• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ملحمة العشق .
                          • الكاتب : مروة محمد كاظم .

ملحمة العشق

 جثم الغبار على صدر الأرض، وفُطِمَ عنهُ الماءُ وهو الماءُ.. احدودبَ ظهرهُ ثم جثى على ركبتيه مستندًا إلى سيفه الأبلج الذي تعرى عن غمده لأجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل.. يتنهدُ بطرفٍ مشتتٍ بين الميدانِ والخيام حيث بنات رسول الله.. ثم نادى وحيدًا غريبًا:ألا من ناصرٍ ينصرنا ، ألا من ذابٍّ يذبُّ عن حرمِ رسول الله.. 
دويُّ صوتِهِ يرنُّ في المسامع، لايستشعرهُ إلا المؤمنون..
رفّت عباءاتٌ سودٌ لندائه المحمول على ظهر الريح، كان كلّ شيءٍ ينظرُ إليه أرضٌ وسماءٌ.. أحياءٌ وأمواتٌ.. كانت الملائكة تتمنى لو يُؤذنُ لها لتنزل لنصرتهِ أو لتسقيه شربةَ ماءٍ من سواقي الفردوس بعد أن صوَّمَ القومُ عنهُ نهرَ الفرات.. كان التلُّ ينتظرُ زينب الكبرى لتمتطيه جوادًا كي ينزلَ بها إلى الميدان، كانت الخيام متزملةً بمخدرات الرسالة.. قائدتهن في ذلك زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام و فخر الطالبيين .. كان قلبُ أم البنين يخفقُ ويخفقُ إيذانًا ببلاءٍ قادمٍ أمسكت بيديها أم وهبٍ النصراني لتتبادلا خفقات القلوبِ بينهما ويدعوان الله أن يردّ ولدها الحسين إلى حضنها كما ردّ من قبلُ موسى إلى أمه ويوسفَ إلى حضنِ يعقوب .. 
كانت المدينة لاتملك إعلامًا أو مراسلًا يجلبُ لها الأخبار سوى ترقبِ قارورةِ أم سلمة.. 
كانت أم البنين عليها السلام تنظر بعين قلبها إلى السماء وهي ترى كلّ شيء قد وضع قبضة يده على صدره بقلبٍ خافقٍ و عينٍ غائرةٍ محدقةٍ بالحسين عليه السلام ، كانت من بين العيون عينيَّ امرأة جليلة محدودبة الظهر لها أنينٌ يفطر الصخر الأصمّ تتكأ بيدها على ظهرِ والدها ويسندها من الجانب الآخر علي بن أبي طالب عليه السلام ، وضعت أم البنين يديها على خديها وقالت بدهشة:
آه ، مولاتي فاطمة الزهراء عليها السلام، ما الذي أتى بكِ يا مولاتي، لا فرقَ بيني وبينكِ فكلانا أم واحدةٌ للحسين عليه السلام..
فردت عليها وهي تلتقط أنفاسها: جزاكِ الله خيرًا أيتها الطاهرة الوفية، ولكن قلبي لايطاوعني على عدم مشاركة ولدي الحسين ، فقد هدّ صوته أضلاعي المنحنية عندما قال: ألا من ناصر ينصرني؟! ، عمّا قريب سأضمه إلى صدري يا أم البنين مقطع الأوصال بلا رأسٍ مكسر الأضلاع.. 
زاد حزن أم البنين عندما سمعت نبؤات فاطمة الزهراء ، و جثت أرضا، أما زينب فكانت تنظر إليها بعينينِ غائرتينِ صامتتين تخبرانها بأني أعلم بما رأتهُ بصيرتك، فقد نبأني بذلك والدي علي عليه السلام حينما ناداني ب(ام المصائب)..
وبعد لحظات علا رأسٌ على السمهري وجعجعت الخيول على صدر القداسة، وقرعت طبول بني أمية معلنة نصرها ، وهرولت فرس الحسين مضرجة بالدماء نحو بناته ملأ دويُّ مقالتها التاريخ بأسره وأبكت الريح الحاملة لصوتها وهي تهرول وتنادي: الظليمة الظليمة من أمةٍ قتلت ابن بنتِ نبيها..
فالسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=124922
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 09 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19