• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العرب بين ديمقراطية الاستجداء وواجب الاعتلاء .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

العرب بين ديمقراطية الاستجداء وواجب الاعتلاء

قبل عام ونَيف، وبُعيد اعتلاء الرئيس باراك أوباما سدة الحكم في أكبر ديمقراطية في العالم، نزعَ مثقفون عرب ومسلمون، مدعومين بشخصيات عالمية مرموقة،  إلى تحرير ثم تسليم وثيقة ("رسالة عاجلة ومفتوحة"؛ منشورة على الانترنت بتاريخ 6-10-2010) يستجْدون بواسطتها أوباما بأن يساعدهم على إرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط. وكان ذلك في سياق التحول في السياسة الأمريكية الذي أعلن عنه أوباما بنفسه في خطاب القاهرة الشهير (جوان/حزيران 2009).
ولم تمرّ ثلاثة أشهر على تسليم المطلب الكتابي حتى اندلعت الثورة في بلادنا، موفرة شروطا متسقة كل الاتساق مع شروط التحول الديمقراطي. لكن ما الذي حصل في الأثناء؟ لقد اكتملت أمريكا إهانة العراق سلطة وحكومة وشعبا قبل إعلانها مؤخرا عن "مغادرة" الجنود الأمريكان لهذا البلد الجريح. وقبَيل هذا الإعلان حدث التآمر العلني على شعب ليبيا ونفطها بعد أن كلف الناتو هذا البلد الجار فاتورة فلكية مقابل "مساعداته" العاجلة و"المُجدية". كما أنّ، في نفس الفترة تقريبا وإلى اليوم، كل المخططات جُهزت لاستغلال رغبة الشعب السوري في التخلص من الاستبداد لأجل فتح هذه القلعة أمام التلاعب التركي وازدراء بعض الأنظمة "الشقيقة" والاستغباء الصهيوني والهيمنة الأمريكية. أمّا عن اليمن والبحرين فحدّث ولا حرج.
مهمّ أن نعرف الآن هل أصبحنا ديمقراطيين بعد هذا كله وهل حققت النخب المستجدية للديمقراطية مطلبها المكتوب، أم أنّ الشعب العربي ما زال يتصارع مع قدره المكتوب. ما من شك في أن لا رقي للعرب من دون تضحيات جسام ومن دون عمل دءوب. لكن ذلك مشروط بأن يكون الشعب دائما صاحب القرار، لمّا نعلم أنه، وبتوافقٍ غير معلن مع نخبه، ربط آماله في الرقي بآماله في الديمقراطية. مع هذا فنحن نشهد على تخلي الشعب عن القرار لفائدة سلطة القرار. وهي "المجلس التأسيسي" في تونس و"المجلس الانتقالي" في ليبيا وما إلى ذلك من التسميات المماثلة.
أن تكون للشعب هيئة قرار تمثله أمر جميل بل وضروري، لكن أن تُشل آليات التفاعل بينه وبين هذه الهيئة فهذا ليس جميلا وليس ديمقراطيا. ولكي نفهم سبب الشلل لا بدّ أن نلقي نظرة على عقلية المواطن العربي إزاء الديمقراطية في هذا الظرف الانتقالي. في هذا السياق لاحظت أنّ شعبنا، منذ أن ذاق طعم التحرر من الاستبداد ابتداء من يوم 17 ديسمبر 2010، أصبح بحق يسيطر على آليات الصد والرفض والنقض، وغيرها، التي كان وما يزال في أوكد الحاجة إليها لاكتساب القدرة على اتخاذ مواقف مشرّفة من كل ما يجري حوله من أحداث وتحولات. لكنه يقف عند هذا الدور المتصدي ولم يتجاوزه لكي يصبح ضالعا في وظيفة البناء، وللمُضي قدُما على نهج النهوض متعدد الأبعاد ونحت مستقبل يليق بحضارتنا.
فالمسك بناصية المستقبل يتطلب دُربة على هذه الوظيفة البنائية. والبناء لا يأتي بلا إبداع. كما أنّ الإبداع لا يتحقق بلا حُلم. والحُلم لا يتوفر بالهمّ والغم. بينما الشعب اليوم، كل الشعب العربي، ملتصق بصُور الهم والغم. وهي صور تأتيه من العراق الجريح ومن ليبيا المهمومة ومن سوريا الدامية ومن اليمن المنهك ومن البحرين المكبوت، تهش على وعيه بعصا من فولاذ. مع أنّ نتائج الاستبيانات تُظهر شعبنا التونسي متفائلا (انظر آخر استبيان). وهذا يزيد الأمر غرابة وتعقيدا حيث إنه دليل على أنّ الشعب متفائل بلا حُلم.
 لو توفرَت لدى شعب تونس شروط الحلم لانعكس ذلك على نتائج أعمال المجلس التأسيسي، وعلى موقف الشعب، معارضةً ومستقلين، من هذه النتائج. بالعكس، جلّ المؤشرات دالة على ارتباك المواطنين إزاء كل ما تعلق بمداولات المجلس بخصوص التوافق حول القانون المنظم للسلطات ("الدستور الصغير")، وإزاء كل ما يتعلق بتشكيلة الحكومة الجديدة وبالنظام المجتمعي المستقبلي وبسياسات نخص بالذكر منها الاقتصاد والأمن والخارجية والتربية والإعلام. الشعب مرتبك لأنه بحاجة لوقود الحلم. وما وقود الحلم إلا صورة مسبقة واستباقية لمستقبل مُشرق.
في هذا السياق لا أرى ما الذي يمنع الشباب على الأخص من رؤية فلسطين متحررة من أنياب الذئب الصهيوني ومنصرفة نحو التكامل مع الأردن ولبنان الأنيقين؛ والعراق متحديا لماغول ما بعد الحداثة وذلك بلملمة جراحه بانتصابه من جديد على قدميه؛ وسوريا متفاعلة مع العراق وساندة له؛ ومصر وهي تجابهُ بواسطة قيمها الإسلامية الأذى باسم الدين؛ وتونس وهي تكافئ نفسها على استرداد أحفاد حنبعل ويوغرطة وعقبة بن نافع وحسان بن النعمان وابن خلدون وغيرهم لحقهم في تعليم الآخر ما لم يعلم وما لم يتعلم.
إنّ الشر الذي يحرمُنا من تصورات جميلة لمستقبلنا مأتاه نحن أولا وبالذات. ومأتاه أيضا غربٌ تعوّد على امتداد قرون على رؤيتنا ضعفاء. و مأتاه لا محالة ظروفٌ لم نتحكم بها بسبب أننا أوكلنا عليها الغرب، كفائزٍ في المسابقة الحضارية، ليتحكم بها عوضا عنا. إذن فقلب المعادلة هو الطريق إلى الحُلم، ومنه إلى وضوح الرؤية، ومنه إلى الإنجاز. والآن وقد التحقنا بركب كبار الثوار في التاريخ، لم يعُد الأمر يتعلق بآخرَ يعلمنا ماهية ذواتنا، بل أضحى الأمر يتعلق بأن نحقق ذواتنا بأنفسنا. وهذا يستوجب تحرير الذات لتصبح قادرة على التعبير. ولمن سنُعبّر إن لم يكُن هنالك طرفا يحتاج إلى أن يصغي إلينا؟
إنّ أوروبا وأمريكا وسائر العالم بحاجة للإصغاء إلينا في ما يتطلب الإصغاء، مثلما نحن أصغينا إليهم، ومثلما ما نزال مطالبين بأن ننقل عنهم ما يستدعي النقل. فالرافد التقني والتكنولوجي والإجرائي والتنظيمي يبقى من أهمّ مشمولاتهم في إطار واجبهم إزاءنا. لكن اعتقد أن الرافد الأخلاقي والقيمي أضحى واحدا من مشمولاتنا في إطار واجبنا إزاءهم.
محمد الحمّار


 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=12511
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19