• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الإمام الكاظم (عليه السلام) وآثاره في تفسير القرآن الكريم  -2 .
                          • الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي .

الإمام الكاظم (عليه السلام) وآثاره في تفسير القرآن الكريم  -2

    تحدثنا في الحلقة السابقة عن بيان ما يتعلق بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ ٱسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ﴾ ( ) في روايات الإمام الكاظم (عليه السلام) التفسيرية، ونتحدث في هذه الصفحات القرآنية عن آية ثانية، مع بيان ما يتعلق بها.  
- الآية الثانية / قال تعالى: ﴿وَٱسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ﴾. ( )  
* عن سليمان الفراء ( )، عن أبي الحسن [الكاظم] (عليه السلام) في قول الله: ﴿وَٱسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾؟
قال: الصبر الصوم، إذا نزلت بالرجل الشدة، أو النازلة فليصم. ( ) 
وورد الحديث بالسند نفسه أيضًا عن الإمام الصادق (عليه السلام). ( ) 
إنَّ هذه الرواية التفسيرية الشريفة تبحث عن علاقة تفسير الصبر بالصوم دون غيره من العبادات الأخرى، وقد ذكر المفسرون في ذلك أقوالاً متعددة، نذكر منها: 
1- قال الشيخ الطوسي (ت460ﻫ/1068م): ((والصبرُ المأمورُ به في الآيةِ قيل: فيه قولان: أحدهما: الصبرُ على طاعتهِ وٱجتنابُ معصيتهِ. والثاني: إنه الصوم. وفي الصلاة ههنا قولان: أحدهما: الدعاء. والثاني: إنَّها الصلاةُ الشرعيةُ ذاتُ الركوعِ والسجودِ. وكان النبي "صلى الله عليه وآله" إذا أحزنَهُ أمرٌ ٱستعانَ بالصلاةِ والصومِ)) ( )، وأما فيما يتعلق من ٱنطباق الصبر على الصوم كما ذكرته الرواية الشريفة فيقول: ((وأصلُ الصبرِ هو منعُ النفسِ محابَّها، وكَفُّها عن هواها، ومنه الصبرُ على المصيبةِ، لكَفِّهِ نفسُهُ عن الجزعِ، وقيلَ لشهرِ رمضانَ: الصبرُ، لصبرِ صائمِهِ عن الطعامِ والشرابِ نهارًا)). ( ) 
2- قال "الزمخشري" (ت538ﻫ/1143م): ((وٱستعينوا على البلايا والنوائبِ بالصبرِ عليها، والالتجاءِ إلى الصلاةِ عندَ وقوعِها، وكان رسول الله "صلى الله عليه [وآله] وسلم" إذا حزبَهُ أمرٌ فزعَ إلى الصلاةِ، وقيل: الصبرُ الصومُ؛ لأنَّهُ حبسٌ عن المفطراتِ. ومنه قيلَ لشهرِ رمضانَ: شهرُ الصبرِ. ويجوزُ أنْ يُرادَ بالصلاةِ الدعاءُ، وأنْ يُستعانَ على البلايا بالصبرِ، والالتجاءِ إلى الدعاءِ، والابتهالِ إلى اللهِ تعالى في دفعِهِ)). ( ) 
3- قال "الطبرسي" (ت548ﻫ/1153م): ((وٱستعينوا على الوفاءِ بعهدي الذي عاهدتكُمْ في كتابِكُمْ عليه من طاعتي، وٱتباعِ أمري، وتركِ ما نهيتُكُمْ عنه، والتسليمِ لأمري، وٱتباعِ رسولي محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" بالصبرِ على ما أنتم فيهِ من ضيقِ المعاشِ، الذي تأخذونَ الأموالَ من عوامكُمْ بسببهِ، وروي عن أئمتنا "عليهم السلام" أنَّ المرادَ بالصبرِ الصومُ، فيكونُ فائدةُ الاستعانةِ به أنَّهُ يُذْهِبُ بالشرهِ، وهوى النفسِ، وفائدةُ الاستعانةِ بالصلاةِ أنَّهُ يُتلى فيها ما يرغبُ فيما عندِ الله تعالى، وبزهدٍ في الدنيا، وحُبِّ الرئاسة، وكان النبيُّ "صلى الله عليه وآله وسلم" إذا حَزَنَهُ أمرٌ ٱستعانَ بالصلاةِ والصومِ)). ( )  
من خلال ما تقدم من أقوال المفسرين نرى موافقة تفسيرهم لما ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) في صرف "الصبر" الوارد في الآية الشريفة إلى أعظم مصاديقه وهو "الصوم" هذا من جانب، ومن جانب آخر ٱعتماده (عليه السلام) على سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تعامله مع الأحداث التي كانت تقع عليه، أو على المسلمين، فقد تقدم ٱستعانته بالصلاة والصوم، وتكمن في ذلك العلاقة الوثيقة بين الصبر والصوم؛ لأنَّ الصوم الشرعي الذي هو إمساك عن المفطرات لا يمكن أنْ يقوم به العبد من غير الصبر على أداء الطاعة، والصبر عن المعصية، ففي الصوم تتجسد أعظم حالات المجاهدة والصبر.
ولقد قسم العلماء الصوم على أقسام ثلاثة وهي: ((صومُ العوامِ، وصومُ الخصوصِ، وصومُ خصوصِ الخصوصِ، فالأولُ هو الصومُ عن المفطراتِ المذكورةِ في كتبِ الفقهِ، والثاني إضافةٌ لما تقدمَ كَفُّ البصرِ واللسانِ، واليدِ، والرجل، وسائرِ الجوارحِ عن المعاصي، والثالثُ هو الكَفَّانِ المذكورانِ مع صومِ القلبِ عن الهممِ الدنيَّةِ، والأخلاقِ الرديَّةِ)) ( )، ولو أردنا أنْ نتأمل في هذه الأقسام الثلاثة لرأينا حقيقة أنَّ الصبر أداة عظيمة في أداء الصوم بكُلِّ أنواعه.
فالصوم إذن هو من مصاديق الصبر في الآية الشريفة، ولا يعني أنه هو المراد فقط فيها، قال السيد الطباطبائي (ت1403ﻫ/1982م) بعد ذكره للحديث الشريف في بيان الآية: ((وتفسيرُ الصبرِ بالصيامِ من بابِ المصداقِ والجري)). ( ) 
    أقول ويمكن أنْ نستقرىء في هذه الآية الشريفة المباركة موضوعات متعددة ذات أهمية كبيرة، من خلال التدبر فيها، ومنها:
1- إنَّ الآية الشريفة تبيِّن للإنسان المسلم طريقًا من طرق الفوز والفلاح في الوصول إلى الله تعالى، وهو الاستعانة، والتي عُرِّفَت بأنها: ((طلبُ العونِ)) ( )، فالاستعانة أمر مشروع في الشريعة المقدسة، وينبغي على الإنسان أنْ يسعى لمعرفة سبل العون في الوصول إلى المطلوب، ولا علاقة للاستعانة بالشرك كما يريد أنْ يصوِّره بعض من المسلمين، قال السيد الخوئي (ت1413ﻫ/1992م): ((لا مانِعُ من ٱستعانَةِ الإنسانِ في مقاصدِهِ بغيرِ اللهِ من المخلوقاتِ، أو الأفعالِ، قال تعالى: ﴿وَٱسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾، فليستِ الاستعانَةُ بمطلقِها تنحصرُ باللهِ سبحانَهُ، بل المرادُ منها ٱستمدادُ القدرةِ على العبادةِ منه تعالى، والاستزادةُ من توفيقِهِ لها حتى تتمَّ وتخلصَ)) ( )، والاستعانة -بصراحة- ضرب من ضروب التواضع والاستقامة والاختيار للأفعال، دون التكبُّر والاعتداد بالنفس وقواها، وبها يعرف الإنسان محدوديته وضعفه، وحاجته لقوة أخرى تسدُّ له ذلك.
2- في الآية الشريفة إشارة واضحة إلى عظمة فرعين من فروع الشريعة المقدسة، وهما: الصوم والصلاة، ولا يخفى عظمتهما، وحقيقتهما، وأسرارهما، فيجب على المسلمين الاعتناء بهما، والمحافظة على حدودهما، فضلاً عن إتيانهما على وفق ما أمر الله تعالى، وقد عَدَّتهما الآية الشريفة من أسباب العون للإنسان في الوصول إلى الله تعالى، والتغلُّب على الشدائد والبلايا، فعلينا أنْ نجعل صلاتنا وصيامنا معراجًا إلى الله تعالى، وحصنًا واقيةً من الوقوع في الفتن والمضلات، ومفزعًا للنفس من المُلِمَّات، وهذه هي سيرة أئمتنا (عليهم السلام)، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (( كان [الإمام] علي [عليه السلام] إذا هالَهُ أمرٌ فَزِعٌ قامَ إلى الصلاةِ، ثم تلا هذهِ الآيةَ: ﴿وَٱسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾)). ( )  
3- في الآية الشريفة إشارة إلى أمرين عظيمين آخرين، وهما: الصبر والخشوع، وكلاهما من مراتب كمال الإنسان المؤمن، ويجب علينا أنْ نتحلى بهما، والشريعة المقدسة قد بيَّنت فضلهما، وآثارهما، ومقامهما، وقد ورد في علاقة الصبر بالإيمان قول الإمام الصادق (عليه السلام): ((الصبرُ من الإيمانِ بمنزلةِ الرأسِ من الجسدِ، فإذا ذهبَ الرأسُ ذهبَ الجسدُ، كذلكَ إذا ذهبَ الصبرُ ذهبَ الإيمانُ)) ( )، وأما في آثار الخشوع وعلاماته، وما فيه من آثار عظيمة، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أمَّا علاماتُ الخاشعِ فأربعةٌ: مراقبةُ اللهِ في السرِّ والعلانيةِ، وركوبُ الجميلِ، والتفكُّرُ ليومِ القيامةِ، والمناجاةُ للهِ)) ( )، فعلينا أنْ نتأمل في هذه الآثار لنرى مستوى أثرها على الإنسان في العمل والسلوك.   
4- إنَّ الآية الشريفة تشير إلى أنَّ الاستعانة بالصلاة خصوصًا مسألة عظيمة جدًّا، وقد وُصِفَتْ بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ﴾ عمومًا، إلا على صنف خاصٍّ من الناس وهم الخاشعون، الذين كانت الصلاة أُنسهم، وسلاحهم، ومعراجهم، وقد ٱختلف المفسرون في المراد من قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ﴾ هل الضمير في ﴿وَإِنَّهَا﴾ يعود على الصلاة، أو على الاستعانة، وأغلبهم يذهب إلى أنَّ المراد بها الصلاة، فإنْ كان المراد هو "الصلاة" فلا يخفى عظمة الإشارة إليها، وإنْ كان المراد هو "الاستعانة" فلا يخفى عظمة الصوم والصلاة، أو الصبر والصلاة على كُلِّ التفاسير.   
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=121156
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19