• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : انثيالات شيطان  .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

انثيالات شيطان 

 أنا ظلال عرش بهيم، وظلال ماكرة التضليل، زرعت الوهم في ربوع الشام بأحدث خدع التمويه، حتى كان يلقبني معاوية بالشيطان، فعن أي مكيدة او دسيسة تريدون ان أحدثكم، لنبدأ من صفين، دعوني أحدثكم عن صفيني، وليس صفين غيري:
 ما ان انتهت غزوة الجمل في البصرة، ووضعت الحرب أوزارها، ورجع الإمام إلى الكوفة ظافراً منصوراً، صرت ألعب في قلب معاوية وأزرعه بوساوس التوقع، فالأحداث عند علي بن أبي طالب واضحة لا تحتاج الى خبرات تخمين، قلت لمعاوية: ان استقر الامر لعلي وشيعته، فليس امامهم سواك، فجهز نفسك لتبدأ الحرب أنت..!
 رجل أبله معاوية، لا يحمل أي دهاء، بل كنت انا حيلته، ولا يعرف ان يتصرف أي شيء بدوني، اخبرته: علينا ان نزرع جذوة الحقد في قلوب المسلمين، عندي الفكرة لكني لا أأتمن معاوية إلا بعقد شرط على ان أعينه على حرب علي، واخراج مصر من تحت سلطته لتكون لي، لي انا وحدي، فوافق المعتوه معاوية.
 قلت: لنجمع بعض مشاهير الشام ونأمرهم بإشاعة: «أن عليا قتل عثمان، ومعاوية ولي دم عثمان، فيجب الطلب بثأر عثمان ودمه» فبايع أهل الشام معاوية، فأخبرته أن ينهض بجيش جرار إلى (صفين)، وسينهض الإمام بعسكره، وصل أبو الأعور السلمي على مقدمة جيش معاوية إلى صفين، ونزل منزلاً اختاروه واسعاً، واستولوا على شريعة الفرات.
 وصل مالك الأشتر ومعه أربعة آلاف رجل، وهم مقدمة الجيش العلوي، فاصطدموا بأبي الأعور وأزالوهم عن الفرات، فوصل معاوية مع الجيش الجرار، انسحب الأشتر عن الفرات، استولى معاوية وأصحابه على شاطئ الفرات، وصار الماء لديهم، فوصل الإمام ومعه مائة ألف إنسان ويزيدون، فأمر الإمام الجيش أن ينزلوا ويضعوا أثقالهم وأحمالهم، وتسرع بعضهم إلى ناحية معاوية، واقتتلوا قتالاً قليلاً..
 معاوية دنيء وغبي، منع العلويين من الفرات، ورفض مفاوضة صعصعة بن صوحان الى معاوية رسولا عن الامام، نصحته بل أمرته ان يفسح المجال لهم ليشربوا، ولكن غروره الحقير منعه من قبول النصيحة، واعتبره أول الظفر، بعض اهل الحكم رفضوا الصلافة، وتركوا معاوية والتحقوا بالإمام، قلت له مراراً وتكراراً: إن عليا لا يموت عطشا، لكن الغبي معاوية رفض.. والأمر مثلما توقعته تماماً، أقبل الأشتر فولى أهل الشام وفرسانها مدبرين حتى غمست خيل أمير المؤمنين سنابكها في الفرات، واستولوا على الماء، وأزالوا أبا الأعور عن الشريعة، وغرقوا منهم بشرا وخيلا، وارتحل معاوية عن ذلك الموضع.
 قلت لمعاوية:ـ كيف بك وعلي سيسقي جيشك حاجته من الماء، فاندهش لغبائه، قلت: ارسل اليه لتستأذنه، فقال الامام: لا أفعل ما فعله الجاهلون، فأباح لنا، والله لو كنا نمتلك ساعتها ذرة ضمير لكانت كافية لتوقظنا من انفسنا، وحاول حينها ان ينهي الحرب ليحل السلام، وما نفع السلام لنا..؟
المهم استعرت الحرب، وكدنا ان ننكسر، والغبي معاوية طلب فرسا لينهزم، وحانت فرصة ان انتصر بالخدعة والمكر، فلعبت لعبة رفع المصاحف، وانقسم مثلما توقعت اصحاب الامام، ويشهد هذا اليوم انتصار الخديعة والوهن والمكيدة، صاح القوم: إن أمير المؤمنين قد رضي المحاكمة بحكم القرآن. الإمام ساكت لا يتكلم، والقوم يتكلمون، ولما سكتوا قال الإمام: "أيها الناس إن أمري لم يزل معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب... إلا: إني أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا وكنت ناهياً فأصبحت منهياً، وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون".
 وكي لا اطيل عليكم القصة، انا المفاوض من قبل اهل الشام، واختار الامام ابن عباس والاشتر، بينما اهل الكوفة فرضوا ابا موسى الاشعري، ما اعجب الدهر..! أيعصى علي ويطاع معاوية؟! ولما أرادوا تنظيم الكتاب سألوا الإمام: أتقر أنهم مسلمون مؤمنون؟ فقال الإمام: ما أقر لمعاوية ولا لأصحابه أنهم مؤمنون ولا مسلمون، ولكن يكتب معاوية ما شاء ويقر بما شاء لنفسه ولأصحابه، ويسمي نفسه بما شاء وأصحابه.
 حاولوا اقناع الامام عن العدول عن القرار فرفض ان ينقض العهد، الله ما اجمل عليا وما اعدله حكمة وانسانية، لكن نحن لسنا ببشر، لم يكن ابو موسى الاشعري الا دابة منفوخة الأوداج، وكأني امام معاوية آخر بغبائه، سرعان ما خدعته فانخدع، قلت له: قد علمت أن أهل العراق لا يحبون معاوية أبدا، وأن أهل الشام لا يحبون عليا أبدا، فهلم نخلعهما، ونستخلف عبد الله بن عمر بن الخطاب.
 فقام الأشعري وقال: أيها الناس إنا نظرنا في أمرنا فرأينا أقرب ما يحضرنا من الأمن والصلاح ولم الشعث وحقن الدماء وجمع الألفة خلعنا علياً ومعاوية، وقد خلعت علياً كما خلعت عمامتي هذه، وخلع عمامته...
وقمت حينها وقلت: أيها الناس، إن أبا موسى عبد الله بن قيس قد خلع عليا وأخرجه من هذا الأمر الذي يطلب، وهو أعلم به، ألا وأني خلعت علياً، وأثبت معاوية علي وعليكم... فركب الأشعري راحلته وتوجه إلى مكة، وحلف أن لا ينظر في وجه علي..! هذه انثيالاتي.. فهل من عبرة لمن اعتبر، وانا نادم؛ لأن الحكم ولى وانتهت حلاوته ليس الا..!
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=122147
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 07 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19