• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وضاع الحقّ في جوف المعاني .
                          • الكاتب : حلا عبد الخالق الكناني  .

وضاع الحقّ في جوف المعاني

 مُذ كنّا صغاراً ونحن مولعون باللُعب والدُمى، وكنّا نشاطرها حياتنا وكأنّها جزءٌ لايتجزأ منها، ونتعامل معها على إنها حيّة تُرزق، و ترانا في أغلب الأحيان  نُسقط عليها دواخلنا، فإن كنّا  سعداء نجدنا نحنو عليها محاولين اشراكها معنا في تلكما السعادة والمرح، وإن كنا نعاني من أزمات نفسية ونزعاتٍ عدوانية،  سنعمد الى أن نصبّ جامّ غضبنا عليها، دون أن تأخذنا بها شفقةً او رأفة، وفي الحالتين كانت ترزخ تحت رحمتنا دون حول او قوة.

أترى هل انتهت تلك الحقبة من حياتنا بعد ان كبُرنا، ولم نعد نعيش مشاهدها مجدداً؟

في الواقع حدث مالم يكن متوقعاً، فتلك المشاهد بدأت تتكرر معنا ولكن بصورةٍ معكوسةٍ، فبعد ان كنّا نحن من يُحدد أدوار  اللعبة، أصبحت تلك الدمى هي من يحددّ لنا تلك الأدوار، ومالم نكن نُدركه أنها كانت تُضمر لنا الكثير والكثير ،  وتحشّد لسنوات مضت جيوشاً، وتعّد العدّة كي تقذف بنا الى الهاوية، وبدأ نفوذها يتزايد يوماً تلو الآخر حتى صرنا مغلوبين على أمرنا ولسنا بغالبين كما كنّا من قبل.

صار مصيرنا وللأسف بيدها تسيرّنا كما تشاء، وغدينا كما الكرة التي يتقاذفها الجميع، ويركلها بقوة ليسددّ بها اهدافاً باتت لصالحه، في مباراة يترأسها اكثر من حكم، لايُعرف ايّ منهم يُصار الى رأيّه، وأيّ منهم سيكون سديداً، فكانت النتيجة كما  السفينة التي غرقت لكثرة ربّانها.

هو ذا حال المشهد السياسي في العراق، فسياسيو الصدفة باتوا يعيثون في الأرض فساداً، ويُهلكون الحرث والنسل، ويتصارعون فيما بينهم،و كلّ يريد ان يكون ملك زمانه بعد ان كانوا ومازالوا مجرد دمىً معلّقة بخيوط، فخيطٌ يجعلها تفتح فمها لتتكلم، وخيطٌ يجعلها تحرك اجزاءها، و كل ذلك لتوهم الجمهور أنها تتحدث وتفكر وتخطط من تلقائها، وهي في الواقع أسيرة من يقف ورائها ويسيّرها بما تقتضيه مصالحه، وبما يدرّ عليه بالمال الوفير.

فاختلطت الأوراق، وضاع الحقّ في جوف المعاني، ولم نعد نُدرك كينونته في خضّم مسرح الباطل الذي نعيشه كل يوم ولم ينفكّ عنّا، فبتنا لانعرف للصدق من معنى، فأصبحنا كالذي  يتبع سرابٌ مايلبث أن يزول كلما اقترب منه، وكلما اشتدت حرارة الموقف زاد تأثير ذلك السراب، وبدأ يظهر لنا بصورٍ شتّى، كلما سعينا وراء إحداهن اختفت وظهرت اخرى لتوهمنا أنها الحقيقة بعينها.

كفاكم ياصنّاع الأكاذيب والزيف لعباً على عقول العراقيين، وكفاكم رقصاً على جروحهم الدامية، وتيّقنوا أن ثورتهم  بدأت تغلي في نفوسهم كغلي الحميم، واذا انبثقت من مرقدها ستكتسحكم وماتُبقي فيكم شيئاً ولاتذر، فاحذروا صولة الكرام يامن آوتكم أرض العراق، ولكنّكم بعتموها بثمن بخسٍ ودراهم معدودات، وصرتم عبَدَةً للجبّت  والطاغوت، فتمتعوا فماهو الامتاعٌ قليل، وستضحكون قليلاً وتبكون كثيراً.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=122416
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 07 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28