• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تخلّفنا مزمن .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

تخلّفنا مزمن

 تضعنا التعريفات أمام إنشاء غير بريئ كلّما أصبح له تأثير ليس على المعنى التأسيسي فحسب بل على معنى المعنى أي صيرورة المعنى في سياقات متعددة..ومنها تعريف السياسة والعقل والانسان..هل السياسة نزعة أم تدبير..هل العقل جوهر أم فعل أم غريزة..هل الإنسان حيوان ناطق أم حيوان سياسي..يتجلّى اختلاف التعريفات في الواقع والممارسة التي تضعنا أمام أشكال مختلفة من الأداء السياسي بعضه يتم في حدود العقل والآخر في حدود الغريزة..هناك من يفهم من السياسة أنها مسؤولية وتدبير وهناك من يفهم منها أنها مخاتلة وإفساد..كنت ولا زلت أتساءل: ألا يمكن أن تكون السياسة محرابا للطهر والصفاء الروحي؟ أليست تدبيرا للخيرات وحربا على الفساد وخدمة للنّاس، فهل هناك عبادة أرقى من تلك العبادة؟ من يا ترى قال أبعدوا الدين عن السياسة وبإمكان السياسة نفسها أن تكون تديّنا تعرج فيه الروح وتتحقق فيه مقاصد الدّين نفسه؟ أي السياسة بوصفها دينا أيضا..مرارا قلت إنّنا نستعمل مفاهيم بمزاج فاسد..العلمانية هنا ليست كما هي هناك..الحداثة هنا ليست الحداثة هناك..أتتبع انحدار المفاهيم وسوء تدبيرها في مجالنا الذي يتآكل بفعل الرداءة..استعمال العلمانية التي كانت حدثا تاريخيا انطلق من داخل الكنيسة نفسها في عملية توزيع أدوار تاريخية حفظا للدين قبل الدنيا هي اليوم هنا تعني الهروب، تعني في ظلّ غياب رقابة ديمقراطية دقيقة التفافا على آخر القيم المتبقية..في مجتمعاتنا التي تعيش وضعية اضطراب في مرجعيات منظومة القيم لا زال الدين هو أساس الأخلاق الجماعية..وبما أنّ عصائب السياسة يجدون في بلداننا المتخلفة غياب مؤسسة رقابة دقيقة تنطلق من أخلاق مهنية حقيقية فإنّهم يتحدّثون عن علمانية إن هم عاقروها فسيجعلوا منها ممارسة فاسدة أيضا..فهم فاسدون في الوصل والفصل معا..إن وصلوا بين السياسة والدين أفسدوا وإن فصلوا بينهما أفسدوا..إنّه ضرب من الخداع..فالعلمانية لا تعني التهرب من الرقابة الأخلاقية حينما تبعد الدين..بل الدين في الدولة العلمانية يصبح مجالا لتنمية الروح ومصدرا للأخلاق العامة، وهي نفسها الأخلاق التي تعود وتراقب وتحاسب السياسة نفسها..الدين في الدولة العلمانية نفسها يخرج من الباب ويدخل من النافذة..يؤثر على المجتمع والاقتصاد والعلاقات.راجع ماكس فيبر..تفهم المافيات السياسوية عندنا العلمانية على أنها هروب، وخداع، وتحلل من الرقابة الأخلاقية، وهم يدركون أنّ أصل الأخلاق في بنيتنا يأتي من تعاليم الدين وليس من تعاليم روسو..في تارودانت وأحواز مراكش وأعالي الأطلس وهوامش المدن بل مراكزها لم يقرأ النّاس جون لوك أو مونتسكيو أو ماكس فيبر..ولا عهد لهم بالإثيقا والأخلاق المهنية..عن أي بديهة سياسية وأخلاقية تتحدث نخبة خضراء الدمن عندنا، وهي نخبة السياسوية الماكرة التي هي نابتة مختلفة لا هي من هؤلاء ولا هي من أولئك..تجار في تخلف مجتمعاتنا..في الانتخابات يجب أن تقنع الناخب بقيم ذات جذور دينية لأنّ أغلبية الناخب يجهل روسو ولا يميز بين الأخلاق والدين..ويعتبر السياسة دينا وأيضا دينا في عنق السياسي.. على هذا الأساس فقط نفهم لماذا يميل الناخب لأهل الدين في الانتخابات حتى لو كانوا من سراق الله؟ لأنه يريد قاعدة قيم مشتركة تضمن وعود المرشّح للناخبين..شيء ما يمسكون به في هذا التعاقد الذي عادة ما ينتهي إلى خيبة أمل..إنّ الناخب الآتي من المغرب العميق..أو المغرب غير النافع إذا كذب عليه المرشّح والسياسي فأوّل عبارة سيقولها له: الله يلقيها ليك.. السياسي الإخواني يتحرك هو الآخر في حدود الغريزة وليس العقل ولا حتى الدين..يريد دينا لإخضاع الجمهور والتغطية على فساد إدارته..يريد النصب على الناس بالدين كما يريد المتعلمن عندنا النصب على الناس باللاّدين..وإذن علينا أن نبدأ الحكاية من هنا، وهو أنّ مشكلتنا أخلاقية أيضا..أقول أيضا حتى لا أقع في المفارقة..لأنّ المشكلة النفسية تنتج أوضاعا لا أخلاقية والعكس صجيح ..والتدهور الاجتماعي والاقتصادي ينتج الآفات ذاتها..وهكذا كل شيء يؤثر في كل شيء..بنية تترنّح على هامش تاريخ يطالبنا بتجديد بطاقة الدخول وإلاّ سيطردنا منه نهائيا.. إنّنا حين نصبح كائنات متخلفة فكل شيء سيتخلّف من حولنا: الدين والدنيا..السياسة والمجتمع..النخب والجماهير..سنتخلّف حتى في ممارساتنا التنموية..سؤال التّقدّم ليس "طقّة حنك"، بل هو مسار وكفاح وتحرر..تظهر آثار التخلف علينا في كل شيء سواء في انتكاساتنا أو نضالاتنا..سلالة واحدة من التخلف تعبّر عن نفسها بصور مختلفة..نلاحظ ذلك في السياسة..اليمين واليسار: أخلاق واحدة في التمدح والهجاء..مآرب وصولية واحدة..حجاجيات تنتمي لذات العائلة المغالطة..في الهرولة هم شيء واحد..ويصبح الأمر دورانا في حلقة مغلقة تجعلنا في حالة تكرار وإعادة إنتاج تخلفنا..تاريخ تقدمنا هو صور عن ثعبان عاض على ذنبه.. إنّنا حين نصبح كائنات متخلفة فإنّ كل شيء سيتخلّف من حولنا: السلوكيات والمفاهيم..الدين والدنيا..السياسة والمجتمع..النخب والجماهير..سنتخلّف حتى في ممارساتنا التنموية..سؤال التّقدّم ليس "طقّة حنك"، بل هو مسار وكفاح وتحرر..تظهر آثار التخلف علينا في كل شيء سواء في انتكاساتنا أو نضالاتنا..سلالة واحدة من التخلف تعبّر عن نفسها بصور مختلفة..نلاحظ ذلك في السياسة..اليمين واليسار: أخلاق واحدة في التمدح والهجاء..مآرب وصولية واحدة..حجاجيات تنتمي لذات العائلة المغالطة..في الهرولة هم شيء واحد..ويصبح الأمر دورانا في حلقة مغلقة تجعلنا في حالة تكرار وإعادة إنتاج تخلفنا..تاريخ تقدمنا هو صور عن ثعبان عاض على ذنبه.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=121071
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29