• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة في كتاب عنوان الكتاب: نهاية حلم وهم الإله .
                          • الكاتب : د . حميد حسون بجية .

قراءة في كتاب عنوان الكتاب: نهاية حلم وهم الإله

تأليف الأستاذ الدكتور أيمن المصري
الناشر: مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث العقدية التابعة للعتبة الحسينية المقدسة
سنة النشر: 2017
      يُعدّ عالم الأحياء البريطاني ريتشارد دوكينز Richard Dawkins من أشهر دعاة الإلحاد المعاصرين المجاهرين بمعاداتهم للدين وفكرة الإله. ولأن أسلوبه يتسم بطابع السخرية والتهكم والاستفزاز، فقد كان نقده "يفتقر لأبسط المقومات العلمية في نقاشاته للأدلة الفلسفية والرؤى الدينية." وقد ألف دوكينز كتبا منها (صانع الساعات الأعمى)و(الجين الأناني)، لكن أشهرها كتاب(وهم الإله The God Delusion) الذي تُرجم إلى عدة لغات. وقد أوكلت مؤسسة الدليل مهمة دراسة ونقد الكتاب إلى الأستاذ الدكتور (أيمن المصري)المتخصص بالعلوم العقلية.
    وقبل أن يبدأ الأستاذ الدكتور أيمن المصري بنقده للكتاب، ومن أجل أن يكون نقده للكتاب علميا ومنطقيا، وبعيدا عن المهاترات العقيمة، فقد صدّره بمقدمة تمهيدية عن قواعد التفكير المنطقي الصحيح. وقد وضع تلك المقدمة على عدة أصول: فلسفة التفكير الصحيح وفلسفة الوجود وفلسفة الأخلاق وفلسفة العلم ونظرياته وفلسفة الدين ودوافع الإلحاد. 
    صدر كتاب(وهم الإله) عام 2006 فأثار الكثير من الجدل، وأُلّفت الكثير من الكتب للرد على ما جاء فيه. وترجم إلى عدة لغات منها العربية. فقد قام بترجمته (بسام البغدادي) عام 2009. وهو مخرج وكاتب وناقد أديان وملحد عراقي، خريج كلية الفنون الجميلة-جامعة بغداد. هاجر إلى السويد وأكمل دراسته هناك. وهو مهتم بكتابة الشعر والقصة القصيرة ومقالات في نقد الأديان. وثمة أكثر من دليل على أنه لا خبرة لديه في المنطق والفلسفة، وهو أقل دراية بمنهج العقل والدين. بيد أنه نصب من نفسه حاكما ومدافعا عن كتاب(وهم الإله) ومؤلفه. وهو يثني على ما جاء في الكتاب من (براهين علمية)، ولم يلتفت إلى أنها كانت أدلة مزيفة ناقضت البراهين الفلسفية التي جاء بها كبار الفلاسفة من أمثال أرسطو والفارابي وابن سينا وغيرهم. 
    أما عن ريتشارد دوكينز نفسه، فقد ولد عام 1941 في كينيا. وهو عالم في الأحياء التطورية-متخصص في الأبحاث الجينية- وعلم سلوك الإنسان وكاتب مواضيع علمية. وبذا فليس لديه تخصص في الفلسفة والدين. وهو من جانبه نصب نفسه لمجادلة أصحاب الاختصاص والتطاول عليهم. فشتان بين علم الطبيعة الحسي التجريبي وعلوم ما وراء الطبيعة العقلية غير المحسوسة!
    ثم يبدأ الأستاذ الدكتور المصري بمناقشة دوكينز ابتداء من مقدمة كتابه، والرد عليه بالتفصيل بما يتوافق مع ما وضعه في مقدمته التمهيدية من أصول. 
   وفي الفصل الأول من الكتاب، يتناول دوكينز قصصا من نسج خياله أو مروية عن أصدقائه، لا يصلح سردها إلا لبسطاء الناس! وبذلك فلا يحتوي هذا الفصل مسائل علمية تستحق التعليق. وهو يعزز كلامه بما ورد عن الملاحدة. وللمؤمنين بوجود إله أن يستشهدوا بالكثير مما ورد عن أساطين حكماء اليونان وفلاسفتهم، ومعظم علماء الثورة العلمية الصناعية، وكبار علماء الأعصاب والمخ والعلماء النوابغ من أصحاب فيزياء الكم الذرية الحاصلين عل جوائز نوبل-فمعظم الحاصلين على تلك الجائزة هم من العلماء المؤمنين. 
    وفي الفصل الثاني من كتاب(وهم الإله)، يركز دوكينز على نحو كوميدي على أقوال الساخرين من الدين ومن المبدأ الإلهي. ومن أولئك توماس جفرسون مؤسس الحزب الديمقراطي الأمريكي والرئيس الأسبق للولايات المتحدة، وهو من رموز الماسونية العالمية. 
   وتكشف نقاشات دوكينز في هذا الفصل عن جهل شديد بأصول مناهج البحث العلمي، وكذلك جهله بموضوعات العلوم الفيزيائية، وحتى البايولوجية التي هي من صلب اختصاصه!
    ومما يناقض دوكينز فيه نفسه في هذا الفصل اعترافه بعدم أهلية العلم لتبيان القيم الأخلاقية. ومما تجدر الإشارة إليه أن المنهجية الفكرية المخطوءة وغير المنطقية في التعامل مع الفكر الديني والفلسفي تتخلل كل فصول الكتاب، وهي لا يمكن أن تخدع إلا الناس السذج. أما عند العلماء، فهي لا تثير إلا السخرية ليس إلا. فهو ينتقد الفكر الديني بمنهج حسي مادي. وهذا من الجهل المتعمد في تحديد طبيعة المنهج المناسبة لطبيعة الموضوع المراد نقده. 
  وفي الفصل الثالث، يرتدي دوكينز لباس الفلاسفة والحكماء ليرد على الفيلسوف توما الأكويني. وكان الأجدر به أن يقدّم هذا الفصل قبل الفصلين السابقين حسبما تقتضيه منهجية البحث. وتكشف انتقادات دوكينز لتوما الأكويني "عن المستوى المنطقي الفلسفي المأساوي لدوكينز" الذي أقحم نفسه في ورطة! فهو يذكر الأدلة الخمسة المشهورة لتوما الأكويني على نحو محرف ومشوش وبما يتوافق مع ما يريد أن يقوله، أو أنه لم يفهم ما يراد قوله. فدوكينز يجهل ما يتطلبه النقاش من مقدمات منطقية وفلسفية. 
   فمثلا عند طرحه لنظرية الانفجار العظيمBig Bang Theory، ينسى أو يتناسى أن النظرية تتعلق بكيفية نشأة الكون وليس بنشأة أصل الكون. كما أن هذه النظرية تقتضي أن الكون نشأ من نقطة منفردة  انهارت حينها قوانين الفيزياء المعروفة، فكانت الحرارة والكثافة في أقصى حالاتهما. وبعد حصول الانفجار، انبعثت الطاقة الهائلة، ثم بردت لتتكون منها الأجسام الصغيرة وبعدها الكبيرة. فلم تتعرض النظرية لأصل تلك النقطة المنفردة وكيف جاءت وكيف حصلت تلك التطورات التي أدت إلى ذلك الانفجار. فالإجابة عن ذلك خارجة عن أنطقة القوانين الطبيعية والفيزيائية.
  وبعد عجزه عن الرد المنطقي على كل ذلك، يسارع دوكينز إلى هزلياته وحكاياته المملة. ويعود للتهكم من أقوال العلماء، وهو يغض الطرف عن سبب تدين أكثر العلماء.     
   وفي الفصل الرابع الذي عدّه دوكينز أهم وأخطر فصل في كتابه، إذ يتضمن المبادئ الأساسية للإلحاد، يتساءل دوكينز لماذا يكون الاحتمال الأكبر هو عدم وجود الإله؟ وكعادته، فهو يعتمد على الشعر والخيال ليدغدغ مشاعر القارئ. كما يتخذ من أقوال جيفرسون ربيب الماسونية إلهامات له. فما علاقة العلم ومنهجه الحسي التجريبي بإثبات المبدأ الإلهي أو نفيه؟ وهو لا يعتبر التصميم الذكي بديلا للصدفة. كما أن الانتخاب الطبيعي هو الحل الفعال الوحيد المطروح بالنسبة له. ولنسأل دوكينز: كيف حصلت الاختلافات الجينية وتميزت إلى نافع وضار؟ هل كان ذلك بغاية أم بغيرها؟ كيف تميّز المادة غير الواعية بين النافع والضار؟
    ولو تشدق الملحدون بالسؤال الطفولي: إذا كان الله قد خلق الكون، فمن خلق الله؟ فيمكن أن نقلب السؤال عليهم: لو أن الكون قد خلقَنا، فمن خلق الكون؟ 
   ويقول مكتشف الـ DNA ورئيس مشروع الجينوم البشري DNA في أمريكا فرانسيس كولينز، وهو مؤمن: "...فالتطور آلية يستعملها الإله تماما كما يستعمل آلية الخلق الخاص." 
   ويُشكِل دوكينز على المؤمنين بما يسميه (أسلوب سد الثغرات). ونقول له أن العديد من علماء الأحياء والفيزيائيين في القرن العشرين قد اعترفوا بوجود إله. ولا بد لنا من ذكر الفيلسوف البريطاني انتوني فلو الملحد العنيد الذي تحول من زعيم للملاحدة إلى مؤمن بالمبدأ الإلهي. 
  وفي الفصل الخامس وما يتلوه من فصول وحتى نهاية كتاب دوكينز، ثمة نقد للدين ونفي للمبدأ الإلهي. وفي هذا الفصل يسعى دوكينز إلى البحث عن جذور الدين ومناشئه التطورية والنفسية والاجتماعية والتاريخية، ويتجاهل المنشأ الإلهي. 
  ويأتي ردنا عليه فيما قاله البروفيسور بول فيتزPaul Vitz  أستاذ الطب النفسي بجامعة نيويورك في كتابه المشهور Faith of the Fatherless والذي كان نفسه ملحدا ثم استبصر. فيقول في دراسة أجراها على شخصيات عديدة من ملاحدة العصر الحديث أن الإلحاد يعود إلى خلل نفسي عصابي neurosis وتقف وراءه رغبة دنيئة في اللاشعور للتخلص من سلطة الأب والحلول محله-كما يقول فرويد-بينما يشخص وراء الإيمان بالله الشعور بالأمان. ويطرح البروفيسور فيتز فرضية التقصير الأبوي Defective Father Hypothesis التي يربط فيها بين رفض سيطرة الأب البشري ورفض سيطرة الأب السماوي. 
   وفي الفصول اللاحقة، يطرح دوكينز أسئلة في ويجيب عنها بما يحلو له، مثل هل نحن بحاجة للدين كي نكون صالحين؟ ثم يتعرض لنصوص انتزعها من الكتاب المقدس ويركز على ما يبدو أنها ممارسة الرذيلة من بعض الأنبياء. وهو يعزو العدوانية للدين، وإلى ما غير ذلك من هذيانات.
    وتنتهي مسرحية (وهم الإله) التي كانت مجرد حلم أراد من خلاله دوكينز أن يمثل دورا أكبر من إمكاناته الفعلية، متوهما أنه يوقظ البشرية من وهم. وحقيقة الأمر أنه كان هو الأجدر بأن يوقَظ من أوهامه المريضة!  
                                      قراءة
                            أ د حميد حسون بجية
     




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=119876
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28