• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الأزمة الأخلاقية هي أم الأزمات في العراق .
                          • الكاتب : د . عبد الخالق حسين .

الأزمة الأخلاقية هي أم الأزمات في العراق

بعد نشر مقالي الأخير الموسوم (البصرة المنكوبة بالعطش والقتل بالرصاص)(1)، استلمت تعليقات مفيدة على مواقع التواصل الاجتماعي. وكنت قد ذكرتُ فيه أنه كان من واجب المسؤولين أخذ إجراءات احترازية لمنع كارثة شح المياه الصالحة للاستخدامات البشرية، في البصرة، من بينها إنشاء محطات تحلية المياه ...الخ. ومن هذه التعليقات تعليق من صديق جاء فيه:

((إن موضوع التحلية لم يُهمل تماماً، وهناك مشروع ضخم في البصرة تحت الإنجاز وبمساعدة اليابان، ويقال ان نسبة إنجازه وصلت لـ 85%، ومشاريع كهذه تُعتبر مشاريع " ستندر"، ولا تحتاج الى خبرات خارقة. إذن لماذا لم يُنجز كاملاً ؟)). ويجيب: ((أعتقد أن السبب الرئيس هو المال الفاسد. فموظفو الموانئ لا يفرجون عن أيةِ مواد يحتاجها حتى بخراب البصرة، إلّا بحصةٍ ! ولمديريهم حصة، ولأحزابهم حصة. المشكله الحقيقية هي أن كل المسؤولين يصرخون بأن الفساد المالي هو ما يجب أن يُحارب، إلا إن حقيقة الأمر واضحة، وهي أن حيتان الفساد أنفسهم هم الأعلى صراخاً! لقد قلناها في أكثر من مداخلة.. إذا أردنا لمشاريعنا المخطط لها او المتوقفة أن تُنجز بكفاءةٍ يجب كأولوية أن نقضي على حيتان الفساد بأيةِ طريقة.)) أنتهى.

وقد أرفق الصديق مشكوراً فيديو يؤكد صحة ما تفضل به حول مشروع تحلية الماء في البصرة، يرجى فتح الرابط:

مشروع تحلية ماء البصرة... تعطيل متعمد، فيديو جدير بالمشاهدة(2)

http://www.akhbaar.org/home/2018/9/248580.html

كذلك قرأتُ مقالاً قيماً بعنوان: (أزمة المياه في العراق .. هل لها حلول؟) للأكاديمي الدكتور مهند محمد البياتي، جاء فيه: ((والغريب في الأمر ان محافظة البصرة لديها 43 محطة تحلية طاقتها التصميمية بحدود 51 ألف متر مكعب في اليوم، ولكنها لا تنتج سوى 2104 متر مكعب من الماء العذب في اليوم، أي تعمل بكفاءة 4 بالمائة فقط، ولو كانت هذه المحطات تعمل بكامل طاقتها التصميمية في البصرة، وتم توزيع مياهها مباشرة على مواطني البصرة والبالغ عددهم بحدود 3 ملايين شخص، لكانت حصة الفرد الواحد 17 لتر من الماء العذب يوميا، وهي اضعاف ما يحتاجه الفرد من المياه لأغراض الشرب والطبخ اليومي فقط، اضافة لذلك فان هنالك 25 محطة صغيرة منصوبة في البصرة وتعمل بالطاقة الشمسية، طاقتها التصميمية هي بحدود 1608 متر مكعب في اليوم، ولكن انتاجها من المياه هو صفر، علما ان باقي المحافظات في العراق لديها محطات تحلية طاقتها التصميمية 43 الف متر مكعب في اليوم، وتنتج بحدود 18 الف متر مكعب من الماء العذب يوميا، اي ان كفائتها التشغيلية هي 42 بالمائة، اي عشرة اضعاف كفاءة محطات البصرة.))(3). انتهي الاقتباس.

يرجى من القارئ الكريم التركيز على عبارة (أن محطات التحلية في البصرة تعمل بكفاءة 4% فقط من طاقتها التصميمية؟) لماذا؟

كما وصلني من صديق أثق به، وهو كاتب وصحفي مطلع على مجريات الأمور، وخوفاً على حياته، لأنه مقيم في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، بعث لي المعلومة التالية، أنقلها كاملة: ((المرجعية قبل 4 سنوات خاطبت الحكومة وألحت على حل مشكلة الماء في البصرة . ولما يئستْ خاطبتْ المسؤولين في البصرة عن كمية المحطات التي يحتاجونها وأسعارها فأجاب مسؤولو البصرة الفاسدون: "نحتاج 13 محطة سعر الواحدة 150 مليون دولار، لكن الكوادر الهندسية التي تشرف على مشاريع العتبات في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء لم تقتنع بالإجابة، فخاطبوا الشركات المنتجة للمحطات فأجابوا بان سعر المحطة 10 ملايين دولار فقط !!!". شايف حجم الفساد والخيانة؟ فوافقتْ المرجعية على شرائها على ان تصل بأسرع وقت. فأجابت الشركات المنتجة بان لديها فرع في تركيا وممكن ان يوصلها خلال يوم واحد. وفعلا وصلت المحطات وبإشراف ممثل المرجعية سيد احمد الصافي، وكوادر العتبات الهندسية وبجهود استثنائية ليل نهار، تم تشغيل المحطات خلال 10 ايام وبالضبط يوم الخميس الماضي. فقامت الاحزاب الفاشلة بالتشويش على هذا الإنجاز، ودعت الى عقد جلسة برلمانية طارئة يوم أمس السبت (8/9 الجاري،) لتغطي فشلها، ثم امرت جهلتها بالهجوم على مقرات الحشد والحركات المناوئة للسعودية، وعلى مستشفى الحشد، وعلى القنصلية الايرانية، بينما وفروا الحماية للقنصلية السعودية والأميركية، مع ان المرجعية تعمل بصمت. ولا تريد دعاية او تعاطفا من الاحزاب. اتصلنا بمعارفنا في البصرة، فقالوا الماء بدأ يغطي ثلثي البصرة حين اندفع الرعاع لحرق المقرات، والمستشفى، والقنصلية الايرانية )). أنتهى.

والسؤال الأول هنا، لماذا لم يسمح موظفو الكمارك والموانئ بوصول مواد الشركة اليابانية لمكان المشروع لإكماله بعد أن تم إنجاز نحو 85% منه، وأهمل، ليعاني المواطنون من أزمة شح المياه؟

والسؤال الثاني: لماذا لا تعمل الـ 43 محطة تحلية المنجزة في البصرة إلا 4% من طاقتها التصميمية؟

فما هو تعليلنا لهذا التقصير ومن المسؤول عنه؟ الجواب الوحيد هو خيانة المسؤولين لواجباتهم، ولأسباب أخلاقية. ومن هنا نعرف أن أهم أزمة يعاني منها العراق هي الأزمة الأخلاقية التي هي أم الأزمات.

فقبل أسابيع بعث لي صديق آخر، تعليقاً على مقال لي بعنوان: (الذكاء العراقي المدمر) مؤيداً لمضمونه، وكان قد عاد تواً من زيارة له إلى العراق بعد أن بقي فيه ثلاثة أشهر، فكتب ملاحظاته عن العراقيين كما يلي:

((* الهوس الديني غير العقلاني، وكأن الدين أصبح غاية وليس وسيلة،

* الهوس بالانتماء العشائري واللجوء الى المثل العشائرية القديمة كالفصل حتى في المدن ،

* الانهيار الأخلاقي المتمثل بإجازة السرقة والرشوة والكذب والنصب والتعدي على الآخرين وانعدام الشعور بالمسؤولية بين قطاعات واسعة من الناس، واعتبار ذلك شيء اعتيادي ومقبول،

*هبوط الشعور الوطني الى درجة خطيرة ،

* السوداوية وانعدام الأمل بشكل عام بين العديد من العراقيين.)) انتهى

ومن كل ما تقدم، نستنتج أن ألد أعداء العراق هم العراقيون أنفسهم، إذ يبدو أن معظم العراقيين المسؤولين في مرافق الدولة (نعم أقول معظم العراقيين وليس بعضهم)، قد تخلوا عن الوطنية والأخلاق وروح المسؤولية، وصار همهم الرئيسي هو النهب والرشوة والفساد والثراء السريع.

إن سبب روتين الكَمارك في تعطيل وصول الأجهزة المطلوبة لإتمام المشروع المائي في البصرة هو ليس القوانين كما يدعون، بل رغبة هؤلاء الموظفين الصغار والكبار للحصول على الرشوات، كما يحصل في جميع دوائر الدولة، فبدون رشوة لا يؤدون واجبهم في خدمة المواطنين.

كذلك نعرف أن هناك جهات قصدها تخريب وتدمير العراق من بعثيين وأعوانهم الدواعش، تستغل غضب الجماهير المحرومة من الخدمات، وشح الماء والكهرباء، وتفشي الفساد والبطالة، فتندس في صفوف المتظاهرين المحرومين، وتحرف مسيرتهم، وتقودها إلى أغراض تخريبية غير أغراضها المشروعة. إذ أفادت الأنباء عن قيام المندسين في صفوف المتظاهرين في البصرة بحرق القنصلية الإيرانية، ومقر عصائب أهل الحق، وكتائب سيد الشهداء، وأخيراً الهجوم على مقر الجيش الشعبي وحرق سيارة لهم، وغيرها كثير من الأعمال التخريبية.

كما أفادت الأخبار عن سقوط صواريخ ثقيلة (120 ملم)، قبل أيام على المنطقه الخضراء في بغداد بالقرب من السفارة الأمريكية، ولم يُعرف مصدرها(4).

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من المستفيد من حرق المقرات المذكورة في البصرة؟ الجواب: لا بد وأن تكون الجهات التي تخدم المصالح السعودية والأمريكية والإسرائيلية المعادية لإيران. فالسعودية لا تريد أن تحرق السفارة الإيرانية في الرياض للثأر من حرق سفارتها في طهران، بل تعمل على حرق القنصلية الإيرانية في البصرة وعلى أيدي العراقيين.

والسؤال الآخر هو من المستفيد من ضرب المنطقة الخضراء بالصواريخ وسقوط معظمها قرب السفارة الأمريكية؟

الجواب لابد أن تكون المليشيات التي تخدم المصالح الإيرانية.

وهكذا نعرف أن هذه الحكومات تريد أن تتخذ من العراق ساحة لها للحروب بالوكالة. ولكن لم ترسل جيوشها لتتحارب فيما بينها، بل تستخدم العراقيين وعلى أرض العراق ليكونوا مطايا لهم، لتدمير وطنهم ومواطنيهم لقاء المال والسحت الحرام.

والسؤال الأخير هو: لماذا فشل البرلمانيون في تشكيل الكتلة الكبرى رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الانتخابات الأخيرة؟ إنها أزمة أخلاق، وتغليب المصالح الشخصية والحزبية، على المصالح الوطنية.

كذلك أود التوكيد أن الأزمة هي ليست لأن الأحزاب الإسلاميه لها اليد العليا في إدارة الدولة فحسب، إذ لا شك في ذلك، فالأحزاب جزء من المشكلة، و تستخدم الدين للوصول إلى السلطة، ولكن حتى العلمانيين في العراق فشلوا في توحيد صفوفهم، والتخلص من الفساد، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر حازم الشعلان وزير الدفاع الأسبق سرق 800 مليون دولار، وأيهم السامرائي وزير الكهرباء الأسبق سرق 300 مليون دولار، و كلاهما هربا إلى الخارج، وكلاهما علمانيان، وكلاهما كانا في حكومة أياد علاوي (العلماني حتى النخاع) .

ومن كل ما سبق نستنتج أن العراقيين لم يبلغوا بعد مرحلة النضج السياسي، وهم ألد أعداء أنفسهم ، يسيرون نحو الهاوية وهم نيام، وأن جميع الأزمات العراقية هي نتاج الأزمة الأخلاقية التي هي أم كل الأزمات، والتي هي بدورها من نتاج أربعين سنة من حكم التيار القومي العروبي الدكتاتوري، وخاصة فترة البعث الفاشي المتوحش.

فما الحل؟ هل نتخلى عن الديمقراطية، ونقول أن الشعب العراقي لم يكن مؤهلاً بعد للنظام الديمقراطي؟

الجواب كلا وألف كلا؟ لأن البديل هو النظام الدكتاتوري، والنظام الدكتاتوري هو الذي أوصل بلادنا إلى هذا الحضيض المظلم. فالحل ليس بالتخلي عن الديمقراطية، لأن هذا هو بالضبط ما يريده أعداء العراق والديمقراطية من البعثيين والطائفيين والدواعش، وغيرهم في الداخل والخارج. إذ كما قال المفكر الهندي (أمارتيا كمر سن Amartya Kumar Sen)، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 1998: "يجب ألا نسأل أنفسنا هل شعب ما مؤهل للديمقراطية أم لا، وإنما يجب أن نعرف أنه لا يصبح أي شعب مؤهلاً للديمقراطية إلا من خلال ممارسته لها. لذلك فالديمقراطية هي ليست الغاية فحسب، بل والوسيلة لتحقيقها".

أي لا يمكن تحقيق الديمقراطية في بلد ما، إلا من خلال ممارسة الديمقراطية نفسها، وفي هذه الحالة لا بد من وقوع أخطاء، وحتى كوارث. فالشعوب تتعلم من أخطائها وكوارثها إلى أن تنضج وتصبح الديمقراطية جزءً من ثقافتها الاجتماعية والسياسية، وهذا ما حصل في الدول الديمقراطية العريقة، والعراق ليس استثناءً.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=124720
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 09 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29