• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نجاح التظاهرات بأمنها لا بعنفها .
                          • الكاتب : د . عادل عبد المهدي .

نجاح التظاهرات بأمنها لا بعنفها


حسنا فعلت التنسيقيات المختلفة للمظاهرات في البصرة بالامتناع عن التظاهر يوم السبت. 

وهو القرار الذي ايدته مختلف التشكيلات والهيئات والقوى التي كانت تشارك في التظاهرات السلمية الاحتجاجية على نقص الخدمات خصوصا الماء والكهرباء وازدياد معدلات البطالة. بدون مثل هذه الخطوة لا يمكن القيام باي اجراء امني حقيقي، لا من قبل القوات الامنية ولا من قبل المتظاهرين والمواطنين او حمايات الدوائر والمقرات، كما حصل للدوائر الحكومية او مقرات القوى السياسية والحشد الشعبي او حتى مراكز طبية وبيوت مسؤولين.. ناهيك عن البعثات الدبلوماسية والقنصلية كما حدث للقنصلية الايرانية بكل اسف، وما يمكن ان يحصل لبعثات اخرى. والأمن هنا متبادل، بين الأمن الذي توفره الدولة، والأمن الذي يوفره المتظاهرون. فلا أمن بالتجاوز على المتظاهرين، ولا أمن بتجاوز المتظاهرين على الممتلكات العامة والخاصة والمصالح اليومية.

ففي جميع المجتمعات والدول هناك صراع وتدافع اجتماعي سياسي واقتصادي وثقافي وفي الهويات ولاسباب اخرى متعددة.. وهناك ثورات وانتفاضات، وانظمة سياسية استبدادية وديمقراطية وبين بين.. وهناك حقوق ومطالب وحركات احتجاج مختلفة.. وهناك اجندات داخلية وخارجية.. فالدول والمجتمعات لا تختلف في ذلك كله، بل تختلف في المناهج واللغة والمفردات المستخدمة والسلوكيات التي تربي عليها الثقافة الوطنية والقوى السياسية جمهورها.. ففي خضم الازمات –كأزمتنا الحالية- سيصعب التحليل والفهم.. وسيختلط الحابل بالنابل، والمفيد بالضار، والصالح بالطالح، ما لم نرجع سنينا بل عقودا وعهودا للوراء لنرى طبيعة التعبئة السياسية والاجتماعية التي استخدمت طوال تلك الفترات. فهناك مجتمعات تستطيع تطوير ثوراتها وانتفاضاتها وتدافعاتها واحتجاجاتها الى مكاسب وتراكمات ايجابية لصالح شعوبها باستخدامها مناهج ولغة ومفردات وسلوكيات تمتلك وعيا كاملا للازمات، وتحاول ان تجعل مآلاتها النهائية لمصلحة شعبها لا لمصلحة الخراب والاجندات المدمرة.. واخرى على العكس، فانها رغم التضحيات والاخلاص والنوايا الحسنة لكنها تدمر ثوراتها وانتفاضاتها واحتجاجاتها لاستخدامها مناهج ولغة ومفردات وسلوكيات يغلب عليها الطابع الانتقامي وردود الافعال ليس الا. وفي العراق يغلب علينا النمط الثاني. فنفشل عندما نؤسس على النفي الكثير والايجاب القليل.. فالرفض سهل وواضح ومباشر، اما القبول فصعب ومؤجل وغامض. جزء مهم من تربيتنا وفهمنا ونظرياتنا السياسية والاجتماعية يقوم على الادانة والهجومية والتحطيم، اما البديل للافضل فنملوءه بالشعارات الفارغة المجردة. فلا مناهج تؤسس لوعي عميق، ولا فكر متمكن من الاشكالات العلمية المشخصة للواقع، والمحقق للاهداف والطموحات. فنحن نعرف ما نرفض، لكننا لا نعرف ما نريد. وكثيرون عندما يجتزأون ويتعجلون ويقتطعون، فيحطمون الاصنام بقول "لا إله" ولا يربطونها بلازمتها الضرورية "إلا الله" فانهم سرعان ما يعيدون انتاج اصنامأً جديدة يظلون {لها عاكفين}. فكثير منا يشكو الامراض لكنه لا يلتزم بالعلاجات. لذلك سيسهل علينا الخروج الى الشارع والاحتجاج.. وسيسهل علينا التضحية مرة ومرات، لكنه سيصعب علينا تتويج هذه التضحيات بمكاسب جدية راسخة، ناهيك عن تحقيق المطالب المباشرة. ادبنا السياسي والاجتماعي مملوء بالعداوات بدل الصداقات، وبافكار وانماط وسلبيات وابتكارات وعبقريات الهدم، وقليل من افكار وانماط وايجابيات وابتكارات وعبقريات البناء.. فننتصر في الاولى، ونُهزم في الثانية.. واننا عندما نسحل ونقتل ونحرق، سنُسحل ونُقتل ونُحرق.. فلا نغير –كقوم- ما بنا، بل ينتصر ما بنا علينا وعلى أنفسنا ويهزمها مرة بعد اخرى.. لذلك سنستنكر بعد فترة اعمالنا.. وسنكتشف ان الغير استفاد، وان الخاسر هو شعبنا وتجربتنا.
... 

لذلك حسنا فعلت التنسيقيات والجماعات والهيئات المختلفة بتوقفها عن التظاهر السبت، بل لاطول من ذلك، لكي لا تورط نفسها في حرق البعثات السياسية والشركات والمقرات ودور المواطنين والممتلكات العامة والخاصة.. ولتسمح بعودة الامن، ومنع اي طرف يريد استغلال التظاهرات لاغراض خاصة داخلية وخارجية. فبدون الامن ستفقد التظاهرات امنها، وسينسى الناس المطاليب الحقة التي خرجوا من اجلها، لحلول بلاء اعظم وخطر داهم اكبر. فالتظاهرات حق، وستخسر كل شيء، ان تحولت الى مجرد ردود فعل وأعمال انتقامية. وان الامن من داخلها بسلميتها، ومن خارجها بحمايتها شرط لنجاحها.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=124581
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 09 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18