• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : يمضون ... وإلى غير رجعة .
                          • الكاتب : صلاح الهلالي .

يمضون ... وإلى غير رجعة

تعجز الكلمات أحيانا عن وصف شعور معين فتجد اللسان يحيد عن الكلام لتبدأ الملامح والعين بالتعبير عن مشاعر الحب والفرح والغبطة وحتى الحزن وقد تكون هذه اللغة أبلغ من سابقتها لإيصال رسالة في مثل هذه المواقف ولكن كيف أذا عجزت البلاغة والحواس جميعها عن وصف مشهد معين لعدم قدرة العقل البشري على استيعابه , الانسحاب الأمريكي بعدته وعديده  مشهد تعجز عن وصفه الكلمات حقا ً  فكيف لا وقد بلغ عدد آليات الجيش الأمريكي 3 ملايين قطعة بين دبابة وطائرة وآلية ولو كنت من الذين شاهدوا أرتال الجيش الأمريكي المنسحب على خط السير السريع ( الدولي ) بغداد – بصرة باتجاه الكويت لأصابك الذهول ولم أكن أشاهد هذا الحدث لولا سفري إلى البصرة حيث الأرتال مستمرة من جنوب بغداد وصولا إلى هناك دون انقطاع ولأنواع الآليات مألوفة الشكل وغير المألوفة المحمولة على الناقلات أو التي تسير وتكرر المنظر لدى رجوعي بنفس اليوم فلما كان الليل قد حل والأرتال المنسحبة مستمرة بأضوائها القوية التي تنبعث بكل الاتجاهات سألت سائق المركبة التي تقلني عن ما أراه قال إن هذا الوضع مستمر ليل مع نهار ومنذ شهرين تقريبا ً.. فسرحت بتفكيري متأملاً تسع سنوات تقريبا من الاحتلال ومقدماته التي عانى منها الشعب دون سواه حصار ودسائس تحاك هنا وهناك وحروب ألقيت بها آلاف الأطنان من المتفجرات منها العنقودي الذي قطع أطراف وأوصال الإنسان العراقي المسكين أو المشع منها الذي تسبب بأمراض لم يكن المجتمع العراقي يعرفها العقم والتشوهات الخلقية والأورام السرطانية فاتورة ضخمة لازال العراقي يدفعها من وجوده وصحته وأطفاله هؤلاء الزهور الجميلة الذين لا ذنب لهم سوى لأنهم ولدوا هنا , أتأمل بعيدا ً لأتذكر كيف كان لا يجوز لنا السير في شوارع بغداد وغيرها مادام الأمريكي يسير في الشارع  أو هم يسيرون ونحن ورائهم  كالـ ..  بمسافة لا تقل عن 100 م وإذا وقفوا وليس في الطريق رجعة اضطررنا الوقوف لساعات وأحيانا حتى الصباح , أتأمل فضائح هذا الجيش وشركاتهم الأمنية سيئة الصيت فضيحة سجن أبو غريب ومأساة ساحة النسور والصعود على سيارات المواطنين بمجنزراتهم بعد منع من فيها من النزول وغيرها من الجرائم التي لا عد لها لقد تسببوا بحرب طائفية وتفجيرات  إجرامية عمياء استهدفت الإنسان العراقي على حد السواء ليصل الرقم المعلن إلى 126 ألف شهيد مدني عراقي و20 ألف بين شرطي وجندي عراقي ونحو 1,750,000 مهجر إلى دول الجوار حسب الأمم المتحدة , تسببوا بهدر ثروات العراق وهي التي لا تحصى ولا تعد جعلوا الإنسان العراقي يعيش تحت خط الفقر لا يقوى على تأمين لقمة العيش ناهيك عن الدواء للذي يبتلى بمرض هاجموا التاريخ العراقي وتراثه سرقوا وهربوا أثاره بمساعدة الجهلة والمنتفعين بدولار ظنا منهم إن الأمر انتهى إلى هذا الحد ونسوا إن العراق وعلى مدى التاريخ لطالما تعرض لمثل هذه الهجمات بدءً من كورش الأخميني ما قبل التاريخ ومرورا بهولاكو وانتهاءً بهم ولم تستطع أي من هذه الهجمات من قتل التطلع والإبداع  والرُقي في كافة المجالات فكانت النهضة قوية بانتفاضة على الذات العراقية وإزاحة غبار الدمار والقتل والفرقة وهو ما نحتاجه اليوم فبعد إن ولونا الأدبار نشعر بأن عهد جديد قد بدأ يتطلب تضافرا ً وتكاتفاً للجهود الخيرة من أجل التعافي والنهوض وإلحاق بركب الإنسانية. 
 
 Helalysalah@yahoo.com



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=12571
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29