• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التحذيرات من تراكم الديون الخارجية على العراق غير واقعية .
                          • الكاتب : محمد رضا عباس .

التحذيرات من تراكم الديون الخارجية على العراق غير واقعية

بين الحين والأخر يخرج علينا " محلل" اقتصادي يلطم وينوح على العراق من مخاطر تراكم الديون الداخلية والخارجية عليه. هذه الديون كما كشفت عنها اللجنة المالية النيابية هي 114.2 مليار دولار عام 2017 , منها 70.3 مليار دولار ديون خارجية وهي لا تعادل نصف الإنتاج المحلي للعراق البالغ 171.49 مليار دولار لنفس العام.

لا احد ينكر ان المواطن بدون ديون يستطيع ان يذهب الى فراشه لينام مرتاح البال ومن دون همومها , وكذلك الدول ذات الوفرة المالية لا تحتاج الى عناء البحث والتوسط والتعهد من اجل الحصول على قروض بفوائد معقولة . ولكن في بعض الأحيان تصبح القروض ضرورة من ضرورات الحياة . معلم مدرسة ابتدائية لا يستطيع شراء او بناء بيت نقدا , اللهم الا له عم يحبه حبا جما او اب رحيم ويحب زوجة ابنه , والا عليه الحج الى اقرب بنك عقاري من اجل الاقتراض و دفع قيمة البيت . بذهاب المعلم الى البنك العقاري ليقترض من اجل بناء او شراء بيت له يكون هذا المعلم قد طبق مبدأ اقتصادي مهم وهو  مبدئ  المنفعة . المعلم رأى ان شراء البيت الان سيدر عليه منفعة كبيرة في المستقبل , بينما العيش في دار مستأجر سوف يخرج منها حتى بعد عشرين عاما بدون تملك طابوقة منه . وهكذا استخدم المعلم عقله مع قليل من المتاعب , وهو بدلا من دفع ايجار شهري للبيت طيلة حياته , يدفع  قسط بنك العقاري بدله , وبعد دفع القرض بكامله يصبح للمعلم الذكي دارا له و لعائلته.

كان امام الحكومة العراقية خيران عندما انخفضت أسعار النفط في السوق العالمية أعوام 2014 الى 2017, اما الاقتراض الخارجي والداخلي من اجل دفع رواتب واجور مستخدمي الدولة واما وقف دفع اجورهم ورواتبهم او تسريحهم عن العمل . الدولة اختارت  الخيار   الأول ولأسباب كثيرة منها الالتزام الأخلاقي امام شعبها ,حماية الموظف من الفقر والعازة , حفظ هيبة الدولة , و من اجل الاستقرار السياسي. المثل الدارج في العراق هو ان" قطع الاعناق ولا قطع الارزاق", داعش قطع الالاف من اعناق العراقيين , فلا تريد الدولة قطع اعناق اكثر منه.

اختيار الدولة الاقتراض الداخلي او الخارجي ليس محرما، حيث حللته جميع الأديان , والاقتراض ليس عيبا على الدول , لان الدول الصغيرة والكبيرة , الغنية والفقيرة تعتمد على القروض في أوقات الضيقة , والعراق واحدا منهم. نعم , القروض التي اقترضها العراق لم تذهب الى مشاريع استثمارية , وانما اغلبها ذهبت الى الميزانية التشغيلية , ولكن العراق غني في ثرواته وبمجرد ارتفاع أسعار النفط مرة ثانية ( وهذا ما يتوقعه الخبراء ) يستطيع العراق بسهولة دفعها والتخلص من الفوائد عليها .

أتمنى على بعض السياسيين عدم استخدام الديون الخارجية في حملاتهم الانتخابية لتشويه صورة منافسيهم و تخويف الشارع العراقي ,  ان بسبب القروض اصبح كل مواطن عراقي يولد يحمل  5000 دولار على كتفه , وان أموال العراق تهدر بسبب الفوائد على القروض . لان كل الحكومات القادمة ومهما اختلفت عن سابقتها سوف تستخدم القروض من اجل سد العجز في الميزانية، وأحسن مثل على ذلك هو الولايات المتحدة الامريكية. في هذا البلد استخدمت القروض لسد عجز الميزانية من قبل إدارة الديمقراطيين والجمهوريين على حدا سواء، ولهذا السبب لا تستخدم قضية الديون الحكومية في هذا البلد ذريعة من اجل التسقيط السياسي . وفي العراق ، ان جاء الى راس السلطة سياسي من اتحاد القوى او الائتلاف الوطني او الائتلاف الكردستاني , فان الاعتماد على القروض سيستمر اذا بقية أسعار النفط منخفضة . ان وقت الفائض المالي الذي شاهدته الدول المصدرة للنفط في سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي قد ذهبت، وستكون الدول المصدرة للنفط  محظوظة  اذا استطاعوا تغطية ميزانياتهم السنوية من بيع النفط بدون عجز وبدون ديون. العالم قد تغير.  

ولكن هل ان القروض الداخلية والخارجية حالة مضرة للاقتصاد الوطني ؟ الجواب هو لا , القروض الحكومية مفيدة للاقتصاد الوطني ان احسنت الدولة استخدامها . بناء جسر بقرض من احدى البنوك العالمية سيعود بالمنفعة على البلد اكثر من الفائدة على القرض مهما بلغت نسبته. وانشاء سدة ماء في الجنوب العراقي يحفظ فيه السيول المائية القادمة من هضبات وجبال ايران المحاذية لمحافظة الكوت والناصرية بقرض من دولة او بنك دولي او من البنك الإسلامي له منفعة للاقتصاد الوطني والى المحافظات الجنوبية تفوق كلفة القروض.

الشرط الرئيسي من اجل ان تكون القروض نافعة هو استخدامها في المشاريع الاستثمارية، لا كمصارف تشغيلية ( أجور , سيارات للمسؤولين , سفرات المسؤولين , واثاث مذهب بماء الذهب ) لان هذه المصاريف تنتهي منافعها في يوم صرفها , على العكس من المصاريف الاستثمارية والتي تمتد منافعها لسنوات طوال في المستقبل . كما ويجب ان لا يكون الاقتراض عادة تمارسها الحكومات من اجل الصرف على المشاريع تستخدمها كدعاية انتخابية، لان القروض لها تاريخ استحقاق وان تخلف الدول من دفع القروض بموعدها المحدد يسيء الى سمعتها المالية و قد تأثر سلبا على مستقبل الاستثمارات الأجنبية فيها. 

وعليه، في المرة القادمة عندما تقرأ تصريح لاحد " المحللين الاقتصاديين" وهو يصرخ ويتباكى على العراق ويدعي ان العراق على حافة الإفلاس وانه سيضطر ببيع أراضيه للأجنبي من اجل سداد ديونه او رهن نفطه او تخفيض قيمة الدينار، اضحك ولا تصدق، لان مثل هذه التصريحات مدفوعة الثمن. الاقتصاد الوطني بخير، ديون العراق ليست كبيرة جدا، وان الفوائد السنوية التي يدفعها لا تزيد على منفعة القروض , وان أسعار النفط في الأسواق العالمية اخذت تتصاعد وأصبحت الان ما يقارب 70 دولارا للبرميل الواحد . أي أصبح سهلا على العراق دفع جميع الديون المستحقة عليه دون العناء الى تمديد موعد استحقاقها.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=117700
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 04 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19