• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : أخبار وتقارير .
              • القسم الفرعي : أخبار وتقارير .
                    • الموضوع : المهندس عبدالله الشايب.. سيلُ الحب.. ونبعُ العنفوان .
                          • الكاتب : سامي أحمد بوخمسين .

المهندس عبدالله الشايب.. سيلُ الحب.. ونبعُ العنفوان

بقلم: سامي أحمد بوخمسين -نيابة عن أصدقاء ومحبي المهندس عبدالله الشايب - 
تهنئة بمناسبة تكريم المهندس"عبدالله الشايب" رائد التنمية الاجتماعية في الأحساء, من قبل مركز التنمية الإجتماعية 
في السابع عشر من أغسطس آب للعام 1956م, الموافق للعاشر من شهر محرم 
الحرام عام 1376هـ, ولد في الجبيل إحدى مدن واحة الأحساء الجميلة, طفلٌ نابغٌ,
مشاكسٌ, متطلعٌ, لأم ٍ رؤم ٍ سقته الحب جداول وانهاراً, وأبٍ وجيهٍ, عصامي سقاه  الشكيمة والعنفوان, ولازال- رغم السنين- نهر الحب و نبعُ الشكيمةِ و العنفوانِ سيلٌ  فيه يتدفق
 
   إنه الغني عن التعريف, أحد رجالات الفكر والثقافة والأدب, والعمل الاجتماعي الأستاذ المهندس عبدالله بن عبد المحسن الشايب, الذي نحتفي به في هذه السطور, فهو حقاً النموذج الرائع, والملهم البديع, والقدوة المميزة, لمن أراد أن يعانق ثلاثية المجد والتأثير والخلود.
   ماذا عساي أقول؟ عندما أقف متأملاً لأقرأ صفحات واحته الغناء الندية.    
   إن أبسط ما يقال عن هذا الرجل الهمام: أنه إذا فكر أمعن, وإذا نظر اعتبر, وإذا انتقد أصاب كبد الحقيقة ولا أنسى أنه إذا استُنصِح نصح وبذل. 
  يمكنني القول: أنه استخلص من تجاربه الكثيرة الغنية, عِبَراً نجملها في خمسةِ بنود:- 
ألأول: أن السعي يصنع المستحيل 
الثاني: أن هناك حد فاصل بين التسليم للأمر الواقع والخنوع 
الثالث: أن للحرية طعمٌ, لا يعرفه إلا أصحاب المروءة والكرامة 
الرابع: أن من تُبكيهِ نصائحك اليوم, يعشقك غدا 
الخامس: أن ثنائية الحب والإخلاص, لا تجتمعُ أبداً مع الرباعية المشؤمة, الشح 
والبخل والجبن والانتهازية.
وعبر ما لاحظته وعايشته يمكنني تقسيم الحديث عن المهندس عبد الله الشايب 
إلى مجموعة محطات :- 
المحطة الأولى:  شخصيته ومناقبه   
 
    
يتميز المهندس الشايب بالجد والمثابرة, كما أنه يتحلى بكتلة من المشاعر الجياشة  تجاه الأشياء والأشخاص والأحداث, فبمقدار ما تثير مشاعره وردةٌ في مكانٍ عبقري, يهزه نقشٌ صامتٌ على صفحة جدار أثري. إنه عميق النظرة واضح الرؤية, يتميز بحس نقدي فطري, قراءته للأحداث والنصوص مغايرة, يسلط الضوء فيها على جوانب خفية لا يلتفت إليها الكثير. تراه مفتوناً بالطبيعة، بالأنثى، بزوايا المدينة،   له حس مرهف يدرك به الجمال في الأخلاق والسلوك والمواقف, تراه محباً للنبل, يؤمن من كل قلبه  بضرورة المشاركة, وتقديم النصيحة, لدية الشجاعة الأدبية على قول "لا" في أحلك الظروف, مع الإدراك الكامل للأذى المحدق, والعداوة المرتقبة.
 منذ اليوم الأول الذي خطى فيه نحو العمل الاجتماعي كان يسير على قاعدة أخاك من أبكاك لا من أضحكك, يقوم بذلك بقلب صافي, وصراحة تامة, ولطالما سيء فهمه.إنه صاحب ذهنٍ وقادٍ, وبديهةٍ حاضرةٍ, لا يكاد يَرى إلا منجزاً لفكرة أو متحفزاً لأخرى, وبين ذلك تراه في إحدى حالات ثلاث, ناصحاً أو معاتباً أو مسانداً مشجعاً, يردف ذلك كله بتحليل ممزوج بالإصرار والحماس, كل ذلك وعيناه تُشع منهما مشاعر المحب المشفق, وتظهر على أديم محياه ابتسامات ودودة ساخرة. ولطالما ردد على مسامع من يستنصحوه أن ما يهدفون إليه, ممكن التحقيق سهل المنال ولكنه يحتاج لبعض الإصرار.. لم يكن المهندس عبد الله الشايب يوما من الأيام يطل على الناس من برج عاجي, أو يرى لنفسه ما لا يرى للآخرين, بل كان في الناس ومنهم ومجالسه حافلة بالقاصي والداني, وبكل ما للطيف من ألوان.  
المحطة الثانية: أفكاره ورؤاه            
   قبل الحديث عن منهج الأستاذ عبد الله الشايب في بناء أفكاره وقناعاته, نشير إلى أن سعة اطلاعه وكثرة تجاربه
  
نابعة من شغفه الفطري, لفهم كل شيء والتعرف على كل شيء حوله, ماديٍ أو معنوي, إذ أنه بلا ريب استطاع أن يحافظ -عن غير قصد- على طفلٍ بداخله, متطلعٍ مشاكسٍ مقبل على الحياة, يريد أن يكتشف ويفهم كل شيء ويثير انتباهه كل شيء, عزز تلك المشاعر حبه للمشاركة, وحماسته للتطوير والتجديد وعلو الهمة, هذا ما جعله واسع الثقافة غني التجربة, حتى غدا مع الأيام كاتبا مفكرا مثقفا كبيراً, يتأمل ويحلل ويرسم صورةَ للإنسان والوجود مفعمةً بالحياة والذوق والحب والجمال.
لقد اعتمد عبد الله الشايب في تشييد قناعاته وأفكاره على التحليل الدقيق, والمقارنة الذكية, ثم الثقة التامة فيما استنتجه,  فهاهو ذا يهندس الأحداث, يعجنها, يقسمها إلى كتلٍ ثقيلة وأخرى خفيفة, وطبقات ومسطحات تصطبغ بثقافة خاصة في السلوك 
والتعامل وردات الأفعال, ثم وبعبقرية طبقة المهندسين, ومن عمّرو المعالم والصروح في الماضي, ومن بنو في الحاضر وجه المستقبل, بناطحات السحاب, والأنفاق, والجسور, والمدن الذكية, تراه يرفع الزمن والأحداث هندسياً, يُدقق, يتأمل, يحلل, فيبدع فكراً ومواقف وتجلياتٍ مرصوفةٍ كالفسيفساء الجميلة, وكالأعمدة الرخامية الصقيلة, وكالمنمنمات البراقة الزاهية.
ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى موهبة فذة يتحلى بها المهندس عبدا لله وهي قدرته الفريدة على النقد, واكتشاف الثغرات, وقراءة ما بين السطور, وكأنه يقول: حقاً أنه لا يوجد إنسان كامل ولا خبير في معرفة الحقيقة المطلقة.
المحطة الثالثة: همومه وما يقلقه 
ما يشغل الأستاذ أبا اليسع, أمور كثيرة واسعة سعة اهتماماته وثقافته, لكنا سنجملها في مجموعة نقاط على التوالي
 :- 
1- الوطن 
2- التعايش
3- العدالة 
4- الحسين بن علي بن أبي طالب
5- الحرية 
6- فلسطين 
7- هموم الناس 
8- التراث 
9- مؤسسات المجتمع المدني
المحطة الرابعة :- ما يحزنه ويزعجه يمكن الحديث هنا عن مجموعة من النقاط :
1- الظلم بالدرجة الأولى 
2- الوصولية 
3- الانتهازية
4- البخل 
5- الوهم وخداع الذات 
6- التسلق على أكتاف الغير, وسرقة جهود الآخرين
 
المحطة الخامسة: نشاطاته العامة
  
نشر عشرات المقالات, والدراسات, والكتب, وساهم في كثير من الدوريات, له مشاركات في الإذاعة, والتلفزيون. ترأس قسم تخطيط الأحساء بمديرية الشئون البلدية والقروية, عام 1401هـ, كما ترأس إدارة التخطيط ببلدية منطقة الأحساء من العام 1403 هـ حتى عام 1406هـ, قام بتصميم قرية التراث لمحافظة الأحساء لمهرجان الجنادرية, قام بتخطيط مدينة جواثا السكنية, وضع المخططات لمدينة أرامكو السكنية بالأحساء, استلهم عناصر التراث العمراني في التصاميم المعاصرة، مؤسس وصاحب ملتقى المشهد, ومؤسس الموقع الالكتروني المميز "مشهد الفكر الأحسائي".
حاز على عشرات الدروع التقديرية وشهادات الشكر من المؤسسات الأهلية والحكومية. 
    كرمته جامعة مرمرة باسطنبول, والجمعية السعودية لعلوم العمران بمؤتمر ابها، كما كرمته الهيئة العامة للسياحة كقصة نجاح،
   نال عضوية هيئة المهندسين السعودية, وهو عضو متعاون بالهيئة العليا للسياحة بالرياض سابقاً, عضو المجلس العالمي لخبراء المحافظة على الآثار بباريس "الإيكوموس", محكم باتحاد المنظمات الاستشارية 
الإسلامية, عضو الجمعية الأمريكية للمعماريين مقيد بموسوعة "من هو" الأمريكية لعام 1998م, زميل محكمة لندن للتحكيم الدولي...، مؤسس "مركز النخلة للصناعات الحرفية", وهو الأول والوحيد من نوعه في المملكة .
المحطة السادسة: الحضور والفاعلية   
   لقد طبع المهندس الشايب بصمته على المحيطين به, فهذه آراؤه, وتحليلاته, ومواقفه مدار حديثهم, وكلمة طالما تردد صداها في الأسماع, ما ذا يقول المهندس في هذا الأمر؟  أو ما رأي أبي اليسع في هذا الموضوع؟  هل استشرتم المهندس أم لا؟ قال المهندس كذا, نصحني بكذا, شجعني دعمني, اخبرني اقترح 
      كذا, جزاه الله خيرا لولاه لما أنجزت عمل كذا, دون مساندته لم أكن افعل كذا وكذا. 
إنه وبكل جدارة محتضن الإبداع, ومشجع الطاقات, والداعم للكفاءات من الجنسين الرجال والنساء فلم يبخل بوقت أو نصيحة أو رأي
 
.
   
 
   هذا ما يخص الناس والأحداث, أما المكان والزمان فحدث ولا حرج, فشواهد حضوره يصعب حصرها, 
من بيته ذو الطابع التراثي, حتى مكتبته العامرة, ثم الجامع الذي خططه وعزره ونصره, ثم المغتسل الذي حشد له, أهل الخير فعمره, و الأثر التاريخي الذي صارع لإعادة ترميمه فحفظه وحرره.
 
أما إذا كنت محظوظاً, وسنحت لك الفرصة, أن ترافقه في جولة في ربوع الأحساء, مدنها ريفها بواديها فأنت محظوظ جدا, فلن تشعر إلا وقد بدأ بكل عفوية وسلاسة يشرح ويفصل الأماكن والأحداث والتواريخ, وكأنه يسكب الكلمات على قطعٍ من الديباج والحرير, أو أنه يعزف النغم الساحر, أو يروي  الأساطير, ويباغتك بسؤالٍ, هل رأيت تفرع النهر النابع من عين الخدود الخالدة إلى فرعين؟ فيذكر لك أسماء البلاد والقرى التي يمر بها كل فرع, ويكمل حديثه باقتراحات وأفكار لتفعيل هذا الموقع المميز, وتذهب به الكلماتُ إلى كل التفاصيل قبل قيام مشروع الري والصرف الحديث, ومن اقترحه ومن نفذه, وما تأثير ذلك على الأهالي, ثم وبكل شوق يطلب منك أن ترافقه إلى مكانٍ آخر إنه موقع الشلالات, حيث يمكن سماع صوت خرير الماء, وكيف انه موقع مناسب للجلسات الصغيرة وأكشاك شرب الشاي والقهوة, و(البليلة),..., ويدهشك بقدرته على التقاط صور الحسن والجمال في الطبيعة, كما هي وسرعان ما ينتقل بالحديث عن شجرة في المكان الفلاني, وكيف كانت غصونها وارفه, وظلها أخاذ, ومنظرها مريح للنفس والعين, وكيف أنه بادر بالحديث مع القاطنين في الحي كيما يحافظوا عليها, لكن وبحسرة, يبلغك أنه عبر يوماً فلم يَر الشجرة, ولا غصونها الباسقة, ولم يسمع حفيف أوراقها البديعة, فيخبرك أنها قلعت وأنها آخر شجرة معمرة في الحي, وقد كانت هناك مجموعة أزالوها قبل بضع سنين.   ويحلق مفكرنا المبدع, في عوالمه الزاهرة كلما عبرنا على بقعة جديدة من ربوع محبوبته الأحساء, 
فهاهو يرى ما لا يراه آلاف العابرين كل يوم, وبكل عفويةٍ وهو الصعب المراس, تراهُ وقد جرت على لسانه أمواج جارفة من المشاعر, وهو يروي لك ملحمة قصر إبراهيم, وما جرى فيه من أحداث, ومتى أُقِرّ ترميمه, وكم تأخر ذلك القرار, ومتى فَتح للزائرين وتفاصيل حميمةٍ تخالها تخرج من قلبه لا من شفتيه, وهكذا سوق القيصرية, ومدرسة القبة, وسور المدينة القديمة, وقصر صاهود, والأثر الباقي من "الفاخرية" المنتجع الصيفي للأمير عبدالله بن جلوي وسط غابة النخيل وجداول الماء, والزخارف الرائعة هنا, والأقواس الحالمة هناك, والسهل والجبل وأنواع الطيور المحلية ومواسمها, وبحيرة الأصفر وعبقرية ديمومتها, وطيورها المهاجرة, ومشاريع فيها وحولها وماضيها ومستقبلها, وينابيع حارة وأخرى باردة, ولا ينتهي الحديثُ, ولا يمل العاشق الولهان في وصف ما يهواه ويعشقه من تفاصيل سكنت فؤاده وتغلغلت في وجدانه
فهذا جبل بُريقَة الذي شهد واقعة الملك عبد العزيز و العجمان, وذاك جامع عَسَلَج, وهناك جامع الجعلانية الذي شيدته الأميرة العيونية هبة الله, و مسجد بن أبي جمهور, ومسجد الشيخ أحمد الأحسائي بجوار عين الحوار بالمطيرفي, و متحف الأحساء الرسمي وفيه مقتنيات عبدالله الموسى التي أهداها للمتحف, وهناك المتحف الأثري الرائع الذي جمعه حسين الخليفة, وتلك الأثريات من مقتنيات علي العيسى, ومجموعة جميلة في حوزة محمد النعيم, ومجموعة  عبد الرحمن الذرمان الفريدة, وهناك في مدينة الجفر وليد الناجم, و حسين الرشود في العمران ,وسليم السليم في الثليثية, وقهوة السيد التراثية, و محمد ألمهنا الذي يحتفظ بكل أدوات الصياغة الأحسائية القديمة, والمزيد المزيد من المتاحف والآثار والأماكن والأحداث التي جرت وتجري فيؤلمه بعضها ويفرحه بعضها الآخر, ومخطوطات الشيخ جواد الرمضان والأستاذ محمد سعيد الملا, وثلاثون ألف عنوان في الخزانة الفائزية, ومركز المخطوطات الالكترونية للأستاذ طالب الأمير, ومجموعة الأستاذ أحمد البدر, فكأن تلك الشخصيات, والمقتنيات والصروح والمعالم قطعة من أحشائه، تشّرب بها قلبه, فتتبع تفاصيلها وهام بها, إنه حقاً و دون مواربة، عاشق الأحساء من الألف إلى الياء. 
 
 
 
في الختام....
إن المهندس عبد الله الشايب- بقصد أو عن غير قصد- حمل الأمانة وتألم لها, وعاتب من تهاون في حملها وكان في فلسفته, يقبل من الآخرين أقل القليل, حتى لوكان الصمت, لأنه متاح للجميع ويستطيع القيام به أغلب الناس, وكثرهم ضعفاً وحذراً, على قاعدة إن لم تنفع فلا تضر. إنه وبكل جدارة محتضن الإبداع, ومشجع الطاقات, والداعم للكفاءات, فقد كان دوماً سخياً بوقته, وماله, ومكانته, وتوجيهاته وإرشاداته, حتى غدا محط الأنظار لعظم تأثيره، في محيطه ومجتمعه, فكم ناجح متفوقِ, لا يعلم به أحد, ولا يأبه به أحد, لأن نجاحه لنفسه, ولم يمد يدا لغيره, أما أبواليسع فقد كان المحور الحاضر, والسند الداعم والمشارك المميز للآخرين في همومهم وتطلعاتهم. فنعم القدوة, ونعم المثال, وألف ألف تحية جللها الحب والعنفوان والشموخُ والشمم.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=12469
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16