدي ما بلغتم مني هذا . ثم قال له : أتدري ما أصنع بك ، أُدخلك جوف حمار ثمّ أحرقه عليك بالنار . فقال محمد : إن فعلت بي ذلك فلطالما فعلتم ذلك بأولياء الله ، وإنّي لأرجو أن يجعلها عليك وعلى أوليائك ومعاوية وعمرو ناراً تلظّى كلّما خبت زادها الله سعيراً. فغضب منه وقتله ثم ألقاه في جيفة حمار ثمّ أحرقه بالنار .

فلمّا بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعاً شديداً وقنتت في دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمرو وأخذت عيال محمد إليها ، فكان القاسم بن محمد بن أبي بكر في عيالهم ، ولم تأكل من ذلك الوقت شِواء حتّى تُوفيت .

ويضيف ابن الأثير :

ثمّ إنّ الحجّاج بن غزّيّة الأنصاري قدم من مصر فأخبر الإمام علي بقتل محمد بن أبي بكر ، وكان معه ، وقدم عليه عبد الرحمن بن شبيب الفزاري من الشام ، وكان عيّنه هناك ، فأخبره أن البشارة من عمرو وردت بقتل محمد ومُلك مصر وسرور أهل الشام بقتله . فقال عليّ : أمّا إن حزننا عليه بقدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافاً ! فأرسل عليّ فأعاد الجيش الذي أنفذه وقام في الناس خطيباً وقال :

ألا إنّ مصر قد افتتحها الفجرة أولو الجور والظَّلمة الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الإسلام عِوجاً! ألا وإن محمد بن أبي بكر استشهد فعند الله نحتسبه ! أما والله إن كان كما علمت لممّن ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويُبغض شكل الفاجر ويحب هدى المؤمن ، إنّي والله ما ألوم نفسي على تقصير ، وإنّي لمقاساة الحروب لجدير خبير ، وإنّي لأتقدّم على الأمر وأعرف وجه الحزم وأقوم فيكم بالرأي المصيب وأستصرخكم معلناً وأناديكم نداء المستغيث فلا تسمعون لي قولاً ولا تطيعون لي أمراً حتى تصير بي الأمور إلى عواقب المساءة ، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثار ، ولا تنقض بكم الأوتار ، دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق ، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليست له نيّة في جهاد العدوّ ولا اكتساب الأجر ، ثمّ خرج إليّ منكم جُنيد متذانب كأنّما يُساقون إلى الموت وهم ينظرون ، فأُفٍّ لكم ! ثم ّ نزل .

وهذا الذي تمّ ذكره ، والذي قاله ابن الأثير مجمع عليه عند كل المؤرخين بتفاوت يسير لجهة بعض العبارات.

أمّا عن عمره الشريف يوم استشهاده ، فأغلب الروايات 28 سنة وقيل أكثر من ذلك .

عمارة المسجد والضريح

دفن رأس محمد بن أبي بكر (رض) في المكان المعروف اليوم بـ (جامع محمد الصغير ) بشارع الوداع بمصر القديمة تزوره العامة وتقرأ الفاتحة وقد جاء في وصف الجامع وصفاً دقيقاً في كتاب مساجد مصر للدكتورة سعاد ماهر طبع سنة 1393 هـ وإليك نص كلامها :

(( يقع هذا المسجد في مصر القديمة بشارع باب الودائع قريباً من الباب عن يسرة السالك نحو الشرق الى باب الوداع وبجوار قبر منهدم يعرف بالكردي ، ويعرف الجامع باسم (محمد الصغير) كما كان يعرف باسم (زمام) وذلك أنه بعد مضيّ مدة من قتله أتى زمام مولى محمد بن أبي بكر الى الموضع الذي دفن فيه وحفر فلم يجد سوى الرأس فأخذه ومضى به الى المسجد المعروف اليوم بمسجد زمام، فدفنه فيه وبنى عليه المسجد ، ويقال إن الرأس مدفون في القبلة وبه سمي مسجد زمام ، وقيل : لما شق بعض أساس الدار التي كانت لمحمد بن أبي بكر وجد رمّة رأس قد ذهب فكه الأسفل فشاع في الناس أنه رأس محمد بن أبي بكر ، وتنادر الناس ونزلوا الجدار وموضعه قبلة المسجد القديم كما حفر محراب مسجد زمام وطلب الرأس منه فلم يوجد وحفرت أيضاً الزاوية الشرقية من هذا المسجد والمحراب القديم المجاور له والزاوية الغربية فلم يجدوا شيئاً ، على أنه مهما قيل في وجود رأس محمد بن أبي بكر في المحراب أو في جدار بيته فإنه من الثابت أن مشهده موجود في مكان المسجد المعروف باسمه بمصر القديمة الآن ، فقد جاء في الكواكب السيارة : إن أكثر قبور أهل مصر فيها الإختلاف ولم يكن بمصر أصح من قبر مسلمة بن مخلد ومشهد محمد بن أبي بكر الصديق ومشهد زين العابدين ومشهد عفان ، كذلك الأسعد النسابة في تاريخه ( مشاهد الرؤوس) . وذكر من بينها مشهد رأس محمد بن أبي بكر ، وقد أُعيد بناء المسجد في القرن التاسع الهجري سنة 830 هـ (1426 م) في عهد السلطان الأشرف برسياي على يدي المعز تاج الدين الشوكلي الشامي والي القاهرة ، وأُقيمت فيه صلاة الجمعة وباقي الأوقات وعمل فيه السماعات ، وهو مكان مشهور بإجابة الدعاء عند أهل مصر . ثم جدد في العصر العثماني سنة 1287 هـ على يدي سعادة محمد باشا أمير ، كما هو ثابت من اللوحة التي تعلو المدخل الرئيسي ، ويعتبر المسجد من الجوامع المعلقة إذ يصعد إليه بمجموعة من الدرجات )) .

وينقل الزركلي في ( الأعلام ) عن ابن سعيد ، قوله : (( وقد زرت قبره في الفسطاط )). وفي هذا مزيد تأكيد على صحة وجود مقامه هناك ، بالإضافة الى العديد من المؤرخين والمهتمين بهذا الشأن.

وبالإضافة الى ما تقدم ، نقول : بأننا قد تشرفنا بزيارة هذا المقام المبارك في بداية العام 2016 الميلادي ، إلّا أننا وجدناه مغلقاً بأمر من وزارة الآثار بحجة إعادة الترميم والصيانة ، وقد لمسنا إستياءً كبيراً من أبناء المنطقة المجاورة لهذا الضريح بسبب إغلاقه ، وخاصة أن مدة هذا الأمر تجاوز السنتين ولم تباشر الوزارة بالترميم .

لذا نستغل هذه المناسبة للتوجه الى من يعنيهم الأمر ، بضرورة المسارعة الى ترميمه ، أو حتى إعادة فتحه أمام الزوار لحين البدء بعملية الترميم .

وبالختام نتوجّه بالسلام على هذا الولي بالقول : السلام عليك يا محمد بن أبي بكر ، السلام عليك حين ولدت وحين استشهدت ، ويوم تبعث حياً لتحاجج من ظلمك وقتلك ومن حرّض على ذلك ، أو سمع به ورضي بذلك ، إنه سميع مجيب .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=128438
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 12 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29