• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المركز الهاشمي لإحياء التراث الوطني من النكبة الكسروانية حتى النهضة العاملية .
                          • الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي .

المركز الهاشمي لإحياء التراث الوطني من النكبة الكسروانية حتى النهضة العاملية

تعرّض لبنان في خضم النكبات التي اصابته جرّاء الحملات المملوكية الوحشية إلى أقسى انواع الظلم والطغيان. وقد نال شيعة كسروان القسط الأوفر من الغطرسة والقسوة من صنائع السلطة السياسية والدينية للمماليك .وأساساً فإن الحكم المملوكي قام على السيف والسطوة والغلبة والدماء لحلّ أي قضية سياسية او دينية.
في السنة ١٢٩١/٦٩١م حصل أوّل تحرّش للسلطة المملوكية باهل كسروان توجه حينها الامير بيدرا للنيل من سكان المنطقة فارتدّ مهزوماً. وفي السنة ١٣٠٥/٧٠٥م بدات الحملات العسكرية الرامية الى اخراج الشيعة من كسروان وما والاها نهائيّاً . فتوجّه العسكر يقوده ابن تيمية الحرّاني الى كسروان لمواجهة الامر الواقع تحت ذرائع واهية. أدّت تلك المواجهة بين الطرفين الى وقوع الكثير من القتلى في قرية "نيبيه" من قرى المتن الشمالي.
حيث لجأ المدافعون المنهمكون من القتال للإحتماء في مغارةٍ كبيرةٍ. فعمد المهاجمون الى اشعال أكبر عدد ممكن من الاشجار المقطّعة ووضعها على باب المغارة كي يتخلصوا بأيسر الطرق واخصرها من مناوئيهم.
ويمكننا رؤية النتائج الاجتماعية والسياسية في نص ابن يحيى وهو اقدم نصّ يحاكي نتائج المذبحة الكسروانية حيث جاء في تاريخه:" والسالم منهم تفرّق في جزين وبلادها والبقاع وبلاد بعلبك. ومنحت الدولة لبعضهم الأمان". اي سُمح لهم بالبقاء في وطنهم مشروطاً ، حيث ما يزال من أعقابهم حتى اليوم.
يقول المؤرخ المهاجر : "هكذا نرى أن الغرض السياسي الذي كان وراء اجتياح "كسروان وما والاها قد وصل الى نتائج غير محسوبة، بل مختلفة تمام الاختلاف. وأن الجغرافيا البشرية الحاليّة ل "لبنان" قد تشكّلت على قاعدة من خطيئة "كسروان". ومن خلال هذه المقاربة يمكن لنا أن نتصور عمق التفاعلات السيّاسية والاجتماعية التي كانت تلك التجاذبات والأحداث العنصر المكوّن لها .
وعلى هذا الاساس يمكن اعتبار نكبات كسروان وصنوف الغطرسة التي نالت أهله في ذلك الوقت هو عملية تاريخية مؤسّسة لما بعده من عناصر دخلت في النطاق السياسي والاجتماعي. وكان جبل عامل الذي شكّل محطة أساسية للوافدين الجدد قد تلقّف اخوانه بكل ترحاب، حيث وجّهت الجهود، وفق خطة محكمة وضعها الشهيد الأول محمد بن مكي الجزيني، نحو حراكٍ علمي واسع الافق بعيد المدى اجتمعت فيه كل عناصر النهضة من خلال استثمار الطاقات والعمل على تحصين الجسم الشيعي من اي خرق يمكن ان يهدده او يحاول النيل من عناصر القوة فيه.
وقد تولّى الشهيد الاول اعطاء التشّيع صفة مؤسساتية تقوم على انضمام النخَب الى هذه المؤسسة من أجل الاستفادة من تراكم خبراتها بعد ان زوّدها الشهيد بخطط العمل الناجحة آخذاً بتلك العناصر الى جهةٍ مركزية واحدة تقوم على اعداد المنطلق النهضوي من خلال بناء الارضية البشرية على أساس من الثقافة والوعي والتخطيط والعمل.
وهذا المشروع النهضوي للشهيد كان أحد أهم ثمار النكبة الكسروانية التي خلقت في كيان الأمة روحاً جديدة وقوية لتأسيس حركة علمية وثقافية استثنائية منحت البيئة الاجتماعية العاملية القدرة على مواجهة التحديات والفتن . بحيث جعلت من جبل عامل اكثر المناطق حيوية فكرية في كل العالم الاسلامي وهذا من محاسن التدبير الالهي.
وأخيراً لا يسعنا إلا ان ننوّه بجهود المؤرخين الصادقين الذين واكبوا الوقائع والأحداث برؤية تحقيقية وشفافية فائقة وخبرة بالغة الأهمية في المجال التاريخي وقراءة النصوص . وايضاً أولئك المهتمين بتاريخ اوطانهم الذي نذروا أنفسهم لقول الحقيقة مهما بلغت الصعاب، الذين يستحقون بكل جدارة أن ينالوا الاهتمام الكبير وتعزيز التعاون معهم في سبيل التقدّم العلمي وتطور البحث فيما يخدم العلم والتاريخ. وادوات البحث اليوم لا تفي للباحث والمؤرّخ كي ينال مبتغاه نتيجة لبحثه مع ما هو موجود من معوّقات تقف في طريقه .
لذا فإننا نناشد الجهات المعنية والمؤسسات الرسمية أن تبذل قصارى جهدها لفتح أبواب الانفاق المظلمة التي يختبئ خلفها الكثير من اسرار التاريخ الوطني. لأن التاريخ يجب أن يُكتب كما هو لا كما نشتهي ونريد. وهنا لا باس بنقل هذه القصة الجميلة والمحزنة في ذات الوقت التي يرويها الشيخ المهاجر في كتابه "شيعة لبنان والمنطلق الحقيقي لتاريخه" حيث يقول:"قبل زُهاء عشرين سنة،أعلن وزير السياحة في "لبنان" بمؤتمر صحفي أنّ أحدَ هُواة اكتشاف المغاور والكهوف في المنطقة عثرَ في إحدى مغاور الجبل الكثيرة على عدّة جثث، ما تزالُ هي وما عليها من ملابس جميلة محفوظةً بنحوٍ جيّدٍ يدعو الى الدهشة. وقد عرفت بمجرّد اطلاعي على الخبر أن هؤلاء من ضحايا نكبة "كسروان". أولاً لأن وضع الجثث بهيئتها التي وجدت عليها، وما عليها من ملابس ليس وضع دفن شرعي. مما يدل على أنها بقيت حيث مات أصحابُها. وثانياً لان تعرضها لدخانٍ كثيفٍ مدة كافية يفسر حفظها كل تلك القرون على ذلك النحو المدهش. فمن المعلوم أن التدخين الكثيف هو من أفضل اساليب حفظ المواد العضوية.
وإدراكاً مني لأهمية هذا الكشف ، خصوصا وأن عدة كتب مخطوطة قد وجدت الى جانب الجثث(مما يدل على حرص أولئك المساكين الفائق على كتبهم، بحيث حملوها معهم أثناء هربهم من مُطارديهم)، قد تكون الآثار الفكرية الوحيدة الباقية من الماضي الثقافي الضائع لأسلافنا في "كسروان"ما قبل النكبة، فقد قابلتُ وزير السياحة آنذاك ثم مدير المتحف الوطني حيث حفظت اللُّقى. طالباً الاطلاع خصوصاً على الكتب ولو من بعيد. ولكن كل مساعيَّ في هذا السبيل ذهبت أدراجَ الرياح. وبعد الإلحاح ووساطة عددٍ من كبار المسؤولين، حسم الوزير المختص الأمر بأن قال لي ما مؤداه، إن هذه اللُّقى، خصوصاً الكتب، هي مسألة سياسية بامتياز. يعني أن كل ما يتصل بتاريخ "كسروان" هو موضع تجاذب بين مختلف الطوائف، بعد ان غدا في موضع القلب من مشروع سياسي. ولذلك فليس له ان يقضي فيها من عنده. ولسنا نعرف مصيرها من بعد. وإنني أسجل هذه المعلومة كي لا تنسى ولعلّ عسى".
 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=128017
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 12 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29