• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الخِلافَـآت الزَوجِيـّه مشَاكلْ وحُلولْ .
                          • الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي .

الخِلافَـآت الزَوجِيـّه مشَاكلْ وحُلولْ

إنَّ الصُّلح بين الأزواج رغم الثواب العظيم الذي يَحصل عليه المصلح أصبح من العادات المهجورة بين الناس، فكثيرًا ما نرى الخلافات تدبُّ بين الزوجين دون تدخُّل أحَد من أهله أو من أهلها للتقريب بينهما، وأصبح الكثير منَّا منكفئًا على ذاته، لا يهمه شأن المسلمين، وهذا خطأ فادِح يقَع فيه الكثيرون، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (مثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثَل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ، تَداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى).
وقد ارشد القرآن الكريم إلى الصّلح، حتى بلغ به أن جعله أهمّ من درجة الصّلاة والصّيام، حيث ورد عن رسول الله(ص): "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصّلاة والصّدقة؟ إصلاح ذات البين، فإنَّ فساد ذات البين هي الحالقة". قال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}.
إن الإسلام يحرص على استقرار الحياة الزَّوجيَّة، من خلال تعزيزه لثقافة المودَّة والرَّحمة والمعاشرة بالمعروف الّتي دعا إليها الله سبحانه عندما قال: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}... ومن خلال ثقافة "خيركم خيركم لأهله" التي أشار إليها رسول الله(ص)، وثقافة الصَّبر؛ صبر كلّ من الزّوجين على سوء خلق الآخر، حيث ورد في الحديث: "من صبر على سوء خلق امرأته، أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيّوب(ع) على بلائه، ومن صبرت على سوء خلق زوجها، أعطاها الله مثل ثواب آسية بنت مزاحم"، وهو لذلك، حثَّ على الإسراع في علاج أيّة مشاكل تصيب هذه الحياة، وعلى عدم تركها تتفاقم، تجنّباً للآثار السّلبيّة النّاتجة من هذا التأخّر، إن على مستقبل كلٍّ من الزّوجين، أو على الأولاد وعلى نموّهم النفسي والتربوي والروحي والفكريّ، وانعكاس ذلك على المجتمع، لأنَّ أيّ تهديد للأسرة هو تهديد للمجتمع، لكون الأسرة إحدى لبناته الأساسيّة، فالمجتمع هو عبارة عن تجمّعٍ للأسر المتنوّعة.

إننا عندما ننظر إلى سورة النساء نرى شعارا رائعا قد وضعه الله للتعامل مع الخلافات الزوجية، وهو "والصلح خير"، وعندما يقول الله عز وجل "والصلح خير" فلا مجال أمامنا إلا أن يكون هدفنا ونحن نتعامل مع الخلافات الزوجية -مهما بدت متفاقمة أو متراكمة- إلا أن نقول "والصلح خير"، خاصة أنها جاءت في سياق الخلافات الزوجية فعلا، حيث تقول الآية الكريمة: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء: 128).
ومن هنا فليكن التوجيه بالإحسان هو شعارنا عند توجيه الزوجين المتنازعين، كي يصلا للإصلاح المنشود، والتوجيه بالإحسان متكرر في القرآن الكريم؛ ففي سورة البقرة الآية 237 يكون التوجيه أيضا في نهاية الآية {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، إنه منهج متكامل لو استحضره الأزواج والزوجات، واستحضره الحكام الذين يتدخلون لحل الخلافات لتغيرت نسب الطلاق المرعبة التي تجتاح مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، والتي وصلت في أحد المجتمعات إلى أكثر من 30%، أي إن واحدة من كل ثلاث زيجات تنتهي بالطلاق في السنوات الخمس الأولى من الزواج، فإذا أضفنا الطلاق في السنوات التالية لوصلنا لرقم غير متصور في مجتمع من المفروض أن تحكمه هذه الآيات المعجزة، وهذا النهج النبوي والفقه الفذ في التعامل مع مثل هذه المشكلة.
المشكلة المعقدة هنا؛ عندما تتضخم الخلافات الزوجية وتتصاعد الى حالة النفرة والكراهية بين الزوجين، فيقف كل واحد منهما في اتجاه مغاير، ولن يرضى أحد بالآخر، وهذا ما يسمى بـ «الشقاق»، على ما وصفه القرآن الكريم، «ويُراد به «الناحية»، ويتضمن فعل الأثنين، لأن الطرفين تشاركا في التعدّي والتباعد بسبب حصول الكراهة والاختلاف بينهما»، مما يؤدي في الغالب الى الطلاق اذا لم يتم تدارك الأمر بالحل والتقارب.

وقد بينت الشريعة الاسلامية أنه في حال حصول الشقاق بين الزوجين وعدم تمكن الزوجين من حل هذا الشقاق بينهما، يُصار الى الطريق أو الحل بالطرق الاجتماعية، وهو يعتمد على الوساطة والتشاور من خلال تعيين حكمين من أهلهما، يقول الله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» (سورة النساء /35).

ويبدو للمتأمل في الآية الكريمة: أن الراجح ما ذكره السيد السبزواري، والذي قال ما نصه: (حيث أن الموضوع من الإصلاح والمعروف، وهو محبوب عند الشرع، بل عند جميع الناس، فالخطاب متوجه إلى كل من يطلع على الموضوع، ويتمكن على رفع الشقاق بينهما، بقول حسن، وتدبير لطيف ونحوهما، مثل قوله تعالى: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ سورة الحجرات، آية10، ولا يختص بخصوص الحاكم الشرعي، إلا إذا كان تنازع و تخاصم بينهما، يحتاج إلى فصله بحسب موازين القضاة وإن كان الاحوط تعيينه مطلقاً) السبزواري: السيد عبد الأعلى، مهذب الأحكام، ج25 ص229.

وليس هناك خلاف في جواز المبادرة واستحبابها من أجل إصلاح ذات البين، من قبل أي جهة، كأن يبادر الزوجان أو أهلوهما، أو الحاكم، أو غيرهم (وبالجملة ينبغي أن لا يكون خلاف في جواز البعث من كل من هؤلاء، ووجوبه إذا توقف الإصلاح عليه، خصوصاً الحاكم والزوجين) النجفي: الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام، ج11 ص137.

يقول السيد الطباطبائي في تفسير الميزان - ج ٤ - الصفحة ٣٤٦
"قوله تعالى وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا الشقاق البينونة والعداوة وقد قرر الله سبحانه بعث الحكمين ليكون أبعد من الجور والتحكم وقوله إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما أي إن يرد الزوجان نوعا من الاصلاح من غير عناد ولجاج في الاختلاف فإن سلب الاختيار من أنفسهما وإلقاء زمام الامر إلى الحكمين المرضيين يوجب وفاق البين.
واسند التوفيق إلى الله مع وجود السبب العادي الذي هو إرادتهما الاصلاح والمطاوعة لما حكم به الحكمان لأنه تعالى هو السبب الحقيقي الذي يربط الأسباب بالمسببات وهو المعطي لكل ذي حق حقه ثم تمم الكلام بقوله إن الله كان عليما خبيرا ومناسبته ظاهرة".
وفي الكافي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: في قوله فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها - قال الحكمان يشترطان إن شاءا فرقا - وإن شاءا جمعا فإن فرقا فجائز - وإن جمعا فجائز أقول وروى هذا المعنى وما يقرب منه بعدة طرق اخر فيه وفي تفسير العياشي.
ويرى استاذنا آية الله الشيخ محمود قانصو بهذا الخصوص أن "هذه الآية الكريمة أتت لحل لمشاكل الخلافية بين الرجل والمرأة وهو واضح وهو في حال الخوف من الشقاق قبل الطلاق فمن الواجب ان يتصدى اهل القدرة والولاية يحكموا بينهما اما بالتفريق واما بالوصل الصحيح..وهذه الآية صريحة جدت وقد عمل عليها المسلمون ولكن الذي جعل هذه الآية مهجورة عند بعض الفقهاء الروايات التي ذكرت موضوع الاشتراط على الزوج وقبوله به والتي فهموا منها لا بدية اذن الزوج باختياره ....والصحيح ان الحكمين هم حكمان قبل أن يشترطا ويستطيعان الحكم من حين البعث على الطرفين بغير التفريق المتوقف على الاشتراط ...غايته ان الرواية تقول بعدم استطاعتهما للتفريق الا بعد موافقة الزوجين على هذا الشرط والنقطة الثانية أن بعض الأخبار الواردة في تطبيق هذه الآية أن الزوجين ملزمان بالموافقة على القبول بالتفريق....ولذلك ورد في الخبر عن محمد بن سيرين وهو من الرواة الموثقين عند العامة
وعبيدة السلماني ثقة ايضاً..والرواية تنص أن زوجين متنازعين أتوا الى امير المؤمنين وارغمهما على القبول على حكم الحكمين..فيستفاد من الرواية ان الزوجان مرغمين على قبول شرط الحكمين بالتفريق...وفي هذه الحالة باستطاعة الحكمين التفريق والوصل بين الطرفين على كل حال وبدون تحصيل الموافقة من كلا الطرفين...فعملية إشتراط التفريق شرط شرعي يترتب عليه قدرة الحكمين على التفريق
ومن خلال هذا العرض من الناحية القرآنية وكلام الفقهاء يمكن ان نضع الحلول المناسبةؤ من هذا الباب للكثير من العقد والخلافات الزوجية في كيفية التعامل مع المشاكل المتنوعة .
والحمد لله رب العالمين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=122213
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 07 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28