• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : في عام 2005 … هل كنتُ أحمقاً ؟!  .
                          • الكاتب : ايليا امامي .

في عام 2005 … هل كنتُ أحمقاً ؟! 

أنا من أفراد اللجان الشعبية التي تشكلت في العام 2005 للمطالبة بالدستور والأنتخابات .
وأريد بعد 12 سنة أن أطرح على نفسي تساؤلاً بكل بصراحة .. 

هل كنت أحمقاً ومخدوعاً يومها .. حين أيدت العملية السياسية ؟ 
هل تم استغلالنا _ نحن شباب اللجان _  في تثبيت الوضع السياسي الحالي .. ثم رمانا المستفيدون في سلة المهملات ؟ 

هل كانت جهودنا المضنية في فرض الدستور والإنتخابات .. نوعاً من مشاعر الشباب الرومانسية .. وأحلاماً عن العراق المتطور والمتقدم .. لاواقعية لها ولا إمكانية لتطبيقها ؟ 

* في الحقيقة أننا لم نكن نعرف طعم النوم في تلك المرحلة .. 
يقال أن المحارب يكون قوياً في ساحة المعركة .. إذا كان شاعراً . 

وإذا سألتني لماذا أنت مؤمن بهذا العراق .. فالجواب ببساطة .. لأني رأيت قتال عنترة بن شداد وأبي زيد الهلالي .. في عمل زملائي  .

لقد كنا نخوض مواجهة شرسة لتوعية الجماهير بأن تطالب بحقها في كتابة دستور البلد وانتخاب حكومة وطنية .. بإرادة الجماهير .. لا بأرادة بريمر .

وكنا نسمع كلمات التجريح من الصديق ( المقاطع ) قبل العدو المتربص .. وصبرنا .. ثم صبرنا .. ثم صبرنا .. حتى عاد المقاطع الى الإيمان بالعملية السياسية .. وأخذ يحصد المقاعد البرلمانية .. ونحن كما نحن .. خرجنا كما خرجنا .. بدون أي مكسب سوى راحة الضمير .. وطاعة المرجعية . 

* كنا نخرج من أول ساعات الفجر .. ولانعود الى بيوتنا حتى آخر الليل .. هذا إذا رجعنا .. ولم نخضع لأقرب ( مخدة ) نعثر عليها في الحسينيات أو بيوت الأصدقاء .. 

* نطبع المنشورات .. نوزع اللافتات .. ندور في الأحياء والقرى بمكبرات الصوت ورتل من السيارات .. نردد الأناشيد والعبارات .. ونستثير غيرة الناس .. ونذكرهم بأنهم أقوياء كفاية ليتحملوا مسؤولية اختيارهم . 
ولاتسألني عن ثمن الافتات أو الاستنساخ أو وقود السيارات .. لأن جيوبنا كانت مستسلمة للأمر الواقع .. وتدفع وتقول ( الجزاء على الله ) . 

* كنا شباباً في العشرينات .. خرجنا للتو من حكم نظام صدام الدكتاتوري .. الذي كان يستهزء بكرامة أبي  .. وكرامة عمي المعلم المسكين براتب ثلاثة آلاف دينار شهرياً .. وعندما يستلم راتبه ويخرج يجد الرفاق ينتظرونه على الباب لأخذ تبرعات جيش القدس .. وإما أن تدفع راتبك .. أو مرحباً تصبح جندياً في جيش القدس . 

* ولا أنسى يوم زارنا الرفيق المناضل عضو قيادة شعبة .. فوجد في مضيفنا صورة المرحوم جدي .. وصورة قبة الامام الحسين عليه السلام .. وأخذ يبحث عن صورة صدام يميناً وشمالاً .. وعندما لم يجدها ثارت ثائرته وأخذ يعاتب والدي على هذا التقصير الوطني والخيانة العظمى .. ولكن والدي أجابه : يارفيق شلون تريدني أعلق صورة ورقية للقائد من هاي أم ألف دينار .. لا ميصير لازم صورة أم الجام بعشر آلاف دينار .. انتظر خل تصير عندي فلوس .. وإذا تقرضني بعد أحسن . 

* المفروض أننا خرجنا من هذه الأجواء بعقد نفسية كبيرة وأزمات تفكير حادة .. على الاقل هكذا كانت أمريكا تتصور .. ولم يخطر في بالهم أننا سنطالب بشيئ بعد الخلاص من صدام . 

* ولكنا تجاوزنا التوقعات .. ( توقعات أكبر دولة تدعي الديموقراطية في العالم ) وطالبنا بحقنا الإنساني والقانوني .. وقمنا بحملات توعية وإحتجاج حضارية عالية التنظيم بشكل أذهل الأحتلال .

* دعمنا القائمة 169 كقائمة تتعهد بانجاز مطالبنا بكتابة الدستور ورسم الخارطة السياسية .. وبعد صراع مرير مع سلطة الإحتلال .. حصلنا على الكثير من حقوقنا .. والكثير من كرامتنا . 

* دعمنا هذه القائمة بكل قوتنا .. ولأن هدفها كان كتابة الدستور فقط .. فقط نجح أعضاؤها .. ونجحنا نحن . 

* لم تقل المرجعية يوماً أنها تدعم هذه القائمة كما يحاول البعض أن يكذب عليكم .. بل نحن الذين نتحمل المسؤولية .. حين قلنا للناس بأن هذه القائمة هي الاقرب لتحقيق تطلعات المرجعية في صياغة الدستور .. وكنا صادقين في ذلك  .. وحدث ما قلناه للناس . 

* أعود لأسال .. هل كنا حمقى ؟ 
أشعر أن شجاعتي لا تخونني .. وسأقولها بصراحة لو كنت أعتقد بأننا خدعنا .. ولن أخون قارئي الكريم في التعبير عن ندمي لو كان للندم مكان في نفسي . 

* الواقع أنني راض عن كل ساعة عملت فيها ضمن هذه اللجان الحضارية .. راض عن كل يوم رفعنا فيه صوتنا وطالبنا بحقوقنا .. راض أنني لم أكتف بالنقد والتجريح والتسقيط .. بل قمت للعمل كشاب في العشرينات .. مؤمناً برؤى المرجعية الدينية وحقي الإلهي في أن أحدد مصيري . 

* شعرت أن تربيتنا الحسينية تعلمنا المطالبة بحقوقنا والعمل على أخذها .. لأن احداً في هذا العالم لن يعطيك حقك وأنت جالس . 
المهم فقط .. أن تعرف متى وكيف تأخذ حقك .. وإذا عرفت ذلك أولاً  .. فيجب أن تتعلم من المرجعية ثانياً .. التركيز على ماتريد .. ولاتسمح لمن يريد إحباطك الى الوراء .. او إستفزازك الى الأمام . 

* في تلك المرحلة كتبت منشوراً من منشورات اللجان الشعبية .. وتمت طباعته وتوزيعه بكثافة .. وبعد أيام وصل الى يد أحد أعضاء مجلس الحكم الذي شكله بريمر .. وقام ذلك السياسي ( المعروف حالياً ) يصرخ ويستنكر في مجلس الحكم أن صور السيستاني توضع في منشورات ( طائفية ) تعتبر المرجعية ممثلاً شرعياً للعراقيين .. وقال محتجاً ( إذا هاي المزعطه ممثلها الشرعي السيستاني إحنه شنو وجودنا هنا ؟ ) 

* أنا لازلت راضياً عن عمل اللجان الشعبية .. وما حققته .. فعلنا ما فعلنا لله وللوطن .. ولكي لا يعاتبنا جيلنا اللاحق بأننا تخلينا عن بلدنا وتركناه للاحتلال او للانقلابات العسكرية .. 

* في ذلك الوقت كان هناك طرفان متصارعان وطرف ثالث متفرج .. 
كان الصراع بين إرادة المرجعية ومعها اللجان الشعبية الشابة .. والنخب الأكاديمية الواعية من جهة .. وسلطة الإحتلال التي كانت تستكثر علينا المطالبة بحقوقنا من جهة أخرى .. 

وأما المتفرج فكان الاحزاب والساسة الذين كانوا يبحثون عن إمتيازاتهم لا أكثر .. وحيث أنهم أكلوا خيرات البلد وامتصوا دماء الناس .. فأنا متيقن أن الله تعالى لن يحاسبني على تصرفاتهم .. لأني سعيت للأفضل .. وهم إستغلوا ثقة الناس وخانوها .

* موسى عليه السلام عبر ببني إسرائيل البحر .. وهو راض عن كل قطرة عرق بذلها لإنقاذ شعبه .. ولن يحاسبه الله لأن الناس عبدوا العجل بعد عبور البحر .. ولن يقبل موسى قول القائل ( لو تركتهم تحت حكم فرعون لكان أفضل ). 

* إذا كنا نريد الخلاص من هذا المأزق والفساد .. لايجب أن نعود ونشكك في خطواتنا السابقة .. بل علينا ان نكمل للأمام .. لان الطريق الذي سلكناه صحيح صحيح صحيح .. ولابديل لنا عنه . 

* لم يكن لدينا بديل عن هذه الطبقة السياسية .. وكان وجودها في الحكم أفرازاً طبيعياً وأمراً مقبولاً للغاية .. حتى لو تبين بعد ذلك أن عقولهم أضعف من تحمل خمر السلطة والاموال والرئاسة . 

* من يقول بأننا خدعنا وكنا حمقى عام 2005 … لايقول ذلك عن حسن نية .. بل هي رسالة خبيثة الى شباب العشرينات .. لاتتحركوا ولا تفعلوا شيئاً .. إبقوا جميعاً محشورين في تعليقات مواقع التواصل ولاتخرجوا الى ميدان العمل .. لأن من سبقكم إنتهى عمله بنتائج سلبية . 

* كلا .. عملنا تكلل بنجاح عظيم .. وأنا لست راضياً عنه فحسب .. بل مؤمن بهذه اللجان المخلصة والواعية .. وأجد أنها قامت بدورها السياسي بكل صدق .. كما قام شباب العشرينات بدورهم الدفاعي أمام تنظيم داعش .. وفي كلا المواجهتين .. كنا تحت راية واحدة .. راية المرجعية . 

* رأيي المتواضع .. أن خلاصنا اليوم في اعادة تفعيل هكذا لجان .. لتخلق كتلة سياسية بديلة .. لاني كلما تذكرت همة وإخلاص زملائي رحم الله من مضى منهم ووفق من بقي .. أقول أن خلاص العراق بهؤلاء .. الذين يظهرون في الأزمات .. كالجبال الشماء. 

* أما الحمقى الحقيقيون .. فالذي يحددهم هو الإمام علي عليه السلام .. إنهم  الذين لهثوا وراء مصالحهم الخاصة وخانوا ثقة شعبهم .. ووضعوا سمعتهم وتاريخهم الجهادي ضد صدام تحت أقدامهم .. ومدوا يدهم للتحالف من الصداميين مرة أخرى .. فقط لأجل غنيمة الدنيا . 
يقول عليه السلام ( الدنيا غنيمة الحمقى )




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=118783
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 05 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29