• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : ديوان صالح بن العرندس الحلّي ..جهدٌ تحقيقيٌّ مبارك .
                          • الكاتب : عماد جابر الربيعي .

ديوان صالح بن العرندس الحلّي ..جهدٌ تحقيقيٌّ مبارك

   بعد فحص لعشرات المخطوطات والمجاميع الشعرية صنع الدكتور سعد الحداد ديوان الشاعر صالح ابن  العرندس الحلّي { 840هـ } وهو الديوان التاسع من سلسلة ديوان الشعر الحلي التي أصدرها الأديب الباحث المحقق الشاعر الأستاذ الدكتور سعد الحداد . ولو سألنا الدكتور الحداد لماذا ابن العرندس ؟ لأجاب : لما فيه من روح الولاء الممتزج بأسلوب بلاغي جميل وليكون ثوابا ومنفعة ...
  أقول : { شبيه الشيء منجذب إليه } فروح الولاء تملأ قلب الدكتور الحداد ، وسعيه لإصدار دواوين الشعراء 
 الموالين لأهل البيت { ع } خير دليل إلى جانب كتابه الرائع { الحسين في الشعر الحلي } بجزأيه الأموات والأحياء ، وقائمة الكتب التي أصدرها والتي بلغت ثلاثة وثلاثين كتابا شاهد آخر على اهتمامه بالحركة الثقافية في الحلة . فهو يسعى لإحياء مجدها والإشادة بمفاخرها , أصدرها تباعا لمرضاة الله بدوافع العقيدة والشعور الديني ...
  إبداع الحداد :
   الدكتور سعد محمد حسين الحداد أديب حلي بارع ، نجم ساطع ، له الصدر دون منازع ، في التعليم له مهارة , وفي التحقيق جدارة . ولعل القصيدة السادسة من قصائد ديوان الشاعر صالح ابن العرندس تعطينا صورة أوضح عن الجهد المبذول في صنع الديوان ، ولو نظر القارئ تخريج القصيدة لأدرك أين وكيف لي ولك الوصول إلى المصدر ؟ لأن الإبداع لا يكمن في المصادر المتداولة المعروفة ... وليس هناك سوى نسخة واحدة ، فكيف يتم تصويب التصحيف والتحريف ؟ وكيف تملأ الفراغات ؟ وكيف وكيف ... ؟ فهذه أمور لايستطيع الوقوف عليها وتصويبها غير المختصين المنصرفين للتحقيق ممن يمتلكون وسائل المعرفة التي تؤهلهم لمثل هذا العمل وهنا تظهر الخبرة والمهارة والموهبة .. وسيرى قارئ ديوان الشاعر صالح ابن العرندس أن الدكتور سعد الحداد من هؤلاء الأعلام إذا التزمنا الصدق والموضوعية . قال تعالى : " ولا تبخسوا الناس أشياءهم " { الأعراف /85 } وسأذكر بإيجاز أمثلة لذلك ...
   الدقة والانتباه  :
   لم يكن عمل الدكتور سعد الحداد مجرد جمع  لقصائد الشاعر ابن العرندس من هذا الكتاب أو ذاك ، فهو أولا يقف على أسماء الشعراء الذين اشتهروا بلقب العرندس  { ص 19 وما بعدها } إلى جانب ذكره لمعاني هذا اللقب كذلك ينبه الدكتور سعد الحداد عن موشح نسب للشيخ العرندس وهو ليس للشاعر ابن العرندس ، فهذا التنبيه خير دليل على الدقة في العمل . ومن خلال مقارنة القارئ بين النص الثالث مع صور المخطوطة {ص30ــ31 }
سيظهر له الجهد المبذول في تحقيق النص ..ومن اليقظة والإنتباه واستيعاب النص ما جاء تعليقا على قول الشاعر : ولألعنن زيادها  ويزيدَها           ويزيدُها ربي عذابا منزلا
قال الدكتور الحداد : ورد البيت في قصيدة الشاعر الدالية باختلاف طفيف .
أقول : يريد قول الشاعر : فلألعنن يزيدَها وزيادها         ويزيدُها ربي عذابا سرمدا
   كذلك قول الدكتور الحداد : عجز البيت مكرر ، مرً في البيت الرابع من القصيدة  . جاء ذلك تعليقا على قول الشاعر {ص115} : 
يا أم قومي انظري رأس الحسين أخي             كالبدر يشرق فوق الذبل اللدن
أما البيت الرابع فهو قول الشاعر { ص110} :
وابــكوا علــى رأسه بالــرمح مشتهرا            كالبدر يشرق فوق الذابل اللدن
   ويبدو لي أن { الذبل } في قول الشاعر { يا أم قومي ..} صوابها { الذابل } لأننا نجد في هامش البيت: في ديوان القرن التاسع : { الذبل } .
  ومن ذلك تعليق الدكتور سعد الحداد على قول الشاعر صالح ابن العرندس :
فـكأنــه و جواده و حســامـه            يا صاحبيً لمن أراد تأمــلا
شمس على الفلك المدار بكفه          قمر منازله الجماجم والطلى
  قال الدكتور الحداد في الهامش : وهذا البيت والذي بعده مأخوذ من قول الشفهيني الحلي :
فكأنــه وجواده و حســامــه            وسناه والنقع داج أســود
فلك بـه قمــر يمر يؤمـــــه            متقدما في جنح ليل فدفدا
أقول : كلا البيتين رسم صورة جميلة دالة على روعة الشعر الحلي وسناه في سماء بابل " كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا " .{ الكهف / 33 }
  الملاحظات النقدية :
   يجد القارئ لهوامش ديوان الشاعر صالح ابن العرندس ملاحظات نقدية جميلة تدل على ثقافة المحقق الدكتور سعد الحداد وذوقه الفني وهي التفاتات ذكية . من ذلك قول الشاعر ابن العرندس مادحا شعره كعادة شعراء تلك الفترة :
أنـظمـها نظم اللآلــي وأسهرالــــــ      ليالي ليحيا لي بكم ـ وبها ـ ذكر 
قال الدكتور الحداد في الهامش : في أغلب المصادر : { ليحيا لي بها وبكم }
  أقول : ما أروع إيجاز هذا التعليق لما فيه من فسحة للقارئ ليفكر مليا فينحاز للصيغة التي اختارها المحقق ذلك لأن حياة النصوص الشعرية في مـدح أهـل البيت { ع } ليس سببها الأول الشاعــر ، إنـما لأنـها قيلـت في إحـيـاء ذكرهم { ع } لذا وجب تقديم شبه الجملة { بكم } على { بها } ... ومثله قول الشاعر :
مهابط وحي الله خــزان علمـــه         ميامين في أبياتهم نزل الذكــــــر
  نجد في الهامش : في المنتخب وديوان القرن التاسع { في أبياتهم يقبل النذر }
   أقول : لا يخفى على القارئ اللبيب أن الصيغة التي اختارها الدكتور الحداد  { في أبياتهم نزل الذكر } أفضل وأكثر مناسبة لصدر البيت {مهابط وحي الله ..} .
   الملاحظات اللغوية :
   أستطيع القول أن الدكتور سعد الحداد  { يعرف من أين تؤكل الكتف } فملاحظاته اللغوية كسابقاتها النقدية تدل على امتلاكه لثروة لغوية واسعة تقف وراء نجاحه ليس في تحقيق ديوان الشاعر صالح ابن العرندس بل كل دواوين الشعراء التي قام بتحقيقها وهي صفة ظاهرة وملازمة لمنهجه في تحقيق النصوص الشعرية ، من ذلك قول الشاعر { يحاور حمامة } :
ناشدتها يا ورق مــا هــذا البـكــا         ردي الجواب فجعت قلبي المكمدا
والطوق فوق بياض عنقك أسود         وأكفك حمر تحاكــي الـعســـــجدا
   نجد في الهامش : العسجد : الذهب ، الجوهر كالدر والياقوت وهو الأنسب لأن فيه الأحمر فتصح المقابلة وإلا فلا وجه للمقارنة بين حمرة الكف وصفرة الذهب .
     وبالمناسبة أقول : في الديوان عدة أبيات يأتي فيها ذكر الألوان على اختلافها أجاد الشاعر استثمارها فنيا فكان لها أثر واضح في إيصال الصورة التي رسمها الشاعر ... أما قول الدكتور الحداد { وهو الأنسب } فكثيرا ما نجد في هوامش الديوان : وهو الأنسب لــ .... والتعبير غير مناسب .... ولعل الأنسب أن يقول ..... وربما كان تصحيفا  ....ومن الملاحظات اللغوية ما جاء تعليقا على قول الشاعر :
وسلا الفؤاد بحر نيران الجوى          مني فذاب وفــي هواه ما ســلا
نجد في الهامش : سلا : السياق أنه أراد احترق واكتوى ولم نعثر عليه في معاني الكلمة ولو قال { صَلِيَ } كان أسلم لكنه أراد الكلمة بالذات للجناس الذي يلتزمه عادة .
     وأحب أن أقول : لا يعاب ولا يلام الشاعر لالتزامه الجناس فلكل عصر سمات وخصائص اسلوبية تميزه ومن خلالها نستطيع تحديد هوية الشاعر ــ أعني عصره ــ وإلا فلماذا شعراء اليوم يتنقلون بين قصيدة العمود وقصيدة النثر إلى جانب الشعر الحر ؟ ولماذا اختلفت لغة الشعر ؟ .....؟
     وبمناسبة ذكر الجناس أجد من الواجب الإشادة بجهود الدكتور سعد الحداد في ضبط قصائد الديوان بالشكل لما في ذلك من مساعدة للقارئ كي يقرأ بسهولة ويسر أولا ولما في الضبط بالشكل من أثر مهم في فهم معنى الجناس بصورة خاصة .
     درر البلاغة :
   في هوامش الديوان الكثير من توجيهات الدكتور سعد الحداد الجميلة لدرر البلاغة وبديع نظم الشاعر صالح ابن العرندس ، فمن ذلك توجيهه لقول الشاعر :
كسرى بعينـيـه الصحـاح وخــده ( م )  النعمان بالخال النجاشي خولا 
كتب العلي على صحائف خــده        نوني قسي الحاجبين ومــثــلا      
 قال : والتورية لطيفة في البيت ، فقد أراد قوة تأثير عينيه كقوة كسرى مع انكسارها ... والمراد بالنونين : الحاجبان والعينان فهما نونان مقلوبان .
   وأحب الإشارة إلى ظاهرة استخدام أسماء الحروف في شعر ابن العرندس وهي لا تخلو  من جمال فني فما أجمل قوله في الإمام الحسين { ع } :
فبسـين سمـر الخط يطعن أنجلا          وببـاء بيض الهند يضرب أهدلا
فتخال طاء الطعن أنى أعجمت           نقطا وضاد الضرب كيف تشكلا
   ومن الذين سبقوا الشاعر في هذا الاستخدام ابن سينا { ت 427 هـ }في قصيدته العينية { عن النفس } قال :
حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها           من ميم مركزها بذات الأجرع
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت          بين المعالم والطلول الخضع
   وأعود إلى درر البلاغة فأقول : جمع الشاعر ابن العرندس بين الجناس والمقابلة في قوله :
له أربع للريح فيهن أربــــــع           لقد زانه كرّ وما شانه فــــرّ
   يوجه الدكتور سعد الحداد البيت بقوله : الأربع : كأنه أراد بالأولى قوائم فرس الإمام { ع } ، وبالثانية الرياح الأربعة في اتجاهاتها المختلفة ، والمراد بيان سرعة جري الجواد.
   وفي توجيهه لقول الشاعر:
قمر بكت عين السماء لفقده           أسفا وقلب الدهر بات مقلقلا
   يقول : قلقل الشيء : حركه فتحرك واضطرب ، وتقلقل : تحرك بصوت شديد ، كناية عن الاضطراب والحزن . 
أقول : البيت يذكرني بقول المتنبي :
فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا        قـلاقـل عيس كلهـن قـلاقــل
   وكذلك قول الدكتور الحداد : في البيت تورية لطيفة . تعليقا على قول الشاعر :
فعيناي كالخنساء تجري دموعها      وقلبي شديد في محبتكم صخر 
   ومعذرة لهذا الاستطراد مع البلاغة العربية فهي جميلة ، لها قواعدها التي تنظمها وهي أجمل من طلاسم الكثير من النتاج الشعري الحديث ...
   أما توجيهات العروض فاكتفي بما جاء في قصيدة الشاعر السادسة { سبقت الإشارة إليها } :
قد باد عنه أهـلـه وصحـابـــه       ويداه قـد نيطت بها الأصفاد
  نجد في الهامش : في الأصل : وأصحابه ، وفيه خلل في الوزن . ولعل ما أثبتناه هو الأنسب ...
   أقول : لايخفى التواضع وأدب التعبير في تصويب خلل الوزن في البيت ..
   جواهر الهوامش :
   وبعد أخي القارئ الكريم فلا أثقل عليك فهوامش ديوان صالح ابن العرندس الذي صنعه الدكتور سعد الحداد كلها جواهر ، ذلك لأننا نجد فيها عشرات الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة إلى جانب الأحداث التاريخية التي وردت في ثنايا قصائد ابن العرندس إضافة إلى التعريف بالأعلام ...أما بيان معاني المفردات فهي غنية حقا بما جاء فيها ... إلى جانب تصويب الأخطاء ورسم الكلمات بالرسم الإملائي الحالي ........وأحيانا نجد الإيجاز ولكن في مكانه المناسب كون الأمر شائعا أو معروفا لا يخفى على الكثيرين أو سبق الإشارة إليه في هوامش سابقة تجنبا للتكرار وربما اختصارا ..
   البر والإحسان :
   قال صانع الديوان الدكتور سعد الحداد في{ ص 13} : ‘‘ وقد استخرت الله باصدار شعر ابن العرندس بما تجمع عندي من القصائد ليكون بين أيدي المحبين منفعة وثوابا ....‘‘  وفي الصفحة الأخيرة من الديوان نجد :
طبع الكتاب ثوابا لروح المرحوم حيدر سعد الحداد ( الفاتحة ) .
   ابتداءً أقول : أدعو الله أن يمن على الدكتور سعد الحداد بدوام الصحة والعافية والعمر المديد .....  وأن يتغمد  { جل جلاله } برحمته الواسعة فلذة كبده المرحوم حيدر .... وقد سبق لي أن قرأت في الصفحة الثقافية لجريدة الفيحاء قصيدة الدكتور سعد الحداد { فلذة كبد } ومما جاء فيها :
رحلوا 
وما زلت تحفر في الذاكرة
علك تستعيد 
جذوة 
أو تقتبس الأسماء 
مازلت مرتعشا 
ليس خوفا على ما تبقى 
فالعمر 
مرافئ شتى 
وأنين الصبر 
حجر 
يلقم أفواه النشيج 
يا 
أنت 
رحلوا 
ولما يكتمل القمر 
   وختاما ... لا يسعني إلا تكرار ما روي عن الصادق { ع } أنه عزى رجلا بابنه فقال له :
" الله خير لابنك منك ، وثواب الله خير لك منه " 
وقول الرضا { ع } للحسن بن سهل وقد عزاه بموت ولده :
" التهنئة بأجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصاب " 
   رحم الله حيدر كان بعمر الورد وهو أندى ، ورحل{ كعطره} سراعا وهو أذكى ... وكأنه المراد بقول التهامي في رثاء ابنه :
يا كـوكبا ما كـان أقـصرَعـمره           وكـذاك عمـر كـواكـب الأسحار 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=118933
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 05 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28