• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : ديوان الرسالة .. رسالة الاعماق لدنيا الحقيقة ..للشاعر رحيم صادق البراجعي  قراءة في قصيدة "تعال الي ً" تفسير حقيقة أسراره وتحليلها جماليا  .
                          • الكاتب : د . حازم السعيدي .

ديوان الرسالة .. رسالة الاعماق لدنيا الحقيقة ..للشاعر رحيم صادق البراجعي  قراءة في قصيدة "تعال الي ً" تفسير حقيقة أسراره وتحليلها جماليا 

 عرف الشاعر البراجعي محبا للحياة نقيا تقيا يأتلف حياته بصحبة الاخرين وينشد ايامه سارا ذاته بالقوة والشدة والحزم المصحوب بالحنان .اذ تمكن من مجالسة العقلاء وذوي رسالة الفكر في التربية والتعليم بعد ان نشأ بين ضفاف الفرات في الهندية مسقط رأسه من عائلة مزارعة اوصلته الى استكمال دراسته في معهد المعلمين العالي ومن ثم تعين معلما للغة العربية ومديرا لمدرسة في منطقته ,,سعى حافظا مفكرا لعديد من المؤلفات الدينية والسياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية , ثم ابدع في مجال حبه وعشقه وتخصصه معلما في تربية الهندية للغة العربية الا انه اكتنز الشعر حتى فجر بوارقه في الاعوام 2008 ومابعدها الى ان وافاه الاجل في 2012, ولد الشاعر في الهندية كربلاء من عام 1935 منشدا ان الحياة قصيرة لا بد ان نترك فيها الاثر من منجز وتاريخ وابوة وبنوة وما الى ذلك , ففجر بداياته المكنونة في ثلاثة مؤلفات شعرية " الرسالة " قصائد من لولؤ وحصى "من هنا وهناك " , ولعلنا نفي بحق هذا الشاعر الذي غادرنا في 12 شباط 2012 الى جوار ربه ونتمكن من تسليط الضوء على بعض من قصائده التي عاصرناها بحياته وكانت جلها حقيقية نابعة من المه وحسرته وحبه ونظرته الى واقع الحال والحياة انذاك في العراق .واكبناه منتجا ساعيا الى توثيق منتجه الشعري بالفصحى والشعبي.

اخترنا من ديوانه قصيدة "تعال الي " التي كتبها بتاريخ 11 مايس 2011 ومحتواها من 12 بيت شعري , قالها في ولده المهاجر "ميم " وما ابتلاه من وله وحب وسقم جراء الفراق وبعد ماغادره الى بلاد الغربة و ما اتعبته من اللحاق بذكرياته والتي كتبها وانظمها كقصيدة في الشعر العمودي الفصيح .
تعال الي خار عزمي وقوتي ..ومن ألم الايام ما أبكاني .. نجد ان مطلع البيت في القصيدة كانت له جمالية التعبير في افق الحال اولا اي ما اصاب الشاعر من تردي في الصحة فهو يصف ذاته المتعبة بخوار انفاسه واعصابه وصحته وبالتالي خوار بدنه عامة , يقول في صدر البيت الشعري الاول "تعال" اي اقترب لم يبق في نفسي شىء سوى تعال وبالمقابل من ذلك ان الشاعر لم يستطع الذهاب اليه فقال تعال لبعد المسافة وصعوبة الوصول ثم نادى بنفسه "الي " وعني ان لا حال لي الان لذا ادعوك بالاقتراب مني , وكان لسلب القوة والعزم الكثير بمعنى لم بتبق غير الالم , والالم عنوان في عجز البيت الشعري اوجدته تعاقبات الايام في حياته ويختم بيته في عجزه "ما أبكاني " حزن والم جعل منه مبكاة لا غبار عليها ,تكمن جمالية الشكل ومضمونه في البيت الاول بصمود الشاعر الاب وتداعياة حالته بظهور الالم والبكاء .
يردف في البيت الشعري الثاني تعال فقد اضعت صحبتي ..فاصبحت بلا صحب ولا خلاني يكرر مفردته "تعال " ليؤكد للقراء انه لم يذكر مناداته لمرة واحدة بل ؟أكدها ليصل برسالته وهي عنوان الديوان الى ولده ليصف حال ذاته من جديد بعد ان ابتلاه بسلب القوة ان سلبت الدراية والمعرفة وذهب الى الضياع , ومفردة الضياع هنا تأكيد للانهيار النفسي حتى لم يعد في صحبته سوى الضياع بعد ان ترك الحياة مشتتة , ثم يردف "اصبحت" اي بات واصبح في نهاراته ولياليه باستعماله "اصبح " الفعل الناقص من اخوات كان بلا صحب بلا رفقة ذلك ان الانسان حينما يبتلى بالعديد من السجايا غير السوية يبتعد عنه رفاقه وحتى اهل بيته وهنا فقد الشاعر خلانه اي احبته .اما جمالية الشكل فتوضحت في الضياع حيث المعنى فقدان الصحبة بانواعها .
الصحب والخلان أسمى غاية ..لتحقيقها نسعى بكل زمان  يصف لنا الصورة الحديثة لحاله بعدم وجود "الصحب " والصحب الرفاق والخلان الاحبة هم غاية الوجود في الحياة وان حظي الانسان بهما تمت سعادته وزيد في مطلبه السوي بحياة هانئة لطيفة , حيث الصحبة وصف لوجودنا صفة المصاحبة كلنا نسعى الى نيلها والحصول عليها بل والامساك بها وهذا ديدن حقيقي في اغلب الازمان مهما كانت واينما وجدت في عوالم سالفة ولاحقة ايضا .وظهرت جمالية الشكل في الهدف من وجود الصحب والخلان لانهم يمثلون العون لنا في الحياة .
"تعال تعال أردد دائما لعله ..يوما يعود من جافاني " وللمرة الثالثة يؤكد الشاعر مفردته البادءة "تعال " متوجها الى سماع من لايسمع الى ارسال رسالة واخرى واخرى , فيقول صرت اردد باستمرار وليس احيانا وهو يعني قساوة حالين يقاسي من شدة تكراراته ومناداته ومن شدة مايقابل تلك التكرارات التي لم تعد مسموعة او مفهومة , حيث ان ولده بالمقابل كان غير أبه به وبما وصل اليه وذلك تفسير عاشه واحياه الشاعر بعد وصوله الى القناعة المطلقة , كما اردف بوجود الامل فاطلق "يوما " صيغة زمان نكرة اذ لم يقل اليوم بل يوما وتلك هي مفردة في ضروب الامل فيها الف احتمال ربما يتحقق مايصبو اليه يوما بعودة من جافاه اي تركه وابتعد بارادته او بدونها .نلاحظ ان الجمالية الشكلية وصفت بتكرارات المفردات والمناداة المقابلة بالجفاء .
"لي قلب بحبه نابض ..ويعزف لحن الحب بالخفقان "  يعرفنا مرة اخرى ان قلبه خالصا نقيا محبا صادقا لايعرف غير ذلك فيصف بتملكه القلب الوفي النابض بالحب ولا وجود للعكس كأنه الة موسيقية عازفة للحب حينما يخفق القلب بنبضاته وارتعاشاته ووجوده من وجود الحب للاخر ,وتضحت شكلية الجمال بخفقان القلب النستمر في حين نجد المعنى في الحب نفسه.
"الحب دنيا لكل عاشق ..فيا دنيا العاشقين هل من مكان ؟" اما وصفه للحب بانه دنيا وعالم حياتي كان من ابرز مااراد الوصول اليه بوصفه دنيا العاشق وكان الشاعر عاشقا لابنه المهاجر بجنون لا يوصف , اذ ان كل الحب الذي يتماثله لم يكن حبا عاديا بل جنونيا خرج عن مألوفه , وتتضح ابجدية الحب والعشق بهروبه الى مناطق غير معروفة بل وغير مسكونة فأحتمل منها عدم الحضور الا غيابها والغياب ايضا كان بعيدا عن دنياه , وبالتالي لا وجود لتلك الدنيا الا في اشعاره ونفسه واراد ان يغادرها فتسائل "هل من مكان " وهنا اصبحت الاماكن ضيقة ومعروفة وتطلب منه ان يتسائل بعدم وجود اماكن محمية ومعروفة لديه كما لدى الاخرين .حيث جمال الشكل تعرفنا اليه في الحب , والذي ناقضه المعنى في اللاوجود لمكان يؤي عاشقا .
"أما ترون القلب مني باكيا ..بعد الحبيب بالدم القاني " في اشارة اخرى ان القلب الباكي والعين الباكية هما رسالة ودليل واضح لشدة الالم بانواعه  اذ لم يكن  البكاء للعين بل للقلب كما وصفه وذلك وجع متفاقم متعالي وهنا يؤكد لكل حضوره من رفقة واخوة ان حاله اخذ ينحى دروبا غير واضحة للبكاء وانهمار للدمع واطلق ان حبيبه في الدم اي ابنه ذو "القاني " والقاني صفة الدم النقي اي من صلبه في اشارة ان حبيبه لم يكن غريبا او من ابناء صحبه .
"طول الحياة سابقى منشدا ً..لحبيب عمري أجمل الالحان " رسالة اخرى يطلقها ويعاهد ذاته على ان يحيا ماحيي ناشدا مطالبا شاعرا قائلا ان كلماته هي لحبيبه لا لا حد غيره مادام في عروقه نبض للحياة لا وحتى تدركه لحظة الموت , سيظل عازفا بلحنه الخاص على الة الزمن الوترية .التي تعرف اليها الشاعر وكانت بلا شك في مخيالات عقله.
"سأظل في درب الاحبة ماشيا ً..مواصلا ًسيري بدون تواني " كما اكد بقاءه ماشيا ساعيا في درب احبته وهم اولاده دون سواهم متواصلا معهم اينما وجدو مردفا ان سيره سيبقى بلا تأني وبلا تباطؤ , فجاءت رغبة الشاعر ليست وليدة لحظة شعرية او صدفة وانما ولدت جراء الاتساق بهم فه لم يغادرهم ولم يتركهم يوما بمعنى حضورهما بمكان وزمان واحد على اغلب الظن .
"لعلي بهذا السير أحظى بغايتي ..ولعل الذي أهواه يهواني " يستطرد الشاعر لعل من اخوات كان يصفها وتصفه باستمرار السير غير المتوقف انه غاية وادراك فعلي حقيقي لا مخيلاتي او انفعالي وهي مايرجاه , ثم يتمنى ب"لعل" الثانية رجاءه بحب حبيبه وهو استدراك شعري ناجع اتجه الى احداثع بغية الوصول الى القلب المهاجر البعيد الذي قد اسهم في النسيان لا الاستذكار , وبالتالي ان الهوى الذي يمتلكه الشاعر ليس شبيها بهوى ولده واراد بلعل مرتين ان يبقى السير للجميع الحاليين المتواجدين بقربه والمبتعدين عنه واحد موحد ذو منحى واحد 
سأبني بيت حبي شامخا ً.. مسالكه حب وإخلاص بتحان " في لغة القوة تبقى القوة تسيطر على مجريات المفردات وبالتحديد في " سابقى وسابني وساظل جلها مفردات تعزيز الذات وعدم الانهيار واللحاق بالركب استخدمها الشاعر في ابياته ليؤكد حقيقة الاندفاع الى امام وعدم النظر الى الخلف لا ن العمر يسرع بنا وبه ولان السنين تبارحنا كما نبارحها , وفي البيت الشعري حالة بناء للحل لا للكراهية والصفات السلبية الاخرى , يتفنن بعمارته وببنائه لذاك الحب الذي يرده ان يرنو شامخا عاليا لا بسيطا دانيا , يتخلله حب اخر هو في مظلة الحب ذاته ملؤه الاخلاص والحنان .
فيا دنيا الفراق وأيام الجفى ..وداعا لذاك البعد والحرمان " حيث الحياة الزائلة دنيا فراق والفراق بعاد وتفارق بين الاحبة والخلة , يحاكي الشاعر تلك الحياة بما وصفها وموصوفها ب؟أنها ستكون يوما راحلة , فاعتقد ان الاحكام عليها في يده حينما يقترب من محبوبه وليست تمني بل واقع حال عاشع في حب الدنيا لاجل ولده وهو بلا شك بعض من كل , مستهلا حياته المعذبة بقوة الحب وان جاءت الدنيا بغير الالم الا انه سيبقى محبا له ولغيره شغوفا عاشقا مترنما .
من خلال تحليلنا لمعطيات الابعاد الرؤيوية الجمالية الشكلية  للقصيدة الشعرية نجد ان صفة الاتساق في العديد من المفردات التي استخدمها الشاعر كانت جلية تصب في لغة الحب وليس في لغة الالم التي افتتح بها القصيدة حيث ابتعد عن تطابق الالم والحب رغم انه قارب بين الم الحب وحب الالم , وكان عارفا بما ستؤول اليه القصيدة باعتبار ان التطابق والاتساق هو من ضروريات الشعر , فجاء الفعل الاتساقي لا الاطباقي من حيث استغلال امكانات الشاعر واظهارها لقطع الوفاء مع ذاته العارفة واحترامه لما اسس من بنيان لذا فهو احترم مبادىء معالجاته الوصفية فاعتلى صروح كلماته مناديا بقوالب لغوية كانت اقرب الى الشعر الغنائي الدارج منها الى شعر القصيدة العمودية , فضلا عن ان القضايا التي عبر عنها جاءت ضمن تفسيراتنا موضوعية لا تناقض بعضها البعض , عليه ان"البراجعي" ذهب بالتكامل الموضوعي في قصيدته معتقدا بالتماسك في طبيعة الموضوع واهميته , من حيث انه نقل موجعات الالم النفسي الى مسامعنا ونقل انساخ مفرداته المحبة وفقا لمعيير خاصة نابعة من المعيش في الحياة , ومع ذلك كانت الحقيقة رسالة في اعماق الانسان سرية خفية موشحة ببراقع الخجل وهو ماتحدى به ومانه ان يكون عونا له واجدها انها معايير فرعية لمعيار اساسي من معيار الحب عينه , اما المعنى فهو معيار قيمي اخر يصب في ثاويات القصيدة في ان الحقيقة التي مهد اليها تكمن في ابتعاد الابن عن الاب وكان مثارا في تلك الرسالة وحقيقتها , وعليه لا يمكن تطابق او اتساق الحب بالحب لانه كان من طرف اوحد هو "الاب " كحالة مباشرية ارتبطت بجمال الكلمة وجمال الالم وجمال المعنى في اغلب الابيات الشعرية (12) هكذا يضعنا الشاعر في انتظار محقق وحب لحياة اساسها الامل .
لقد امتلك الشاعر "البراجعي" استبصارات عدة هي من اشكال المعنى وضحها في الحب والتفاني ,والتحنان والقاني, فصورها بدقة كونها صفاته وخلائج يمتلكها فحسب اما معالجاتها فجاءت بناءا على مايمتلكه من ملكات الهية أتى بها وذهب بها من عالمه الى عالم ابنائه واودعها عالم " ابنه ميم " انه شفر لنا علاقة الاب بالابن ليمايز وانما لايفرق فسجل اهتمامه به واختار لنا بعض المفردات التي من شأنها ان عرفتنا على فعل ابنه ومنها " جافاني , الحبيب,لعل " , اما من خلال القصيدة نجد ان الابيات كانت رسالة شخصية وعامة وجهها له بمباشرية عالية اذ بين العمر يمضي به بقوة ربانية ولكن العمر بيد الخالق ولا يحتسب سوى عابرا مخضب بالدموع , وهذا دليل قصدي أكدته لنا تراتبية الابيات وتسلسلها , كما ان الاسئلة كانت ايضا رسائل قدمت بصيغة احضار المستقبل من الكلمات " ساظل , سابقى , سأبني "حقا ان القصدية المتعالية في الرسالة كانت عنصر تعبيري وعنصر دعم للاخر الذي ترك البلاد وهاجر , عليه نستنتج ان الرسالة جزء لايتجزأ من سلسلة قصائده التي سبقت انموذجنا في "أما ترون " وكذلك خذ العين " ولاحقاتها "هب عطرا ً"و"آه زماني " و" حول آلامي " وغيرها .
هكذا يضعنا "البراجعي " امام شفرات عدة وجدانية وجمالية فبدلا من ان يكتب رسالة بعبارات عادية اوجزها بقصيدة وابيات على غرار الوصايا التي ضمنتها الكتب السماوية واستنطقتها الانبياء والرسل , نعم صورها بحقيقة صادقة وناطقة استبصارية .
 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=121089
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16