• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عليكم بدين العجائز... .
                          • الكاتب : عبدالاله الشبيبي .

عليكم بدين العجائز...

دائماً ترد على لسان الأصدقاء والخطباء المقولة الشهيرة "عليكم بدين العجائز: والتي لا نعلم من قائلها ولماذا؟ وبعد البحث والتحقيق في المصادر المعتبرة سجلنا لكم التالي:
اذ يقول العلامة محمد حسين الطباطبائي في كتابة أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، إنّ مقول عليكم بدين العجائز المنسوبة إلى الرسول الأكرم(ص) أضحت مستمسكاً لدى منكري التعمّق، والتفكير في المعارف الغيبية، وقضايا ما وراء الطبيعة. لكن هذه المقولة لم ينقلها أيّ مصدر من المصادر السّنيّة أو الشّيعيّة. مع ذلك شاعت شيوعاً كبيراً لانسجامها مع مزاج الجهّال، وأضحت أداةً لقمع أيّ نشاط فكري.
على أنّ أنصار البحث والتحقيق في المعارف الإسلامية واجهوا هذه المقولة عبر التأويل... ويفسّر الشيخ محمد اللاهيجي في شرحه لهذه المقولة عليكم بدين العجائز.
قائلاً: إنّ هذه المقولة تنظر إلى التسليم والتعبّد في الفروع، لا في الأصول، فتعني تنفيذ الأوامر تعبّداً كما تفعل العجائز، ولا تعني أن يكون المستوى الفكري، والعقلي في معرفة الله على حدّ مستوى أفكار العجائز، فنتصوّر الله كحزمة من النور في أعالي السماوات، ونمنحه صورة بشرية، ونصفه بما نزّهه القرآن من صفات.
أمّا الرومي فيفسّر المقولة المتقدّمة تفسيراً آخر، ترتكز على معنى العجز، وقرّر أنّ المقصود هو سلوك سبيل العجز والمسكنة في طريق معرفة الله، حيث الانكسار والعجز هو الزّاد في هذا الطريق، أمّا سوق التظاهر وحبّ الظهور، فيقع على الجانب الآخر.
والحقّ أنّ هذه المقولة لم تثبت نسبتها إلى الرّسول الأكرم(ص)، ليصل الدّور إلى البحث في مفهومها ومعناها.
وقد اعتبر الميرزا القمّي المقولة المتقدّمة أحد أدلّة أنصار التقليد، والتعبّد في أصول الدين. لكنّه قرّر من جهته أنّ هذه المقولة لم يثبت كونها حديثاً، بل نقلت عن الفقيه السنّي والصوفي المشهور سفيان الثوري.
إذ قيل أنّ عمرو بن عبيد المعتزلي تناول في مجلسه الحديث حول المبدأ المعتزلي المشهور المنزلة بين المنزلتين فردّت عليه عجوز بقراءة آية من القرآن الكريم، فقال سفيان الثوري عليكم بدين العجائز.
مضافاً إلى أنّ الذين نقلوا المقولة المتقدّمة كحديث، نقلوا معها قصّة توضّح أنّ مفهوم الجملة لا يعني ما التزم به الحنابلة وأهل الحديث، ولا يعني ما حاول اللاهيجي أو الرومي تفسيره. والقصة هي أنّ النبي الأكرم مرّ مع أصحابه على عجوز تغزل بمغزلها، فسألها: كيف عرفت الله؟ فحرّكت مغزلها بقوّة، وصمتت، حتى توقّف عن دورته، ثمّ قالت: بهذا عرفت الله، فكما أنّ المغزل يحتاج إلى يد تحرّكه، يحتاج الكون العظيم إلى يد قادرة تحرّكه باستمرار، حينئذ قال الرسول الأكرم: عليكم بدين العجائز .المصدر: أصول الفلسفة والمنهج الواقعيّ، ج2، ص535.
وعليه فان هذا القول عليكم بدين العجائز يدل على أمور نذكر منها:
الأول: يجب أن يكون إيمانكم استدلالياً.
الثاني: إشارة إلى برهان ودليل الحركة، ولعله يعد أفضل دليل بعد دليل النظام ودليل الصديقين.
ونحن نفهم على كل حال ان أي شخص يجب أن يستدل على أصول الدين بما يناسب حاله.
فهو مكذوب على لسان النبي، كيف يجوز للنبي أن ينهى الناس عن التفكّر والاستدلال مع دعوته إليه في كتابه المنزل إليه قال سبحانه: ﴿الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ والاَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذا بَاطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّار﴾، وقال سبحانه: ﴿أَوَلَم يَتَفَكَّرُوا فِي أنفُسِهِم مَا خَلَقَ اللهُ السَّمواتِ والاَرْضَ وَمَا بَيْنَهُما إلاّ بِالحَقِّ وأجَلٍ مُسَمّى﴾.
روى أنّ المعتزلي قال: إنّ بين الكفر والاِيمان منزلة بين المنزلتين، فقالت عجوز: قال الله تعالى: ﴿هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُم كافر ومِنْكُم مُؤَمن﴾ فلم يجعل من عباده إلاّ الكافر والمؤمن، فسمع سفيان كلامها فقال: عليكم بدين العجائز.
قال أبو المعالي: خليتُ أهل الاسلام وعلومهم، وركبتُ البحر الأعظم، وغُصْتُ في الذي نهوا عنه، والان رجعتُ الى قولهم: عليكم بدين العجائز، فإن لم يُدركني الحقّ بلطفه وأموت على دين العجائز، وإلاّ فالويل لابن الجويني.
كما قال اخر: معنى دين العجائز أنّ المدقّقين بالغوا في البحث والنظر، ولم يشهدوا ما يشفي العقل من التعليل، فوقفوا مع المراسم واستطرحوا، وقالوا: لا ندري.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=124475
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 09 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18