• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : خطباء حلّيون (12) .... الشَّيخ محمَّد المُلّا الحلِّيّ .
                          • الكاتب : د . سعد الحداد .

خطباء حلّيون (12) .... الشَّيخ محمَّد المُلّا الحلِّيّ

هو الشَّيخ أَبو القاسم محمَّد بن حمزة بن الحسين بن نور علي الأَحوازي التستري الحلِّيّ.
أَديبٌ كبيرٌ , وخطيبٌ مفوَّهٌ , وشاعرٌ مجيدٌ، من شيوخ الشعراء الوشاحين في العراق.
وصف بأنّه سريع البديهة، حاد الفكرة، ثاقب الفهم، وكان وراقاً مليح الخط، لبق اللسان. والغالب عليه الصلاح والتقى، وحسن السمت والنهى. 
يقول الشَّيخ اليعقوبيّ في بابلياته هو (من مشاهير أُدباء الفيحاء , وصدور شعرائها الأَقدمين, ومن شيوخ صناعة الأَدب فيها، سريع البديهة، ذكيّ الخاطر، تخرَّج عليه جماعةٌ من الأدباء الذين عاصرناهم، وأَخذ هو عن الشَّيخ حمزة البصير والسَّيِّد مهدي بن السَّيِّد داود وعن الشَّيخ حمادي نوح).
ولد في (عكد المفتي ) في محلة جبران في الحلَّة عام 1240ه/1824م على الأَرجح. وانقطع في ريعان شبابه بل وحتى بعد ذهاب بصره  سنة 1280ه وهو في الأربعين من العمر إلى حرفة التأديب والتعليم على الطريقة القديمة، وتعاطى الخطابة المنبريَّة الحسينيَّة مهنةً، وهو معدود في طليعة الذاكرين والقُرّاء الذين امتازوا في نهج طرقٍ خاصة في النياحة بأَلحان مشجية , وأَوزان مختلفة لم يتداولها العروضيون قبله، ولم يزل الكثير منه ينشد في المحافل الحسينية ما ابتكره في ذلك. 
وهو في الشعر مكثرٌ مجيدٌ, وله من الدواوين المخطوطة ثلاثة مجلدات ضخام، وله موشحات شهيرة, ونظمٌ في اللهجة الشعبية أَكثره بخطه. وفي حوزتي نسخة مصورة من ديوانه الكبير بمجلداته الثلاثة , واخراجه الى النور يتطلّب دعم مؤسسة تعنى بالتراث الأدبي والشعري لتحقيقه وطباعته ونشره, لأنَّه قد يصل بعد التحقيق والاخراج الى ستة مجلدات تقريباً.   
 والغالب على أَغراضه الشعرية رثاء ومديح أَهل البيت (عليهم ‌السلام), والأَعلام والعلماء في عصره, وكثير من الاخوانيات وأَغراض شعريَّة كثيرة منوعة. 
وقصائده طويلة بين ثلاثمائة بيتاً إلى المائة والسبعين. وبرع في نظم التاريخ الشعريّ، وقد نظم ما يزيد على خمسين أَلف بيتٍ, واستقصى حروف الهجاء مرتين أَو ثلاثاً في رثاء الامام الحسين(عليه السلام). 
وطرق بمحاضراته ومساجلاته النواحي كافة، وحصل على شهرةٍ واسعةٍ في الأَوساط الأَدبية عندما نظم رائعته في مدح الرَّسول الأَعظم (صلَّى الله عليه وآله)، وقد أَجاد بها، إذ جارى بها بديعيتي الشاعر صفي الدين الحلِّيّ والسَّيِّد علي خان الشيرازيّ.
توفي في الحلَّة صبيحة الخميس في الثالث عشر من جمادي الثانية سنة 1322ه/1904م، وانصدع الناس له في الحلَّة انصداعاً عظيماً في أَيام وباء تلك السنة, وخرج نعشه من الحلَّة في بهاء عظيم وتشريف له من الله وتكريم , وحمل إلى النجف الأَشرف ودفن في وادي السلام.
خلّف أولاداً أربعة أو خمسة كسبة إلا عميدهم المدعو قاسم، خلف والده نظماً ونثراً وأدباً وسمتاً.
ورثاه مجموعة من الشعراء, منهم الشَّيخ حمادي نوح , الذي وصفه في صدر قصيدته التي مطلعها:
اليومُ مجدُ شموسِ العترةِ انهدمَا
 
فليستفضْ وَكفَ دمعِ المشرقينِ دمَا
  
ومن شعر الشيخ محمَّد المُلَّا الحلّيّ قوله يرثي سيد الشهداء الحسين (عليه السلام):
ومروعة تدعو ولا حامٍ لها
 
والقلبُ محتدمٌ وأَدمعها دمُ
  
يا فارياً كبدَ الفلاةِ بهوجلٍ
 
هيماءَ من طولِ السُّرى لا تسأمُ
  
قُلْ عن لساني للنبيِّ مُبلِّغاً
 
خبراً بهِ أَحشاؤهُ تتضرَّمُ
  
: يا جدُّ أَسواطُ العِدى قد ألمّتْ
 
مَتني وشَتمُهم لحيدرَ أَعظمُ
  
يا جدُّ ما حالُ النِّسا لمَّا دعى
 
الرجسُ ابنُ سعدٍ على مخيمها اهجموا
  
يا جدَّنا قد أَضرموا بخيامنا
 
ناراً، وفي الأَحشاء ناراً أَضرموا
  
ومن نوادره وملحه المشهورة، وكان الشَّيخ عليّ المعروف بأَبي شعابذ (شعابث) يثور غضباً إذا قيل له (مرحبا)، فنظم الشَّيخ محمَّد يقول:
قالَ قومٌ لعليٍّ مَرحَبَا
 
فغدا يعرضُ عنهم مُغضِبا
  
قلتُ لمَّا عجبوا: لا تعجبوا
 
فمتى حَبَّ (عليٌّ) (مَرحَبَا)
  
ومن نتفه قوله:
مشوقكَ يخفيكَ أشواقه
 
ويعلمهنَّ اللطيفُ الخبيرُ
  
فأجملَ تفصيلهنَّ اللسانُ
 
وفصَّلَ إجمالهنَّ الضميرُ
  
وقال في الوعظ:
يا مَنْ غَدا الشَّيبُ له زاجراً
 
يذكرُهُ والجهلُ يُنسيهِ
  
تطمَعُ من عمركَ في رجعةٍ
 
وقد مضى أَمس بما فيهِ
  
وله قوله:
أَخفيت هواكَ وعلمني
 
أنَّ المخفيّ سيتضحُ
  
وأَفاضت عيني أدمعها
 
ويفيضُ إذا امتلأ القَدَحُ
  
وقال يرثي الإمام موسى الكاظم (عليه ‌السلام):
من ربعِ عزَّةَ قد نشقتُ شَميما
 
فأَعادني حيّاً وكنتُ رميما
  
وعلى فؤادي صبّ أَيَّ صبابةٍ
 
هي صيرتني في الزَّمانِ عليما
  
ومرابعٌ كانتْ مراتعُ للمها
 
راقتْ ورقّتْ في العيونِ أَديما
  
أَعلمنَ يومَ رحيلهنَّ عن اللوا
 
أَنَّ الهوى بالقلب باتَ مقيما
  
أَسهرنَ طرفي بالجوى من بعدما
 
أَرقدنَهُ في وصلهنَّ قديما
  
كم ليلةٍ حتى الصباح قضيتها
 
مَعهُنَّ لا لغواً ولا تأَثيما
  
فكأَنَّني من وصلهنَّ بجنَّةٍ
 
فيها مقامي كان ثمَّ كريما
  
ماذا لقيتُ من الغرامِ وإنَّما
 
فيه ارتكبتُ من الذنوبِ عظيما
  
خسرتَ لعمركَ صفقة الدهرِ الذي    
 
فيه السَّفيهُ غدا يُعدَّ حليما
  
أَترومُ بدرَ نسيمهِ وأَبى على
 
الأَحرار إلَّا أَن يهبَّ سموما
  
قد سلَّ صارمَهُ بأَوجهِ هاشم
 
فانصاعَ فيه أَنفها مهشوما
  
فمَنِ الذي يهدي المُضلَّ إلى الهدى
 
من بعدهم أَو ينصفَ المظلوما
  
وبسيبهِ يغنى الورى وبسيفهِ
 
يجلو عن الدِّينِ الحنيفِ هموما
  
هذا قضى قتلاً وذاك مُغيباً
 
خوفَ الطُّغاةِ وذا قضى مسموما
  
مَنْ مُبلغ الاسلامِ أَنَّ زعيمَهُ
 
قد ماتَ في سجنِ الرشيدِ سميما
  
فالغيُّ باتَ بموته طربَ الحَشَا
 
وغدا لمأَتمهِ الرَّشادُ مقيما
  
مُلقًى على جسرِ الرَّصافةِ نعشُهُ
 
فيهِ المَلائكُ أَحدقوا تعظيما
  
فعليهِ روحُ اللهِ أزهقَ روحَهُ
 
وحَشَا كليمِ الله باتَ كليما
  
لا تأَلفي لِمَسرَّةٍ فِهْرٌ فقد
 
أَضحى سروركَ هالكاً معدوما
  
منحَ القلوبَ مصابه سقماً كما
 
منعَ النواظرَ في الدُّجى التهويما
  
وقال في رثاء الحسين (ع) ثم يخلص إلى رثاء السَّيِّدة الزهراء (عليها السلام)وإسقاط المحسن قوله:
حتامَ قلبي يلقى في الهوى نَصَبا
 
ولم ينلْ بلقى أَحبابه إربا
  
ظنُّوا فيا ليت لا ظنّوا بقربهِمُ
 
لما سرتْ لا سرى أجمالها خببا
  
لم تنبعثْ سُحبُ عيني في مدامعها
 
إلَّا وقلبي في نار الأَسى التهبا
  
قد كان غصنُ شبابي يانعاً فذوى
 
والأُنسُ بعد شروقٍ بدرُهُ غَربا
  
يا جيرةَ الحيِّ حيَّا الغيثُ معهدَكمْ
 
فليس ينفكُّ فيه واكفًا سربا
  
ان تسألوا الحبَّ لا تلفوهُ منتسباً
 
إلَّا اليَّ إذا حققتم النَّسبا
  
قلبتموني على جمرِ العبادِ وما
 
رأيت قلبي إلى السّلوانِ منقلبا
  
في كلِّ آنٍ إليَّ الدَّهرُ مقتحماً
 
من الخطوب يقودُ الجحفلَ اللجِبا
  
فكيف أُوليهِ حمداً في إساءتهِ
 
لأَحمدٍ وبنيه السَّادةِ النُّجبا
  
رماهُمُ بسهام الحتفِ عن حَنَقٍ
 
وكلهنَّ بقلبِ الدِّينِ قد نشبا
  
قاسى محمَّدُ من أَعدائه كُرَباً
 
معشارهنَّ شجاهُ ينسفُ الهضبا
  
فبالوصيَّة للكرارِ بلَّغَ في    خُمٍّ
 
وأسمعَ كلَّ الناس مذ خطبا
  
فارتاب فيه الذي في قلبه مرضٌ
 
وفيه آمنَ مَن لا يعرف الرِّيبا
  
حتى إذا صادف الهادي منيتَهُ
 
ونحو أكرمِ دارٍ مسرعاً ذهبا
  
صدَّتْ بنو قيلةٍ عن نهجهِ حسداً
 
والكلُّ منهم لغصبِ الآل قد وثبا
  
أضحتْ تقودُ عليَّاً وهو سيُّدها
 
كرهاً لبيعةِ من غير الضَّلالِ أَبى
  
ماذا الذي استسهلوا مما جنوهُ على
 
مَن بالمناقبِ سادَ العُجْمَ والعَرَبا
  
إسقاطهمْ لجنينِ الطُّهر فاطمةٍ
 
أمْ وضعُهم حول بابِ المنزل الحطبا
  
أم ضربُ رأس عليٍّ بالحسام ومِن
 
دمائه شيبُه قد راح مُخْتضبا
  
أم شربةُ السمِّ إذ دسَّتْ إلى حَسَنٍ
 
منها ومن شربها كأسُ الردى شَرِبا
  
قد جلَّ رزءُ الزَّكي المجتبى حَسَن
 
لكنَّ رزءَ حسينٍ قد سمى رُتبا
  
أنْ قطَّع السمُّ منه في حرارته
 
أحشاهُ والقلبُ منه كابدَ الوصَبا
  
وقال مؤرخاً تجديد بناء مقام الغيبة في سوق الهرج بالحلَّة , الذي نهد لعمارته سنة 1317ه السَّيِّد محمَّد القزويني (ت1335ه) قائلاً:
محمَّدٌ فيك العلا قَسمتْ
 
أنَّ اسمكَ اشتقّ من الحمدِ
  
بأَنَّك الحائزُ علـماً بـه
 
تهــدي إلى الايمانِ والرشـدِ
  
شيـّدت للقائم مـن هاشـم
 
مـقـام قدسٍ شامخ المـجـدِ
  
فلم يزل تهتف فيك العلى
 
علـى لسـان الحرِّ والـعبـدِ
  
ذا خلف المهدي قد أرّخوا
 
(شادَ مقامَ الخَلَفِ المهدي)

من مصادر دراسته:
أَدب الطفّ 8/174-181، الأَعلام 6/110، أَعيان الشيعة 44/295-308، البابليات 1/63-71، الحسين في الشعر الحلِّي 1/260-264، ديوان ليل الصبّ 69، الذريعة 3/77، شعراء الحلَّة 5/209-225، الطليعة من شعراء الشيعة 2/220-223، معجم مؤلفي الشيعة 103، موسوعة أَعلام الحلَّة 22 1/1، الموشحات العراقية 38، 334، 188، 158، أخبار البصراء في الحلَّة الفيحاء 49-53، تراجم بعض شعراء الحلَّة 53-60, معجم خطباء الحلّة الفيحاء للكاتب (مخطوط).
د. سعد الحداد




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=126430
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 10 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28