• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : "المهدي المنتظر: من هو؟" .
                          • الكاتب : د . احمد راسم النفيس .

"المهدي المنتظر: من هو؟"

عندما يعجز البعض عن نفي فكرة أو معتقد فالحل الأمثل لهذا الإشكال هو إثارة الضباب والغبار من حوله!!.

هكذا تعامل البعض مع اعتقاد أغلبية المسلمين بالمهدي المنتظر تشكيكا حول شخصه ومحاولة منهم لاختراع مهدي للسنة ليس هو مهدي الشيعة فهو شخص يولد في آخر الزمان من ولد الإمام الحسن من أهل البيت وليس من نسل الإمام الحسين كما يؤمن الإمامية!!.

البعض الآخر واجه المعتقد بالتسخيف والتوهين والسخرية من فكرة الانتظار وهو ما فندناه في عديد من الدراسات.

معلوم أن الرواة قد أثبتوا حقيقة المهدي الذي يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجوراوانتسابه للعترة الطاهرة وخير شاهد على ذلك ما رواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه.

20770 - أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أبي هارون عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته مدرارا ولا تدع الأرض من مائها شيئا إلا أخرجته حتى تتمنى الأحياء الأموات يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان أو تسع سنين.

الطريف في الأمر أن عبد الرزاق الصنعاني أستاذ أحمد بن حنبل والبخاري، ولد عام 126 هجرية وامتد به العمر حتى 211 أي أنه مات قبلمولد الحجة المنتظر (محمد بن الحسن العسكري) بما يقارب نصف قرن، قبل ظهور كتب مثل البخاري ومسلم وهي كتب يستغل البعض عدم ورود ذكر المهدي فيها (نصا) لنفي المعتقد من أساسه كما كان معاصرا للإمام الصادق عليه السلام، مما يعني أن الروايات المبشرة بظهور المهدي من آل محمد كانت رائجة منذ البدايات الأولى للتاريخ الإسلامي بعيدا عن أي مؤثر شيعي كما يزعمون.

فقد روى البخاري ومسلم والنص لمسلم:

4 - (2882) حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم - واللفظ لقتيبة - (قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا) جرير عن عبدالعزيز بن رفيع، عن عبيدالله بن القبطية. قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبدالله بن صفوان، وأنا معهما، على أم سلمة، أم المؤمنين. فسألاها عن الجيش الذي يخسف به. وكان ذلك في أيام ابن الزبير. فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث. فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم" فقلت: يا رسول الله! فكيف بمن كان كارها؟ قال "يخسف به معهم. ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته".وقال أبو جعفر: هي بيداء المدينة.

5 - (2882) حدثناه أحمد بن يونس. حدثنا زهير. حدثنا عبدالعزيز بن رفيع، بهذا الإسناد، وفي حديثه: قال فلقيت أبا جعفر فقلت: إنها إنما قالت: ببيداء من الأرض. فقال أبو جعفر: كلا. والله! إنها لبيداء المدينة.

6 - (2883) حدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر (واللفظ لعمرو). قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن أمية بن صفوان. سمع جده عبدالله بن صفوان يقول: أخبرتني حفصة؛ أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه. حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأوسطهم. وينادي أولهم آخرهم. ثم يخسف بهم. فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم".فقال رجل: أشهد عليك أنك لم تكذب على حفصة. وأشهد على حفصة أنها لم تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.

7 - (2883) وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون. حدثنا الوليد بن صالح. حدثنا عبيدالله بن عمرو. حدثنا زيد بن أبي أنيسة عن عبدالملك العامري، عن يوسف بن ماهك. أخبرني عبدالله بن صفوان عن أم المؤمنين؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "سيعوذ بهذا البيت - يعني الكعبة - قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة. يبعث إليهم جيش. حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم".

طبعا لم يصرح البخاري ولا مسلم (كعادتهما) باسم هذا العائذ الذي يعوذ بالكعبة وهو عندنا يقينا القائم المنتظر كما أن هذه الرواية وردت في كتب التفسير شرحا لقوله (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)[1].

أما كونها عادة اعتادها الشيخان للهروب من الحرج والمآزق فقد استخدم مسلم في كتابه لقب (فلان) 149 منعا للحرج وتفاديا لعواقب ذكر الاسم الحقيقي لسيدنا فلان رضي الله عنه وأرضاه ولأننا نعرف من هو (العائذ) الذي يعوذ ببيت الله الحرام حيث موضع ظهور الإمام الحجة أعزه الله.

وإكمالا للطرافة كنا نتمنى على (السيد مسلم) أن يخبرنا من يكون (أبو جعفر) وأغلب الظن أنه الإمام الباقر محمد بن علي الحسين عليهم السلام.

الخسف سيكون بجيش السفياني والرواية في الفتن لنعيم ابن حماد ورقمها 942:

الطريف أيضا أن (الإسلاميين) في أدبياتهم لا يأتون على ذكر مهديٍ من أهل بيتالنبوة كمكون من مكونات مشروعهم المستقبلي فنموذجهم الأمثل هو ما يسمونه بالخلافة الراشدة التي لم تحظ بصفة الرشد إلا متأخرا عملا بالرواية المنقولة عن (العرباض بن سارية).. (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وهي رواية تفرد بها رغم قوله (خطبنا رسول الله) وهم ينتظرون حسب ما هو شائع في أوساطهم (خلافة على منهاج النبوة) ولذا فقد هلل الكثير منهم لأبي بكر البغدادي عندما أعلن خلافة داعش في العراق قبل بضع سنوات ومن قبله (أمير المؤمنين الملا عمر) وغيرهم من الأسماء من سقط الزمان وسخرية القدر منا!!.

(الإسلاميون) المعاصرون لهم في كل عرس قرص، فهم يبحثون عن خليفة (قرشي راشد) كأبي بكر وعمر وهم يشوشون على أتباع منهج أهل البيت عليهم السلام بنفي إمامة محمد بن الحسن العسكري الثاني عشر من الأئمة بل ويصل بهم الشطط حد نفي ولادته وغيبته وهم يلصقون كل التهم بمن ينتظر ظهوره.

يزعم (الإسلاميون) أن خلافهم مع الشيعة يتلخص حول اسم المهدي المنتظر، مستندين إلى الرواية التي تقول (يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) فهو عندهم محمد ابن عبد الله وهو عند الشيعة محمد بن الحسن!!!.

منذ متى عُرف عن الجبابرة المتسلطين على رقاب المسلمين مجرد التعامل بإنسانية مع أهل بيت النبوة، سواء من أبناء الحسن أو الحسين عليها السلام، ولن نقول حبهم أو الإذعان لولايتهم حتى نتوقع منهم أن يسلموا الحكم طائعين للمهدي المنتظر لأنه سيقول لهم أنا من نسل الإمام الحسن ع ومن أهل بيت النبوة وهذه بطاقتي الشخصية واسمي مطابق للروايات (الصحيحة) في كتبكم؟!.

ثم....

كيف يمكننا أن نتصور أن إعطاء السمع والطاعة لهذا العملاق الآتي من وراء الغيب ليحق الحق ويبطل الباطل يمكن أن يكون بمعزل عن الانصياع لمنهج أهل البيت فقها وعبادة وتصورا ومنهجا وهو المرفوض من هؤلاء الجبابرة طيلة القرون الماضية وكيف يمكننا أن نتخيل أن التشيع له سيصبح أمرا منطقيا ومقبولا بينما نرى الآن الرجل من المسلمين رغم هيبته ومقامه يكرر: رغم حبي لأهل البيت لست شيعيا!!.

كيف نصدق أن الذين يرون في فقه أهل البيت والتزام هديهم سبة وعارا سيتحولون فجأة إلى مقاتلين أشداء تحت رايته يقاتلون قوى البغي والعدوان والنفاق؟!.

لأن يقال زنديق خير من أن يقال شيعي!!!!

يروي ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: أن ابا جعفر محمد بن على الباقر عليه السلام قال لبعض اصحابه يا فلان ما لقينا من ظلم قريش ايانا وتظاهرهم علينا وما لقى شيعتنا ومحبونا من الناس، إن رسول الله صلى الله عليه واله قبض وقد اخبر أنا اولى الناس بالناس فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الامر عن معدنه واحتجت على الانصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت الينا فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود حتى قتل فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به وأُسلم ووثب عليه اهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ونهبت عسكره وعولجت خلاليل أمهات أولاده فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته وهم قليل حق قليل ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون الفا ثم غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في اعناقهم وقتلوه ولم نزل -أهل البيت- نستذل ونستضام ونقصي ونمتهن ونحرم ونقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء اوليائنا ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به الى اوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة فحدثوهم بالاحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا الى الناس وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الايدى والارجل على الظنة وكل من ذكر بحبنا والانقطاع الينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد الى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمه حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر احب إليه من أن يقال شيعة علي وحتى صار الرجل الذى يذكر بالخير - ولعله يكون ورعا صدوقا - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ولم يخلق الله تعالى شيئا منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب انها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع. وروى أبو الحسن على بن محمد بن ابى سيف المدايني في كتاب (الاحداث) قال كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابى تراب واهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفي اهل بيته وكان اشد الناس بلاء حينئذ اهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لانه كان منهم ايام على عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر واخافهم وقطع الايدى والارجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطرفهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم وكتب معاوية الى عماله في جميع الآفاق الا يجيزوا لاحد من شيعة على واهل بيته شهادة. انتهى.

كيف يمكننا أن نصدق إمكانية حدوث هذا التحول الفجائي في تركيبة العقل العربي الذي تربى على قاعدة (أن يقال زنديق خير من أن يقال شيعة لعلي) ليأنس ويهش ويبش لإمام من آل محمد ويقفو أثره حياة أو موتا، ويترك ما عشش في عقله من أوهام عن خلافة على منهاج النبوة كما يزعمون.

لا نرى في الجدل الفارغ حول اسم المهدي سوى تشويشا حول القضية الأم، إذ ربما ولعل ينجحون في إقامة خلافتهم المزعومة مرة أخرى، أما عند مجيئ الإمام المهدي فستكون هذه إحدى الحجج لرفض إمامته والتمسك بحكومات الجور والعدوان واجبة السمع والطاعة وهو ما تطفح به كتبهم وأدبياتهم.

ما هو الفارق بين النواصب المعاصرين وأسلافهم العباسيين الذين انتسبوا إلى فرع هاشمي ودعوا الناس للرضا من آل محمد ثم نكثوا عهودهم وقطعوا أرحامهم وأعملوا سيوفهم في آل علي بن أبي طالب عليهم السلام والوصف لدعبل الخزاعي شاعر أهل البيت الذي قارن أفعالهم بأفعال الأمويين الذين ورثوا العداوة والبغض لأهل البيت كابرا عن كابر وصولا إلى جدهم أمية بن حرب.

لم يبق حيٌّ من الأحياء نعلمه   من ذي يمان ولا بكر ولا مضر

إلا وهم شركاء في دمائهم   كما تشارك أيسار على جزر

قتلا وأسرا وتخويفا ومنهبة   فعل الغزاة بأرض الروم والخزر

أرى أمية معذورين إن قتلوا   ولا أرى لبني العباس من عذر

قوما قتلتم على الإسلام أولهم   حتى إذا استملكوا جازوا على الكفر

أبناء حرب ومروان وأسرتهم       بنو معيط ولاة الحقد والوغر

أربع بطوس على قبر الزكي بها  إن كنت تربع من دين على وطر

هيهات كل امرئ بما كسبت له    يداه فخذ ما شئت أو فذر

 

الإسلاميون والغيبة

لا يؤمن أغلب (الإسلاميين) بالإمام المهدي أما البعض منهم فيقول أنه رجل صالح من أهل بيت النبوة وفقا لبعض الروايات التي أفلتت من براثن تضعيفهم وتكذيبهم التي يسمونها (علم الحديث) والتي هي في الواقع إحدى أدوات الكهانة مثل اللحية والبخور التي تعينهم على امتلاك عقل المسلمين وتوجيهه وفقا لأهوائهم وأهواء طواغيتهم.

لست ممن يؤمنون بأن ثمة شيء اسمه (الإسلاميون) فالإسلام انتماء وليس صفة يتحلى بها البعض وينتفي منها البعض الآخر.

الإسلام انتماء وعنوان جامع وانحياز للأمة الإسلامية وسعي لجمع صفوفها ورأب الصدع بين أبنائها وليس بين أفراد جماعة حزب أو عصابة ميليشياوية واختزال مصالح الأمة في إطار مصالح هذه العصابة الضيقة وإعلائها على مصالح المنتمين للأمة والأسوأ من هذا اختزال مفاهيم الإسلام الواسعة ضمن معارف تلك الجماعة المتخبطة بحيث يصبح عندهم المعروف ما عرفوا والمنكر ما أنكروا ومن ضمن ما أنكروا وجهلوا معرفتهم بحق أهل البيت ودورهم الذي لا يمكن تغييبه أو شطبه بقرار أموي أو عباسي أو إخواني!!.

وفقا لتجربتي الطويلة الممتدة مع هؤلاء فهم لا يرون فيالولاء لأهل البيت ركنا من أركان التدين فالكثير منهم ينكر حديث الثقلين أو لا يعرفه من الأساس ثم عادوا ليقروا بصحته بعد أن أعيتهم الحيل والوسائل في إنكاره.

أهل البيت عندهم أناس عاديون كما أنه لا وجود لهم من الأصلفي منظومتهم الدينية التي ورثوها عن بني أمية أو مغيبون عن عقولهم فكيف يمكننا تخيل إمكانية هذه القفزة المعرفية الهائلة حيث يصبح رجل عادي من أهل البيت –صالح بزعمهم- إماما قائدا يصلي خلفه عيسى بن مريمإلى آخر ما هو مثبت في الروايات؟.

عند الشيعة أي الذين يؤمنون بإمامة أهل البيت يشكل الإقرار بفضائل أهل البيت واقتفاء آثارهم والسير على نهجهم قاعدة من قواعد الإيمان ومن ثم فلا عجب بالنسبة لهم أن يكون ذلك الإمام الذي يحيي معالم الدين ويجدد ما اندرس من آثار النبوة فرعا من فروع هذه الشجرة الربانية (أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)!!.

لم يعد لدى المسلمين المزيد من الفرص والمهل ليجربوا إماما من أهل البيت غير إمامنا الموصوف الذي نعرفه (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)[2]،فأدعياء الإمامة كثيرون في هذه الدنيا و وبعضهم من الصالحين، قبل أن يكتشفوا في النهاية وبعد قرون أو عقود لو لم يكن حظهم عاثرا كما هي عادتهم ليعودوا إلى نقطة البدء ولعلهم لا يجدونها (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)[3].

الزعم بأن عامة المسلمين سينصاعون لإمام من أهل البيت تأتي به الصدفةلمجرد أنه غير الإمام الذي ينتظره الشيعة هي مزحة لا تختلف كثيرا عن سلسلة المزاح السخيف والثقيل الذي اعتاده القوم فهم عدلوا عن إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام رغم كل مناقبه وخصاله وسجاياه التي رأوها بأم أعينهم وسجلتها كتب الحديث والتاريخ وقالوا أن ابن أبي قحافة وابن الخطاب خير منه زاعمين أن تيم وعدي خير من بني هاشم وأهدى منهم سبيلا.

كل هذه المؤهلات والسوابق والمآثر والأفضال لم تنجح في إقناع القوم بإنفاذ وصية رسول الله التي جهر بها مرارا وتكرارا وهاهم يزعمون الآن أنهم سيتبعون المهدي من أهل البيت إذا كان اسم أبيه عبد الله كما تزعم إحدى الروايات التي نزعم نحن أنها تعديل للرواية الحقيقية (يواطئ اسمه اسمي) حيث أضاف القوم من عندهم (واسم أبيه اسم أبي)!!.

منطق لا يقبل به عقل سليم!!.

 

لا (يؤمنون) بغير مصادرهم!!

عندما يناقش الباحث الشيعي قضية إسلامية مختلف عليها فإنه يبذل قصارى جهده لإثباتها من كتب القوم!!.

لا يعود لذلك لكونهم أضبط أو أثبت بل عملا بقاعدة (الفضل ما شهدت به الأعداء) وهو من وجهة نظري أمر محزن للغاية وهو ثمرة أربعة عشر قرن من الدعاية المضادة للشيعة.

عندما يكون الاستدلال الشيعي من مصادر القوم دامغا ولا يمكن إنكاره أو التنصل منه يجري تشغيل (جهاز التأويل) ومثال ذلك رواية (من كنت مولاه فعلي مولاه) حيث يقابلك القوم بمعنى مغاير للولاية خلافا لما استقر في ذهنك بل ووصل بهم الأمر حد إنكار أن يكون (أهل البيت) هم تلك الحلقة الضيقة من أرحام النبي وهو المعنى المستقر لأصحاب الكساء الخمسة كما ورد في التفاسير المشهورة.

إنه التشكيك بالظن وربما ولعل ويحتمل أنه أراد من غير دليل ولا قرينة على هذا الاحتمال!!.

أما إذا ضاق المهرب ولم يعد هناك مخرج ولا مناص زعموا أن هذا المؤلف أو ذاك المصنف شيعي رافضي إلى آخر لائحة صفات الذم والقدح المسطرة في كتبهم والتي لا يحسنون غيرها.

من ناحية أخرى فنحن لا نستطيع على وجه الدقة واليقين تحديد ما هي مصادرنا ومصادرهم (!!) ولا هم أيضا يعرفون ويكفي المحدث في الزمن الأول وربما حتى الآن أن يحدث بفضائل أهل البيت ليوصف بالتشيع والأهم من هذا أن يجري استبعاد كتبه من التداول والتوزيع –كما يجري الآن- واستبعاده هو شخصيا من دفتر الأحياء إن تيسر لهم هذا!!.

ورغم أن المحدث النسائي قتل ضربا في خصيتيه حتى الموت لأنه ألف (مناقب الإمام علي بن أبي طالب)، إلا أن (سنيته) ما تزال على قيد الحياة!!.

أما الكنجي الشافعي صاحب (كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب) و(التبيان في أخبار صاحب الزمان) فقد قتل وبقرت بطنه سنة 658هـ لأنه اتهم بالميل إلى الشيعة وأشاد بقتله والتمثيل بجثته أبو شامة المقدس وابن تغربردي وابن كثير ولم يفلح في إبقائه على قيد الحياة ذلك اللقب العريض الذي ذيل به اسمه (الشافعي)!.

 

السيد مؤمن الشبلنجي

أحد العلماء (السنة) الذين أثبتوا حقيقة الإمام المهدي وأنه الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة محمد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد هو (السيد مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي وهي قرية من قرى مصر بينها وبين بنها العسل مسيرة ساعتين المولود سنة نيف وخمسين بعد المائتين والألف وتربى في حجر والده وحفظ القرآن وتلقى علومه بالأزهر الشريف).

أي أن الرجل عاش في مصر نهاية عصر المماليك فلا يعقل أنه أثر من آثار (التمدد الشيعي الإيراني الصفوي) الذي لم نسمع عنه إلا منذ بضع سنوات، ولا يعقل أيضا أنه كتب ما كتب إرضاء لسلاطين المماليك أو تمهيدا للغزو الفرنسي الذي كنس دولتهم وألقى بها في مزابل التاريخ!!.

يقول الشيخ الشبلنجي في كتابه (نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار):

فصل: في ذكر مناقب محمد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم).

أمه أم ولد ويقال لها نرجس وقيل صقيل وقيل سوسن وكنيته أبو القاسم ولقبه الإمامية بالحجة والمهدي زالخلف الصالح والقائم والمنتظر وصاحب الزمان وأشهرها المهدي.

صفته: شاب مربوع القامة حسن الوجه والشعر يسيل شعره على منكبيه أقنى الأنف أجلى الجبهة، بوابه محمد بن عثمان وهو آخر الأئمة الإثني عشر على ما ذهب إليه الإمامية، وفي الفصول المهمة قيل أنه غاب في السرداب والحرس عليه سنة ست وستين ومائتين وفي الصواعق ويسمى بالقائم المنتظر قيل لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يعلم أين ذهب.

وذكر العلامة الشيخ ابن بطوطة في رحلته ما نصه: ثم وصلت إلى مدينة الحلة وهي مستطيلة مع الفرات وأهلها كلهم إمامية اثنا عشرية وبها مسجد على بابه ستر حرير يقولون أن محمد بن الحسن العسكري دخل هذا المسجد وغاب فيه وهو عندهم الإمام المهدي المنتظر وفي كل يوم يلبس آلة الحرب مائة منهم ويأتون باب المسجد ومعم دابة مسرجة ملجمة ومعم الطبول والبوقات ويقولون اخرج يا صاحب الزمان فقد كثر الظلم والفساد وهذا أوان خروجك ليفرق الله بك بين الحق والباطل ويقفون إلى الليل ثم يعودون وكذلك دأبهم.

وفي تاريخ ابن الوردي: ولد محمد بن الحسن الخالص سنة خمس وخمسين ومائتين وتزعم الشيعة أنه دخل السرداب في دار أبيه بسر من رأى وأمه تنظر إليه فلم يعد إليها وكان عمره تسع سنين وذلك سنة خمس وستين[4].

وما زال النقل عن الشيخ الشبلنجي: قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان): من الأدلة على كون المهدي حيا باقيا بعد غيبته وإلى الآن وأنه لا امتناع في بقائه بقاء عيسى بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله تعالى وبقاء الأعور الدجال وإبليس اللعين من أعداء الله تعالى وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة[5].

يقول الشيخ الشبلنجي تحت عنوان (تتمة في الكلام على أخبار المهدي):

واعلم أنهم اختلفوا فيه هل هو من ولد الحسن السبط رضي الله عنهما وهو ما رواه أبو داود في سننه وذهب إليه المناوي في كبيره وكأن سره تركه الخلافة لله عز وجل شفقة على الأمة، أو من ولد الحسين السبط رضي الله عنه قال بعضهم وهو الصحيح اسمه أحمد أو محمد بن عبد الله قال القطب الشعراني في اليواقيت والجواهر: المهدي من ولد الإمام الحسن العسكري ابن الحسين ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين بعد الألف وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام، هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة ووافقه على ذلك سيدي علي الخواص[6].

الجهلُ نورٌ والعلمُ ضلالٌ!!!

هذا هو واقع الحال بالنسبة لكثير من المسلمين الذين جعلوا علمهم جهلا ويقينهم شكا وتركهم الله في ظلمات لا يبصرون!!.

(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)[7].

كثير ممن سماهم الناس بالعلماء وهم من أجهل خلق الله وأضعفهم عقلا كما وصفهم إمام الأمة علي بن أبي طالب بقوله (وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلًا مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الْأُمَّةِ عَادٍ فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ وَاكْتَنز مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ لَا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ وَإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالَاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ يَذْرُو الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ لَا مَلِيٌّ وَاللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَلَا أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ بِهِ لَا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْ‏ءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ وَلَا يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ)، ممن خاضوا في هذه المسألة رجما بالغيب (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)[8].

ابن حجر الهيثمي!!!

كان هذا كلام (الناصبي) ابن حجر الهيثمي الذي لا يتوانى عن وصف الشيعة ونبذهم بلقب (الرافضة) ولو كان بوسعه نفي ولادة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام لنفى، إلا أن المشهور المنقول بين (علماء) المسلمين ولادته عام 255 هـ وأن ما يروج لها خط الانحراف حاليا أن (الإمام الحسن العسكري لا ولد له) ليست سوى زعما منسوبا لمن وصفهم ابن حجر (بالكثيرأنالعسكريلميكنلهولدلطلبأخيهجعفرميراثهمنتركتهلماماتفدلطلبهأنأخاهلاولدله وإلالميسعهالطلب) فضلا عن (حكايةالسبكيعنجمهورالرافضةأﻧﻬمقائلونبأنهلاعقبللعسكريوأنهلميثبتلهولد بعدأنتعصبقوملإثباتهوأنأخاهجعفراأخذميراثه)!!!.

خلاصة ما قاله ابن حجر الهيثمي: أن الخبر بولادة أبي القاسم محمد بن الحسن العسكري أي المهدي المنتظر خبر شائع ورائج وأن محاولته نفي الخبر فيستند ل(أعاليل بأباطيل وأضاليل) رغم أن الإثبات مقدم على النفي خاصة في قضايا النسب والميراث وأن فتح الباب أمام هذا النوع من التشكيك دون بينة قاطعة ولا برهان ولا دليل سيفتح أبواب جهنم ليس فقط على المسلمين بل على البشرية بأسرها.

كما أن شهادة أهل أي بيت على نسبهم وميراثهم مقدم ومصدق على شهادات الآخرين كما في الفقرة التالية.

 

هل نحن أمة تؤمن بالقرآن؟!

لسنا فقط أمة تجهل أو تتجاهل ما ورد في كتاب الله عز وجل من أحكام تفصيلية، بل نحن أمة تتجاهل العقل ولا ترى له حاجة ولا مكانا في فهم حقائق الكون وحركة النبوات.

أمة ترى أن الغائب يرى ما لا يراه الشاهد وتقدم شهادتهالكاذبة على شهادة أهل البيت الأعلم بما فيه!!.

عندما يطل علينا كائن تافه زاعما أن الإمام الحسن العسكري كان عقيما لا ينجب فمن واجبنا أن نسأله: هل اطلع فخامته على الفحوصات الطبية للإمام الحسن العسكري حتى يمكنه التنطح بهذا الإعلان الفاجر والوقح والمنحط؟!.

يقول الشيخ المفيد في الإرشاد: ومَرِضَ الإمام الحسن العسكري أبو محمد عليه السلامُ أول شهر ربيع الأول سنةَ ستين ومائتين، وماتَ في يوم الجمعة لثمانِ ليالٍ خَلَوْنَ من هذا الشهر في نفس السنةِ، وله يَوْمَ وفاته ثمانٌ وعشروَنَ سنة، ودُفِنَ في دُفِنَ فيه أبوه من دارِهما بسُرَّ مَنْ رأى.

فمتى وكيف علم هذا الأنوك أن الحسن العسكري الذي توفي في ريعان شبابه عقيم لا ينجب؟، اللهم إلا من مصادره المزينة والمذيلة بقيل وقال والتي لا يهش ويبش لها إلا عقول ذيلية تافهة أو نفوس مريضة دينها بغض أولياء الله الصالحين؟!.

استشهد الإمام الحسن العسكري كما يبدو لنا واضحا من عمره القصير ومرضه الأقصر الذي لم يدم سوى أسبوع واحد (وخَلَّفَ ابْنَه المنتَظَرَ لدولةِ الحقِّ وكانَ قد أخْفى مَوْلدَه وسَتَرَ أمْرَه لصُعوبة الوَقْتِ، وشِدَّةِ طَلَب سُلْطانِ الزمانِ له، واجْتهادِه في البَحْثِ عن أمْرِه، ولمِا شاعَ مِنْ مَذْهَب الشيعةِ الإمامية فيه، وعُرِفَ من انتظارِهم له، فلم يُظْهِرْ وَلَدَه عليه السَلامُ في حياتِه، ولا عَرَفَه الجُمْهورُ بعد وَفاتِه.

وتولىّ جعفرُ بن عليّ أخو أبي محمد عليه السلامُ أخْذَ تَركَتِه، وسَعى في حَبْسِ جواري أبي محمد عليه السلام واعْتقالِ حلائِلهِ، وشنٌعَ على أصحابه بانْتِظارِهم وَلَدَه وقَطْعِهِمْ بوجودِه والقولِ بإِمامتِه، وأغْرى بالقوم حتى أخافَهم وشرّدَهم وجَرى على مخلَّفي أبي محمد عليه السلامُ بسببَ ذلك كُلّ عظيمةٍ، من اعتقالٍ وحَبْسٍ وتَهْديدٍ وتَصْغيرٍ واسْتِخْفافٍ وذُلٍّ ولم يَظْفَرِ السلطانُ منهم بطائلٍ .

وحازَ جعفرُ ظاهِرَ تَركةِ أبي محمد عليه السلامُ وَاجْتَهَدَ في القيام عند الشيعةِ مَقامَه فلم يَقْبَلْ أحدٌ منهم ذلك ولا اعْتَقَدَه فيه فصارَ إِلى سُلطانِ الوقْتِ يَلْتَمِسُ مَرْتَبَةَ أخيه، وبَذَلَ مالاً جليلاً، وتقّرب بكل ما ظَنَ أنّه يتقرب به فلم يَنْتَفِعْ بشيءٍ من ذلك. انتهى النقل عن الشيخ المفيد في الإرشاد.

هل كان بوسع آل الرسول صلى الله عليه وآله آنئذ إقامة العزاء وتلقي البيعة لإمام الزمان –ولو حتى في المقابر كما كان يفعل الإخوان-والإعلان عن بدء عصر جديد يظهر فيه المعد لقطع دابر الظلمة جهارا نهارا؟!.

ما قيمة ما قام به جعفر الكذاب من استيلاء على ظاهر تركة أبي محمد عليه السلام وهل ينفي هذا وجود الوريث الشرعي؟!.

التنازع في المواريث أمر شائع ومتكرر في حياة البشر وهناك ظروف استثنائية جزئية تصدى لها الشارع المقدس بالعلاج مثل حالات الموت في السفر ولذا جاء في القرآن الكريم:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[9].

وللآيةِ الحكمُ سببٌ للنزول ذكره المفسرون والمحدثون ومن ضمنهم البخاري[10]،إلا أن ما يهمنا هنا هو قاعدة تحليف شهود الوفاة وإن لم يكونوا من الأقربين (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا ...) أي كذبا وجحدا الحق وخانا الأمانة (فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) فالشهادة الأوثق والأثبت هي شهادة الأولى والأقرب للمتوفى.

أهل أي بيت أعلم بما فيه، فما بالك بأهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وقد انتشر الخبر الموثوق منهم إلى شيعتهم المخلَصين بولادة الثاني عشر من أئمة أهل البيت أبو القاسم محمد بن الحسن الحجة القائم المنتظر.

من البديهي ومن الواقع المعاش أن الجحود في مسائل الإرث لا يقتصر على الممتلكات والمنقولات ويمكن أن يمتد ليشمل جحود الورثة وإنكار نسبتهم للمورث وهو ما فعله جعفر شقيق الإمام الحسن العسكري الذي سولت له نفسه أمرا كما سولت لأخوة يوسف، خاصة في تلك الظروف والأوضاع حيث لم يكن النزاع قاصرا على الممتلكات بل على ملك الدنيا بأسرها!!.

ومن البديهي والمسلم به أن إعلان الإمام العسكري عن ولادة ابنه ووصيه القائم المنتظر وشهادة خواص الشيعة المحيطين به فضلا عن شيوع هذه الأخبار ووصولها لأناس على شاكلة ابن حجر الهيثمييمنعان أي تشكيك في هذا الشأن لأن الظن لا يغني من الحق شيئا!!.

شهادة ابن الوردي

إنه الشيخ زين الدين عمر ابن الوردي الذي يروي في تاريخه:

في جمادى الآخرة لخمس بقين عام 254 هـ توفي بسر من رأى عليّ الملقب بالزكي وبالهادي والنقي أحد الأئمة الإثنى عشر على رأي الإمامية وهو ابن الجواد (محمد بن علي بن موسى الرضا) وكان قد سُعي به إلى المتوكل أن عنده كتبا وسلاحا فأرسل إليه الأتراك ليلا على غفلة فوجدوه في بيت مغلق وعليه مدرعة شعر مستقبل القبلة يترنم بآيات في الوعد والوعيد ليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى فحمل على هيئته إلى المتوكل وهو على الشراب وفي يده الكأس فأعظمه وأجلسه بجنبه وناوله الكأس فقال يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط فأعفني منه فأعفاه وقال أنشدني شعرا فقال إني لقليل الرواية للشعر فقال المتوكل لا بد منه فأنشده:


باتوا على قللِ الاجبال تحرسُهم * غُـلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم ... وأودعوا حفراً يـابئس ما نزلوا

ناداهمُ صارخٌ من بعد ما قبروا ... أين الاسرّةُ و التيجانُ و الحللُ

أيـن الوجوه التي كانتْ منعمةً ... من دونها تُضربُ الأستارُ والكللُ

فـافـصـحَ القبرُ حين ساءلهم ... تـلك الوجوه عليها الدودُ يقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا * فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا[11]

و طالما عمّروا دوراً لتُحصنهم ... ففارقوا الدورَ و الأهلينَ وارتحلوا

و طالما كنزوا الأموال و ادّخروا ... فـخلّفوها على الأعداء و انتقلوا

أضـحـت منازلُهم قفراً معطلةً ... وساكنوها الى الاجداث قد رحلوا

سـل الـخـليفةَ إذ وافت منيتهُ ... أين الحماة وأين الخيلُ والخولُ

ايـن الرماة ُ أما تُحمى بأسهمِهمْ * لـمّـا أتـتك سهامُ الموتِ تنتقلُ

أين الكماةُ أما حاموا أما اغتضبوا * أين الجيوش التي تُحمى بهاالدولُ

هيهات ما نفعوا شيئاً وما دفعوا * عـنك المنية إن وافى بها الأجلُ

فكيف يرجو دوامَ العيش متصلاً ... من روحه بجبالِ الموتِ تتصلُ

فبكى المتوكل وأمر برفع الشراب وقال يا أبا الحسن أعليك دين قال نعم أربعة آلاف دينار فدفعها إليه ورده إلى منزله مكرما ومولد عليّ في رجب سنة أربعة عشر ومائتين ويقال لها محلة العسكر لسكنى العسكر بها وكانت سكنه وهو عاشر الأئمة الإثنى عشر والد الحسن العسكري وولادة الحسن المذكور سنة ثلاثين ومائتين وتوفي في ربيع الأول وقيل جمادى الأول سنة مائتين وستين بسر من رأى ودفن بجنب أبيه والحسن العسكري والد محمد المنتظر صاحب السرداب والمنتظر ثاني عشرهم ويلقب أيضا بالقائم والمهدي والحدة ومولده سنة خمس وخمسين ومائتين وتزعم الشيعة أنه دخل السرداب في دار أبيه بسر من رأى وأمه تنظر إليه فلم يعد إليها وكان عمره تسع سنين حينئذ وذلك سنة خمس وستين على خلاف فيه[12].

نبذة عن (الديموقراطية العباسية المعتزية)!!.

يروي ابن الوردي في تاريخ سنة 255هـ: وفيها في رجب خُلع المعتز بن المتوكل وذلك أن الأتراك طلبوا أرزاقهم ونزلوا معه إلى خمسين ألف دينار فلم يكن عنده مال فاتفق عليه الأتررك والمغاربة وقالوا اخرج إلينا فاعتذر بشرب دواء أفرط في العمل وأمر بدخول بعضهم عليه فدخلوا وجروا برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميصه وأقاموه في الشمس ولطموه وهو يتقي بيده وأشهدوا القاضي على خلعه ثم عُذب ومنع الطعام والشراب ثلاثا ثم أدخل سردابا وجصص عليه وف

دفن بسامراء مع المنتصر!!![13].

 

 

المفاجأة (بحر الأنساب)!!

كتاب بحر الأنساب أو المشجر الكشاف لأصول السادة الأشراف لمؤلفه العلامة السيد محمد بن أحمد بن عميد الدين الحسيني النجفي المتوفى سنة 433هـ

بينما كنت أزور معرض الكتاب المقام سنويا في جامعة المنصورة مصر، لفت نظري كتاب من طباعة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية عام 2015 ميلادية، من تحقيق (صاحب الفضيلة الأستاذ السيد حسين محمد الرفاعي من علماء الأزهر الشريف ومن كبار موظفي دار الكتب المصرية) وعليه تحقيقات السيد محمد مرتضى الزبيدي شارح القاموس بخط يديه، نقل من دار الكتب المصرية بنسخة وحيدة مخطوطة بيد العلامة السيد محمد مرتضى الزبيدي المتوفى سنة 1205 هجرية.

مقدمة الكتاب:

يقول حسين محمد الرفاعي من علماء الأزهر الشريف والحائز للدرجتين العالميتين الشافعي والحنفي أن علم الأنساب علم علت أقداره وسمى مداره.

قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وقال صلى الله عليه وسلم (تعلموا أنسابكم تصلوا رحمكم) وكان من أجل خدمة لأعتاب الرسول الأعظم جمع كتاب يجمع شتات أنساب آل محمد آل البيت الأطهار نجوم الهدى وشموس كنانة وقريش من بني هاشم فخر العالم وأصل المجد العربي والسؤدد.

حركتني نعمة الشرف والانتساب إلى جدي الأعلى أمير المؤمنين سيدنا الإمام الحسين أبي عبد الله العناية بسجل زاخر وموسوعة جامعة لنسل النبي المختار من ذرية الحسن والحسين تتناسب مع عظمتهما وتتفق مع الصدق بالسند الصحيح لذرية آل البيت سلام الله عليهم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)، وكل نسب وحسب سينقطع إلا نسبهما الشريف وحسبهما المنيف، فاستحضرت من الكتب الخطية في أنساب العرب وأنساب آل البيت ما لا يحصى عدده واستخرجت من بطون كنوز دار الكتب المصرية كتبا كتبت للخلفاء والملوك والسلاطين في ذرية محمد نجوم الهدى فبعضها كتب بماء الذهب الخالص وحلي بمداد العسجدإجلالا وإعظاما للبيت النبوي

يا أهل بيت النبي من بذلت * في حبكم روحه فما غُبنا

كما اطلعت على مخطوطات أثرية في الأنساب ومشجرات قدمت لملوك بني العباس والفاطميين وغيرهم في أصول وفروع آل بيت النبي المختار.

الله فضلهم قدما وشرفهم جرى بذاك لهم في لوحة القلم

لكني لم أجد بعد استقصاء كتب الأنساب والشجرات والتواريخ بأوفى وأشمل من كتاب بحر الأنساب المحيط أو المشجر الكشاف لأصول السادة الأشراف للإمام النجفي.

رأيت هذا البحر لهذا الإمام نسخة مخطوطة يظن أنها بخط السيد محمد مرتضى الزبيدي الحسيني شارح القاموس وعليها تحقيقات بخط يده وتوقيع بخامته على آخر هذا البحر الزخار الذي حوى ما لم يحوه كتاب لا قبله ولا بعده من حصر أسماء جميع آل البيت رضوان الله عليهم فروعهم وأصولهم أسماء وكنية ومن تواريخهم ووقائعهم في كل بلاد الله من مصر المحروسة والهند والصين والشام واليمن والعرب وبلاد الأندلس.... من لدن آدم إلى سيدنا محمد أفضل مخلوق وأصل الموجودات إلى جميع ذريته وأنسابهم وأحسابهم وتنقلهم في البلاد بالتاريخ الصحيح والسند المتصل  فقلت تلك معجزة كبرى للإمام النجفي صاحب هذا الفخر الدائم وهذا البحر الفياض.

عثرت على هذه النسخة بدار الكتب المصرية وكانت في حرز حصين من أن تصل إليها يد مطلع بل كانت كالأثر الذي يحرز ولا يفحص.

فاستنفدت الجهد في نسخه أولا وضبطه ضبطا يبعد عني لعن الله الداخل فينا بلا نسب والخارج منا بعير سبب وطابقت هذا الأصل على مائة مخطوط وأربعة من أمهات كتب التواريخ والأنساب المحفوظة بدار الكتب المصرية واستحضرنا كتبا من بلاد المغرب ومكتبات العالم حتى تقوم بالخدمة الصحيحة لآل البيت ذوي القربى وقد تحريت المستندات والحجج التي قدمت لي من بعض السادة الأشراف لتصلهم بسلاسل الذهب من هذا الكتاب حتى تكون الحلقات الهبية متصلة بهم إلى جدهم الأعلى سيدنا الحسين أو سيدنا الحسن ومنهما رضوان الله عليهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أصل الشرف ولقد سبقني إلى هذا السيد محمد مرتضى الزبيدي شارح القاموس في إيصال جماعة من الأشراف إلى ما وصل إليه البحث من الإمام النجفي حيث توفي السيد الزبيدي المذكور سنة 1205 هجرية، وعلى ذلك سميته بحر الأنساب المحيط.

أردت بعد ذلك أن اضع ذيلا لهذا البحر الزاخر فوضعت كتابا سميته نور الأنوار في فضائل آل البيت الأطهار وتورايخهم وأضرحتهم وتحقيق مشاهدهم ومزاراتهم ومناقبهم وتراجمهم مستندا لذلك بذكر وقائعهم ناقلا عن الكتب التاريخية الأثرية المعتبرة بدار الكتب المصرية حتى جاء والحمد لله كتابا وافيا جامعا شاملا لكل من يهمه تاريخ الرسول الأعظم وأولاده سفن النجاة ونجوم الهداية في مشارق الأرض ومغاربها وما قصدت بهذا الأثر الجامع الصحيح إلا محبة الرسول والإخلاص لآل بيت محمد وذريته خادما لتراب نعالهم الشريفة، اللهم احشرني تحت لوائهم وتابعا لهم واغفر لي بسبب هذه المحبة[14].

المهدي المنتظر في (بحر الأنساب)

يقول السيد/ حسين الرفاعي:

وقد رتب المؤلف الإمام السيد محمد ابن أحمد بن عميد الدين الحسيني كتابه (أو بحره) على خمسة عشر بابا، أولها في ولادته صلى الله عليه وآله وبعثته وعمره ووفاته والدلائل الدالة على المهدي المنتظر ونسبه[15].................

الباب الأول: في ولادته صلى الله عليه وسلم وبعثته وعمره وعلى المنتظر.

تحية الله ورضوانه * على الإمام الحجة القائم

على إمام حكمه نافذ * إذا أراد الحكم في العالم

خليفة الله على خلقه * والاخذ الحق من الظالم

العادل العالم أكرم به * من عادل في حكمه عالم

مطهر الأرض ومحيي الورى * محيي الندا خير بني آدم

الصاحب الأعظم والماجد * الأكرم والمولى أبي القاسم

وصاحب الدولة يحيي بها * ممتحن في الزمن الغاشم

مَن حاتم حتى يوازي به * عبيده أكرم به من حاتم

الإمام الثاني عشر اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنيته كنيته ولا يحل لأحد أن يتسمى باسمه أو يتكنى بكنيته قبل خروجه من الغيبة لما قد ورد من النبي صلى الله عليه وآله النهي عن ذلك وإنما يعبر عنه بأحد ألقابه، ولم يخلف أبوه ولدا ظاهرا وخلفه أبوه غايبا مستترا وكان مولده ليلة النصف من شعبان قبل طلوع الفجر سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة النبوية وكان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين أتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب وجعله آية للعالمين وأتاه الحكمة كما أتاها يحيى صبيا وجعله إماما في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى في المهد نبيا وقد سبق النص عليه في ملة الإسلام من نبي الهدى صلى الله عليه وآله ثم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ونص عليه الأئمة واحدا بعد واحد إلى ابنه الحسن عليه السلام ونص عليه أبوه عند ثقاته وخاصة شيعته ومنها ما نقله أبو داوود والترمذي كل واحد منهما بسنده الصحيح يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: المهدي مني أجلا الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا يملك سبع سنين[16].

يقول السيد الحسيني النجفي:

وأمه نرجسبنت يوشعاابن قيصر ملك الروم.

وينقل السيد الحسيني النجفي عن بشير بن سليم النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري قال: كان مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري عليه‌السلام فقّهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه، فأجتنب بذلك موارد الشبهات حتّى كملت معرفتي فيه فأصبت الفرق بين الحلال والحرام ، فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأى إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعا فإذا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن عليّ ابن محمّد عليه‌ السلام يدعوني إليه فلبست ثيابي فدخلت عليه فرأيته يحدّث ابنه أبا محمّد عليه‌السلام وأخته حكيمة من وراء الستر، فلمّا جلست قال: يا بشر، إنّك منولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بها بسرّ أطّلعك عليه وأنفّذك في شراء جارية، فكتب كتابا لطيفا بخطّ روميّ ولغة روميّة وطبع عليه خاتمه وأخرج شقّة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا فقال: خذها وتوجّه بها إلى بغداد وأحضر معبر الفرات ضحوة كذا، فإذا وصلت ترى إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري فستحدق بهنّ طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى بعمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين تمتنع من السفور ولمس المتعرّض والانقياد لمن يحاول لمسها أو يشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها النخّاس فتصرخ صرخة روميّة، فاعلم إنّها تقول: واهتك ستراه! فيقول بعض المبتاعين بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربيّة: لو برزت في زيّ سليمان بن داود على مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فاشفق على مالك. فيقول النخّاس: فما الحيلة ولا بدّ من بيعك؟ فتقول الجارية: وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته وديانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: إنّ معي كتابا مختوما لبعض الأشراف كتبه بلغة روميّة وخط روميّ ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه فناولها لتأمّل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمفامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه‌السلام في أمر الجارية، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا فقالت لعمر بن يزيد: بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بأيمان المغلّظة أنّه متى امتنع من بيعها منه أهلكت نفسها، فمازلت أشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيهمولاي من الدنانير في الشقّة الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا عليه‌السلام من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدّها وتطبّقه على جفونها وتمسحه على بدنها، فقلت تعجّبا منها: أتلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه؟ فقالت:أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء! أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمّي من ولد الحواريّين، تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون، أنبّئك بالعجيب، إنّ جدّي قيصر ملك الروم أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا بنت ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريّين من القسّيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف رجل، وأبرز هو من بهيّ ملكه عرشا مصنوعا من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكّفا ونشرت أسفار الإنجيل تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض وتقوّضت الأعمدة وانهارت إلى القرار وخرّ الصاعد من العرش مغشيّا عليه.

فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدّي ، أيّها الملك ، أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكائي فتطيّر جدّي من ذلك تطيّرا شديدا وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا هذه الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبّر العاهر المنكوس حظّه لأزوّج منه هذه الصبيّه فيدفع نحوسته عنكم بسعوده. فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل، وتفرّق الناس وقام جدّي قيصر مغتمّا ودخل قصره وأرخت الستور، فأريت في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريّين قداجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبرا من نور يباري السماء علوّا وارتفاعا في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله مع فتية وعدّة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول:يا روح الله، إنّي جئتك خاطبا من وصيّك شمعون فتاته مليكة لا بني هذا ـ وأومأ بيده إلى أبي محمّد عليه‌السلام ابن صاحب هذا الكتاب ـ. فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله،قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر فخطب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وزوّجني من ابنه وشهد المسيح عليه‌السلام وشهد بنو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والحواريّون ، فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل فكنت أسرّها في نفسي ولا أبديها لهم ، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد عليه‌السلام حتّى امتنعت من الطعام والشراب، فضعفت نفسي ودقّ شخصي ومرضت مرضا شديدا فما بقي من مداين الروم طبيب إلّا أحضره جدّي وسأله عن دوائي، فلمّا برح به اليأس قال: يا قرّة عيني، فهل يخطر ببالك شهوة فأوردكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدّي ، أرى أبواب الفرج عليّ مغلّقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدّقت عليهم ومنّيتهم الخلاص رجوت أن يهب المسيح وأمّه لي العافية والشفاء، فلمّا فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحّة في بدني وتناولت يسيرا من الطعام، فسرّ بذلك جدّي وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم.

فأريت أيضا بعد أربع ليال كأنّ سيّدة النساء عليها‌السلام قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيّدة النساء أمّ زوجك أبي محمّد عليه‌السلام، فتعلّقت بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي، فقالت لي سيّدة النساء: إنّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله جلّ ذكره وعلى دين النصارى وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله عزوجل من دينك ، فإن ملت إلى رضى اللهعزوجل وإلى رضى المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمّد إيّاك فقولي(أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله)، فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيّدة النساء إلى صدرها فطيّبت نفسي وقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمّد إيّاك فإنّي منفذته إليك. فانتبهت وأنا أقول: واشوقاه إلى لقاء أبي محمّد.

فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمّد في منامي فرأيته كأنّي أقول له: لم جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك؟ فقال: ما كان تأخيري عنك إلّا لشركك وإذ قد أسلمت فأنا زائرك كلّ ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع زيارته عنّي بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر : فقلت لها : وكيف صرت في الأسارى؟

فقالت: أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي أنّ جدّك سيسير جيوشا إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا ثمّ يتبعهم فعليك باللحاق متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا ، ففعلت فوقعت علينا طلايع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت وما شعر أحد بأنّني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك باطّلاعي إيّاك عليه. ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلتنرجس. فقال:اسم الجواري.

فقلت : العجب إنّك روميّة ولسانك عربيّ؟!

فقالت : بلغ من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعليم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمان له في اختلاف إليّ فكانت تقصدني صباحا ومساء وتفيدني العربيّة حتّى استمرّ عليها لساني واستقام.

قال بشر: فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن، فقال لها: كيف أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانيّة وشرف أهل بيت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قالت: كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي.

قال : أحبّ أن أكرمك فأيّما أحبّ إليك عشرة آلاف دينار أو بشرى لك فيها شرف الأبد؟ قالت: بل الشرف قال عليه‌السلام:فأبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

قالت: ممّن؟ قال عليه‌السلام:ممّن خطبك رسول الله له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالروميّة.

قالت: من المسيح ووصيّه؟ قال : فممّن زوّجك المسيح ووصيّه؟ قالت: من ابنك أبي محمّد عليه‌السلام. قال: فهل تعرفينه؟ قالت: وهل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة أسلمت فيها على يد سيّدة النساء أمّه عليها‌السلام؟

فقال أبو الحسن عليه‌السلام:يا كافور ، أدع لي أختي حكيمة رضي‌الله‌عنها، فلمّا دخلت عليه قال لها: ها هي فاعتنقتها طويلا وسرّت بها كثيرا. فقال مولانا: يا بنت رسول الله، أخرجيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن فإنّها زوجة أبي محمّد عليه السلام وأمّ القائم.

وكانت حكيمة تدخل على أبي محمّد وتدعو له أن يرزقه الله ولدا، وإنّها قالت: دخلت عليه وقلت له كما أقول ودعوت له كما كنت أدعو، فقال: أما كنت تدعين أن يرزقني الله ولدا، فاستجاب الله دعائك فكوني عندنا الليلة. فقلت: يا سيّدي، ممّن يكون هذا الولد العظيم؟ فقال: من نرجس يا عمّةقال: فقالت: يا سيّدي، ما في جواريك أحبّ إليّ منها وقمت ودخلت عليها وكنت إذا دخلت فعلت بي ما كانت تفعل، فانكببت على قدميها فقبّلتها ممّا كانتتفعله فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها، فقالت: فديتك فقلت لها: أنا أفديك وجميع العالمين، فأنكرت ذلك، فقلت: لم تنكرين مما فعلت؟ فإنّ الله سيهب لك في هذه الليلة غلاما سيّدا في الدنيا والآخرة وهو فرج المؤمنين فاستحيت فتأمّلتها فلم أر بها أثر حمل ، فقلت لسيّدي أبي محمّد عليه‌السلام ما أرى بها حملا؟ يا سيّدي، لقد أخبرتني أنّه يولد في هذه الليلة فأيّ وقت منها؟ فقال: في طلوع الفجر يولد المولود الكريم على الله إن شاء الله.

قالت حكيمة : فقمت فأفطرت ونمت بالقرب من نرجس وبات أبو محمّد عليه‌السلام في صفّة تلك الدار التي نحن فيها، فلمّا صار وقت صلاة الليل ونرجس نائمة ما بها أثر ولادة فأخذت في صلاتي ثمّ أوترت فوقع في نفسي أنّ الفجر قد طلع ودخل في قلبي شيء، فصاح أبو محمّد عليه‌السلام من الصفة لم يطلع الفجر يا عمّة، فأسرعت الصلاة وتحرّكت نرجس فدنوت منها وضممتها إلى صدري وسمّيت عليها ثمّ قلت لها: هل تحسّين بشيء؟ فقالت : نعم ، فوقع عليّ سبات لم أتمالك معه حتّى نمت ووقع على نرجس مثل ذلك فنامت فلم أنتبه إلّا وسيّدي المهدي مولود ساجدا بمساجده مكتوب على ذراعه:(جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)فضممته إليّ فوجدته مفروغا منه ولففته في ثوب فصاح بي أبو محمّد يقول: يا عمّة، هاتي إليّ ابني، فحملته إلى أبي محمّد عليه‌السلام فأخذه وأقعده على راحته اليمنى وأمره على ظهره وبطنه ومفاصله ثمّ أدخل لسانهعليه‌السلام في فيه ثمّ قال له : تكلّم يا بنيّ. فقال : (أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله وأنّ عليّا وليّ الله أمير المؤمنين)ثمّ لم يزل يعدّد السادة عليهم‌السلام إلى أن بلغ إلى نفسه ودعا لأوليائه بالفرج على يديه.

ثمّ قال أبو محمّد : يا عمّة ، اذهبي به إلى أمّه ليسلّم عليها وائتني به ، فمضيت به فسلّم عليها ورددته إليه ثمّ وقع بيني وبين أبي محمّد كالحجاب فلم أر سيّدي ، فقلت له : يا سيّدي ، أين مولانا؟ فقال: أخذه منّي من هو أحقّ به منك، فإذا كان اليوم السابع فأتينا. قالت : جئت يوم السابع فسلّمت ثمّ جلست فقال عليه‌السلام : هلمّي بابني ، فجئته لسيّدي وهو في ثياب صفر ، ففعل له كفعاله الأوّل وجعل لسانه عليه‌السلام في فيه ثمّ قال له : تكلّم يا بني. فقال : «أشهد أن لا إله إلّا الله» وثنّى بالصلاة على محمّد وأمير المؤمنين والأئمّة حتّى وقف على أبيه ثمّ قرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)ثمّ قال: اقرأ يا بني ممّا أنزل الله على أنبيائه ورسله ، فابتدأ بصحف آدم عليه‌السلام فقرأها بالسريانيّة ، وكتاب إدريس عليه‌السلام وكتاب نوح عليه‌السلام وكتاب هود عليه‌السلام وكتاب صالح عليه‌السلام وصحف إبراهيم عليه‌السلام وتوراة موسى عليه ‌السلام وزبور داود عليه‌السلام وإنجيل عيسى عليه‌السلام وقرآن محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قصّ قصص النبيّين والمرسلين إلى عهده.

فلمّا كان أربعون يوما دخلت دار أبي محمّد عليه‌السلام فإذا مولاي الصاحب يمشي في الدار فلم أر وجها أحسن من وجهه ولا لغة أفصح من لغته. فقال لي أبو محمّد عليه‌السلام : هذا المولود الكريم على الله عزوجل. فقلت له : أربعون يوما وأنا أدري من أمره ما أدري. فقال : يا عمّة ، إنّا معاشر الأوصياء ننشؤ في اليوم ممّا ينشؤ غيرنا في الأسبوع ما ينشؤ غيرنا في السنة ، فقمت وقبّلت رأسه وانصرفت وعدت وتفقّدته فلم أره ، فقلت لسيّدي أبي محمّد عليه‌السلام ما فعل مولانا فقال : يا عمّتاه ، استودعناه الذي استودع موسى عليه‌السلام.

قالت : قال أبو محمّد عليه‌السلام : لمّا وهب لي ربّي مهدي هذه الأمّة أرسل ملكينفحملاه إلى سرادق العرش حتّى وقف بين يدي الله عزوجل فقال له مرحبا بك عبدي لنصرة ديني وإظهار أمري ومهديّ عبادي ، آليت إنّي بك آخذ وبك أعطي وبك أغفر وبك أعذّب ، اردداه أيّها الملكان إلى أبيه ردّا رفيقا وأبلغاه أنّه في ضمني وفي كنفي وبعيني إلى أن أحقّ به الحقّ وأبطل به الباطل وتكون الدين لي واصبا.

ثمّ قال : لمّا سقط من بطن أمّه إلى الأرض عطس وقال : الحمد لله ربّ العالمين صلى‌الله‌عليه‌وآله زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة[17].

سر الاختفاء

تعلمنا منذ زمن على لسان من ليسوا من شيعة أهل البيت ومن ضمنهم الشيخ علي جمعة والشيخ محمد متولي الشعراوي (إن الله أخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبداً من عبيد الله فربما يكون وليه وأنت لا تدري) .

وبغض النظر عن صاحب هذه المقولة فهي حقيقة نطق بها كتاب الله عز وجل: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)[18].

كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام (اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَ بَيِّنَاتُهُ).

ومن البديهي أن قوله تعالى (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) وقول الإمام علي عليه السلام (إما ظاهرا مشهور أو خائفا مغمورا) تدل على تنوع الأدوار والوظائف بتنوع الظروف التي يمر بها حجج الله على خلقه وان الحكمة الإلهية تتبدى بظهور ذات الشخص أو اختفائه كما تتبدى بتبادل الأدوار ضمن الحلقة الضيقة المحيطة بالنبي أو الإمام فبعضهم يظهر ويعلن وربما ينال شرف الشهادة والبعض الآخر يبقى دوره طي الكتمان وهي بديهيات يعرفها حملة الدين من الأولين والآخرين.

لا يتعلق الأمر إذا بحالة يستغرب منها اصحاب العقول الخاوية من العلم والمعرفة والقدرة على التدبر في أحوال الأمم عشاق الظهور والضجيج والعجيج خاصة أدعياء الإصلاح الذين ظهروا بكثرة ووفرة منذ القرن الماضي بل بتدبير محكم وحكمة إلهية بالغة، فما تغني النذر!!.

شاءوا أم رفضوا فالمهدي المنتظر القائم بأمر الله تعالى الحجة على الخلائق مظهر دين الله حالة استثنائية خارقة للمألوف  تترقبها البشرية كلها ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا، وليملأ الأرض علما ونورا بعد أن ملئت جهلا وكبرا، وليملأها عقلا وحكمة بعد أن ضجت من سفهائها قطاع طريق الله الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار وجعلوا خير أمة أخرجت للناس في ذيل الأمم.

أمة تأنس وتصغي لمن يسمونهم بالدعاة الجدد أو بمعنى أصح الوهابيون الجدد وعلى رأسهم الأخ (عمرو كنتاكي) وتراهم هداة مهديين ولا تعرف أو لا تلتفت لأن الله تبارك وتعالى من عليهم بالنعمة الكبرى محمد وآله صلى الله وسلم عليهم أجمعين.

والحمد لله رب العالمين.
.....................
 
[1]سورة سبأ 51-54.

[2]الأنعام 146-147.

[3]البقرة 17.

[4]نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار ص 345.

[5]نور الأبصار ص 346.

[6]نور الأبصار 348.

[7]البقرة 17-18.

[8]سبأ 53.

[9]المائدة 106-108.

[10]يمكن لمن أراد أن يقرأ القصة أن يبحث عن (تميم الداري) في البخاري.

[11]توقف ابن الوردي عند هذا البيت إلا أنا ذكرناها كاملة من مصادر التاريخ نظرا لروعتها.

[12]تاريخ ابن الوردي ص 231-232.

[13]ذات المصدر ص 232.

[14]كتاب بحر الأنساب (المشجر الكشاف لأصول السادة الأشراف) السيد محمد بن أحمد بن عميد الدين الحسيني النجفي. ط دار الكتب والوثائق القومية ص 2-5.

[15]ص 5 المصدر السابق.

[16]المصدر السابق ص 11-12.

[17]بحر الأنساب أو المشجر الكشاف لأصول السادة الأشراف للعلامة السيد محمد بن أحمد بن عميد الدين الحسيني النجفي. ص 14-17. ط دار الكتب والوثائق القومية – مصر 2015.

[18]الرعد 10-11.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=124370
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 09 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28