• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تحديد الطلب على مشاريع البنى التحتية في العراق .
                          • الكاتب : محمد رضا عباس .

تحديد الطلب على مشاريع البنى التحتية في العراق

 ولى زمن كان يقرر سيادة الرئيس ليلا وينفذ قراره صباحا خوفا لا حبا . الدولة المحترمة لا يمكن ادارتها من قبل فردا واحدا او مؤسسة واحدة، وانما من مجموعة من المؤسسات دستورية. وان ما جري من خلافات ومشاجرات وانسحابات  بين نواب الشعب في مجلس البرلمان العراقي حول تخصيصات الميزانية الاتحادية لعام 2018, هو شيء طبيعي في النظم الديمقراطية الصادقة. لان حجم الميزانية يتحدد بقدرة الاقتصاد الوطني على الإنتاج , ومع هذا فان الطلب على ميزانية الدولة من العادة يكون اعلى من حجمها , لان كل حزب يريد الحصة الأكبر منها , ومن هنا تبدء الخلافات والمطالبات وحتى الضرب بالكراسي بين ممثلي الشعب في البرلمان . 
ان المهم في موضوع الميزانية الحكومية هو ليس حجمها , وانما كيفية صرفها من اجل نقل البلد الى حالة احسن.  استخدام نسبة كبيرة من الميزانية على البضائع الاستهلاكية يترك نسبة صغيرة للصرف على المشاريع الاستثمارية , وبالتالي , فان في مثل هذه الحالة يجب ان يقبل البلد بنمو اقتصادي بطيء. بالمقابل، فان صرف  نسبة كبيرة من الميزانية للاستثمار وقليل للاستهلاك , سيترك البلد يتمتع بنمو اقتصادي مستقبلي اكبر. 
قضية المفاضلة بين الصرف على المواد الاستهلاكية ( ملابس تركية واحذية إيطالية وجبن سويسري ولحم هندي) , والصرف على المواد الرأسمالية ( طريق عام , بناء معمل للغزل والنسيج, تأسيس مزارع لتربية الماشية, و تأسيس شركة لصنع الملابس, بناء جسر على نهر ) , قضية مهمة للمجتمع , واكثر أهمية للدولة , التي يطالب شعبها في تحقيق نمو اقتصادي يؤمن لهم مستقبل افضل . وعليه , تصبح وظيفة الدولة هو اختيار المشروع الخدمي الذي يتوقع منه اعلى المنافع . طريقة اختيار  المشروع الخدمي الأفضل يتم عن طريق  المفاضلة بين بناء جسر إضافي في مدينة بغداد او في مدينة الموصل , بين بناء جسر و طريق عام جديد يربط الديوانية بالنجف, حفر ابار ماء للتغلب على شحة المياه او بناء خزان مائي في مندلي, صرف مليار دولار على أجهزة عسكرية جديدة او صرف هذا المبلغ على تأسيس مراعي جديدة من اجل تشجيع التربية الحيوانية , والذي اصبح العراق يعتمد بشكل خطير على اللحوم المستوردة. 
المفاضلة بين الاستثمارات في القطاع الخاص ليس صعبا , وكل ما يحتاجه المحلل الاقتصادي هو احتساب كلفة الإنتاج وقيمة المبيعات المتوقعة للوصول الى الربح . على سبيل المثال , لو افترضنا ان الكلفة السنوية لمطعم من الحجم المتوسط في بغداد هو 250 الف دولار , وان مبيعات هذا المطعم السنوية هو 350   الف دولار, فان ربح صاحب هذا المطعم هو 100 الف دولار. ولكن احتساب العائد من المشاريع الخدمية الحكومية ليس سهلا . على سبيل المثال, كيف تستطيع الدولة احتساب منافع تأسيس مركز شرطة جديد في مدينة الكاظمية , وهي لا تدري عن عدد الجرائم التي يستطيع مركز الشرطة منع حدوثها وحجم اثارها الاقتصادية في المستقبل . هذه هي المشكلة الرئيسية في موضوع المفاضلة بين المشاريع الخدمية الحكومية , هو تحديد المنافع المتوقع منها.
ولكن الكل يتفق على ان المصاريف على المشاريع الخدمية الحكومية مهمة للتنمية الاقتصادية . بناء طريق بمواصفات متقدمة بين بغداد والبصرة سوف يقلل كلفة الشحن , ويقلل من عدد حوادث الطرق , ويشجع المستثمرين بتأسيس مشاريع اقتصادية إضافية لخدمة المسافرين وسيارات الشحن. بناء سد مائي جديد يحمي المياه من التسرب , يلطف الجو , ويضمن سقي المزروعات في وقت الشحة , وبالتالي يقلل من استيراد المنتوجات الزراعية من الخارج. وانشاء مطار مدني في كل محافظة , يقلل الكلفة على المسافرين و يختصر الوقت لهم , ويشجع على تأسيس مشاريع اقتصادية حولها( فندق, مطاعم, شركات نقل, محطة وقود سيارات , و محلات بيع الهدايا).  
بعض الشروط التي تحدد حجم المصاريف على المشاريع الخدمية الحكومية :
1.    حجم رأسمال للفرد الواحد والتطور التكنلوجي. ازدياد عدد المركبات بكل أنواعها , يتطلب المزيد من الشوارع الرئيسية والفرعية. ارتفاع المستوى الثقافي للسكان , يحتاج المزيد من بناء المدارس والمستشفيات , وزيادة استخدام الانترنيت يدعو الى تأسيس خطوط اتصال متقدمة .
2.    حجم السكان . زيادة العدد السكاني سيحتاج بناء الكثير من المستشفيات , المدارس, مراكز شرطة, محاكم , شبكة مياه, شبكة مجاري, شبكة طاقة كهربائية, طرق وجسور, ومشارع كثيرة أخرى.
3.    كلفة المشروع. ارتفاع كلفة بناء مستشفى من 400 سرير مع شحة في حجم الميزانية الحكومية , سوف يؤدي الى بناء مستشفى اصغر , وبناء اقل عدد من الجسور والقناطر, وقليل من الطرق  التي تربط المدن داخل المحافظات والطرق التي تربط المحافظات. 
اما على نطاق المحافظات , فان الصرف على المشاريع العامة سيكون هناك أسباب إضافية والتي تشمل:
1.    حجم الميزانية. حجم ميزانية كل محافظة يتحدد بحجم سكانها ,حسب قرار رئيس مجلس الوزراء واتفاق الكتل السياسية , وعليه فان محافظة المثنى , ذات الكثافة السكانية القليلة , سوف لن تستطع تمويل مشاريع كبيرة بدون مساعدة الحكومة الاتحادية . وطالما وان الحكومة الاتحادية نفسها تعاني من شحة الموارد المالية , فانه سيكون من الصعب على محافظة المثنى المطالبة بتخصيصات اكثر من حصتها المالية .
2.    صافي المنفعة من المشاريع العامة. المشروع سيكون اقتصاديا اذا كانت منفعته المتوقعة تزيد كلفته . وعلى الرغم ان كلفة المشروع العام من السهل احتسابه , الا ان هناك كلف أخرى قد لا يستطيع قادة المحافظات التنبؤ بها  , مثل الخلافات العشائرية , تهديدات عصابات الجريمة المنظمة , و فساد الدوائر المرتبطة بالمشروع.
3.    مشروع خدمي عام , يصبح أيضا اقتصاديا اذا كانت نسبة العائد منه تزيد من نسبة الفائدة المتوقعة  من مشروع منافس له  . المنافع من المشاريع العامة تتراوح ما بين كبيرة جدا ( تأسيس طريق عام يربط محافظتين) , الى نفع  سالب ( مشاريع حكومية غير نافع الا انه تأسس من اجل كسب ود شيخ عشيرة ). وعليه على الدولة في مثل هذه الحالة تفضيل المفضل على الأفضل . صرف نصف مليون دولار لتأسيس مركز شرطة في احد نواحي محافظة ميسان , قد يكون مكلف جدا للحكومة المحلية , وقد يكون صرف هذا المبلغ على فتح جداول ماء جديدة لسقي المزروعات وتامين مورد مالي للمزارعين اكثر اقتصاديا . الا ان في مثل هذه الحالة صرف نصف مليون دولار لبناء مخفر للشرطة اكثر اقتصاديا في الأمد الطويل , خاصة وان في محافظة ميسان عشائر تتقاتل فيما بينها بالأسلحة المتوسطة والثقيلة بسبب لعبة كرة قدم.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=117586
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 04 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29